عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حقيقة تحصين "السيسي"

بوابة الوفد الإلكترونية

لن ينتهي الجدل الدائر حول الدستور الجديد بمجرد انتهاء لجنة الخمسين من الصياغة أو حتي موافقة الشعب عليه في الاستفتاء فبعض مواد الدستور ربما تكون حاضرة لسنوات خاصة أنها يمكن أن ترسم أوضاعا جديدة لمؤسسات الدولة الحالية وتغير من خريطة القوي بينها.

فداخل أروقة لجنة الخمسين المكلفة بكتابة الدستور الجديد ازدادت حدة النقاشات وارتفعت الأصوات وارتفعت درجة حرارة الخلافات الي حد أنها وصلت الي الغليان في أحيان كثيرة بعد البدء في صياغة المواد الخاصة بالجيش وهي المواد التي تم تأجيلها الي حين حسم الخلافات فبعض المواد المفصلية التي شهدت توافقا غير متوقع بين القوي السياسية سرعان ما انتهي وتلاشي بعد صياغة المواد الخاصة بالجيش وتحديدا المادة 174 التي تحدد طرق محاكمة المدنيين أمام المحاكمات العسكرية بالإضافة الي المادة الأكثر خلافا وهي المادة 171 الخاصة بتحديد طريقة تعيين وزير الدفاع.
فما أن بدأت التسريبات تخرج من داخل اللجنة حول مضمون المادة التي تنص طبقا لما أكده بعض أعضاء اللجنة علي أن رئيس الجمهورية له الحق في تعيين وزير الدفاع من بين ضباط القوات المسلحة لمدة دورتين رئاسيتين «ثماني سنوات فقط» بعد موافقة المجلس الأعلي للقوات المسلحة عليه ودون الإخلال بحق الرئيس في عزله.
المادة بشكلها الحالي تختلف عن نظيرتها في دستور 2012 المعطل ودستور 1971 الملغي والتي كانت تنص فقط علي أن وزير الدفاع هو القائد العام للقوات المسلحة ويعين من بين ضباطه وكان لرؤساء الجمهورية السابقين الحق في اختار وزير الدفاع علي اعتبار أنها وزارة من الوزارات السيادية التي كان يختارها الرئيس بالتشاور مع رئيس الوزراء.
تجربة الإخوان في السلطة وما حدث بعد ثورة 25 يناير ربما كانت السبب الرئيسي في تفكير لجنة الخمسين في تحصين منصب وزير الدفاع وإبعاده عن سلطة الرئيس وما حدث من تحرش مستمر بين مؤسسة الرئاسة في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي والجيش كان حاضرا أثناء المناقشات خاصة أن الإخوان سعوا الي احتراق الجيش وامتلاك مفاصله لضمان ولائه للرئيس ولكن جاءت ثورة 30 يونية لتضع حدا فاصلا من الصراع.
فرؤساء الجمهورية السابقين حرصوا علي استقرار منصب وزير الدفاع وإبعاده عن سلطة الشارع واختيار المقربين منه فالرئيس الراجل جمال عبدالناصر اختار أقرب أصدقائه في منصب وزير الدفاع وهو المشير عبدالحكيم عامر ولكنه تخلص منه عقب نكسة 1967 وأعفي من كافة مناصبه وأحيل للتقاعد ثم وضع قيد الإقامة الجبرية في منزله قبل أن يتوفي بصورة غامضة.
الرئيس المخلوع حسني مبارك كان يتخوف كثيرا من وزراء الدفاع فحينما أسند المنصب الي المشير أبوغزالة وشعر بارتفاع شعبيته وحب الناس له كان يشعر بالغيرة من شخصيته وتعليمه العالي ولغاته فقرر إقالته وحينما قامت الثورة عليه كان حريصا علي أن يضمن ولاء الجيش له وطلب من المشير طنطاوي حلف اليمين كرئيس للوزراء ولكنه رفض.
أما تجربة الرئيس المعزول محمد مرسي مع وزير الدفاع فكانت الأكثر مرارة فالعلاقة بين الجيش والإخوان كانت أشبه بحالة حرب سرعان ما شهدت حالة من الهدنة الإجبارية عقب فوز مرسي بالرئاسة وظل كل طرف يتخوف من الآخر حتي أقدم الرئيس المعزول علي إقالة المشير طنطاوي وعدد من جنرالات القوات المسلحة وعين الفريق عبدالفتاح السيسي بدلا منه وبدت علاقته بالرئيس في أفضل أحوالها وسرعان ما تحولت تدريجيا الي صراع كامل بعد التحرش المستمر من مؤسسة الرئاسة بمنصب وزير الدفاع.
ربما تكون لجنة الخمسين متخوفة من تكرار نموذج «مرسي» مع وزير الدفاع خاصة أنه لو كانت 30 يونية قد مرت بسلام علي جماعة الإخوان لأطاحت علي الفور بالفريق السيسي واعتقلت عددا من جنرالات الجيش الحاليين وعينت أحد رجالها في منصب وزير الدفاع وهو ما كان يمثل خطورة علي مؤسسة الجيش التي لم تتأثر حتي الآن بحالة التراجع العامة في مصر والانهيار الذي أصاب مؤسسات الدولة ومازالت محافظة علي استقرارها وثباتها حتي الآن.
الرئيس القادم في مصر سيضع أمامه بالطبع تجربة حكم «مرسي» وربما يسعي الي تقليم أظافر المؤسسة العسكرية من اليوم الأول ويقبل علي سلسلة من الإقالات قد تتسبب في إحداث هزة داخل الجيش لضمان السيطرة عليه من البداية ولكن المادة الحالية تحصن وزير الدفاع لمدة 8 سنوات تكون البلاد قد شهدت فيها استقرارا سياسيا وانتهت حالة التناحر وبعدها سوف يسترد الرئيس سلطاته مرة أخري.
الحديث عن المادة 171 أعاد الي الأذهان التصريحات التي أدلي بها الفريق عبدالفتاح السياسي وزير الدفاع الي ياسر رزق رئيس تحرير صحيفة «المصري اليوم» والتي قامت بتسريبها شبكة «رصد» التابعة لجماعة الإخوان المسلمين والتي تحدث فيها عن ضرورة تحصين منصب وزير الدفاع وتسمح له بالعودة باستئناف دوره لو لم يصبح رئيسا وهي التصريحات التي تطرح سؤالا عن علاقة المادة 171 بترشيح الفريق السيسي وهل تدعم موقف الرجل في الانتخابات؟
القراءة الأولي للمادة تقول إنها لا تدعم موقف الفريق عبدالفتاح السيسي في الترشيح للانتخابات فلو أن الرجل يريد الترشيح فلماذا تحرص لجنة الخمسين علي التقليل من سلطته في اختيار وزير الدفاع والعكس هو الصحيح فالمادة تلمح الي أن «السيسي» يريد أن يبقي في منصبه ليصبح بعيدا عن رغبة أي رئيس قادم في الإطاحة به أو المساس بالمؤسسة العسكرية فالتحصين يؤكد بوضوح أن العسكر غير راغب في السلطة خاصة أنه حتي الآن لم يؤكد أو ينفي تفكيره في الترشح للانتخابات الرئاسية.
الإخوان وأنصارها من أعضاء تحالف الشرعية بدأوا في الترويج للمادة 171 علي  اعتبار أنها تحصين للفريق السيسي وأنها تدعمه بشكل مباشر للانتخابات.
ولم يفكر ببغاوات الجماعة في أنهم السبب الحقيقي وراء تلك المادة فبعد أن وصلوا الي السلطة علي طريق محمد مرسي بدأوا عملية التحرش المبكر بالمؤسسة العسكرية في أول خطاب للمعزول في ميدان التحرير وقاموا بإقالة المشير طنطاوي والفريق سامي عنان من مناصبهم وكانوا يبيتون النية للإطاحة بالسيسي ورئيس أركانه ولكن الثورة أحبطت هذا المخطط ولولا خروج الشعب في 30 يونيو لعانت المؤسسة العسكرية من الانقسام.
الجيش هو المؤسسة الوطنية التي تقف عليها البلاد الآن ولولاها لتحولت مصر الي ليبيا أو عراق آخر والجماعة وأنصارها يريدون نشر العنف والفوضي ويجرون البلاد الي تلك الفوضي المتعمدة ولولاهم لما فكرت لجنة الخمسين في تحصين المنصب لمدة 8 سنوات.
الدكتور مصطفي كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية قال إن هذه المادة تأتي في إطار حرص الجيش علي الاستقلال مهما كان اسم الشخص الموجود في المنصب والأوضاع التي تعيشها البلاد الآن منذ ثورة 25 يناير وحتي الآن غير مستقرة ولم يكن قبل ذلك أي قيد علي رئيس الجمهورية في اختيار وزير الدفاع ولم يكن النص الخاص بموافقة المجلس الأعلي للقوات المسلحة موجودا من قبل.
وأشار الي أن هذا النص يتعارض مع إرادة الشعب الذي ما أن قررت اختيار رئيس فيجب أن يختار من يعمل معه بالاتفاق مع رئيس الوزراء الذي يختار أفضل من يعمل معه من الوزراء لتكون حكومة ناجحة ولا يجب أن يعوق اختيارهم أي مؤسسة.
وقال إن المؤسسة العسكرية جزء من السلطة التنفيذية والوضع المعروض حاليا يحد من سلطات الرئيس التنفيذية بوجود رقابة علي تصرفاته ولكن الوضع الحالي يمكن أن يفرض إجراءات استثنائية لفترة معينة لحين استقرار الأوضاع.
وأكد أن الحل يكمن في الفصل بين منصب وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة لتفادي أي خطأ فيمكن للرئيس اختيار وزير دفاع لا يشترط أن يكون عسكريا ويمكن أن يكون مدنيا ويختص بمناقشة الميزانية والسياسة العامة مع الرئيس

ويختار المجلس الأعلي للقوات المسلحة القائد العام الذي يختص بكل أوضاع الجيش الداخلية حيث يقرر حق القوات المسلحة في اختيار قياداتها وعدم المساس بحق الرئيس ورئيس الوزراء في اختيار وزير الدفاع.
وأشار مصطفي بكري البرلماني السابق الي أن المادة 171 من الدستور هي تحصين للقوات المسلحة وليس تحصينا لوزير الدفاع خاصة أن الفترة الماضية شهدت محاولات مستمرة لعزل الفريق السيسي من قبل الرئيس المعزول محمد مرسي وحاول أن يسير به في طريق المشير طنطاوي والفريق سامي عنان وتلك المادة تحصن الجيش من أي رئيس يريد أن يتغول عليها ويسعي الي هدمها.
وقال إن المادة وضعت لأن الأوضاع التي تعيشها البلاد تشهد ظروفا استثنائية ووضعت لفترة انتقالية لمدة 8 سنوات فقط وهذا الأمر يحمي المؤسسة العسكرية.
وقال إن هذه المادة لا علاقة لها بشخص الرئيس القادم فلا أحد يعلم من سيكون الرئيس كما أنها تحمل تأكيدا علي أنه لا توجد نوايا من الجيش للتدخل في الانتخابات فهو يريد أي رئيس يأتي بانتخابات ويحترم مؤسسات الدولة.
وأشار الي أن مجلس القضاء الأعلي من حقه اختيار النائب العام وهناك مؤسسات أخري تختار من يترأسها ومن حق الجيش أن يحمي استقراره وعدم المساس به.
وقال إن حق اختيار وزير الدفاع بيد قيادات الجيش قاعدة تطبق علي الفريق السيسي وغيره من وزراء الدفاع وهدفها أمن القوات المسلحة وحمايتها من أي محاولات للاختراق وهذه المادة تحمي أى إجراءات استثنائية يتخذها الرئيس القادم ضد وزير الدفاع.
وأكد محمد أنور السادات رئيس حزب الإصلاح والتنمية أن تلك المادة لا يجب أن نقف كثيرا أمامها فهي مثل حق مجلس القضاء الأعلي في اختيار النائب العام وحق  كل المؤسسات في اختيار من يرأسها والمادة يجب ألا تثير مخاوف أحد، خاصة أن المادة منحت الحق لرئيس الجمهورية في عزل وإقالة وزير الدفاع دون الرجوع الي المجلس فهي مادة متوازنة، وأشار الي أن تلك المادة لا تستدعي كل هذا الخوف واللجنة التي وضعتها منحت لها فترة انتقالية لمدة 8 سنوات فقط.
وأشار الي أنه ليس هناك أي خوف من وصول أي مرشح إخواني الي السلطة وأن تلك المادة لا علاقة لها بتلك المخاوف علي الإطلاق كما أنها ليس لها أي علاقة بترشيح «السيسي» أو عدم ترشيحه، فالمادة تشير الي أنه لا يفكر في الترشيح علي الإطلاق.
وقال إن المادة لا تتحدث عن شخص وإنما تتحدث عن مؤسسة وكون وزير الدفاع الآن الفريق «السيسي» فهو لن يستمر في هذا المنصب الي أبد الدهر ولكن المادة تحمي المؤسسة العسكرية من أي تدخل قد يضر بها.
وقال الدكتور أحمد يونس أستاذ العلوم السياسية لو أن الجيش يبحث عن امتيازات في الدستور لحصل عليها في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، ففي الدستور المعطل القوات المسلحة حصلت علي كل ما تريد من امتيازات وكل ما طلبته من الدستور المعطل حصلت عليه وكان يمكنها أن تملك أكثر من ذلك لو أرادت خاصة أن الإخوان كانت حريصة قبل الاستفتاء علي الدستور المعطل علي أن ترضي القوات المسلحة وتمنحها ما تريد.
وقال: لا مجال الآن للحديث عن رغبة عسكرية في التحصين، ففكرة الحماية تأتي للمؤسسة العسكرية كلها من تدخل أي رئيس، فماذا سنفعل لو جاء رئيس من أي حزب آخر يريد أن يفرض رجاله علي المؤسسة العسكرية ويضمن سيطرته علي القوات المسلحة.
وقال إن القوات المسلحة ملك للشعب ولا يمكن أن تسير في عكس رغبته والحفاظ علي استقرارها هي صمام الأمان الخاص لحماية الدولة من الانهيار فالأزمة الواقعة في عدد من بلدان الربيع العربي أنها لا تملك جيشا قويا يقوم بحماية الدولة.
وأكد أحمد بهاء الدين شعبان وكيل مؤسس حزب التحالف الاشتراكي أن المادة 171 تحصين للمنصب وليس للأشخاص، وما حدث في الفترة الأخيرة من إصرار إخواني علي هدم الجيش وعمل انشقاق داخله لفرض ميليشياتها علي الدولة وتحويل عقيدة الجيش لذلك كان الحل في تلك المادة التي تضع صمام الأمان للجيش وتفرض ستار حماية.
وقال إن الموقف بعد الثورة أضر بالجيش ولم يعد هناك أي إمكانية للسير عكس الرغبات الشعبية ولا السير في طريق اللاشرعية ولذلك فلا خوف من أن يتحول الجيش الي قوة، خاصة أن الرئيس سيبقي القائد الأعلي للقوات المسلحة.
وأضاف أن ما حدث في الفترة الأخيرة جعل لتلك المادة أهمية خاصة وتلك المادة طمأنت الضباط علي وضع المؤسسة الوحيدة الصامدة في مواجهة العنف والفوضي وأي رئيس سيحاول تغيير عقيدة الجيش الوطنية سيواجه بالقوة والإرادة الشعبية التي تعطي غطاء لأي تصرف يحدث ويمنحه الشرعية القانونية.
وقال إن المادة ليس لها علاقة بترشح الفريق السيسي للرئاسة، ولو ترشح الي الرئاسة لن يستفيد من تلك المادة بل إن المادة تشير الي أنه لا يفكر في الترشح ويفكر في البقاء في منصبه، ويريد أن يحافظ علي استقرار المؤسسة الوطنية، وهذه المادة لا علاقة لها بالسيسي ولو أراد الجيش أن يحصل عليها لحصل عليها في الدستور المعطل.