عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الغلاء... حديث الصباح والمساء

بوابة الوفد الإلكترونية

المواطنون يطلبون من الحكومة توفير السلع وخفض الأسعار

 

«يا صباح الخير ياللى معانا».. على أنغام «أم كلثوم» يستيقظ أحمد جمال، مستعدًا لبدء يومه الشاق حتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالى، يتناول وجبة الإفطار- التى أعدتها له زوجته - فى عجالة شديدة ثم يهرع لتوصيل أبنائه إلى المدرسة.

 

وما إن يصل إلى باب الشقة حتى تقول له زوجته: «الفلوس اللى كنت سايبها إمبارح خلصت»، حالة من الصدمة تصيب الزوج ليرد قائلاً: «إزاى أنا سايب 400 جنيه خلصوا فى يوم؟!».

صوت يعلو فوق صوت الأسعار

تدخل الزوجة فى مشادة مع زوجها وتقول له إن الأسعار ارتفعت أضعافاً مضاعفة، والـ400 جنيه لا تكفى سوى كيلو واحد من اللحوم، وبعض الخضراوات، ناهيك عن تكاليف الدروس ومستلزمات سندوتشات المدرسة من جبن وفينو، ولا يكفى هذا المبلغ لشراء باقى احتياجات الأسرة، ليرد الزوج قائلاً: «بشتغل ليل ونهار أعمل إيه تانى».

 

مواطنون: قاطعنا الفراخ واللحمة.. فماذا نأكل بعد ارتفاع أسعار الفول والطعمية؟!

صوت يعلو فوق صوت الأسعار

مشهد أصبح سيناريو يومياً لملايين الأسر التى تعانى جميعاً من الغلاء، أزمات اقتصادية طاحنة فبعدما كان المواطن يسعى للبحث عن عمل إضافى لكى يستطيع توفير مبلغ لتأمين مستقبل أبنائه، أصبح يبحث عن عمل ثالث لكى يستطيع أن يسد احتياجاتهم الأساسية.

 

«الوفد» عايشت العديد من الأسر ورصدنا قصصهم اليومية عن قرب، البداية كانت من على أحد مقاهى منطقة الدقى، حيث يجلس فريد على، وأمامه كوب الشاى، يحتسى وهو شارد الذهن، وبعدها يستغفر الله، حاولنا الاقتراب منه بحرص حتى لا ينزعج، وبعد دقيقة من الحديث معه فتح قلبه قائلاً: «بقعد على القهوة علشان اتنفس شوية مش عارف اقعد لا فى البيت ولا فى الشغل».

 

«فريد» يبحث عن عمل ثالث.. و«موسى» يستعين بابنه طالب الثانوى للمساعدة فى مصاريف البيت

صوت يعلو فوق صوت الأسعار

 

يستكمل الرجل الأربعينى حديثه مؤكداً أن الجلوس على المقاهى كان له مذاق خاص قديماً، لكنه الآن أصبح قهريًا لكثير من الرجال للتنفيس عن أرواحهم، وليس للرفاهية كما كان من قبل، وتابع: «الواحد بيقول الـ50 جنيه اللى بضيعها على القهوة أولى بيها أولادى».

 

وأضاف غاضباً: «دلوقتى اللى بيقعد على القهوة المغلوب على أمر من المصريين».. قالها شديد احتجاجًا على أوضاع ملايين الأسر المطحونة فى دوامة غلاء الأسعار.

 

يصمت الرجل قليلاً ويعود قائلاً: إن «لمة الصحاب» كانت فى السنوات الماضية حينما كانوا يجتمعون فى يوم معين ويتسامرون لكن حاليًا الجميع فى «مفرمة الحياة» لا يجتمعون أبداً، كل فرد فيهم يجلس بمفرده على المقهى يتنذكر «أيامه الحلوة» ويبكى على الماضى.

 

«كوثر» تشترى نصف الكمية.. والخضراوات المشكّلة لطبخة واحدة «موضة» جديدة فى الأسواق

صوت يعلو فوق صوت الأسعار

«50 جنيه ده للفرد الواحد على المقهى كانت بتكفى شلة صحاب من 4 أفراد طوال اليوم».. يستكمل فريد حديثه قائلاً: إنه مثل غيره من ملايين المواطنين كان يبحث عن عمل فترة مسائية لضمان توفير بعض الجنيهات فى آخر الشهر لتأمين مستقبل أبنائه، ولكن مع ارتفاع سعر الدولار وارتفاع التضخم وضعف الجنيه وانخفاض قيمته الشرائية أصبح الجمع بين عملين لا يكفى من الأساس لسد الاحتياجات اليومية.

 

والتقط أطراف الحديث موسى جلال، موظف، قائلاً، إن راتبه لا يكفى لاحتياجات اسرته، ما دفعه لإجبار ابنه الذى يدرس فى الثانوية العامة على العمل فى فترة الإجازة الصيفية لمساعدته، وبإجمالى ما يحصل عليه الابن فى الإجازة يدخل الوالد جمعية لكى يستطيع مواصلة الإنفاق على الأسرة.

 

خبيرة اقتصاد منزلى تضع روشتة للسيدات لتوفير النفقات

صوت يعلو فوق صوت الأسعار

وتابع: ظروفى الصحية لم تعد تحتمل العمل مثلما كانت، فأنا مصاب بالسكر والضغط، ولو كان فيّا صحة كنت اشتغلت ليل ونهار وجمعت بين 3 و4 وظائف فى وقت واحد حتى أستطيع مواجهة أعباء الحياة.

 

ومع استمرار جولة «الوفد» فى الشوارع لاحظنا اكتفاء جميع المترددين على المقاهى بطلب الشاى فقط، وقال سيد زيكو، صاحب مقهى، إن هناك عزوفاً من المواطنين على شراء المشاريب الأخرى لارتفاع أسعارها، فمعظمهم يكتفون بالشاى لأنه الأرخص.

«بصراحة ربنا يكون فى عون الجميع يعنى لو واحد شرب 2 شاى وإزازة ميه بيدفع 15 جنيه».. قالها القهوجى ويشير إلى أن الـ15 جنيهاً كانت تكفى جلسة أصدقاء حينما كان كوب الشاى بجنيه واحد.

 

جولة الأسواق تكشف المآسى

وداخل سوق شارع سليمان جوهر بالدقى، تقف سيدة خمسينية أمام بائع الخضار حائرة، وقال لها البائع: «خدى اللى انتى عايزاه يا أمى وخلى الباقى عليا».

 

كوثر سليمان، واحدة من السيدات اللاتى يعانين من أزمة التوازن بين دخل زوجها ومتطلبات المنزل، وقالت «جوزى بيتعب وأنا شايفه شقاه ومش قادرة أتكلم فى زيادة المصروف، لكن انا مش قادرة أشترى كل طلبات البيت، فالأسعار نار».

 

حيل مختلفة لجأت لها السيدة الخمسينية لحل أزمة ضعف القيمة الشرائية لمصروف البيت، وقالت إنها اقتصدت فى كمية مشترياتها، فبدلاً من شراء 2 كيلو بطاطس أًصبحت تشترى كيلو واحد فقط، وهذا هو الحال فى باقى الأصناف، حيث تشترى نصف أو ربع الكمية التى كانت تشتريها من قبل.

 

«ساعات جوزى بيصعب عليا لما يكون تعبان وميقدرش ياخد إجازة علشان يشتغل ويجيب فلوس».. تستكمل السيدة الخمسينية حديثها قائلة: إن زوجها فى نفس عمرها، ويجتهد فى العمل ليلاً ونهارًا كمسؤول كاشير فى أحد محلات السوبر ماركت الكبيرة، ومع ضغوط الحياة أصبح أمر البحث عن راحة الجسد منسى بالمرة.

 

أمام «فرشة» خضراوات تجلس أم محمود، تترقب المارة بابتسامة راضية أملة أن يأتى لها أحد ليشترى جزءاً من بضاعتها لمنحها بعض الجنيهات التى تسد احتاجاتها.

 

20 عامًا ظلت خلالها بائعة الخضراوات تنتقل من رصيف إلى آخر حتى استقرت فى شارع سليمان جوهر بالدقى، وقالت، إن لقمة العيش فى هذا الزمن لم تعد سهلة، خاصة على الشباب الذين يجتهدون ليلاً ونهارًا مقابل 2000 جنيه، وتساءلت: كيف وسط هذا الغلاء يمكن لشاب أن يكفى احتياجاته ويدخر من ماله بعض الشيء لبناء مستقبله ويتزوج، وإن كان متزوجًا فكيف يكفيه هذا المبلغ مع ارتفاع الأسعار اليومي؟.

تصمت بائعة الخضراوات للحظات وتستكمل حديثها قائلة إن لديها أربعة أبناء، اثنان منهم تزوجا بعدما سافرا إلى الخارج لعدة سنوات، وتابعت: الاتنين الباقيين منتظرين أى فرصة للسفر بره لأنهم لو عاشوا وماتوا هنا مش هيقدروا حتى يوفروا لقمة عيش لنفسهم مش للجواز.

 

حيل ست البيت الشاطرة

وعن أحوال البيع والشراء، ردت السيدة الخمسينية قائلة إن الزبائن يقتصدون فى شراء الخضراوات، بدلاً من شراء عدد من الكيلوات يكتفون بشراء كيلو واحد فقط، وهناك من يشترى خضراوات «مشكّلة» كأن يدفع 30 جنيهًا ويقوم بشراء عدد معين من كل صنف مما يكفى لطبخة واحدة.

 

ومن بائعة الخضراوات إلى بائعة الأسماك، فقالت ياسمين جمال، سيدة فى العقد الرابع من عمرها، إن المواطنين يفضلون شراء الأسماك من البائعين على الأرصفة لوجود فارق ولو قليل فى السعر عن المحلات التى تدفع قيمة الإيجارات والخدمات المختلفة.

وتابعت: «الناس دلوقتى بيجوا يشتروا منى بالعدد بدلاً من الشراء بالكيلو»

 

«ومين يا حاجة اللى يشترى 2 كيلو فى الزمن ده؟».. قالتها فوزية شريف، إحدى السيدات المارات فى الشارع، حينما سمعت بالحوار الدائر بينى وبين البائعة، واستكملت حديثها قائلة إنها موظفة تتقاضى 3 آلاف جنيه بعد 25 سنة خدمة، وتعجز عن سد احتياجات منزلها الآن، هذا فضلاً عن راتب زوجها الذى يوجه للإيجار وفواتير المياه والكهرباء والغاز والدروس الخصوصية.

 

ارتفاع الأسعار عرض مستمر

1000 جنيه قيمة ما تكلفته السيدة فوزية فى السوق بعد شراء اللحم والخضراوات والفاكهة، وقالت إن الجزارين يواصلون رفع سعر اللحوم بمعدل 10 جنيهات أسبوعيًا، ففى أقل من شهر وصل السعر إلى 220 جنيهاً بعد أن كان 180 جنيهًا أصبح بـ220 جنيهًا، بل إنه وصل إلى 250 جنيهاً فى بعض المناطق.

 

وتابعت: «نفترض أن شاب شقى وتعب لحد

ما استلم وظيفة وبدأ بـ3 آلاف جنيه وده نادراً ما يحصل يعنى.. هيعيش بيهم إزاى فى الغلاء ده»؟!، مشيرة إلى أن القيمة الشرائية لـ3 آلاف جنيه أصبحت أقل من 1500 جنيه.

 

مأساة أخرى سردتها إحدى السيدات التى كانت تتجول فى السوق وقالت إن لديها ابن وحيد متزوج ويعمل الآن فى إحدى الشركات الخاصة، ويتقاضى الحد الأدنى للأجور 2700 جنيه ولا يستطيع سد احتياجات منزله وتقوم هى حاليًا بالعمل لمعاونته هو وأسرته.

 

وتابعت: «جوزى مات من سنين وكان ابنى فى الثانوية العامة.. وكملت المسيرة لحد ما علمته وجوزته»، تشير السيدة إلى أنها كانت تأمل أن يعتمد ابنها على نفسه فى سد احتياجاته، وأن يمد لها يد العون لكى تستريح هى من عناء الحياة، ولكن مع ارتفاع الأسعار بشكل مضاعف شعرت بالشفقة عليه وأنها أصبحت ملزمة بمعاونته على الحياة.

 

خلافات

ارتفاع الأسعار لم تظهر آثاره فى الشارع فقط، بل انعكس على المنازل أيضاً، حيث زادت الخلافات بين الأزواج لهذا السبب وتعليقاً على ذلك قالت الدكتورة شيماء عراقى، استشارى الإرشاد الأسرى، إن التدبير المنزلى أصبح ضرورة لمواجهة الأعباء وتقليل النفقات والابتكار فى وضع بدائل جديدة، وأكدت أن المكاشفة بين الزوجين عن حجم الراتب الشهرى أصبحت ضرورة الآن، وعليهما تحديد أوجه الإنفاق الضرورية وتأجيل كل ما هو ثانوى، ووضع ميزانية محددة للحد من النفقات النثرية وغير الضرورية والتى يمكن الاستغناء عنها، مؤكدة أن كل هذه السلوكيات تحد من المشاكل اليومية التى تحدث داخل الأسرة والتى تشكل خطورة على سلوكيات الأطفال.

 

وأشارت الدكتورة شيماء إلى أنه مع زيادة الأعباء والخوف من المستقبل يكون رب الأسرة أكثر عرضه للقلق والاكتئاب والخوف والإصابة بالاضطرابات النفسية والسلوكية، وقد يكون العنف اللفظى والجسدى بديلا لتفريغ الكبت نتيجة للشعور بعدم القدرة على تلبية مطالب الأسرة، وهنا يقع الدور الأكبر على الزوجة فى تقديم الدعم المعنوى والوقوف بجوار زوجها وتفهم الحالة المادية والعمل معه على التفكير بهدوء فى حل الأزمة وامتصاص غضبه، وعلى الزوجين الاشتراك معا لتفادى الأزمات المادية.

 

وتابعت: على الطرفين حسن إدارة الأزمة بالمصارحة والصبر، ومتابعة دورهما فى تربية أطفالهم بالرضا والقناعة لتخفيف ضغط الاحتياجات عن الأولاد، وإضفاء الهدوء على المنزل، والتعامل بحكمة فى إدارة شئونه لتخطى الأزمة، مؤكدة أن على الزوجة تحويل الشقة لعالم منعزل عن العالم الخارجى بكل ضغوطه، لكى يستطيع الزوج أن يشحن طاقته الإيجابية ويستطيع استكمال مسيرته فى الحياة.

 

الإدخار هو الحل

والتقطت أطراف الحديث ندى صابر، باحثة فى مجال إدارة المنزل واقتصاديات الأسرة، مشيرة إلى أنه لا بد من وضع ميزانية متناسبة مع الدخل الشهرى لكل أسرة حتى تتمكن من تلبية احتياجاتها بناءً على الإمكانيات المتاحة

 

وأشارت الباحثة فى إدارة المنزل إلى أن هناك قطاعاً كبيراً من المجتمع ينتمى إلى فئة محدودى الدخل الذين تتراوح دخولهم بين 1500 إلى 3000 جنيه، وهؤلاء ننصحهم بضرورة تعديد مصادر الدخل، لأن الحياة أصبحت أكثر صعوبة عليهم فى ظل هذه الأوضاع التى يمر بها المجتمع المصرى من ارتفاع الأسعار، كما يفضل مشاركة أفراد الأسرة فى الإنفاق على المنزل، كمشاركة الزوجة والأبناء إذا كان عمرهم يسمح بالعمل.

 

كما وجهت ندى صابر نصائح عديدة لربة المنزل، مشيرة إلى أنها صاحبة الدور الأكثر تأثيرًا فى التخطيط وإدارة شئون المنزل، فهى القادرة على وضع ميزانية مناسبة لإدارة نفقات أسرتها ومواردها المالية، مشيرة إلى أن بند الغذاء يعد أكثر البنود التى تقتطع جزءًا كبيرًا من الدخل بصورة شهرية، لذلك تنصحها بالآتى:

 

• اشترى طلبات المنزل بصورة شهرية أو أسبوعية ومن محال الجملة.

 

• جهزى ورقة كاملة تتضمن طلبات المنزل التى تحتاجينها، وتجنبى فخ العروض لأنه سيجعلك تشترين أشياء كثيرة أنتِ فى غنى عنها.

 

• أعدى لأطفالك وجبات غذائية متكاملة فى المدرسة وتجنبى العصائر المعلبة وغيرها.

 

فيما يتعلق بالتعليم فتنصح صابر بضرورة تنمية مهارات الأبناء فى جميع جوانب الحياة خارج المدرسة عن طريق الكورسات، ومتابعة مستوى الأبناء بشكل دورى وتشجيعهم على تنمية مهاراتهم فى كافة جوانب التعلم.

 

أما فيما يخص بند الخدمات المنزلية فتنصح بالإستفادة من الإضاءة الطبيعية لآخر النهار ثم استخدام الإضاءة الصناعية، وعدم ترك الأجهزة الكهربائية فى مقبس الكهرباء دون استخدام، مع تجنب الاستخدام المستمر لمكيفات الهواء فى فصل الصيف والدفايات فى فصل الشتاء.

 

كما تنصح بشراء ما يحتاجه أفراد الأسرة فقط من ملابس، وشرائها فى موسم التخفيضات.، بالإضافة إلى الاستفادة من القطع غير المستخدمة عن طريق تعديلها أو إضافة أجزاء أخرى لها.

 

وطالبت بتقليل بند الترفيه و والإقلال من عدد مرات الرحلات السنوية، والبعد عن العادات السيئة كالتدخين، مع ضرورة الاعتماد على التأمين الصحى فى حالة المرض وشراء السلع التموينية

وأكدت أنه فى حال اتباع هذه النصائح يمكنك أن توفرى جزء من الدخل يمكن ادخاره لضمان مستقبل الأبناء، حتى لو تم توفير 10: 20% من قيمة الدخل الشهرى، وإن لم تتمكنى من ادخار هذه النسبة فيمكنك تقليلها ولكن مع الاستمرار فى ادخارها. مع تنمية فكرة العمل الحر وتعلم مهارة داخل الأبناء تمكنهم من جنى الأموال عن بعد.