رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لماذا تبني أمريكا شبكات علمانية مصرية ؟!


قبل أن تندلع الثورات العربية وتنجح في مصر وتونس وتقوض دعائم حكم القذافي وصالح وبشار الأسد ، كانت الولايات المتحدة الأمريكية تتبع استراتيجية أو أسلوبا بدأته منذ هجمات 11 سبتمبر 2001 يقوم علي محاولة حصار القوي الوطنية والاسلامية النشطة في البلدان العربية والاسلامية من جهة ، وتنشيط القوي العلمانية الليبرالية ذات الأجندة الغربية ، ودعمها عبر وسائل مختلفة مالية وتدريبية .
ضمن هذه الخطة الأولي لمحاربة هؤلاء الوطنيين والاسلاميين جاءت خطة ما سمي (بناء شبكات مسلمة معتدلة) Building Moderate Muslim Networks التي كشفتها مؤسسة "راند" RAND البحثية التابعة للقوات الجوية الأمريكية عام 2007 ، واطلعت عليها (بوابة الوفد) التي استهدفت باختصار خلق مواطنين عربا ومسلمين يوصفون بأنهم معتدلون أو صوفيون ولكن بالمواصفات الأمريكية ، بمعني أن يمارسوا طقوس الاسلام العادية ولكنهم لا يؤمنون بالشريعة منهجا في حياتهم ويعيشون علي النهج الغربي إجتماعيا بمصاحبة الفتيات وإقامة علاقات خارج مؤسسة الزواج الشرعية ، وغير ذلك أي يكونوا ليبراليين علمانيين غربيي التوجه لا ليبراليون وطنيون ولا إسلاميون بالطبع !
أما الجانب الآخر الأخطر فكان ما يمكن تسميته إعادة غسيل مخ الطبقة المثقفة عبر رحلات الي أمريكا وإعانة ودعم الليبراليين منهم والمعادين للفكر الاسلامي والوطنية المحلية المؤمنة بالحضارة العربية تحديدا .
وعقب ثورة 25 يناير وظهور دور قوي للتيارين الوطني والاسلامي ، خصوصا الاخوان والسلفيين وعودة الحديث بقوة عن الشريعة الاسلامية كمرجع حضاري للحياة في مصر بعد الثورة ، وحرية العمل للاسلاميين علي اختلاف أطيافهم ، فضلا عن ظهور قوتهم في الشرع المصري واستعانة الجيش ببعض قادتهم لحل مشكلات سياسية أو طائفية ، ودعمهم استفتاء تعديل الدستور الذي جاءت نتائجه بأغلبية 77% ، زادت المخاوف الأمريكية والغربية وبدأ الشق الثاني من هذه الخطة القديمة ينشط وهو دعم القوي الليبرالية العلمانية كي تكون قادرة علي منافسة الوطنيين والاسلاميين في الانتخابات الحرة المقبلة .

العلمانية بملعقة الديمقراطية !
من هنا بدأت تنشط الخطط الأمريكية القديمة عبر مراكز أبحاث ممولة من الحكومة الأمريكية لما يسمي تدريب مصريين وتونسيين علي الديمقراطية (!) في حين أن الهدف هو إطعامهم العلمانية بملعقة الديمقراطية والسعي لخلق شبكات علمانية ليبرالية قوية قادرة علي منافسة التيارات الاسلامية في الانتخابات المقبلة والتأثير علي الشارع المصري ، علما بأن هذه الخطط الأمريكية – تماما مثل خطط بناء شبكات مسلمة معتدلة - لا تستثني (اليساريين) منها بل تحرص علي ضمهم لها باعتبار أن هدفهم واحد !.
من هنا ، جاء إعلان "المعهد القومي الديمقراطي" National Democratic Institute ، الممول من الحكومة الامريكية مباشرة ، انه يقوم حاليا بتدريب نشطاء وسياسيين مصريين وتونسيين لمواكبة التغييرات السياسية في البلدين العربيين استعدادا للانتخابات القادمة ، وأنه جلب مسئولين وسياسيين أجانب مقربين من واشنطن الى مصر "في سلسلة من الاستشارات مع قادة سياسيين مصريين ومع نشطاء مدنيين حول التغييرات السياسية" في البلد العربي وذلك بعد سقوط الرئيس المصري السابق حسني مبارك والرئيس التونسي زين العابدين بن علي .
فوفق الوثيقة التي أعدها المعهد : "رتبت الولايات المتحدة لزيارة حلفاء لها من بولندا واندونيسيا الى القاهرة لتعليم النشطاء وبعض السياسيين المصريين كيفية التحرك السياسي في الفترة القادمة والمتوقع فيها تنافس بين القوى الموالية للغرب وبعض الاحزاب الإسلامية والاحزاب القومية" .
وذكرت الوثيقة أن زيارات أخرى قام برعايتها المعهد لمسئولين من الصرب ومن رومانيا ومن تشيلي لتعليم النشطاء المصريين تجارب تلك الدول في التحول الى النموذج الغربي للديمقراطية.
وقال المعهد إن من هؤلاء السياسيين الأجانب الذين زاروا مصر للقاء الاحزاب المصرية كان منهم : وزير الدفاع البولندي وعضو جبهة التضامن البولندية الموالية لواشنطن جانوسيز اونشيكفيتز ومنهم كذلك الجنرال الاندونيسي المتقاعد اجوس ودجوجو
والملفت أن النقاشات هنا – بحسب المعهد – تركزت على كيفية تحضير منظمات المعارضة للانتخابات في وقت سريع وكيفية تعليمهم طرق التغلب على خلافاتهم وانقساماتهم الداخلية ثم كيفية التحرك في فترة انتقالية يتم توجيهها من قبل العسكريين بدون مشاركات كبيرة من الشعب .

لماذا لم يعلنوا عن أنصارهم في مصر ؟
ولأن اللعبة غامضة وخبيثة ، فلم تفصح الوثيقة عن أسماء الاحزاب أو النشطاء المستفيدين من التمويل الامريكي او توقيتات التدريب ، برغم أن هؤلاء معروفون وهم من القوي الليبرالية والعلمانية المعروفة ، حيث يسعي المعهد القومي الديمقراطي هنا لـتعليم هؤلاء : "تطوير مهارات واستراتيجيات للحملات الانتخابية وطرق جديدة للحملات مثل التحرك من بيت الى بيت، ومنزل لمنزل وهي الاساليب التي كان يقاومها ويرفضها النشطاء المصريون في السابق (لأسباب أمنية) ".
المعهد الذي مقره العاصمة الأمريكية واشنطن ويتلقي تمويله من هيئة المعونة الامريكية ووزارة الخارجية، نقل عن (سيرجيو بيتار)، وهو سياسي من دولة تشيلي، قوله إنه التقى بالقادة الشباب الذين اشتركوا في المظاهرات التي أطاحت بالرئيس مبارك علاوة على قادة لبعض الاحزاب المصرية ، ولم يعرف أحد متي ومن قابل ؟ ولا اين عقدت هذه اللقاءات ؟ .

اللعبة نفسها في تونس
ولأن تونس شهدت عودة قوية أيضا للتيارات الاسلامية والوطنية وحركة النهضة ، فقد أكد المعهد في وثيقته عن أنشطته في شمال افريقيا أن :"المعهد القومي الديمقراطي بدأ في جولة ثانية من الابحاث ليدرس ما هي رؤية التونسيين للاحزاب السياسية، وما هي أكثر القضايا التي تقلق المواطنين هناك" ، وقال إن المعهد سيقوم باطلاع الاحزاب على نتائج أبحاثه لمساعدتهم في كتابة سياستهم واستراتيجيات الحملات لمواجهة احتياجات التونسيين" ، حيث تستعد تونس لأول انتخابات ديمقراطية لها لأكثر من 20 عاما حدد موعدها في 24 يوليو المقبل ، وقال المعهد إنه جلب سياسيين من دول مثل بلغاريا والمجر والبرتغال للتشاور مع الاحزاب التونسية قبيل الانتخابات.

هل ينجح الأمريكان ؟!
لا خلاف علي أن هذه الخطة الأمريكية المتعلقة بما يسمي دعم الديمقراطية في العالم العربي ودعم قوي ليبرالية بعينها ، فشلت من قبل لأسباب عديدة منها التضييق عليها من قبل الحكومات الديكتاتورية ، والأهم لكشف القوي السياسية المصرية لها وعدم الانخراط في أنشطتها سوي من قبل نخبة شبابية وسياسية علمانية لا أرضية شعبية لها في مصر
.
وبرغم انهيار القيود الأمريكية وانطلاق هذه الخطط الأمريكية والأوروبية في محاولة التأثير علي الساحة الداخلية لتقوية أنصارهم من العلمانيين والليبراليين أنصار الفكر الغربي ، إلا أن العقبة الكبري لا تزال هي الرفض الشعبي الغالب لهؤلاء العلمانيين وتدين الشعب المصري عموما – مسلمين وأقباط - وقناعته بالشريعة كمنهج حياة لا مجرد حدود كما تختصره الاطروحات التي تسعي لتشويه صورة الشريعة أو لا تفهم ما معني الشريعة .
وقد ظهر أول اختبار لهذه القوي فيما سمي جمعة الغضب الثانية التي قالت عنها صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" الأمريكية : (إن الثورة الثانية أو ما عرف بـ"جمعة الغضب الثانية"، فى مصر ، هي دليل جديد على فشل الليبراليين في تنظيم أنفسهم في مرحلة ما بعد الثورة والتوحد بقوة سياسية تكون قادرة على مواجهة جماعة الإخوان المسلمين) ، بصرف النظر عن المطالب النبيلة التي رفعتها قوي ثورية أخري شاركت في هذه الجمعة .
أما أكثر ما يدفع هؤلاء للفشل ولا يدركه التصور الأمريكي ، فهو إدراك الشعب المصري والعربي جيدا أن أمريكا عدو حقيقي لهم لأنها تدعم الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين وتعرقل كل الخطط العربية للتقدم ، فـ "معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى" أحد مراكز الأبحاث الأمريكية التابعة للوبي الصهيوني الأمريكي مثلا والمرتبط بقوة بـ"مركز جافي للدراسات الإستراتيجية في جامعة تل أبيب" سعي لوضع دراسات أخري عن الثورات العربية ظهر منها أن الهدف هو فقط مصالح اسرائيل .
والدراسة الأخيرة التي صدرت عن هذا المعهد (نشرة المجهر السياسي رقم 110 بتاريخ 14 أبريل 2011 ) وتتحدث عن التحديات التي تجابه مصر والعالم بعد ثورة 25 يناير وكتبها (ديفيد شينكر) ، كانت تركز علي التغير المرتقب في السياسة الخارجية المصرية تجاه أمريكا واسرائيل واتباع "سياسة خارجية تعكس نزعة شعبوية" (أي مناهضة للغرب) .
ولاحظ هنا أن هدف أي دراسة لهذا المعهد وأي جهة أمريكية أو أوروبية بها نفوذ للوبي الصهيوني تركز علي مصالح اسرائيل وهل تتضرر ؟ وكيف نعالج هذا الضرر؟ ، دون أن تتحدث عن الأصول الديمقراطية والحريات وحق الاختيار التي ينادي بها الغرب لنفسه فقط !
فدراسة (شينكر) – الذي شغل سابقاً منصب كبير المساعدين للشئون السياسية في وزارة الدفاع الأمريكية المختص بدول المشرق العربي - والمقدمة أيضا للإدارة والكونجرس تركز علي مزاعم دعم القوي الليبرالية العلمانية في مواجهة الاسلاميين خصوصا جماعة (الاسلام هو الحل) كما تقول ، وكذا استمرار الروابط مع الجيش المصري عبر المعونة الأمريكية كنوع من استمرار النفوذ الأمريكي في هذه القوة المؤثرة في مصر !.
وتؤكد أنه : (ينبغي على واشنطن أن تساعد القاهرة على قيام حكومة جديدة بقيادة الليبراليين، والاستثمار بقوة وبسرعة في نجاحها خشية من أن يقوم الإسلاميون - سواء من جماعة «الإخوان المسلمين» أو "حزب الوسط" أو الناشط عمرو خالد - باستغلال فشلها).
كما تدعو هذه الدراسة واشنطن لتكثيف دعمها لمنظمات ليبرالية مصرية تدعم الديمقراطية عبر تقديم التمويل لـ "المعهد الديمقراطي الوطني" و"المعهد الجمهوري الدولي"، وكذلك "المؤسسة الدولية للأنظمة الانتخابية" - وجميعها أمريكية - للعمل مع المنظمات المصرية غير الحكومية (الليبرالية) أثناء هذه الفترة المعقدة المقبلةً.
وتدعو الدراسة أيضا إدارة أوباما لدعم (ديمقراطية ليبرالية) وأن توضح هذه الادارة علنا أن الولايات المتحدة لا تريد (إسلاميين غير ليبراليين) في السلطة، وأنها تسعى بدلاً من ذلك إلى تعزيز الديمقراطية والليبراليين الديمقراطيين !!.
لا يمكن أن نصف ما تفعله أمريكا وأوروبا مما يسمونه دعم المصريين والتونسيين وتعليمهم الديمقراطية سوي أنه محاولة لسرقة الثورات العربية وتوجيهها لصالح أنصارها ومتلقني أفكارها الليبرالية العلمانية لا الوطنية ، وإبعاد الاسلاميين ومنع تحول مصر الي دولة إسلامية حقيقية ، فالغرب لم يعتد علي إنفاق دولار واحد إلا لمصالح محددة برجماتية (نفعية) ، وأهداف معينة تعود عليه بمنافع أكبر ، وهو يخشي أن تضيع الثورات العربية نفوذه في المنطقة وتهدد أمن تل ابيب لهذا ينفقون أموالهم لحرف الثورة عن وجهتها تارة أو دعم ركوب العلمانيين والليبراليين لها ، ليبعدوها عن وجهتها الوطنية الحضارية الاسلامية الطبيعية.