رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عبق التاريخ.. قصور في الماضي ومنارات ثقافية في الحاضر

بيت السحيمي- ارشيفيه
بيت السحيمي- ارشيفيه

تقرير -  هدير إسماعيل:

من منا لم يكن قاصدا ندوة أو صالونا ثقافيا أو حفلا غنائيا، فإذا به يجد نفسه محاطًا بقصر يزفه الجمال المعماري فيشتم رائحة التراث تحمله الى أزمان عديدة مضت؟ فالقاهرة تحفل بالقصور الأثرية القديمة التي تحولت إلى منارات ثقافية وعلمية متاحة لعامة الناس لنهل ما تقدمه من وجبات ثقافية ثرية، والتمتع في الوقت ذاته بمشاهدة التراث المعماري في أبهى صوره.

معا نستعرض ثلاثة من تلك القصور. 

*قصر (ابراهيم كتخدا السناري )  الذي أبهر كل من زاره ببنائه المعماري العريق واكثر ما يدهش  زواره هو استخدام الخشب بجوار الحجر في بنائه دون وجود اي مواد مساندة وهو ما جعله مميزا وفريدا للبناء التقليدي في تلك الفترة .

وأبرز ما يلفت نظر الزائرين هو وجود المشربيات، والدواليب، والأعمال الخشبية داخل البيت التي تنتشر في كافة أرجائه ، بالإضافة إلى الزخارف المعمارية المبهرة التي تشعر  كل من زاره انه في جولة تاريخية لزيارة المماليك والأمراء، كما تعتمد البيوت القديمة في تصميمها على فكرة عزل من بداخل البيت عمن بالخارج سواء من المتطفلين أو عابري السبيل، فكان  البيت يتكون في ذلك الوقت من الصحن المكشوف أو السماوي وتتوسّطه عادةً حديقة أو فسقية، تلتف حوله جميع وحدات البيت.

  بيت السناري، المعروف بـ “بيت العلوم والثقافة والفنون”، الأثري بحي السيدة زينب في القاهرة، التابع لمكتبة الإسكندرية، بدأ نشاطه الفعلي في عام 2011، وهو مفتوح للزيارة المجانية، كما يتيح أنشطة متنوعة مثل: “سيمنار الجبرتي للدراسات التاريخية، وسيمنار الوثائق” المقدمين من قبل شباب المؤرخين وشباب الباحثين في مجال الوثائق. بالإضافة إلى: “صالون الشباب الأدبي، والمعارض الثقافية والفنية والحفلات الموسيقية والغنائية"، كما يتميز بيت السناري بتنظيمه عددا من الندوات والدورات الثقافية بهدف الارتقاء بالمستوى التعليمي للشباب ومساعدتهم على مجابهة متطلبات سوق العمل ومنها:"دورة الخط العربي" و "الرسم" ودورة "تعليم الفوتوشوب للمبتدئين"، هذا بالإضافة إلى زيارة البيت نفسه، حيث يأتي يومياً من يريد أن يشاهد البيت ويتعرف على تاريخه، وأنشطته، والتقاط الصور التذكارية له، ويصاحبه خلال الزيارة أحد موظفي وزارة الآثار المتواجدين في بيت السناري.

ويذكر أن مالك القصر هو ابراهيم كتخدا السناري الذي بدأ ظهوره في مصر في مدينة المنصورة كبواب فكان أصله من برابرة دنقلة من السودان، بالإضافة إلى شغفه بالعلم وتعلم القراءة والكتابة فدرس التنجيم والسحر وعُرف بين الناس كعراف يكتب التعاويذ، وما لبث أن لفت نظر الأمراء والمماليك تجاهه، فتقرب من خدمة (مصطفى بك الكبير) وصار بعد فترة وجيزة من أقرب المقربين وأخذ يدير شئونه خاصة بعد تعلمه للغة التركية التي فتحت أمامه الباب ليصبح من اعيان القاهرة، وتلك الدار استغرقت -وفقاً للوثائق- نحو عقد كامل، وأنفق عليها اموالا هائلة قدرت بحوالي ١٧ ألف ريال، وقد انتهى منها قبل قدوم الحملة الفرنسية لمصر بخمسة اعوام.

*بيت السحيمي.. و "بيت السحيمي" أو كما يطلق عليه "بيت الشيخ عبد الوهاب الطبلاوي"، هو بيت عربي ذو معمار شرقي متميز وفريد، يقع في حارة الدرب الأصفر المتفرعة من شارع المعز لدين الله الفاطمي بحي الجمالية في قلب مدينة القاهرة، يتكون البيت من قسمين أحدهما قبلي والآخر بحري، أنشأ القسم القبلي الشيخ "عبد الوهاب الطبلاوي" وقد دون هذا التاريخ على طراز خشبي على أحد جدران البيت، أما القسم البحري فقد أنشأه الحاج إسماعيل بن إسماعيل شلبي، ودمجه في القسم الأول وجعل منهما بيتاً واحداً،عرف المنزل باسم بيت السحيمي نسبة إلى آخر من سكنه، وهو الشيخ محمد أمين السحيمي شيخ رواق الأتراك بالجامع الأزهر، وقد خضع البيت لعملية تجديد شاملة في حقبة التسعينيات، ويتبع منطقة آثار شمال القاهرة، بني على المعمار العثماني الفريد ليجعل من يراه يشعر بأجواء إسطنبول، وأجواء السلاملك "الجزء المخصص للرجال"، والحرملك "الجزء العلوي المخصصى للنساء"، كما يشتهر أيضا بانتشار المشربيات بداخله بعضها بداخل البيت، وبعضها على الشارع مما يوضح أنها لم تكن تصلح غرفًا للنوم، بل لاستقبال الضيوف.

وقد صدر قرار بتحويل  بيت السحيمى إلى مركز للإبداع الفنى تابع لصندوق التنمية الثقافية بعد ترميمه وإعادة افتتاحه عام 2000 م ليكون مركز إشعاع ثقافى وفنى فى منطقة الجمالية.

ويعتبر مركز إبداع السحيمى نموذجاً فريداً للتأثير الاجتماعى للعمل الثقافى والأثرى من حيث تأثير الموقع الثقافى فى المجتمع المحيط به. ونستطيع رؤية التأثير الذي أحدثه هذا المركز فى البيئة المحيطة به وفى سلوكيات الأفراد والمجتمع هناك.. وذلك من خلال الأنشطة الثقافية والفنية التى يقدمها والتى أصبحت جزءاً من برنامج الحياة اليومية لسكان المنطقة، من أجل الارتقاء بالمستوى المهنى والتكنولوجى لهم، وحفاظاً على الموروث الموسيقى والشعبى.  

وحرص الصندوق على رعاية فرق التراث الشعبى فى مصر وتوفير أماكن عرض ثابتة لها، كما قام الصندوق بفتح أبواب بيت السحيمى لاستضافة أضخم فرق مصرية للتراث الشعبى الموسيقى وهى "فرقة النيل للموسيقى والغناء الشعبى" والتى يبلغ عدد أفرادها اكثر من 55 فناناً تحت قيادة المخرج الكبير عبد الرحمن الشافعى وهى من الفرق التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة، وتقدم عروضها مجاناً يوم الأحد من كل أسبوع بمركز إبداع السحيمى، وقد تم مؤخراً استضافة نوع آخر من الفنون الشعبية بمركز إبداع السحيمى وهو فن الأراجوز وخيال الظل؛ ذلك الفن الشعبى الذى أخذ صندوق التنمية على عاتقه الحفاظ عليه وحمايته من الاندثار بعد أن رحل معظم فنانيه القدامى، وأصبحت تقدم بالبيت عروض دائمة للأراجوز وخيال الظل كما تقام ورش عمل لتعليم الشباب أصول هذا الفن من أجل اعداد جيل جديد قادر على مواصلة المسيرة.

*بيت الست وسيلة... ويعود تاريخ هذا البيت إلى عام 1646م حيث قام الأخوان عبد الحق ولطفي ابنا محمد الكناني، ببناء منزل في شارع عطفة العيني بجوار منزل عبد الرحمن الهراوي وعلى بعد أمتار قليلة من الجامع الأزهر، حيث يشير النص التأسيسى على إزار سقف مقعد هذا البيت، إلى أن منشئه هو الحاج عبد الحق وشقيقه لطفى أولاد محمد الكنانى سنة 1074 هـ / 1664 م ثم أخذت ملكية البيت في الانتقال حتى وقع مفتاحه في يد الست وسيلة "خاتون بنت عبد الله البيضا معتوقة"، وكانت آخر من سكنت الدار ولذلك عرف باسمها ونسب إليها، لم يذكر التاريخ أي شيء عنها، ولكن من الواضح أن لها نفوذا في الحي جعل الناس يحفظون اسمها عن ظهر قلب، كما يعد من أجمل البيوت الأثرية التي ترجع للعصر الفاطمي،و على الرغم من مرور أكثر من 3 قرون عليه،فهو لايزال يحتفظ بأصله المعمار الإسلامي العريق. كما أن البيت مصمم كمعظم البيوت الإسلامية القديمة، التي كانت تسعى إلى الحفاظ على الخصوصية وحرمة المنزل حيث يُمكن أهله من رؤية القادم عليهم، وفي الوقت نفسه لا يستطيع من في خارجه أن يتلصص أو يكشف حركة النساء، وكان ذلك التصميم متبعا في إنشاء كافة المنازل في هذا الوقت، فمدخله منكسر حتى لا يجرح الضيوف أى ركن من أركان البيت، ثم يفتح بعد ذلك على «الصحن» أو الحوش والذي يحوى «الحواصل» أو الحجرات التي كانت تمثل مرافق المنزل، واستخدمت كمخازن للحبوب، واسطبل خيل، وطاحونة، وحجرة للخدم، ومندرة، وإلى يمين الباب توجد بئر المياه، كما تتزين أسقف الغرف

بالزخارف والرسومات الإسلامية الرائعة. انتهى ترميم هذا المنزل عام 2005، ويتبع حاليًا صندوق التنمية الثقافية التابع لوزارة الثقافة المصرية تحت ملكية المجلس الأعلى للآثار، ويعتبر مزارًا أثريًا وثقافيًا بما يسمى بيت الشعر، بالإضافة لتنمية الشعر المصري، والحفاظ على هويته وخصوصيته ضمن الشعر العربي من ناحية أو شعر اللغات الأخرى من ناحية أخرى، وبيت الشعر المصري إذن ليس حيزاً مغلقاً ، ولكنه أفق منفتح على اللغات الأخرى، واللهجات، والأشكال، والتجارب الشعرية المختلفة، وعلى الشعراء العرب والأجانب، وعلى بيوت الشعر وغيرها من المؤسسات المهتمة بهذا الفن الجميل في العالم كله.

*بيت الهراوي...وبيت العود العربي هو أحد البيوت الأثرية القديمة بمدينة القاهرة، يقع ضمن مجموعة فريدة من المنازل الإسلامية حيث يجاوره منزل وقف الست وسيلة، ويطل على منزل زينب خاتون بشارع محمد عبده بالأزهر، وقد أنشأه أحمد بن يوسف الصيرفي في سنة 1731م، ينسب هذا المنزل إلى الطبيب عبد الرحمن باشا الهراوي، وهو آخر من آلت إليه ملكية هذا المنزل في سنة 1881م، ويشتمل المنزل على واجهتين إحداهما الرئيسية من الناحية الجنوبية الغربية والأخرى من الناحية الشمالية الشرقية، أما الواجهتان الأخريان فاحداهما ملاصقة لمنزل الست وسيلة والأخرى ملاصقة لمبانٍ حديثة، والمدخل الرئيسي بالواجهة الجنوبية الغربية، كما أن للمنزل مدخلا آخر من الواجهة الشمالية الشرقية ، ويتكون المنزل من طابقين، يشتمل الطابق الأول من الداخل على الممر وملحقاته التي تتمثل في الطاحونة والإسطبل وحاصل الغلال ودركاة المنزل البحري وفناء المنزل وقاعة المقعد الصيفي والسلاملك وسلم الحرملك نظرًا لتصميمه على المعمار العثماني، أما الطابق الثاني فيشتمل على المندرة وسلم يؤدي إلى القاعة الرئيسية وممر، ويوجد بناء بارز نصل منه إلى الأدوار العلوية وبه حجرة انتظار ذات سقف خشبي تفتح على الخارج بفتحة مكشوفة. وقد تم البدء في ترميم البيت عام 1986م بالتعاون بين المجلس الأعلى للآثار ووزارة الخارجية الفرنسية والمعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة، حيث اكتملت عملية الترميم عام 1993م، وبعد ذلك صدر قرار وزاري بتحويله إلى مركز إبداع فني تابع للصندوق عام 1996 ومنذ ذلك التاريخ اصبح البيت مزاراً أثرياً وفنياً في نفس الوقت وانطلقت منه عدة احتفاليات ثقافية وفنية وموسيقية، كما يوجد به "بيت العود العربي" حيث احتضن بيت الهراوى بيت العود العربى والذى أسسه الفنان العراقى نصير شمه عام 1998 ليكون أول مركز متخصص وشامل لدراسة كل ما يتعلق بآلة العود فى العالم، ولم تكن فكرة بيت العود العربى مجرد رغبة فى تأسيس مدرسة لتعليم الموسيقى قد توجد العشرات غيرها لكنها ضرورة لتأسيس وتأصيل ثقافة العزف المنفرد وتطوير المهارات الفردية بشكل متخصص خلال فترة زمنية محددة لمدة عامين، إضافة إلى تنمية موهبة التأليف والبحث الموسيقى، ويقوم بيت العود العربى بدعم طلابه فنياً ومعرفياً من أجل إثراء ثقافتهم العلمية والأدبية من خلال استخدام الطلبة لمكتبة بيت العود التى تشمل كتباً من جميع أنواع الثقافات الأدبية والفنية والفكرية، بالإضافة إلى أنشطة البيت الثقافية والتى  تجذب جميع المثقفين فى مجالات الإبداع عبر ندوات وأمسيات ثقافية، وقد تخرج فى بيت العود العديد من العازفين المهرة الذين أثبتوا جدارتهم على مستوى العالم العربي ،كما استطاع أن يكوّن جمهوراً جديداً لآلة العود والموسيقى العربية وأصبحت آلاتنا العربية متداولة من قبل الأطفال والشباب من الجنسين. ومن أهم الإنجازات الدولية لبيت العود مشاركته فى أول أوركسترا فى العالم للموسيقى الشرقية ضمن 70 عازفا من كل دول العالم فى مهرجان الموسيقى الكلاسيكية  بأبو ظبى.

* قصر ثقافة الريحانى قصر ثقافة الريحانى الذي يقع بمنطقة دير الملاك بالقاهرة، مكون من دور أرضى إضافة إلى دورين علويين ويشمل مكتبة عامة، ومكتبة الطفل، ومرسما وقاعة للفنون، ناديا للمرأة، قاعة للندوات، قاعة كمبيوتر، مسرحا صغيرا، إلى جانب مسرح آخر للطفل، إضافة إلى خدمات عامة وغرف إدارية، بني علي الطراز الإيطالي من قبل المُهندس الإيطالي شارل عيروط، ثم استأجرته وزارة الثقافة في سنة 1970م وحوَّلته إلى قصر ثقافة الريحاني، وبحسب أوراق هيئة قُصور الثقافة، فرع ثقافة القاهرة، فإنَّ الوريث الشرعي الوحيد لِنجيب الريحاني هو ابن شقيقه بديع توفيق الريحاني، والذي يُودع باسمه سنويًا في حساب خاص ببنك القاهرة ما قيمته 400 جُنيه مصرى فقط لا غير، تزيد بنسبة 2% سنويًا، منذ سنة 1970م، وبعد وفاة بديع الريحاني، تحوَّل المبلغ إلى أرملته مرگوري فرانك روبين. وينظم قصر ثقافة الريحاني العديد من الندوات والورش التدريبية والإبداعية، مثل ورش أشغال الجلد والكروشية، ومحو الأمية،  كما تخرج من مسرحه العديد من المواهب الشابة القادرة على تطوير العمل المسرحي والنهوض به، كما يتبني القصر الورش الإنتاجة مثل الرسم علي الزجاج، والطرق على النحاس وذلك لإخراج جيل قادر على صنع منتجات مصرية أصيلة قبل إختفائها، وتوجهيها لسوق العمل.