رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أحلام ضائعة.. رواية هندية باللغة العربية

طارق النعمان: الرواية تذكر بنضال الشعبين المصرى والهندى ضد المستعمر البريطاني

 

صدرت مؤخراً رواية أحلام ضائعة للدكتور حامد رضا الباحث بجامعة جواهر لا لا نهرو فى نيودلهي. هذه الرواية التى صدرت باللغة العربية من باحث هندى وقدم لها الدكتور طارق النعمان أستاذ النقد الأدبى والبلاغ بكلية الآداب جامعة القاهرة. ويقول الدكتور طارق: ‎لو أن شخصًا آخر غير الصديق العزيز والعالم الجليل الأستاذ الدكتور جلال الحفناوى، أستاذ اللغة الأردية، ورئيس قسم اللغات الشرقية، بكلية الآداب جامعة القاهرة، كان قد طلب منى أن أقوم بمراجعة رواية لشاب هندى مُسْتَعْرِب، لكنتُ على الفور اقترحتُ عليه أحد الشبان الصغار من المُتخصصين فى اللغة العربية، ظنًا منى أننى سأجد لغة رثة، سقيمة وركيكة، وما لا حصر له من الأخطاء من كل نوع وشكل وهو ما يضن به من هو فى سنى وانشغالاتى عليه بوقته، إلا أن ما يحظى به لدى الصديق الحبيب الأستاذ الدكتور جلال الحفناوى من قيمة ومكانة لا يسمح لى قط أن أردَّ له طلبًا مهما كان ومن ثمَّ قبلتُ على الفور، وأنا أتوقع أننى سأجد نصًا ضعيفًا واهنًا، مليئًا بالأخطاء النحوية والإملائية والأسلوبية، بعبارة أخرى، سأجد نصاً بالياً لغوياً، وبالطبع باليًا أيضاً جمالياً وروائياً ما دامت لغته أصلًا بالية ولكننى سأتجشم هذا العناء محبة منى لأخى وصديقى الدكتور جلال، وإذا بى أُصْعق من هول المفاجأة، وإذا بى حقًا إزاء كاتب موهوب، وقدير، ومُمْتلِك، ليس فقط لقواعد اللغة العربية ومُعجمها، وإنما أيضاً لجمالياتها.

وشعريتها مما بهتنى وأذهلنى تمامًا أن يكون هذا النص لكاتب غير عربى، وجعلنى أجلس ساعات متلاحقة لأنهى قراءة هذ النص الشَّائق وأنا لا أبالغ ولا أغالى إذا ما قلتُ إن كثيرين من شباب الروائيين العرب لا ترقى لغتهم ولا يرقى أسلوبهم ولا جماليات كتابتهم الروائية إلى مستوى هذا الكاتب الصاعد الواعد «حامد رضا».

‎ ولا يعود إعجابى بنصه هذا إلى مجرد نصاعة لغته وإحكامها سوء على مستوى سلامتها النحوية واتساقها وتناسقها الأسلوبى، أو على مستوى القدرة على التصوير الأدبى وتشكيل الصور الأدبية العميقة والممتعة واستخدام الاستعارات والتشبيهات بكل هذا اليسر الشديد وكل تلك المرونة والانسيابية اللافتة، وإنما يعود أيضاً إلى عمق الرؤية ومستوى الوعى اللذين تطرحهما الرواية إذ تَجْدِل وتُضفِر وتنسج رواية «أحلام ضائعة» مجموعة من إشكاليات الواقع المعاصر فى الهند وفى العالم العربى والإسلامى، بداية مما يوجد من صدام بين قيم الحداثة وقيم التخلف والرجعية لدى بعض القطاعات الإسلامية المتزمتة والمنغلقة والرافضة لحركة الزمن والتاريخ، وما يثيره الانغلاق الدينى والإثنى على مستوى العلاقات بين الهندوس‎ والمسلمين من مشكلات وحواجز اجتماعية، مرورًا بواحدة من أبرز قضايا وإشكاليات التحرر فى العالم على نحو ما يوجد فى تناوله للقضية الفلسطينية من منظور إنسانى يتجاوز نطاق ما هو قومى أو ما هو دينى بالمعنى الضيق المحدود، فضلا عن تصوير بعض ما يعانيه المهمشون والمُعدمون، أو على حد وصف الرواية ما يعانيه المنبوذون، وما تعانيه الطبقات الدنيا عمومًا فى الهند، إضافة إلى ما يوجد من صدام بين أجيال الأبناء وأجيال الآباء وتراجُع قيم العدالة الاجتماعية وغلبة النوازع الرأرسمالية من خلال تصوير بديع لنضال الحركة الهندية فى «جامعة جواهرلال نهرو» ضد تجريد الطلاب من حقوقهم فى مجانية التعليم.

‎ كل هذا يتم من خلال رحلة «أظهر» العلمية، هذا الطالب الطموح المُتخصص فى دارسة اللغة العربية الذى يسعى من خلال طموحه وضناله ودأبه العلمى وإصراره على الحصول على درجة الدكتواره، إلى أن ينقذ نفسه وأسرته من غياهب وبراثن الفقر، وأن يُعدل من شروط وفرص الحياة له ولذويه، الذى تتحول رحلته هذه من مقاطعة «بهار» إلى «نيو دلهي» لتصبح رحلة وعى بذاته وبطبيعة مجتمعه ومشكلاته كما تسهم

قصة حبه على الرغم مما يصادفه فيها من عوائق فى حفز وعيه وطموحه، فضلًا عما تمثله الصداقة من قيمة إنسانية سامية وحافزة أيضاً داخل الرواية.

كما يعود جزء من تميز هذه الرواية على المستوى الجمالى والفنى إلى تعدد مستويات وأن والصراع فيها، إذ توجد فيها عدة صراعات: صراع بين قيم الحداثة وقيم التقليد، وصراع ثانٍ بين الحركة الطلابية المناضلة من أجل الحفاظ على مكتسبات الكفاح الهندى على مدار التاريخ الحديث والمعاصر وتحقيق العدالة الاجتماعية والنزعات الرأسمالية الجديدة فى الهند التى تريد تسليع كل شىء وبيعه، بما فى ذلك التعليم والمعارف، وصراع ثالث بين «أظهر» الابن ووالده، وصراع رابع بين «أظهر» وذاته التى تتغير وتتحوَّل مع تطوره الذهنى والمعرفى، والجميل هو أن كل طرف من أطراف هذه الصراعات يمتلك صوته الخاص الذى يمثل رؤيته الخاصة للعالم والوجود ويعبر عنها مما يمنح الرواية تنوعًا وثراء على مستوى الأصوات الاجتماعية والسياسية الحاضرة فيها، هذا فضلًا عما يوجد من إشكاليات أخرى تطرحها الرواية مثل علاقات الحب المُحبطة بسبب الأطماع الاجتماعية والفروق الطبقية والدينية، وهى تطرح كل هذا من خلال صيرورة سردية مُقْنِعة، بسيطة وعميقة، وبرشاقة وبصيرة ومقدرة سردية لافتة والرواية عمومًا تنتمى إلى ما يُعرَف، فى مجال أدبيات نقد الرواية، برواية التعلم Bildungsroman وهى تنطوى على رؤية نقدية تستحق التقدير والإشادة لكل من الوضع الهندى، والوضع الإسلامى والوضع العالمى بعامة، أمَّا نهاية الرواية التى قد تشكل صدمة للقارئ فإنها تبدو مع ذلك مُتوافقةِ تمامًا مع كل ما سبق أن طرحتْهُ وصاغتْهُ الرواية، كما أنها تبلور مأزق المجتمع الهندى على أكمل وجه، والمؤكد أن مثل هذه النهاية ليست مقصورة فقط على المجتمع الهندى وإنما لها نظائرها فى العالم العربى والعالم الإسلامى، وإن اختلفت فقط فى بعض التفاصيل.

والحقيقة أننى خلال قرأتى لهذا النص الروائى الجميل وجدتُ ذاكرتى تتداعى إلى العديد من اللحظات التى جمعت بين مصر والهند ونضال كلا الشعبين المصرى والهندى ضد المستعمر الإنجليزى من أجل التحرر، وثورة 1919 فى مصر ونضال الروح العظيمة «المهاتما غاندي» فى الهند، وتحرر الهند وتحرر مصر، ثم مرحلة صداقة «عبد الناصر» و«نهرو» وتشكيلهما لحركة عدم الانحياز التى أثارت جنون أمريكا والغرب وظلوا يحاربونها بكل ما أتوا من الوسائل والطرق، وفى الحقيقة فإن من يقرأ هذه الرواية من المصريين أو العرب سيكتشف أن مشكلات الهند لا تختلف كثيرًا عما يوجد من مشكلات فى مصر وفى العديد من البلدان العربية.