عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ضع العنوان المناسب للمقال الآتي

عرفت مصر قبل العالم بآلاف السنين العدل والقانون والقضاء. طبقت المساواة وألغت الفوارق الاجتماعية للجاني والمذنب امام القانون. وكان ذلك من أرقي مظاهر الحضارة المصرية. وعندما كانت «ماعت» تنزع العصابة من فوق عينيها وتميل صنجة الميزان في يديها تنهار الدولة وتضطرب. ولأن القضاة بشر خلقوا من ذات الطينة التي خلق منها «آدم» وولداه «قابيل» «الشرير» و«هابيل» «الطيب»

فلم يسلم بعضهم من وساوس الشيطان وسقطات الإنسان وزلاته وسقطوا في الخطأ والخطيئة.. عرفنا علي مدى التاريخ والعصور عصمة الانبياء وحاول ذلك أولياء الله الصالحون، ولم نعرف عصمة القضاة. تحكي لنا كتب التاريخ أن مصر شهدت محاولة لقلب نظام الحكم واغتيال الملك رمسيس الثالث فيما عرف بمؤامرة الحريم اللائي قبض عليهن وقمن برشوة القضاة الذين وجدوا أنفسهم في قفص الاتهام.. وكان أحد ملوك الفراعنة قد بلغ من الكبر عتيا وعلي علم ودراية بطبائع الناس فأخذ يحذر ابنه من القضاة قائلاً: «انك تعلم انهم غير رحماء عندما يحاكمون الفقير». وفي الفترة بين اعتلاء ذرية «أخناتون» ورمسيس الاول للحكم سادت الاضطرابات وانهارت الاخلاق واعتلي عرش مصر بالنيابة حورنمحب الذى حارب الظلم والفساد بعد أن وجد الجاني يفلت من العقاب بسبب الرشوة ويحكم علي البريء الفقير الذى لا يستطيع شراء الذمم. وأصدر مرسوما ضد المفسدين وقرر ان كل قاض يثبت عليه انه أساء استعمال سلطته يحكم عليه بجدع أنفه وينفي في شبه معتقل في برزخ السويس. وتمر السنون والأيام علي مصر حتي عهد الخليفة هشام بن عبدالملك حيث تولي قضاء مصر يحيي بن ميمون الحضرمي وكان كتبته لا يكتبون قضية إلا برشوة ورفض أن يعزل أحداً منهم رغم التنبيه عليه أكثر من مرة فأمر الخليفة بعزله قائلاً في كتابه للوليد بن رفاعة والي مصر: «اصرف يحيي عما يتولاه من القضاء مذموماً مدحوراً وتخير لقضاء جندك رجلاً عفيفاً ورعاً تقياً سليماً من العيوب لا تأخذه في الله لومة لائم». ولم يكن قضاة مصر زمن العباسيين أحسن حالاً في زمن الأمويين مثل المفضل بن فضالة في عهد الخليفة هارون الرشيد عام 174هـ/790م الذى اشتهر بالبرطلة والقاضي عبدالرحمن العمرى الذي ولي قضاء مصر عام 185هـ/801م. ويروى «الكندى» صاحب كتاب الولاة والقضاة ان إبراهيم بن الجراح الذى تقلد القضاء  قد تعرض لسخط المصريين عليه بسبب حصول ابنه علي الرشاوى من الناس ما جعلهم يلقون بمصلاه خارج المسجد الجامع فاضطر للحكم في منزله ولم يستطع العودة الي الجامع حتي صرف.ويضيف «الكندى» الي هؤلاء القضاة كلا من محمد ابن الحسن بن ابي الشوارب ووصفه بأنه لم يكن محموداً في ولايته ومنسوباً الي الارتشاء في الاحكام. والقاضي محمد الصيرفي الذى يقول عنه

أيضاً انه صاحب رشوة في قضائه ولم يكن بالمحمود. وكذلك الحال في عهد الاخشيديين وكافور وفي العصر الفاطمي شاعت برطلة القضاة ولهذا أمر الحاكم بأمر الله بأن يضاعف للحسين بن النعمان رزقه وصلاته وإقطاعاته حتي يحول بينه وبين أخذ الاموال بغير حق، واشترط عليه ألا يتعرض من أموال الرعية لدرهم فما فوقه. وتفشت البرطلة والبذل أيضاً في زمن الايوبيين. ويزخر عصر المماليك بالعديد من وقائع رشوة القضاة أو بذلهم للمال لتولي مناصبهم. حيث يذكر المؤرخ ابن حجر ان محب الدين نجل القاضي ابن دقيق العيد كان يتلقي المال ممن يسعون في الوظائف عند أبيه. وذكر الرحالة المغربي ابن بطوطة ان فخر الدين بن مسكين برطل بمبلغ ألف دينار علي ولاية قضاء الاسكندرية  وفي زمن السلطان الناصر محمد بن قلاوون انتقد المؤرخ ابن تغرى ولاية قضاء الشرع بالرشوة وتسليم الامور الي غير أهلها واعتبر ذلك إيذاناً ببداية الخراب. وبشيء من المرارة لما أصاب الوظائف الجليلة من التدهور يقول المقريزى: «غير ان الكفاءة غير معتبرة في زماننا». ويسجل ابن اياس ان ثمن ولاية القضاء في الفترة 1506/1515 في عهد قنصوه الغورى بلغ 37 ألف دينار. وكان الاشرف طومانباى هو السلطان المملوكي الوحيد الذى بذل جهوداً يائسة لوقف انتشار الرشوة وإبطال البذل علي الوظائف، ويروى ابن اياس انه حين قام «طومانباى» بتعيين قضاة «الشافعية» و«الحنفية» و«المالكية» و«الحنابلة» لم يأخذ منهم درهماً، وقال لهم: «أنا ما أقبل رشوة في ولاية أحد من القضاة فلا تأخذوا انتوا رشوة من الناس أبداً».. لكنه لم يستمر طويلاً حيث سقطت مصر في يد العثمانيين وتم شنقه علي باب زويلة. الخلاصة ان القضاة في كل عصر وآوان بشر لهم ولمناصبهم كل الاحترام والتوقير دون  تمييز أو عصمة أو قداسة.