عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خواطر من داخل برلمان الثورة

أ. د. سليمان صالح
أ. د. سليمان صالح

وأنا أدخل إلى قاعة برلمان الثورة قررت أن أكتب لقراء الشرق بعض الجوانب التي لا تنشرها الصحف أو تبثها قنوات التلفزيون.

وبرغم أن ظروفي لم تعد تسمح بأن أكتب هذا المقال أسبوعياً إلا أنني أصر على أن أستمر في الكتابة لجريدة الشرق لأنها الجريدة الوحيدة التي فتحت لي صفحاتها في الوقت الذي كنت لا أجد فيه صحيفة تنشر مقالاتي في مصر، لذلك أعترف بفضل جريدة الشرق، وأنها لم تمنع لي يوماً مقالاً، وأعطتني الحرية لأكتب ما أريد.
قبل الجلسة الأولى للبرلمان سعدت بلقاء الأستاذ فريد عبدالخالق في احتفائية الشيخ فتحي الخولي رحمه الله، فقال لي إننا عندما نفرح بالنصر نسبح الله ونستغفره، هذا هو أسلوبنا في التعبير عن الفرح، ومن الواضح أن الأستاذ قد شعر أنني أحتاج إلى أن يذكرني بذلك، ربما لأنني بدأت أشعر بالفخر بالتجربة المصرية في الانتخابات، وبأن مصر يمكن أن تكون واحة الديمقراطية في العالم كله، وأنها يمكن أن تقدم للعالم نموذجاً جديداً للديمقراطية يكون وسيلة لتحرير الوطن والمواطنين.
لكننا ونحن نبني هذا النموذج المتميز لابد أن نسبح بحمد ربنا ونستغفره فهو وحده سبحانه الذي نصر عباده في مصر، وأذل الطغاة المستبدين. اللهم لك الحمد فها نحن ندخل إلى قاعة البرلمان بعد أن فزنا في انتخابات يشهد العالم بأنها حرة ونزيهة.
كان مجموعة من النواب يداعبون زميلاً لهم جلس في المقعد الذي كان مخصصاً لزكريا عزمي، وتقبل الرجل الدعابات بروح الفكاهة المصرية. لقد ذهب زكريا عزمي إلى سجن طرة مع كل رموز النظام الفاسد ليقيم في زنزانة شهدت قبله الكثير من الإخوان المسلمين الذين عانوا الظلم والاضطهاد منذ عام 1954 لأنهم وقفوا في وجه الطغيان، وأبوا أن يخضعوا له، وسبحان الله المعز المذل، اللهم ارزقنا أن نشكرك على نعمك.
تجولت عيناي في القاعة فلم أجد أحداً من النواب يتميز بالأناقة المفرطة مثل نواب الحزب الوطني.. اختفت من القاعة رابطات العنق الفرنسية المصنوعة من الحرير الفاخر لتحل محلها رابطات عنق رخيصة الثمن معظمها تم شراؤه من العتبة، ومصنوعة من ألياف صناعية لا يزيد ثمنها عن جنيهات معدودة، وربما لو جمعتها لا تكفي لشراء رابطة عنق كان يرتديها أحد نواب الوطني السابقين، وأين ذلك الحزام الشهير المصنوع من الجلد الفاخر الذي كان يرتديه أحمد عز؟! وابتسمت عندما رأيت أحد النواب لم يكن يرتدي حزاماً أصلاً ولن أخبركم باسمه، والله يسترنا جميعاً.
نواب برلمان الثورة يختلفون تماماً عن نواب الحزب الوطني. لأنهم جاءوا من قلب شعب مصر، ويحملون همومه وآماله، لقد اختفى من القاعة أباطرة المال والأعمال وحل محلهم نواب يعانون مثل شعب مصر.
ولقد فوجئ هؤلاء النواب بأن مطعم المجلس مغلق، وكان الطعام المتاح فقط هو سندوتشات الجبن والحلاوة الطحينية.
رضي بعض النواب بالأمر الواقع، وتناولوا غذاءهم الفاخر، بينما تمرد الكثير من النواب وأنا منهم على هذا الطعام فأنا لا أحب الجبن والحلاوة.
ولكن مرت الساعات وتوالت الجلسات

وشعرت بآلام الجوع، فقررت أن أخضع لأحكام الضرورات، وذهبت لشراء السندوتشات ففوجئت بأنها قد نفدت، ولم تكن هناك إمكانية للحصول على أي طعام.
وتوالت الجلسات حتى العاشرة مساء، وفي طريق العودة إلى المنزل في 6 أكتوبر كانت آلام الجوع تشتد، وعندما وصلت بعد منتصف الليل أخبرتني زوجتي بأنه لا يوجد سوى بعض الكشري، فأكلت وحمدت الله على كل نعمه، وفي اليوم التالي حرصت على أن أذهب بعد الجلسة الثانية مباشرة لشراء سندوتشين من الجبن قبل أن تنفد السندوتشات، فقلد تعلمت درساً قاسياً من اليوم السابق.
ولقد اختار برلمان الثورة الدكتور محمد سعد الكتاتني رئيساً له، كان هذا الاختيار طبيعياً ويتناسب مع وظيفة هذا البرلمان وأهميته، فالرجل يتميز بالعلم والخبرة والتجربة البرلمانية والهدوء وفي خلال الجلسات ظهر أنه يتميز بالحزم أيضاً.
لقد اخترنا واحداً منا ليرأسنا، وكل النواب من كل الاتجاهات يجمعون على احترامه.. إنه قادر على أن يدير برلمان الثورة بحكمة وكفاءة.
لكن الرجل كان يعطي الكلمة لممثلي كل الأحزاب والاتجاهات السياسية المختلفة، ولم نحصل نحن نواب حزب الحرية والعدالة على حقنا من الكلام، لكننا مع ذلك التزمنا بكل القيم البرلمانية، ولم نحاول أن ننتزع الكلمة كما فعل غيرنا.
وأنا طلبت الكلمة قبل الجلسة بيوم كامل، ولم أحصل على فرصتي، لقد أردت أن أقول إن تكريم شهداء الثورة هو حل لكل مصر وشعبها، ولقد كنا معاً في ميدان التحرير ففازوا هم بالشهادة وفزنا نحن بثقة شعبنا لنجلس اليوم في قاعة البرلمان، لذلك لابد أن نكافح لتحقيق كل أهداف الثورة ولنحقق النهضة لكي يجمعنا الله بهم في الجنة.
وفاء لدماء شهدائنا لابد أن نحمي حريات المواطنين وحقوقهم وأن نحمي استقلال مصر ومكانتها في العالم وأن نصلح التعليم والإعلام. وأن نحقق الحرية والعدالة، وأن نضع نهاية لعصر الاستبداد والاستعمار.
أردت أن أقول لشهداء ثورتنا إن دمكم الزكي سيضيء حياة شعوب العالم كله بنور الحرية والعدالة.
نقلا عن صحيفة الشرق القطرية