عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

: «ورد مسموم»... من المدابغ إلى الأوسكار!

بوابة الوفد الإلكترونية

*حياة بسيطة بلا يأس... ولكنها لا تعرف الأمل

منطقة «المدابغ» فى القاهرة لها عالميًا الخاص وغرائبها الأكثر خصوصیة التى لا ینتبه لها بالعادة الذين يعيشون بها؛ لكن ربما ترصدها السينما فى فيلم سبق لمخرجه أن قدم من قبل فيلماً وثائقياً عن منطقة «المدابغ» فيلمه القصير الأول «جلد حي» (2011)؛ تلك المنطفة الشهيرة بتصنيع الجلود؛ والتى قرر المخرج المصرى أحمد فوزى صالح أن تكون جواز مروره للسينما الروائية من خلال فيلمه الروائى الأول «ورد مسموم»، فوظف المخرج منطقة المدابغ فى سياق العمل بشكل بصرى مميز استطاع من خلاله التعبير عن معاناة سكان المنطقة من فقر وتلوث وإهمال؛ معتمدا على طبيعة المنطقة من منشآت ومنازل دون بناء ديكورات.

 مستعيرا روحها من رواية «ورود سامة لصقر» التى صدرت فى بداية التسعينيات، والتى حولها مؤخرًا أحمد فوزى صالح لفيلم «ورد مسموم». والقصة تأليف «أحمد زغلول الشيطي» الروائى المصرى المعاصر، الذى لفت إليه الأنظار بشدة بعد صدور روايته «ورود سامة لصقر» الصادرة فى القاهرة فبراير 1990؛ والتى استقبلتها الأوساط الأدبية فى مصر وخارجها بحفاوة بالغة. والذى يعد واحدًا من أبرز الذين بدأوا الكتابة فى الثمانينيات والذين تحمل كتابتهم برغم انتمائها إلى تيار الحساسية الجديدة الرئيسى إلى مذاقها الفريد، ونكهتها المتميزة. ورغم أن أحداثها تقع فى دمياط فى الثمانينات، إلا أن الفيلم جعل أحداثها فى المدابغ، ولم يستعن أحمد فوزى صالح أثناء كتابته للسيناريو من شخصيات الرواية سوى بشخصية تحية، وهى الأخت المتفانية فى الوقوف إلى جوار شقيقها.

اننا هنا فى عالم أحد نماذج المهمشين فى مصر؛ نرصد دنيا المدابغ؛ وحياة أحد عمالها؛ حيث الحياة بعيدة عن آدمية الإنسان؛ مليئة بالصعاب والأزمات، يدلف المخرج إلى تفاصيلها من خلال قصة «تحية» الشابة، وشقيقها «صقر» الراغب فى الهجرة مبتعدا عنها تاركها وحيدة؛ والرائع همنا أن المخرج يبتعد عن استخدام البكائيات الطللية؛ ولكن شجن العمل يأتى من مجرد استعراض حياة الناس اليومية، بلا بطولات خارقة، حياة بسيطة بلا يأس ولكنها لا تعرف الأمل. إنه إحدى التجارب الجيدة البعيدة عن النمطية المعتادة فى أساليب الطرح لتلك النوعية من الموضوعات؛ وهو بذلك يخلق لغة سينمائية جديدة، يبدو فيها بوضوح بصمة المخرج الخاصة؛ وبالتالى لم يكن غريباً أن يتاح لأحمد فوزى صالح مخرج ومؤلف فيلم «ورد مسموم» العرض فى عدد من المهرجانات بأنحاء متفرقة من العالم، وحصد عدداً من الجوائز، ثم ترشحه ليمثل مصر فى مسابقة الأوسكار. وخاصة أن «ورد مسموم» بدأ العمل عليه منذ عام 2012؛ لنراه بعد ستة أعوام؛ والطريف أن السيناريو تم تعديله 4 مرات؛ وربما كان لشغف وإعجاب المخرج الشديد بالرواية وتعدد وجهات النظر التى تحويها سببا فى منح الفيلم قدرا من مخملية السرد السينمائى للعمل. وقد يفسر هذا لماذا لم يبق من الرواية سوى شخصية «تحية» التى تفنى نفسها لأجل أسرتها، ليصبح الفيلم حول حكايتها ووجهة نظرها فقط فى «صقر» وفى الحياة. فتشبث تحية بالأخ نابع من العقلية الذكورية التى تهيمن على المجتمعات العربية. وأن الحياة، تتركز وتتمحور حول الرجل، وكأن الفيلم يحاول إثارة الحوار والنقاش داخل المجتمع حول تلك القضية محركاً المياه الراكدة. إنه أطروحة حقيقية لما يعشش داخل

نسائنا من افكار أن عماد البيت هو الرجل؛ والمتمثل فى الفيلم فى صورة الأخ؛ رغم أن تحية نموذجاً للأنثى التى تبذل جهداً خرافياً من أجل استمرار البيت.

البعض رأى ان تلك العلاقة بين الاخ والاخت تشير بشكل خفى إلى «زنا محارم»، ولكن أنا أراها واقعا موجودا بالفعل، لا يمكن تأويله على هذا الشكل؛ وبرغم كل هذا الغموض الذى يكتنف العلاقة المعقدة بين الأخ وأخته.

 والرائع حقاً هو طرح الفكرة بالفيلم من خلال فريق معظم أبطاله يقدمون تجربتهم الأولى وبالتالى يملكون طاقة كبيرة، وحماس ورغبة فى التجديد، وليس لديهم خضوع للنمط السينمائى المتعارف عليه؛ إلى جانب خبرة محمود حميدة وصفاء الطوخى، وهذا هو أحد المقومات التى قام عليها الفيلم.

والمبهر فى تكنيك الفيلم الاعتماد فى الإضاءة على ضوء الشمس؛ وهذا أضفى للعمل مزيجا من الواقعية والحميمية؛ التى تبدو فى الطرح من خلال الصورة والظلال؛ وهى رؤية المخرج نجح فى تقديمها بحرفية مدير التصوير ماجد نادر رغم أنها أولى تجاربه.

وسيجد الجمهور نفسه أمام عمل عزف مخرجه على طرح فكرته بالمزج بين الفيلم التسجيلى والروائى، وخاصة أن السينما المعاصرة تشهد تداخلا وتشابكًا وتمازجًا من هذين الاسلوبين فى السرد السينمائى؛ ويلعب مثل هذا التداخل وأشكاله المتنوعة دورا لإعادة بناء الواقع وارتباطها المباشر بالمصداقية الفنية؛ فى تناول المواضيع الواقعية مما يجعل هناك نهجاً من الصدق الفنى فى تناول تلك المواضيع الاجتماعية والسياسية؛ تلك الروح التسجيلية المتمثلة بأصوات ماكينات الدباغة؛ وماء الصرف الملوّن؛ والحارات التى لا ترى نور الشمس؛ وتكاد تشتم رائحة عفونتها؛ والبشر المهمشين الذين يسيرون بين دروب المدباغ بلا هوية؛ معبراً عن روح العصر ومشكلاته؛ وساعد على ذلك أن المخرج يريد تقديم لون وطعم وبصمة جديدة، بهذا الخليط المدروس من المشاهد التسجيلية والتمثيلية وساعده على ذلك اختيار الملابس، والألوان، وحركة الكاميرا الحرة غير المتقيدة.

 أما شخصيات الفيلم فهى أنشودة من الشجن وعلى رأسها شخصية «كروان» محمود حميدة؛ وهو أحد الأبطال المساعدين فى العمل وأحد منتجيه كذلك.

ليبقى أننا فى النهاية أمام عمل طرحه مختلف عن السينما المصرية المألوفة وذلك فى حد ذاته نقطة إيجابية لصناع الفيلم.