مصر وأمريكا وحسابات لا تنتهي
يبدو أن التوتر وصل إلى مداه بين المجلس العسكري المصري والإدارة الأمريكية، ومباشرة تفرض عشرات الأسئلة نفسها إزاء هذا التطور أو التدهور غير المسبوق في العلاقة بين الطرفين.
أو بوضوح أكثر بين الولايات المتحدة والسلطة الحاكمة في مصر منذ ما يزيد على أربعة عقود، وبالتحديد منذ أن أعاد الرئيس المصري السابق أنور السادات هذه العلاقات وطورها من العداوة التي استحكمت بين البلدين إثر التورط الأمريكي الأكيد في عدوان يونيو/ حزيران 1967 إلى التحالف والشراكة الاستراتيجية عبر العديد من الأطر التي كان من أهمها وأبرزها بالقطع معاهدة السلام المصرية “الإسرائيلية” التي جعلت من الكيان الصهيوني طرفاً مباشراً، وربما حاكماً، لهذه العلاقة التي التزم بها حسني مبارك ونظامه وجعلت منه “كنزاً استراتيجياً” لهذا الكيان بشهادة كبار قادته .
أول هذه الأسئلة بالطبع هو سؤال إلى أين تسير هذه الأزمة وضمن أية مساومات؟ لكن إجابة هذا السؤال ترتكز على إجابة سؤال آخر وأسئلة عديدة فرعية . هذا السؤال هو ماذا تريد أمريكا من مصر، ومصر التي نعنيها هي مصر الثورة . بمعنى أي مصر تريدها أمريكا في مرحلة ما بعد مبارك؟ وهل في مقدور أمريكا أن تفرض مصر هذه؟ وما أدوات الفعل الأمريكي داخل مصر؟ وما موقف المجلس العسكري المصري من هذا كله، بمعنى ما نقاط الصدام التي فجرت الأزمة بين الطرفين إلى الحد الذي دفع الدكتورة فايزة أبوالنجا وزيرة الدولة للتعاون الدولي لتوجيه اتهام مباشر للإدارة الأمريكية بالسعي لاحتواء ثورة 25 يناير المصرية في اتجاه المصالح الأمريكية و”الإسرائيلية” .
وأكدت أن الهدف الأمريكي من التمويل المباشر للمنظمات خلال الفترة من 2005-2010 كان الضغط على النظام السابق بدرجة محسوبة لا تصل إلى حد إسقاطه لترسيخ خضوعه لها، لكنها استخدمت التمويل بعد الثورة من أجل العمل على إيجاد حالة من الفوضى لإجهاض امتلاك مصر فرصة تاريخية حقيقية للنهوض تمكنها من إعادة امتلاك مكانتها إقليمياً ودولياً .
في الوقت نفسه كشف مصدر قضائي أن التحقيقات في قضية التمويل الأجنبي المنظورة الآن أمام القضاء كشفت أن منظمات أمريكية وهي: المعهد الوطني الديمقراطي، والمعهد الجمهوري الدولي، ومؤسسة فريدوم هاوس، والمركز الدولي الأمريكي للصحافيين تلقوا 50 مليون دولار أمريكي ثبت صرفها في أنشطة سياسية، وأن منظمات أهلية مصرية تلقت أموالاً بلغت 200 مليون دولار وفق شهادة الوزيرة أبو النجا صرف جزء منها في أنشطة تنموية وعقد دورات تدريب في مختلف المجالات، بينما لم يتم تحديد كيفية صرف الجزء الباقي المقدر ب 140 مليون دولار، وكشف المصدر أيضاً أن التحقيقات أثبتت وجود تحويلات مالية من أمريكا على حسابات أشخاص بالمنظمات الأجنبية والمصرية من خلال إحدى شركات التحويلات العالمية أو بطاقات ائتمان خاصة بالعاملين ومتصلة مباشرة بحساباتهم، وأن منظمات وجمعيات مصرية حصلت على أموال أمريكية لرصد العلاقة بين المسلمين والمسيحيين داخل مصر وتتبع مواقع القوات المسلحة، وتحركات الجيش في الميادين والشوارع العامة .
هذه الاتهامات المصرية للولايات المتحدة باستخدام الأموال لاختراق الثورة المصرية هي الجزء اليسير من الأزمة في ملف التحالف والشراكة الاستراتيجية الذي دفع بالكيان الصهيوني كطرف مباشر في هذه العلاقة التي وضعت مصر ضمن قيود حديدية لعلاقة تبعية مزمنة منذ أن تغلغلت إلى عمق أحشاء المجتمع والنظام في مصر ابتداء من منتصف عقد السبعينات .
فالتبعية، التي أضحت التعبير العصري للاستعمار الجديد، تبدأ عادة بالمعونة الأجنبية التي تهدف إلى
حدث هذا كله في مصر عبر العقود الأربعة الماضية، وتحولت مصر إلى كيان رخو تابع لأمريكا وحليف للكيان الصهيوني منقطع الصلة والولاء لأمته، لكن توجيه المعونات تجاوز في السنوات الأخيرة الدولة إلى المنظمات والأفراد بكثافة، خاصة بعد تفجر ثورة 25 يناير من أجل الانحراف ببوصلة الثورة والاتجاه بها نحو تأصيل علاقة تبعية جديدة مع الولايات المتحدة .
إلى متى سوف يستمر هذا التخريب الأمريكي، وهل يملك المجلس الأعلى للقوات المسلحة القدرة على التصدي، وماذا عن الحكم الجديد القادم، هل سيكون داعياً للتحرر والاستقلال الوطني، أم خاضعاً للتبعية مجدداً؟ أسئلة مهمة سوف تحكم مستقبلاً مسار العلاقات المصرية “الإسرائيلية” .
نقلا عن صحيفة الخليج الاماراتية