رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حوار بين شاب ثوري ومواطن شريف

كان المواطن الشريف جالسا كعادته بعد صلاة المغرب في المقهى وقد ارتدى جلبابه المريح. راح ينفث دخان الشيشة باستمتاع ويرشف من كوب الشاي بالنعناع. فجأة وجد أمامه شابا يرتدي بنطلون «جينز» و«بلوفر» ويضع الكوفية الفلسطينية. ابتسم الشاب وناوله ورقة وقال:

ـ أدعوك يا حاج الى التظاهر السلمي يوم 25 يناير حتى تتحقق أهداف الثورة.
ألقى المواطن الشريف بالورقة على المنضدة وصاح بانفعال:
ـ يا أخي حرام عليكم.. كفاية بقى توليع في البلد. أنتم عاوزين ايه..؟
السياحة وقفت. عجلة الانتاج اتعطلت. خربتم البلد الله يخرب بيوتكم.
ابتسم الشاب فبدا كأنه معتاد على هذه الاتهامات وقال:
ـ بدل ما تشتمني ممكن نتناقش بهدوء؟
قال المواطن الشريف:
ـ اتفضل بس عاوز أقولك كلمة. لن أسمح لك أبدا باهانة الجيش المصري خير أجناد الأرض.
ـ الجيش المصري ملك الشعب. كل بيت في مصر فيه ضابط أو عسكري. أنا عمي ضابط وابن خالي ضابط. أنا أحب الجيش وأحترمه زيك بالضبط. لكني أعترض على قرارات المجلس العسكري.
هز المواطن الشريف كتفيه وقال:
ـ انت بتستعبط؟ المجلس العسكري هو قيادة الجيش لو اعترضت عليه يبقى أنت بتسيء للجيش.
ـ أنا لا أعترض على الجيش ولا أسيء اليه أبدا. المجلس العسكري يمارس دور رئيس الجمهورية. يبقى من حقي أعترض على أدائه السياسي.
قال المواطن الشريف:
ـ اهو ده اللي انتم فالحين فيه. الكلام الكبير اللي ما حدش يفهمه.
قال الشاب بهدوء:
ـ اسمع يا حاج.. نفترض ان أسنانك وجعتك ورحت تتعالج عند دكتور أسنان هو نفسه ضابط في الجيش. لو الدكتور ده كسر لك ضرسك وبهدل بقك مش يبقى من حقك تروح لدكتور تاني.
ـ طبعا
ـ لما تسيب الدكتور ده يبقى انت بتسيء للجيش؟
ـ لا طبعا.. ما للجيش وما لأسناني؟
ـ اهو ده نفس المنطق بتاعنا.. احنا بنعترض على الدور السياسي للمجلس العسكري ولا نعترض أبدا على الجيش نفسه.
جذب المواطن الشريف نفسا عميقا من الشيشة وقال بهدوء:
ـ يا بني أنتم عاوزين ايه بالضبط .مش حسني مبارك انخلع وبيتحاكم؟
ـ خلع مبارك لوحده ما يعملش تغيير. مبارك كان ممكن يموت أو يحصل عليه انقلاب. الأهم من مبارك تغيير النظام نفسه. هدف الثورة ان بلدنا تبقى دولة محترمة، وان المصري ياخد حقوقه ويبقى عنده كرامة ..
ـ والكلام ده لسه ماحصلش؟
ـ لا طبعا. نظام مبارك زي ما هو. ما فيش حاجة تغيرت. قيادات الشرطة هي هي.. اللى قتلوا المتظاهرين لغاية دلوقت ما فيش واحد منهم اتحاكم بجد. القضاة اللي زوروا الانتخابات أيام مبارك لسه في مناصبهم. جهاز أمن الدولة زي ما هو
ـ.. ما يمكن التغيير ييجي شويه شويه..
ـ احنا بقى لنا سنة وما حصلش أي تغيير.
ـ طيب مش احنا انتخبنا مجلس شعب عشان يتكلم باسمنا
ـ انتخابات مجلس الشعب لم تكن مزورة لكنها لم تكن نزيهة.
ـ ليه؟
ـ الأسباب كثيرة.. المادة الرابعة من الاعلان الدستوري بتقول:
« ممنوع تكوين ممارسة أي نشاط سياسي أو تكوين أحزاب سياسية على أساس ديني».
قل لي يا حاج.. هم الاخوان والسلفيين أحزاب دينية ولا مش دينية؟
ـ طبعا أحزاب دينية أمال احنا انتخبناهم ليه؟ عشان ناس صالحين وبتوع ربنا.
ـ المجلس العسكري خالف الاعلان الدستوري اللي عمله وتحالف مع الاخوان والسلفيين وترك لهم الفرصة لكي يرتكبوا كل المخالفات في الانتخابات من غير ما يعمل لهم حاجة.
ـ يعنى بذمتك الاخوان مكانوش حيكسبوا في كل الأحوال؟
ـ طبعا الاخوان كانوا هيجيبوا نتيجة كويسة لأن لهم شعبية لكن الانتخابات كانت معمولة عشان الاخوان والسلفيين ياخدوا الأغلبية.
ـ اسمع بقه.. انا اتخنقت منك بجد.. ما فيش حاجة عاجباك.. يعني نعمل ايه في مجلس الشعب.. نقاطعه هو كمان؟
ـ من أجل مصلحة مصر لا بد من أن نتعامل مع مجلس الشعب القادم لأنه برغم كل التجاوزات الهيئة الوحيدة المنتخبة.
نظر المواطن الشريف الى الشاب كأنه لا يصدقه وقال:
ـ طيب. عاوز تعمل مظاهرة يوم 25 يناير ليه؟ ما تسيب مجلس الشعب يتصرف.
ـ يا سيدي مجلس الشعب غير مضمون لأنه تشكل في ظل اتفاقات وصفقات، مجلس الشعب ممكن يطالب بأهداف الثورة وممكن يتفق مع المجلس العسكري علينا. عشان كده لازم ملايين الناس تنزل في مظاهرات سلمية يوم 25 يناير عشان تأكد انها متمسكة بتحقيق أهداف الثورة.
ـ مش فاهم.
ـ بص يا حاج.. لو أنت موكل محامي في قضية وأنت مش مطمئن له بتعمل ايه؟
ـ ألغي التوكيل
ـ لو فيه ظروف تمنعك تلغي التوكيل تعمل ايه؟! مش تروح معه المحكمة عشان تتأكد انه يتصرف صح؟
ـ طبعا!
ـ أهو أنا قصدي كده.. لازم نأكد تمسكنا بأهداف الثورة.
ابتسم المواطن الشريف وقال :
ـ لا مؤاخذة يا بني.. الكلام أخذنا.. أنا نسيت أسألك تشرب ايه؟
بدا الامتنان على وجه الشاب وطلب فنجان قهوة مظبوط .قال المواطن الشريف:
ـ اوعى تفتكرني فلول.. والله العظيم أنا مع الثورة...
ـ أمال ليه مش عاوز تدافع عنها؟
ـ أنا خايف بلدي تخرب.. خايف مصر تبقى زي الصومال.. يعنى انت عاجبك حالة البلد دلوقت؟ بلطجة وقلة أدب وفوضى وكساد ووقف حال.
ـ مصر أيام مبارك كانت برضه في الحضيض.. كانت الناس بتموت في طوابير العيش والبوتاغاز.. أنت أكيد فاكر. بالاضافة لأن الثورة ما حكمتش ولا يوم واحد.. المسؤول الوحيد عن تدهور البلد المجلس العسكري اللي بيحكم البلد.. لو كان نفذ أهداف الثورة وغير نظام مبارك ما كانتش الحالة بقت كده.
ـ ازاي؟
ـ نفترض انك ضابط أمن دولة، وبقى لك عشرين

سنة بتعذب في الناس وتهتك أعراضهم.. نفترض انك مسؤول كبير وحرامي.. يبقى مصلحتك انه يحصل تغيير وتيجي حكومة محترمة تقوم تحاكمك على جرائمك، ولاّ مصلحتك انك تعمل فوضى؟
ـ لا طبعا مصلحتي اني أولع البلد.
ـ.. اديك قلت بنفسك.. السبب في كل المشكلات ان المجلس العسكري حافظ على نظام مبارك.
بدت الحيرة على وجه المواطن الشريف وقال بصوت خافت كأنما يحدث نفسه:
ـ والله يا بني الواحد ما بقى عارف الحقيقة فين. أنا لما أشوف التلفزيون أتأكد أنكم مخربين ومجرمين، لكن كلامك بصراحة معقول.. بص.. أنا عندي سؤال محرج شويه؟
ـ اتفضل.
ـ صحيح أنتم بتأخذوا تمويل من أمريكا؟
قهقه الشاب وقال:
ـ يا حاج بقى لو بنأخذ تمويل كانت بتبقى حالتي زي ما أنت شايف.. أنا أصلا مهندس كمبيوتر وبعد الثورة الشركة اللي كنت شغال فيها قفلت. دلوقت بآخد مصروف من أهلي لغاية لما ألاقي شغل ثاني. الحمد لله أنا مش متجوز وحملي خفيف.
ـ أمال ايه موضوع التمويل؟
ـ فيه منظمات بتتلقى تمويل من الخارج لكن التمويل قانوني وبعلم الحكومة.
ـ قانوني يعنى ايه؟ ازاي ناس وطنيين ياخدوا فلوس من الخواجات؟
ـ عندك حق.. أنا ضد التمويل من ناحية المبدأ.. عاوز أقولك ان كل الشباب اللي عملوا الثورة رافضين التمويل وما أخدوش جنيه واحد.
ـ أهو انت كده بتتكلم صح؟
ـ مش بس كده. من حق المواطن انه يعرف مصادر التمويل لأي منظمة تعمل في مصر ..ومن حق المجلس العسكري أنه يفتش عن التمويل ويعلنه.
ـ كفارة.. أخيرا وافقت على حاجة عملها المجلس العسكري؟
ـ طبعا من حق المجلس العسكري انه يراقب تمويل المنظمات الأهلية لكنه للأسف لا يراقب أبدا تمويل الاخوان والسلفيين.
ـ ازاي بقه؟ الاخوان والسلفيين دول ما شاء الله معهم فلوس كثيرة جدا. دول كانوا عندنا هنا بيوزعوا كل حاجة. زيت وسكر وأنابيب بوتاغاز وقماش ولحمة.
ـ طيب مش من حقنا نعرف كل الفلوس دي جايبينها منين؟
ـ من حقنا.. بس ايه الحل دلوقت؟! البلد تنقسم نصفين. انتم في ناحية والمجلس العسكري في ناحية؟
ـ احنا مصممين على تحقيق أهداف الثورة وأولها المحاكمات.
ـ محاكمات مين؟
ـ انت عندك أولاد يا حاج..
ـ عندى شيماء في ثانوية عامة ووليد في اعدادي.
ـ ما حصلش ان حد حاول يعاكس شيماء؟
ـ حصلت مرة واحدة ونزلت عليه كسرته من الضرب.
ـ ضربته ليه؟
ـ اللي يجي جنب أولادي آكله بأسناني. . فتح الشاب حقيبته وبدأ يعرض مجموعة من الصور على المواطن الشريف الذي بدا عليه التأثر وقال:
ـ ايه ده.. يا نهار أسود..ازاي ده يحصل؟
ـ دي بعض الصور للبنات اللي اتسحلوا وأعراضهم انتهكت على يد أفراد الشرطة والجيش.. ده غير اللي استشهدوا واللي عينيهم راحت.. انت ما شفتش الصور دي قبل كده؟
ـ الحقيقة أنا ما بقراش جرائد والصور دي ما جتش في التليفزيون.
ـ تفتكر لما أهل الشهداء والمصابين يطالبوا بمحاكمة اللي قتلوا أولادهم يبقوا غلطانين؟
ـ من حقهم.
ـ طيب، ولما يكون الأفراد اللي قتلوا تبع المجلس العسكري مش المفروض اللي يقوم بالتحقيق هيئة محايدة برئاسة قاض مستقل.
ـ هو ده عدل ربنا.
ـ شيماء ابنتك تستعمل الكمبيوتر؟
ـ طبعا دي شاطرة جدا.
ـ خد السي دي وخليها تفرجيها لك، عشان تعرف احنا ليه بنطالب بمحاكمة اللي قتلوا الشباب وهتكوا أعراض اخواتنا..
تناول الحاج السي دي ووضعها بعناية في جيب الجلباب ثم وقف الشاب وقال:
ـ أشكرك يا حاج على القهوة.
ـ أنا اللي أشكرك.
ـ ممكن تنزل معنا يوم 25 يناير؟
ـ ان شاء الله أنزل معكم.
احتضن الشاب المواطن الشريف ثم صافحه بحرارة ومضى في طريقه..
الديموقراطية هي الحل

نقلا عن صحيفة السفير اللبنانية