رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

فنانون ماتوا من الجوع وآخرون عاشوا تحت السلم

عبدالسلام النابلسي
عبدالسلام النابلسي

اللجوء الي الدولة هو أسهل الطرق التي تنتهجها أي مؤسسة أو كيان من أجل حل المشاكل المادية التي تعترض طريقها، ولعل النقابات الفنية خاصة نقابة الممثلين تمر دائما بظروف قهرية بسبب المعاناة التي يعاني 90٪ من أعضائها أو ممثلون لا ينتمون إليها، والأزمة الحقيقية هي غياب المساعدة عنها خاصة من كبار النجوم الذين يحصلون علي ملايين الجنيهات من الأعمال الفنية، وعندما تقصد باب أحدهم للمساهمة في علاج فنان زميل له أو ساندته ماديا تجده يغلق كل الأبواب المؤدية إليه، وبالتالي لم يعد أمان النقابة إلا الدولة للوقوف علي بابها من أجل تسول مبلغ من المال لإنقاذ هذا الفنان من المرض أو ذاك الممثل من غدر الزمن وحمايته من صقيع وحر الشوارع التي لا ترجم مخلوقا.

في الربع قرن الأخير شاهدنا عشرات الفنانين يعانون من ألم المرض والفقر معا، ولا ملجأ لهم وفي النصف الأول من التسعينات من القرن الماضي كنت التقيت الفنانة الكبيرة فاطمة رشدي علي باب المسرح القومي، وقتها لم أعرفها من شدة حالة الفقر الذي بدا عليها، ولكن الفنانة الكبيرة عايدة عبدالعزيز التي كانت متواجدة في المكان للمشاركة في أحد العروض أمسكت يدي عندما وجدتني مندهشا من حال السيدة وقالت لي مد ايدك سلم علي «سارة برنار الشرق»، فاطمة رشدي سيدة المسرح والسينما، وتعرفت علي سائق التاكسي الذي كان يؤويها في منزله، وذهبت إليها في اليوم التالي وفوجئت أنها تعيش مع أسرة هذا الرجل في حارة بحي الدرب الأحمر، ونشرت حوارا لها في جريدة «الوفد» وقامت الدنيا ولم تقعد لأشهر بسبب المأساة التي طرحها الحوار عن حياة فاطمة رشدي، وتحركت السيدة صفاء أبوالسعود وخصصت شقة لها وأرسلتها لعمل عُمرة علي نفقتها وعادت فاطمة رشدي واتصل بها فريد شوقي طالبا المساعدة وتوقعت بعد عرض حالة فاطمة رشدي أن تتحرك النقابة لعمل بيت لكبار السن والمحتاجين من الفنانين، لكن كعادة المصريين نتحمس لأي قضية عند طرحها ونتأثر بها وتجد القنوات والكاميرات الكل يسعي نحو صاحب القضية ثم فجأة يحدث فتور وتجاهل للأزمة من الأساس.

أتذكر دائما مشهد فاطمة رشدي كلما شاهدت معاناة أحد الفنانين خاصة أن هناك العشرات ماتوا وهم يعانون من الفقر وبعضهم لم يكن لديه حجرة تحفظه من الحر والبرد ونظرات الشفقة من الناس، عشرات من الفنانين تعرضوا لأزمات وإهانات قبل الرحيل بسبب الحاجة أذكر منهم إسماعيل يس وعبدالسلام النابلسي وزينات صدقي وعبدالفتاح القصري حتي سعاد حسني رغم أن الكثير حاول مساعدتها خلال أزمتها الأخيرة والتي انتهت بشكل مأساوي في لندن.

سعاد تعرضت لأزمات كثيرة وهي النجمة الكبيرة التي كانت تملأ الدنيا استعراضات وغناء وتمثيلا، عبدالفتاح القصري مات في حجرة بعد أن أصيب بفقدان البصر وزينات صدقي ماتت

في حارة شعبية ولم تكن تملك قوت يومها، وعبدالسلام النابلسي لم يكن يملك ثمن العلاج وكذلك إسماعيل يس.

كل هذه النماذج وغيرها تفرض علي النقابات الفنية الثلاث ضرورة التكاتف من أجل إيجاد كيان واحد عبارة عن مؤسسة لكبار الفنانين تضم بيتا لهم وحسابا بنكيا أو جمعية تساهم وتلبي الاحتياجات المالية لهم يكون نواة هذه الجمعية تبرعات من كبار الفنانين ولو رفضوا يتم استقطاع نسبة من أجرهم لصالح هذا الحساب مع عمل سلسلة حفلات يذهب عائدها الي هذا الحساب البنكي لأن النقابات الآن تضرب أخماسا في أسداس كلما تعرض فنان لأزمة، وإن كنت أتصور أن النقابات ساهمت في ذلك بتجاهلها عمل هذا المشروع منذ سنوات، خاصة أن هناك فنانين من أنصاف المشاهير عاشوا وماتوا دون أن يجدوا أي دعم، ودون أن يدري أحد بمشاكلهم.

هذه الفكرة أقدمها الي هاني شاكر نقيب الموسيقيين وأشرف زكي نقيب الممثلين ومسعد فودة نقيب السينمائيين أهل الفن يموتون من الجوع وهناك حالات أعلم أن هاني شاكر شارك في علاجها علي نفقته الخاصة وهذا شيء إنساني يحسب له، لكن الأمور تحتاج الي ما هو أكثر من ذلك من أجل الوسط الفني أجمع، وبالمناسبة هناك فنانون كانوا يتمتعون بالثراء الفاحش في بداية حياتهم الفنية لكنهم ماتوا من الفقر وهذا درس لمن يتصورون أن ملايينهم سوف تحميهم من غدر الزمن والأيام.

علي مستوي العالم المتحضر لن تجد فنانا يموت من الجوع أو يجده المارة ملقي علي الرصيف يعاني مثل أطفال الشوارع.

في أوروبا وأمريكا الجمعيات الخيرية لا تترك إنسانا أو حيوانا إلا وتقدم له الدعم الصحي والمادي، تتكفل بكل شيء وعندنا المبدع يموت من الفقر والجوع، والحل ليس في جمع الصدقات أو التسول من الحكومة أو من فنان.. الحل في مؤسسة خيرية ترعي الفنانين وتحميهم من الموت جوعا.