رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حنان أبوالضياء تكتب عن: نوبات الغضب المتفجرة فى «الجونة».. التى تبكيك!

بوابة الوفد الإلكترونية

ثمة أفلام صادمة فى فكرتها وطريقة تناول موضوعها، ومن تلك الأعمال فيلم المخرجة الألمانية نورا فينجشايدت، القادمة بفيلمها «محطمة النظام» - System Crasher إلى مهرجان الجونة فى دورته الثالثة من مهرجان برلين، حيث نالت عنه جائزة ألفريد باور لأفضل إسهام فنى بعد أن تناولت بحرفية واقتدار قصة (بينى) التى تنتابها نوبات الغضب المتفجرة، والتى تضعها فى مواقف محرجة وتضع من حولها فى خطر، حيث تتنقل بين بيوت الرعاية ولا تمكث بها لفترة طويلة، ما يدفع مؤسسة حماية الطفل لإطلاق تسمية على حالتها (محطمة النظام). وفى الحقيقة إن هذا العمل هو أكثر الأفلام التى تخاطب قلبك قبل عقلك، وتجعلك تبكى بين مشاهده، متأثرا بتلك الصغيرة التى تعانى وتتألم وفى نفس الوقت تعذب من حولها، وأزمتها كلها تكمن فى افتقارها إلى حنان الام التى تركتها إلى دور الرعاية؛ لأنها لا تقوى على تحمل هذا القدر الهائل من العنف الموجود لدى الطفل، ما يزيد الامر سوءا، ويعتمد «System Crasher» إلى حد كبير على ما إذا كنت تعتقد، عند التعامل مع الأطفال الذين يعانون من صدمات نفسية وأزمات عصبية محتملة، أن الاهتمام الفردى أكثر فعالية من دواء فى مراكز التعافى أم لا. وهذا بالطبع ليس تشكيكا فى الحلول القائمة على العلاجات الطبية، ولكن الواقع يقول إن حنان الام ووجود الاسرة فى حياة هؤلاء الأطفال هو الطريق الامثل للتعافى.

بالطبع السيناريو يقدم تجربة مؤلمة للبنت وللآخرين، ويؤكد أن شعار النوايا الحسنة والذى تقدمه الام بين الحين والآخر، ما هو إلا حلول لينة الطرف لا تغنى ولا تسمن من جوع، وتجعل الابنة لا تجد حلا امامها سوى الدخول فى نوبات من العنف والصراخ العنيف. وفى الواقع إن مصطلح «معطلة النظام» يستخدم لوصف الأطفال الخارجين على السيطرة والذين يكون سلوكهم معاديًا للمجتمع؛ إلى حد يجعلهم غير قابلين للعلاج، ويجعل العاملين عليهم فى حيرة من أمرهم، فهم صغار السن على برامج العلاج المقيدة، عنيفون جدًا للبقاء فى الرعاية البديلة أو المنزل الجماعى طول الوقت، ويتحدى هؤلاء الأطفال نظام رعاية الطفل غير القادر على التعامل معهم. والفيلم يستعرض شخصية أم «بينى» غير الكفء، والمتذبذبة فى قراراتها والتى لا تملك أى قدر من الحكمة، المصممة على عدم تحمل مسئولية الطفلة لتجعلنا نشعر أنها هى السبب الرئيسى فيما وصلت اليه الطفلة، ذات التسع سنوات التى هى حزمة من الطاقة المليئة بالشغب، سريعة الذهن، كريهة الأفعال، ثوراتها بها وحشية وصراخ، بالطبع حكمنا على الام ناتج من شرقيتنا ولكن ربما البعض يرى فى الأم بيانكا كلاس (ليزا هاجميستر- الممثلة الالمانية البالغة من العمر 40 سنة)، وتصرفاتها تجاه ابنتها متوقعة ليس بها علاقة مسيئة، فهى غير قادرة على التعامل مع عنف ابنتها، فلجأت للخدمات الاجتماعية، وهذا الأمر منطقى بالنسبة للغرب، لأن سلوك الطفلة يعرض إخوتها الصغار للخطر. ومن الملاحظ من خلال احداث الفيلم أن هناك سببين لتفجير الغضب لدى الطفلة أحدهما عندما يقال إنها لا تستطيع أن تفعل ما تشاء، والآخر يمس وجهها، وهى حساسية ناشئة عن صدمة الطفولة المبكرة.

على الجانب الاخر نجد شخصية مخالفة للأم تماما وهى ماريا بافانى إخصائية الرعاية الاجتماعية التابعة لها الطفلة فهى الوحيدة التى لم تتخل عن الفتاة، وهى مصممة على أن تجد لها مكانًا على الرغم من طردها من العديد من المنازل بحيث يرفض الباقون قبولها بشكل أساسى. فمنذ تواجدها فى منزل جماعى مؤقت، حيث عينت مرافق مدرس للطفلة هو «ميشا هيلر» أحد هؤلاء الرجال الطيبين مظهره الخارجى الصعب يخفى قلبًا ذهبيًا. ولسوء الحظ، لم تتمكن الطفلة من الجلوس فى أحد الفصول الدراسية، لذلك تصطدم الطفلة بفكرة نقلها إلى مقصورة ميشا هيلر فى الغابة لمدة ثلاثة أسابيع من العمل والترابط.

لندخل بالفيلم إلى مرحلة جديدة، حيث يؤكد ان

العناق والمحبة أكثر فعالية من الادوية، التى يتم التخلى عنها باستمرار إذا أصبحت الطفلة أكثر طوعا. بطبيعة الحال، الأمور تبدأ بشكل سيئ، لكن سرعان ما يكون هذا أفضل ثلاثة أسابيع من حياة الطفلة، من خلال العلاج بتفريغ العنف لديها بتقطيع الأخشاب، الهواء النقى والاهتمام الفردى الذى يغير من سلوكها. وللأسف إن مشكلة ميشا هيلر معها تكمن فى خرقه للقواعد، وسماحه لها بالبقاء فى منزله لليلة واحدة. حيث تكتشف أن لديه زوجة حاملا ورضيعا يصبحان فى خطر بسببها؛ ولرغباته المجنونة فى البقاء بالمنزل، وعلى الرغم من أن ميشا هيلر يشعر بالقلق من أن تخيلاته عن الإنقاذ تتداخل مع كفاءته المهنية، وهو أمر قامت السيدة بافانى بالتغاضى عنه.

 خاصة مع ظهور ام بديلة قد تحتضن الطفلة وتجعلها تعيش معها وهى سيلفيا شوارز (فيكتوريا تراوتمانسدورف) إحدى الأمهات الحاضنات من قبل لها، ووافقت على إعادتها مرة أخرى، بعد أن كان هناك طفلة وحيدة متبناة معها فى منزلها، ولكن لا تسير الأمور كما هو متوقع بالنسبة للجميع، فالطفلة تمارس العنف بشدة تجاه تلك الطفلة المتبناة الاخرى وتكاد تقتلها، ويكون الحل هو التفكير فى إرسال الطفلة «بينى» إلى مزرعة فى كينيا، ولكنها تهرب إلى بيت ميشا هيلر ورغم ان الزوجة توافق على وجودها ليوم واحد معهم، إلا انها تعرض حياة رضيعها للخطر، فى ظل موجة العنف التى انتابت «بينى» من خوفها من ترك منزل ميشا هيلر؛ وتهرب إلى الغابة، حيث توجد من قبل الاسعاف فى حالة صعبة وعند شفائها تؤخذ إلى المطار لتسافر إلى كينيا ولكنها تغافل الجميع وتجرى بقوة ثم تنتحر بالقفز من اعلى، فى مشهد من أكثر مشاهد الفيلم شجنا، وكأنه تأكيد على رغبة الفتاة فى التحرر.

من المعروف أن المخرجة الألمانية نورا فينجشايدت تأتى من خلفية وثائقية ومن اعمالها «بدون هذا العالم»، عن الجبال فى الأرجنتين، وفيلمها الحالى احتاج إلى بحث كبير لتحقيقه، وظهوره بهذا المستوى وعلى الرغم من صدقها المثير للإعجاب فى تصوير مأساة الطفلة، ونواياها الطيبة الواضحة تمامًا، إلا أنها أخفقت فى تفسير السبب الأساسى لعنف هذه الطفلة وهل له علاقة بصديق الام.

أما الطفلة «هيلانا زنجل» التى أدت دور «بينى» والتى ترمى نفسها فى الدور الفوضوى والتى تملك هذا القدر الهائل من الاضطرابات الداخلية، هذا هو العمل الفنى الثانى لها وتبلغ من العمر 11 سنة.

ومن الأشياء المميزة بالفيلم قدرة المخرجة على إحداث هذا التداخل بين الاحداث الحقيقية والصور الضبابية للأحلام شبه الكابوسية المصحوبة بموسيقى تزيد من حالة التوتر.