عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«مى المصرى» و«الكاميرا» التى لا تفارق كتفها أبداً

بوابة الوفد الإلكترونية

عالم المخرجة «مى المصرى» التى يمنحها مهرجان الجونة فى دورته الثالثة جائزة الإبداع يحظى بحالة استثنائية من الصدق الإبداعى مع الذات، فهى التى تؤكد دوماً أن ما يهمها هو تحلى الفيلم بمصداقيّة خصوصاً حيال الناس الذين حملت قصصهم إلى الشاشة، فهى لا تسمح لنفسها بتقديم شىء غير حقيقى وزائف، إنها التى تلامس أعماق العذاب فى النفس البشرية من خلال أعمالها المبنية على صورة، تحركها وفق رؤية مفعمة بالحياة والصدق، فى إطار بصرى ساعدها عليه «الكاميرا» التى لا تفارق كتفها أينما حلّت.

«مى المصرى» فى أفلامها السينمائية سواء الوثائقية أو الروائية، الصورة لديها نابضة وقادرة على تحقيق الغاية منها بعينيها اللتين تراقبان الحياة الصاخبة، خاصة فى تلك المشاهد الخاصة بالاحتلال وعذاب الشعب الفلسطينى، وكأنها تصرخ، بالصورة من أجل الحرية التى تنشدها، مازجة كل ذلك بالأحاديث عن كل شىء، من الحب، والخوف والموت والحياة، لتطرح من خلال أعمالها الانسانية الملهمة، تلك المتاهة الكبرى لعالمنا، خالقة لغتها السينمائية الخاصة وديكوراتها وأبطالها.

إنها عاشقة سينما الناس، خاصة أنه لا يوجد «حقيقة» بالمعنى المجرد فى عالم الواقع المرصود سينمائيا. لذلك رؤيتها السينمائية مبنية على التفاعل السينمائى بالتجارب الإنسانية المحيطة به. بعد أن يحظى موضوع الفيلم بقناعتها وشغفها، وهى لا تقوم بتسجيل الواقع بشكل آلى حتى فى أفلامها الوثائقية لكونها صادقة مع نفسها، وعملها.

هكذا أرى المخرجة الفلسطينية مى المصرى، المولودة فى عمّان عام 1959. والتى تعلمت فى الولايات المتحدة وأخرجت عدة أفلام. والتى قدمت مع زوجها مخرج الأفلام اللبنانى جان شمعون بعد زواجهما عام 1986م، العديد من الأفلام وأنجبا ابنتين نور وهناء.

وجميعنا يعلم أن مى المصرى سجلّها حافل بالأفلام الوثائقية التى عرضت فى أنحاء العالم، وحازت أكثر من 60 جائزة دولية من بينها: «جائزة لوتشينو فيسكونتى» فى إيطاليا (2003)، «جائزة الشاشة» فى آسيا والمحيط الهادئ فى أستراليا (2007) وجائزة Mipdoc Trailblazer فى «كان» (2011). ومن أبرز أفلامها: «33 يوم» (2007)، «يوميات بيروت» (2006)، «حدود الأحلام والفزع» (2001)، «أطفال شاتيلا» (1998)، «امرأة فى زمن التحدي» (1995)، «أطفال جبل النار» (1991). وتعاونت مع زوجها المخرج جان شمعون فى إخراج: «أحلام معلقة» (1992)، «بيروت جيل الحرب» (1998)، «زهرة القندول» (1986)، «تحت الأنقاض» (1983). وأنتجت له افلاما أخرجها جان شمعون: «طيف المدينة» (2001)، فيلم روائى طويل حاز جوائز عدة، ومجموعة من الأفلام الوثائقية: «مصابيح الذاكرة» (2009)، «حنين الغَوردة» (2008)، «أرض النساء» (2004)، «رهينة الانتظار» (1995).

«مى المصرى» يستوقفنى فيلمها «أحلام المنفى» الذى طرح اشكالية تواصل الشعب الفلسطينى الذى يعيش داخل البلاد مع الفلسطينيين القاطنين فى الخارج، من خلال قصة شابتين منى ومنار، لنتابع رحلة منى، من مخيم شاتيلا فى بيروت، ومنار من مخيم دهيشة فى بيت لحم، إلى الحدود بين لبنان وفلسطين للقاء بعضهما. وهو يعد جزءًا من ثلاثية أفلام كانت قد أخرجتها عاكسة رؤية وخيال الأطفال الفلسطينيين ، وكما تقول «مى المصرى»: «أحلام المنفى» ولد سينمائياً من تجربتى فى فيلمى «أطفال شاتيلا» و«أطفال جبل النار». فى هذه الثلاثية حاولت ان أستوحى لغتى السينمائية من عالم الخيال والحس الإبداعى لدى الأطفال، بدأت احلام المنفى من حيث أنهيت أطفال شاتيلا، لذلك نرى عيسى فى نهاية «أطفال شاتيلا» يعلن بكل الألم: «بدى أرجع عافلسطين بلكى لقيت العصافير هونيك غير العصافير اللى هون»، بينما فى بداية «أحلام المنفى» وتقول منى: «أنا عندى أمنية خيالية إنى أصير عصفورة من شان أرجع عابلدى».

والواقع إن «مى المصرى» فى «أحلام المنفى» حاولت تطوير التجربة التى بدأتها مع «أطفال شاتيلا» فركزت على الذاكرة الشفوية المتوارثة عبر الأجيال الفلسطينية فى المنفى، وأبحرت فى المكونات الإبداعية المعتمدة على ثلاثية الذاكرة والخيال والهوية بعد 50 عاماً من التهجير والحصارات والقهر والمذابح التى  شهدها العالم ولم يتحرك. لذلك فى اطفال شاتيلا كان الطفل عيسى فاقد الذاكرة بعد حادث سيارة، ومع ذلك يملك خياله وأحلامه يعيد من خلالها ذاكرته المفقودة. وسجلت مى المصرى بالكاميرا مراحل طفولة الاطفال المشردين من المجازر، وما طرأ على حياتهم وأحلامهم بعد ذلك. وظهر هذا واضحاً فى مخيلة منى فى شاتيلا المتحدثة عن الفراشة والبحر، ولقد أعطتها مى المصرى الكاميرا لترى من خلال عيونها وتكتشف عالمها. وفى الحقيقة إن أجمل ما خرجت به مى من التجربة كانت العلاقات الإنسانية الحميمة مع شخصيات الفيلم والعجيب أن هناك من كان يقول إن مى

المصرى تبنت منى، خاصة أنها قدمت لها ولكل اطفال الفيلم منحاً لإكمال دراساتهم الجامعية.

والرائع أن مى المصرى استوحت فكرة الفيلم من تجربة صديقة لها كانت تعمل مدرّسة متطوعة مع اطفال شاتيلا، وقد شجعتهم على المراسلة عبر الإنترنت مع اطفال مؤسسة ابداع فى مخيم الدهيشة، وقد شكل امكان الاتصال عبر الإنترنت بالنسبة الى الفلسطينيين المحاصرين فى مدنهم ومخيماتهم نوعاً من التحرر المعنوى وكسراً لقيود الاحتلال والعزلة.

وهناك فيلم «جبل النار» الذى يعد من أجمل وأقوى أفلامها الوثائقية. من خلال سردها لذكريات المدينة وحياة سكانها تحت ضربات الاحتلال وعلى إيقاع الانتفاضة الأولى. و«أطفال جبل النار» (1990) نال الجائزة الذهبية فى مهرجان القاهرة الأفلام والبرامج التليفزيونية، بين جوائز أخرى، ولها أيضاً «حنان عشراوى امرأة فى زمن التحدى» (1996).

أما فيلمها 3000 ليلة، الدرامى، من إخراجها وتأليفها وبطولة ميساء عبدالهادى ونادرة عمران وكريم صالح وهيفاء آجا. عرض الفيلم فى قسم السينما العالمية المعاصرة فى مهرجان تورونتو السينمائى الدولى عام 2015، وولدت فكرته عندما كانت تصوّر فيلماً فى بلدتها نابلس خلال الانتفاضة الأولى، وهناك قابلت امرأة فلسطينية أنجبت طفلها فى أحد السجون الإسرائيلية، فكان الفيلم الذى يحكى قصصاً حقيقية لأسيرات فلسطينيات فى سجن الرملة فى الفترة بين 1980 و1988، والرائع أنه رغم كون الفيلم دراميا إلا أنه تميز بدقة الجزء التسجيلى به، مستعرضا تفاصيل الحياة اليومية للسجينات.

يعد إحدي أيقونات السينما الفلسطينية، ومن خلال شخصية «ليال» المُدَرِسة الفلسطينية المعقلة فى أحد السجون الإسرائيلية بسبب تهمة لم ترتكبها، وبينما هى فى السجن تلد ابناً. ولنعيش منذ بداية الفيلم تفاصيل القبض عليها فى الليل تحت المطر وعنف دفعها خارج سيارة الشرطة، والجنود وبوابات السجن الضخمة ودفعها إلى الداخل وهى معصوبة العينين. والرائع أن الفيلم صور فى سجن عسكرى مهجور فى مدينة الزرقاء قرب عمّان، وتمّ التصوير بكاميرا محمولة على الكتف للحصول على انطباع حقيقى. ونقلت الينا مى أصوات بوابات الزنازين والسلاسل الحديدية، ولقد اختير الفيلم ليمثل الأردن عن فئة أفضل فيلم بلغة أجنبية فى جوائز الأوسكار التاسع والثمانين.

وفاز الفيلم بجوائز عدة فى أنحاء العالم، حيث عرض من بينها: جائزة الجمهور فى «مهرجان الفيلم الأول الدولى» فى أنوناى فرنسا، جائزة لجنة التحكيم فى «المهرجان السينمائى لحقوق الإنسان» فى جنيف سويسرا، جائزة لجنة التحكيم فى «العروض الدولية لأفلام وتليفزيون المرأة» فى لوس أنجلوس، جائزة الجمهور فى «مهرجان بلد الوليد السينمائى» فى إسبانيا، شارك فى مهرجانات سينمائية فى تورنتو وكوريا الجنوبية والهند ولندن.

وفى النهاية، مى المصرى تتعامل فى الإبداع السينمائى الروائى تعاملها مع السينما الوثائقية، فلقد اعتمدت على ممثلين غير محترفين، وبدون سيناريو معد مسبقاً بالشكل المتعارف عليه، وديكورها مميز أقيم على أنقاض سجن عسكرى، ولأن أفلامها تتركز على فلسطين والشرق الأوسط فمن الرائع لنا أن تفوز بالعديد من الجوائز فى مهرجانات الأفلام فى جميع أنحاء العالم، والآن تكرم فى مهرجان الجونة.