رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الدولار يُعمق جراح الصناعة المصرية

بوابة الوفد الإلكترونية

يعانى الاقتصاد المصرى خلال الفترة الحالية أزمة خانقة بسبب نقص النقد الأجنبى وخاصة الدولار، ما تسبب فى اتخاذ إجراءات اقتصادية صعبة كان أهمها انخفاض قيمة الجنيه المصرى أمام العملات الأجنبية بشكل كبير، حيث تخطى حاجز الثلاثين جنيها أمام الدولار الذى يعتبر العملة الأساسية المستخدمة فى التجارة الدولية واستيراد المنتجات من الخارج.

وقد كان لهذه الأزمة آثار كبيرة على القطاع الصناعى، وخاصة أن معظم المصانع تعتمد على استيراد المواد الخام ومستلزمات الإنتاج من الخارج، ما أدى إلى زيادة الطلب على الدولار وبالتالى ارتفاع سعره إلى مستويات تاريخية، أدت إلى اتخاذ إجراءات صعبة منها وقف الاستيراد بمستندات التحصيل والتعامل بالاعتمادات المستندية، حيث تسبب ذلك فى تراكم البضائع والمواد الخام فى الموانئ المصرية لشهور، وهو ما تسبب بدوره فى تعطل الكثير من المصانع وإغلاق بعضها، وارتفاع أسعار منتجات المصانع الأخرى، وأصبح العديد منها مطارد بالإفلاس.

 

إلا أنه حدثت بعض الإجراءات الإيجابية خلال الفترة الأخيرة، كان أهمها بداية الإفراج عن شحنات من الموانئ بمليارات الدولارات ما أدى إلى تفاؤل حذر فى مجتمع الأعمال بقرب انفراج الأزمة الحالية وعودة الاستقرار إلى الأسواق من جديد.

ومن المعروف أن هناك مصادر متعددة للعملات الأجنبية يعتمد عليها الاقتصاد المصرى، أبرزها السياحة والصادرات وتحويلات المصريين فى الخارج والاستثمارات الأجنبية وغيرها، إلا أن هناك ظروفًا دولية وبعض الأخطاء فى السياسات الاقتصادية الداخلية أدت إلى حدوث مشكلات فى التدفقات المالية من هذه المصادر ونقصها خلال الفترة الماضية، مع تزايد الضغط على الاحتياطى النقدى الأجنبى فى ظل حاجة البلاد لسداد الالتزامات الدولية الخاصة بأقساط الديون وفوائدها، فضلا عن توفير السلع ومستلزمات الإنتاج.

وبحسب بيانات ميزان المدفوعات، التى أعلنها البنك المركزى عن العام المالى 2021/2022، فإن عجز ميزان المعاملات الجارية فى مصر بلغ 16.6 مليار دولار، ووصلت واردات مصر خلال عام 2021 إلى 76.79 مليار دولار، فيما بلغت الصادرات نحو 43.9 مليار دولار، أى أن العجز بين الصادرات والواردات يقدر بـ33 مليار دولار.

ورغم ذلك فهناك بعض المؤشرات الإيجابية، منها وصول تحويلات المصريين فى الخارج إلى 31.9 مليار دولار، وارتفاع صافى تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى 8.9 مليار دولار، فضلا عن تحقيق قناة السويس أعلى معدل إيرادات لها فى التاريخ بقيمة 7 مليارات دولار.

 

لكن هذه الإيرادات تحتاج إلى العمل على زيادتها لمواجهة النقص فى التدفقات الدولارية وسداد الالتزامات الدولية وتحقيق استقرار سوق الصرف، والحفاظ على سعر متوازن بين الجنيه والعملات الأخرى.

ومن أجل دعم ومساعدة القطاع الصناعى عقد رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى اجتماعا مؤخرا، مع رجال الأعمال والمستثمرين، أكد خلاله مواصلة الحكومة العمل على دعم وتشجيع القطاعات الإنتاجية، وتعزيز الإنتاج المحلى، من خلال التركيز على القطاعات ذات الأولوية، ولاسيما قطاعى الصناعة والزراعة؛ لتحقيق المستهدفات التنموية والاقتصادية للدولة المصرية، وزيادة قدراتنا على مواجهة تداعيات الأزمات العالمية.

 

وأعلن وزير المالية الدكتور محمد معيط عن مبادرة جديدة لدعم القطاعات الإنتاجية تتمثل فى خفض أسعار الفائدة على القروض المقدمة لهذه القطاعات؛ لمساعدتها فى مواجهة التداعيات السلبية للحرب الروسية الأوكرانية والظروف الاقتصادية الصعبة التى تعانى منها مصر؛ بحيث تكون القيمة الإجمالية للمبادرة المقترحة، التى تبدأ اعتبارا من موافقة مجلس الوزراء عليها ولمدة خمس سنوات، حوالى 150 مليار جنيها، منها نحو 140 مليار جنيه لتمويل عمليات رأس المال العامل، بالإضافة إلى نحو 10 مليارات لتمويل شراء السلع الرأسمالية.

 

وأوضح وزير المالية أنه سيتم تحديد حجم الائتمان المتاح لكل شركة فى ضوء حجم أعمالها والقواعد المصرفية المنظمة لذلك، مؤكدا أنه سيتم تقديم التمويل للشركات المنضمة للمبادرة بواقع سعر فائدة منخفض يبلغ 11%، على أن تتحمل الدولة الفرق فى سعر الفائدة.

وأشارت جمعية رجال الأعمال المصريين إلى أن الحد الأقصى للتمويل سيكون 75 مليون جنيه لكل شركة، وأن الدراسات التى توصلت إليها الحكومة أفادت بأن نحو 81% من الشركات المستفيدة من مبادرة 8% السابقة حصلت على تمويل بحد أقصى 100 مليون جنيه.

كما أعلنت وزارة المالية عن تعديل اللائحة التنفيذية لقانون الضريبة على القيمة المضافة بتعليق وإسقاط الضريبة عن بعض البنود، أهمها تعليق أداء الضريبة المستحقة على الآلات والمعدات الواردة من الخارج أو المشتراة من السوق المحلية للمصانع والوحدات الإنتاجية لاستخدامها فى الإنتاج الصناعى، بحيث يقدم المنتِج الصناعى للجمرك المختص مستندًا معتمدًا من الجهة الفنية المختصة، بأن تلك الآلات والمعدات مخصصة للاستخدام فى الإنتاج الصناعى المرخص به للمصنع أو الوحدة الإنتاجية، وإذا كان استيراد الآلات والمعدات بغرض الاتجار يجب على المستورد التقدم للجمرك المختص بالمستندات الدالة على التوريد للمنتِج الصناعى لاستخدامها فى الإنتاج الصناعى المرخص به للمصنع أو الوحدة الإنتاجية.

وأشارت الوزارة إلى أن تعليق أداء الضريبة سيكون لمدة سنة من تاريخ الإفراج عن الآلات والمعدات من الجمرك أو الشراء من السوق المحلية، ويجوز لأسباب مبررة تقبلها المصلحة مد هذه المدة لمدة أو لمدد أخرى بما لا يجاوز مجموع المدد الإضافية سنة كحد أقصى، فإذا ثبت للمصلحة استخدام هذه الآلات والمعدات فى الإنتاج الصناعى خلال هذه المدة أُعفيت من هذه الضريبة، وتم إسقاطها عنها فور بدء الإنتاج، وفى هذه الحالة يحظر استخدامها فى غير الأغراض التى أُعفيت من أجلها خلال السنوات الخمس التالية للإعفاء قبل إخطار المصلحة وسداد الضريبة المستحقة، وفقًا لحالتها وقيمتها وفئة الضريبة السارية فى تاريخ السداد.

 

تأثير كبير

فى هذا الصدد، قال الدكتور عبدالنبى عبدالمطلب، الخبير الاقتصادى ووكيل وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية سابقا، إن ارتفاع الدولار خلال الفترة الماضية والذى قد يستمر الفترة المقبلة سوف يؤثر بشكل كبير على كافة الواردات بما فيها المواد الخام ومستلزمات الإنتاج للمصانع.

وأضاف «عبدالمطلب»، أن الإفراج عن بعض المواد الخام ومستلزمات الإنتاج خلال الفترة الأخيرة تم عندما كان سعر الدولار يقترب من 30 جنيها، وبالتالى المصانع التى اشترت هذه المستلزمات سوف تبيع إنتاجها فى الأسواق بأسعار مرتفعة، وهذا سيؤثر على المستهلك النهائى.

وأوضح الخبير الاقتصادى، أن هناك مجموعة من العوامل التى تضافرت وأثرت بشكل كبير على قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة فى هذه الأزمة، أهمها نقص الدولار وصعوبة توفير المواد الخام خلال الشهور الماضية، إضافة إلى إصدار البنوك شهادات استثمار جديدة بفائدة 25% والتى ستؤدى إلى إغراء عدد كبير من صغار المستثمرين لتصفية نشاطهم وإيداع أموالهم فى البنوك وضمان الحصول على عائد كبير لمدة سنة دون مشاكل أو ضرائب أو رسوم حكومية، ولذلك فإن خروج هذه المشروعات من العمل سوف يؤدى إلى نقص الإنتاج المعروض فى السوق وبالتالى ارتفاع أسعار السلع ونعود مرة أخرى إلى دوامة التضخم.

وأشار إلى أن الحلول الأفضل من أجل تقليل الآثار السلبية للأزمة الحالية، تتمثل فى إعلان الحكومة حوافز ضريبية لأصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة أو إعفاءهم لمدة عام كامل من الضرائب والرسوم المفروضة عليهم، وتقديم بعض الخدمات لهم بأسعار مخفضة مثل الغاز والكهرباء والمياه وغيرها، كما يمكن تقديم مبادرات رئاسية لتمويل توسيع المشروعات بأسعار فائدة تنافسية تتراوح بين 5 و7%.

 

معاناة

وقال نقيب المستثمرين الصناعيين، محمد جنيدى، إن القطاع الصناعى يعانى أشد المعاناة خلال الفترة الحالية بسبب الأزمة الاقتصادية والقرارات المختلفة

التى يتم اتخاذها.

وأضاف «جنيدى»، أن الوضع أصبح غير محتمل، وهناك العديد من المصانع مازالت تقاوم الإغلاق والإفلاس، مشيرا إلى أن المخرج الوحيد للقطاع الصناعى وللأزمة الاقتصادية بشكل عام، هو تنفيذ المقترحات العملية والعلمية التى تقدمت بها نقابة المستثمرين الصناعيين إلى رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء أكثر من مرة خلال السنوات الماضية.

وأكد النقيب أن كل تأخير فى تنفيذ هذه المقترحات سيؤدى إلى تعقيد المشكلة والحلول فى نفس الوقت، قائلا: «ألم يأن الأوان لأخذها فى الاعتبار نرجو ذلك وندعو الله أن يوفق أولى أمرنا».

وأوضح «جنيدى»، أن النقابة قدمت مذكرة بالمشاكل التى يعانى منها القطاع الصناعى واقتراحات الحلول لأكثر من جهة فى الدولة، مشيرا إلى أن من أبرز هذه المشاكل حاجة المستثمرين إلى التعامل مع منظومة متكاملة للقطاع وليس جزءًا أو أجزاء منه فقط كما يحدث دائما.

وأضاف نقيب المستثمرين الصناعيين، أن هذه المنظومة المتكاملة لا تشمل حل مشكلات الأراضى الصناعية والمرافق فقط، وإنما حل مشكلات السياسات المالية والمصرفية والنقدية والإجراءات الحكومية، مقترحا تكوين مجموعة وزارية اقتصادية مع هيئة التنمية الصناعية تحت قيادة رئيس الوزراء أو أحد نوابه، بحيث يكون قادرًا على التنسيق بشكل كامل بين السياسات المالية والمصرفية والضريبية، وألا يكون كل طرف فى واد بعيد عن الآخر.

وأشار إلى أن كل جهة بفى مصر تعمل بعيدة عن الأخرى رغم ارتباط كل منها بالأخرى، فالجهات المالية لا تنظر إلا إلى كيفية تحصيل الضرائب من المصانع، والجهات المصرفية والنقدية لها أهداف قد تتعارض مع أهداف الجهات المالية، وهكذا مع الجهات الأخرى، ولذلك نحن فى حاجة إلى التنسيق بين مختلف الجهات تحت قيادة واحدة، وبدون ذلك لن تحل مشكلات قطاع الصناعة.

وطالب «جنيدى»، بحل مشكلات المصانع المتعثرة مع الجهاز المصرفى، وإلغاء فوائد الديون على المصانع وإعادة تشغيلها من جديد لتسويق منتجاتها المحلية فى الأسواق، لأن البنوك أقصى ما ستقوم به هو بيع المصنع وسداد الديون من حصيلة البيع، إنما فى حالة إعادة تشغيله فإننا نحقق استفادة أكبر لمختلف الأطراف والاقتصاد المصرى فى النهاية.

كما طالب بمساعدة المستثمرين فى حل مشكلات التأمينات والضرائب، لأنهم يعانون من تعسف من جانب موظفى الوزارتين فى كثير من الأحيان، مؤكدا أن حل هذه المشكلات يسهم بشكل كبير فى عودة المصانع المتعثرة للعمل والإنتاج بسرعة.

ودعا نقيب المستثمرين الصناعيين، إلى ضرورة مراجعة كافة القرارات والإجراءات الخاصة بدعم الصادرات ووضع ضوابط للدعم وفق نسب التصنيع المحلى لتشجيع تعميق التصنيع المحلى، وهو ما يدعم الصناعات المغذية ويسهم فى زيادة فرص التشغيل، مع ضرورة النظر إلى تطبيق التأمين على قيمة الصادرات من خلال شركات التأمين وصرف القيمة التصديرية بالكامل من خلال خصم نسبة يتم الاتفاق عليها.

 

المشروعات الصغيرة والمتوسطة

وقالت النائبة مارسيل سمير أمين سر لجمة المشروعات الصغيرة والمتوسطة بمجلس النواب، إن أزمة الدولار الحالية لها تأثير كبير على القطاع الصناعى بكافة مستوياته وأكثر حدة على أصحاب المشروعات المتوسطة والصغيرة.

وأضافت سمير، أن ذلك يأتى بسبب ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج ومشاكل الاستيراد، لكن السبب الأكبر فى زيادة تلك المشكلات يتمثل فى عدم تكامل بيانات المصنعين، فلا توجد قاعدة بيانات موحدة تجمع بيانات المصنعين لدى الجهات المختلفة، ولذلك أوصت لجنة المشروعات الصغيرة والمتوسطة بالعمل على توحيد قواعد البيانات مما يخفف بدوره من اللجوء إلى الاستيراد.

وأشارت سمير، إلى أنه تداركا للأزمة الحالية التى يمر بها قطاع الصناعة تم إطلاق مبادرة من الحكومة لدعم قطاعات الصناعة الإنتاجية بفائدة ١١٪‏ وستتحمل الدولة فارق الفائدة، كما عدلت وزارة المالية مواد خاصة بتعليق وإسقاط ضريبة القيمة المضافة على الآلات والمعدات المشتراة فى السوق المحلى لغرض التصنيع وأيضا الاستفادة من حوافز تشجيع الاستثمار بالمناطق الخاصة، وإخضاع معاملات التجارة الإلكترونية للضريبة من خلال نظام مبسط.

وأوضحت أمين سر لجنة المشروعات الصغيرة والمتوسطة، أن ذلك الأمر سيخفف من حدة الأزمة على المصنعين، ولكن ستظل الدولة فى حاجه لفتح قنوات اتصال مباشرة مع المصنعين، لحل الأزمات بشكل لحظى حتى نتمكن من تحقيق المستهدف الوطنى بالنهوض بالصناعة المصرية.

وطالبت سمير، بضرورة إتاحة بيانات المصنعين على منصة واحدة لأن بعض المصنعين يلجأون إلى استيراد بعض مستلزمات الإنتاج من الخارج والتى تشكل عبئًا ماليًا خاصة للمشروعات المتوسطة والصغيرة، فى حين أن بعض تلك المستلزمات تنتج محليا لدى ورش ومصانع بمحافظات أخرى، حيث يمثل قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة أكثر من 80% من المشروعات فى مصر.

وأكدت على أن أهمية قاعدة البيانات التى تساعد على خلق تكامل بين المصنعين وتعزيز التنافسية، ودعم وتطوير الصناعة ما سيعود بالنفع على الاقتصاد القومى ودفع عجلة الإنتاج والتنمية، مطالبة بأن يكون المصنع المصرى أو الشباب الراغب فى التصنيع أولوية الدولة حاليا للخروج من الأزمة.