رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بالصور.. قصر الأمير محمد علي تحفة معمارية تحكي تاريخ مصر على ضفاف النيل

قصر الأمير محمد علي
قصر الأمير محمد علي بالمنيل

ما إن تقع عيناك على سور القصر، وتشعر تلقائيًا بمدى فخامته، واختلافه، يفوح من لون جدرانه عبق التاريخ، وتحمل أركانه حكايا مخلدة في مجلدات عشق مصر، وفي حديقته تلامس قدمك أقدام عظماء الأسرة العلوية، التي تتناثر فخامتهم في كل أرجاء القصر، قصر الأمير محمد علي توفيق.

 

أُغلق قصر المنيل في عام 2005، ليخضع لأعمال الترميم، التي استمرت لـ10 سنوات، وتم افتتاحه من جديد منذ ثلاث سنوات، ليعود من التاريخ ويحتل مكانته في الحاضر.
 

 

شملت أعمال الترميم، صيانة متكاملة لجميع بنايات القصر، وزخارفها ومحتوياتها، بالإضافة إلى إعادة تركيب السقف الأثري بسراي العرش الذي سقط نتيجة عوامل الزمن، فضلًا عن إنشاء مبنى إداري يضم معملاً مجهزاً لأعمال الترميم الدقيق، وقاعة للمحاضرات، وأخرى لعرض المنسوجات.
 

يعود تاريخ هذا القصر، إلى 24 ديسمبر 1903، حين بدأ الأمير محمد علي توفيق، نجل الخديوي محمد توفيق، وشقيق الخديوي عباس حلمي الثاني، الذي تحل اليوم ذكرى مولده، في أعمال تشييده، بعد أن وضع وأشرف بنفسه على كافة تصميماته وزخارفه، التي تعكس مدى حب الأمير للفنون الإسلامية بكل صورها.
 

انتهت أعمال تشييد القصر، الواقع بجزيرة منيل الروضة، على مساحة ما يقارب 12 فدانا، بعد 34 عامًا، أي في عام 1937، أسفرت عن بناء سراي الاستقبال، وبرج الساعة، ومسجد، وسراي العرش، وسراي الإقامة، والقاعة الذهبية، التي تضم صالون الوصاية، ومتحف الصيد، والمتحف الخاص، وحديقة القصر.
 

مع عبورك للبوابة الرئيسية، تصطحبك بنايات القصر وحديقته، في رحلة عبر الزمن، تعود بك إلى العصور الوسطى، وطراز الزخارف الإسلامية على الطرز الأندلسية والمغربية والعثمانية والفارسية والفاطمية، والمملوكية والشامية، الذين يزينون كل جدرانه، مما جعله تحفة معمارية فريدة.
 

وأول ما تقابله هو برج الساعة، برج شاهق الارتفاع، مغطى بكسوة حجرية زينتها زخارف بارزة من الطراز الأندلسي، ونُقش أسفل البرج بكتابة آيات قرآنية وهي البسملة، وسورة النصر " إذا جاء نصر الله والفتح" وسورة الكوثر، وتعتلي قمته ساعة مطابقة للساعة الموضوعة في محطة مصر، ولكن الاختلاف الوحيد، هو شكل العقارب، إذ اتخذت عقارب ساعة برج الساعة شكل الثعبان.

ثم تقودك قدمك بشكل تلقائي إلى المسجد، وبمجرد فتح بابه، تقف مشدوهًا بمدى جمال الجدران، المغطاة بنوع من القيشاني التركي، الذي صنع خصيصًا من أجل المسجد، أما الانبهار الحقيقي، فيتحقق حتمًا حين تنظر إلى سقف المسجد، وأناقة التنسيق بين الزخارف الخشبية الملونة، وتخلل اللمبات المضيئة لها، مما يكسبها بريقًا ليس له مثيل.
 

بالنظر إلى جنبات المسجد، تجد الآذان مكتوبًا على جدرانه، بالإضافة إلى  بعض الآيات القرآنية، ليخطف النظر، منبر الخطيب، بمظهره البهي، المرصع بضياء الذهب الذي صنع منه، وعندما تدير قامتك للجهة المقابلة، تجد كرسي التعارف، المكتوب عليه آيات قرآنية بالذهب، وكان يجلس عليه الشيخ لإلقاء الخطب.

تشدك الرحلة لتخطو إلى المرحلة التالية، فتصل إلى متحف الصيد، الذي أضيف إلى القصر في عام 1963، وربما تصاب بصدمة خفيفة مع أول الخطوات داخله، عندما ترى ثلاثة رؤوس محنطة لثلاثة أسود، تنطق عيناهم بالحياة، وجلودهم محتفظة بلونها وحيويتها، ولكن سرعان ما تستوعب أنهم محنطين.

ويضم المتحف 1180 قطعة من الحيوانات، ما بين أسود وضبع وأنواع مختلفة من الغزلان، وماعز وقطط برية، بالإضافة إلى الطيور والفراشات المحنطة، التي كان يتم اصطيادها بشباك خاصة، وأحياء مائية منها الاستاكوزا، والتماسيح، وجلود الثعابين.

ومرورًا بطريق المحنطات، ومقتنيات الصيد، الخاصة بالملك فاروق والأمير محمد علي والأمير يوسف كمال، تجد هيكلًا عظميًا للجمل الذي كانت تنقل عليه كسوة الكعبة، إلى السعودية، في ركاب مهيب عُرف باسم "المحمل"، وسرجه كان مطعمًا بقطع من الفضة.

كما تجد هيكلًا عظميًا لأحد خيول الأمير محمد علي، فقد اشتهر بحبه للخيول العربية، وكتب عنها عدة مؤلفات.
 

تأتي سراي الإقامة في المرحلة التالية، وهي أول ما شُيد في القصر وأقدم بناياته، وكان مقر إقامة الأمير، يتوسطها بهو النافورة، وتتكون من طابقين، يربط بينهما سلمًا دقيق الصنع.
 

فأما الطابق الأول فيضم حجرة الحريم، و"الشكمة"، وهي تعتبر الجزء البارز من المبنى، وأهم ما يميزها وجود مدفأة مغطاة بالقيشاني، وتنتهي من أعلى بشكل هرمي، ثم حجرة المرايا، بحيث توجد مرايا في كل جهاتها بأحجام مختلفة، تظهر وسط القيشاني وكأنها لوحات فنية مجسمة بارزة.
 

ويقع في الجوار حجرة الصالون الأزرق، فهي غرفة برع صفاء اللون الأزرق بدرجاته، في رسمها، وأطلق عليها هذا الاسم لأن النصف الأسفل من الجدران مغطى ببلاطات قيشاني أزرق، أما روعة الغرفة الحقيقية، تتجلى في السقف المنفذ على شكل جذوع النخل بزخارف نباتية.

ويشابه تصميم سقف الصالون الأزرق، لسقف حجرة الطعام، التي

تنقسم جدرانها إلى جزء علوي مغطى بالقيشاني، ويتوسطها أرفف خشبية، وضع عليها أواني من الفضة، أما الجزء السفلي، فهو مغطى بوزرة من حشوات عليها زخارف الأطباق النجمية.

ويبرز تنوع زخارف ومقتنيات هذا القصر، في وجود "صالون الصدف"، إذ أن كل ما تحويه الغرفة مطعم بالصدف، ويزخرف الجدران صورة زيتية لرفاعة الطهطاوي، وكاترين إمبراطورة روسيا.
 

أما الطابق الثاني، فهو يضم حجرة الأمير ومكتبته الخاصة، وحجرة مطلة على حجرة المرايا، وهذا الطابق غير مفتوح للزوار.
 

وتأتي "سراي العرش" كحسن ختام لهذه الرحلة النابضة بروح الماضي، وهي تتكون من طابقين، أما الأول، فمع أول الخطوات، تستشعر روح الأسرة العلوية في جميع أرجاء الغرفة، وأول ما تشهد هو صورة زيتية كبيرة لمحمد علي باشا، تتوسط 2 شمعدان من الكريستال، أما على جدران القاعة، فيوجد بها صور زيتية لحكام مصر حتى الخديوي عباس حلمي الثاني، في إشارة منه بعدم اعترافه بكل من أتى بعد هذا العصر.
 

كان الأمير يستقبل ضيوفه في هذه القاعة، وهذا ما تجسد حيًا في أناقة الكنبات المخصصة للجلوس، إذ يكسوها قماش القطيفة، المطعمة بزخارف أشعة الشمس، ويتوسط الظهر اسم محمد علي بـ "الصرما" المذهبة، فتكسوها لمعانًا فوق لمعانها.
 

أما الدور العلوي فمكون من قاعتين للجلسات الشتوية، وهما تطلان على النيل، و"حجرة الأوبيسون"، وتعود تسميتها بأن جدرانها مغطاة بنسيج يحمل الاسم ذاته، وهو مصنوع في فرنسا، وتعتبر غرفة خاصة بمقتنيات إلهامي باشا، جد الأمير لوالدته.

وتجدر الإشارة، إلى أن هذا القصر، يضم واحدة من أفخم وأرقى صالونات الأسرة العلوية، وبرغم خلوها من التحف الفنية، إلا أنها تعتبر تحفة في حد ذاتها، لما نقش على جدرانها وسقفها من زخارف نباتية وهندسية مذهبة غاية في الدقة، فهي القاعة الذهبية، أو "صالون الوصاية"، والتي كانت مخصصة لانعقاد الجلسات الرسمية.
 

وأطلق عليها القاعة الذهبية؛ لأن جميع زخارف جدرانها وسقفها بالذهب على طراز الركوكو العثماني، والأعمدة على شكل نخيل ذو لمسة مصرية، ونتيجة لهذه القيمة الكبيرة لهذه الغرفة، فهي غير مفتوحة للزيارة.

وكان الأمير محمد علي وليًا للعهد ثلاث مرات، الأولى في عهد أخيه الخديوي عباس حلمي الثاني، حتى رزق الخديوي بإبنه الأمير محمد عبد المنعم، وعقب خلع عباس حلمي الثاني طلبت السلطات البريطانية من الأمير محمد علي مغادرة مصر والإقامة بالخارج، فقطن في مونتريه بسويسرا حتى وافق السلطان أحمد فؤاد الأول على عودته إلى مصر.
 

والمرة الثانية، عندما عينه السلطان حتى رزق بإبنه الأمير فاروق، ثم اُختير كأحد الأوصياء الثلاثة على العرش بعد وفاة الملك حتى تولي الملك فاروق سلطاته الدستورية عند إكماله السن القانوني.
 

ثم عُين ولياً للعهد للمرة الثالثة والأخيرة في عهد الملك فاروق إلى أن رزق الملك بإبنه الأمير أحمد فؤاد الثاني.
 

وتوفي الأمير محمد علي، 17 مارس 1954 في لوزان بسويسرا، عن عمر ناهز الثمانين عاماً، وكانت وصيته أن يتحول قصره إلى متحف؛ ليخلد ذكراه لأنه لم يرزق بأبناء، كما أوصى أن يدفن في مصر، وبالفعل دفن بمدافن العائلة المالكة بالدراسة "قبة أفندينا".