رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

السودان والعودة إلى الوراء

بوابة الوفد الإلكترونية

في يوليو الماضي، انفصل إقليم جنوب السودان واستقل عن شماله. وبسرعة قياسية قوامها بضعة أيام، تمكنت الدولة الوليدة من اللحاق بركب قدماء الاستقلال، بأن حازت على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة. وعندما يقاس هذا الإنجاز من حيث الشكل والمحتوى بالحالة الفلسطينية، التي تكافح منذ نحو قرن لأجل التحرر من استعمار ظاهر لا شية فيه، بحسب قوانين السماء والأرض، يصح القول بأن عالمنا لم يفرغ بعد من المعجزات والخوارق وانعدام المعايير.

بناء على هذه المعجزة، فإن الأحرى بالصدقية، هو الاعتقاد بأن بعض شياطين الدول، من الخبثاء الطامعين في ثروات بعض الأمم والأقاليم، يحيكون في عواصمهم ما شاءت لهم مصالحهم من مخططات على الورق والخرائط، ثم يدفعون بها إلى حيز التطبيق ويحولونها إلى حقائق ملموسة على الأرض. ولا يزعمن أحد في هذا السياق، أن دولة جنوب السودان لم تكن في فكرتها الغائرة وأصلها وفصلها وبنوتها، بعيدة عن صناعة هؤلاء الشياطين؛ أصحاب الأهواء العابرة للقارات والدول، المتصارعة أو حتى المتصالحة، على موارد الدولة الجديدة، ولا سيما النفطية منها.
المهم.. ما الذي جرى في غضون نصف العام الأول من عمر هذه الدولة؟ وبالتحديد؛ كيف يبدو المشهد بين دولتي السودان بصورة عامة، وداخل جنوب السودان خاصة؟ هل كفكف الجنوبيون دموعهم ولملموا شعثهم وداووا جراحهم؟ أولئك الذين قيل إنهم عانوا من قهر الشمال وتهميشه وإفقاره لهم مطولا، وأنه حان لهم أن يتفيأوا ظلال الراحة والطمأنينة والرفاه، بعد الانفصال والاستقلال.. هل استقر بهم الحال وتم وضع السلاح وأوزار الحرب الأهلية من حولهم جانبا، وصاروا أكثر أمنا واستقرارا؟
رب قائل إن الفترة المنقضية من عمر هذه الدولة، لا تبدو كافية لإصدار أحكام وتقديرات حول مآلات البلاد والعباد هناك.. فهل لنا أو لأي متابع للمعطيات الحالية ومؤشراتها، أن يقطع بأن أمور جنوب السودان تجري، بعد مفارقته للشمال، في اتجاه يدعو للتفاؤل بمستقبل أكثر إشراقا؟..
ترى من أين يتأتى التفاؤل في ضوء:
* أن كل الملفات الخلافية التقليدية في زمن الوحدة، ما زالت عالقة إلى اليوم ولم يتم التوافق على أي منها، رغم جولات التفاوض التي تتردد بوساطة إفريقية رفيعة المستوى.
* أن أكثر الملفات أهمية وسخونة، يتعلق بمصير الثروة النفطية المكنونة والمستخرجة على تخوم الدولتين، وخاصة في رحاب الجنوب. ويحاول بعض القوى، التي شجعت سابقا حدوث الانفصال، حرمان السودان الشمالي من عوائد مرور النفط عبر أراضيه، بعد أن حرمته من السيطرة عليه.. وذلك بتحويل خطوطه إلى كينيا أوجيبوتي.
* سوف يواجه عشر سكان دولة الجنوب مصيرا غائما، وربما كان مظلما، عند تطبيق قرار الخرطوم بمعاملتهم كأجانب، بدءا من إبريل المقبل. ولنا أن نتخيل حجم المعاناة التي سيواجهها نحو ثمانمئة ألف جنوبي، سيتحولون من مواطنين أقحاح في سودان الأمس القريب، إلى غرباء ورعايا دولة أجنبية؛ ليست على وفاق مع الدولة المضيفة لهم!..
* أن دولة الجنوب أعلنت الاستنفار العسكري الشامل في مستهل فبراير الجاري، وراحت تنشر قواتها على حدودها الشمالية،

استعدادا للدفاع عما تصفه بمساعي الخرطوم لإعادة ضم الجنوب بالقوة! هذا في حين تتهم الخرطوم دولة الجنوب بالقتال الفعلي ضدها، إلى جانب المتمردين في ولايتي النيل الأزرق وكردفان. وقد تعزز هذا الاتهام بذكر أسماء قادة الجنوب ورتبهم العسكرية، الذين يتولون كِبْر هذا القتال.
* أن عواصم الغرب تتحدث عن قيام الخرطوم بشراء أسلحة ومعدات عسكرية من روسيا والصين، وذلك على سبيل الجهوزية لشن حرب على دولة الجنوب.
* على خلفية هذا الاحتقان وقعقعة السلاح، المثيران لمظنة وقوع حرب شاملة بين دولتي ما بعد التقسيم، قال بان كي مون أمين عام الأمم المتحدة، في الأول من فبراير الجاري، إن الوضع بين هاتين الدولتين خطير ومعقد بشكل متزايد. وبعد أن وقع الجانبان اتفاقا لعدم الاعتداء في العاشر من الشهر ذاته، راحا يتبادلان الاتهامات بخرقه قبل أن يجف حبره.
كل المعطيات تؤكد صحة تقدير كي مون، فالعلاقات بين السودانين زادت تعقيدا وخطورة، والسؤال هنا؛ أين مفاجآت الاستقلال ووعوده؟.. ما معنى انفصال أي إقليم عن أية دولة ما لم يأت لذلك الإقليم وناسه بما يطعمهم من جوع ويؤمنهم من خوف؟
الدعوات الانفصالية ليست سواء من حيث دوافعها وتأثيراتها وعواقبها؛ فبالنسبة لبعض الدول ذات التمايز الداخلي في البنى الاجتماعية والاقتصادية والعرقية واللغوية والدينية والطائفية.. قد لا يكون التقسيم والتجزئة هما الحل الأمثل للإشكالات الموصولة بهذه الوضعية، هذا وإلا باتت دولة جنوب السودان، ابنة البارحة، معرضة بدورها للانشطار إلى دويلات أصغر حجما، فهي حبلى بتمايزات داخلية من القماشة ذاتها التي كانت عليها أحوال سودان ما قبل التقسيم.
لقد كان آباء الاستقلال الأفارقة على وعي بهذه الحقيقة بالنسبة لمجتمعات قارتهم برمتها، وعليه ثبتوا في مواثيق منظمة الوحدة الإفريقية، عند تأسيسها قبل أكثر من خمسين عاما، مبدأ عدم جواز تغيير الحدود القائمة، ولم يأمنوا لإطلاق فكرة التقسيم والتجزئة، بناء على مشاهد يعلمون أنها قد تنتهي بقارتهم السمراء إلى ألف دولة ودولة!

نقلا عن صحيفة البيان الاماراتية