عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عمال الديلفرى.. «طيارين» فى «الشقا» والعذاب

طه حنفى عامل دليفري
طه حنفى عامل دليفري و عبدالرحمن إبراهيم

مصوغات العمل: فيش وتشبيه وامتلاك دراجة نارية.. والتوقيع على إيصال أمانة بـ100 ألف جنيه!

 

بوجوه حرقتها الشمس فصبغتها بلون داكن، يجوبون الشوارع مستقلين دراجات هوائية أو نارية «موتوسيكل» أو سكوتر أو يسيرون على أقدامهم، وكل ما يشغلهم الوصول فى أسرع وقت للزبون للتوصيل الخدمة المطلوبة إليه.

 

أطلق البعض عليهم لقب «طيارين» لسرعتهم أثناء قيادة مركباتهم فى توصيل السلعة فى التوقيت المحدد لها، لكن الاسم الدارج لهم «عمال ديلفري».

 

 البعض يتخيل أنها مهنة بسيطة وسهلة من الممكن أن يقوم بها أى شخص خاصةً أنها لا تتطلب مؤهلات دراسية أو سناً محددة، فقط إتقان قيادة «موتوسيكل».

 لكن كواليس المهنة، والتعب النفسى والجسدى الذى يتعرضون له أثناء عمله يجعلها مهنة شديدة القسوة والصعوبة.

 

ومن أجل كشف أسرار هذه المهنة وخفاياها، قضت محررة «الوفد» عدة أيام، كعاملة ديلفرى تجوب معهم فى الشوارع، وترصد كيف يتعامل معهم الناس، وكيف يقضون يومهم.

عمال الديلفرى يتم تقسيمهم إلى ثلاث فئات..فئة (walker) أى الذى يسير على قدميه لتوصيل السلع للزبائن وعادةً لا تزيد المسافة التى يقطعها عن 5 كيلو مترات، وفئة (الدراجة الهوائية) والذى يقود دراجة لتوصيل الطلبات وتمتد المسافة التى يقطعها لـ20 كيلو متراً، وأخيراً فئة (الدراجة النارية) وتكون المسافة الذى يقطعها غير محددة بل يمكنه توصيل السلع لأى مكان داخل القاهرة والجيزة، وكل منهم له أجرة معينة يحصل عليها نظير عمله فـ  (walker) من 7 لـ8 جنيهات على الأوردر الواحد، أما فئة (الدراجة الهوائية) ما بين 9 لـ11 جنيهاً، وأخيراً الـ (الدراجة النارية) هو الأعلى سعراً فما بين 12 لـ14 جنيهاً.

 

 تعاقدات العمل عبر وكلاء يحصلون على 10% من رواتب العمال!

 

بمساعدة أحد العاملين بالمهنة استعارت محررة «الوفد» دراجة هوائية واتفقت معه على أن تتولى بدلاً منه توصيل «الأوردرات» التى تأتية على الأبليكشن الخاص به،

وبعد استعارة الدراجة والتى اختارتها لسهولة التنقل بها عن الدراجة النارية (والتى لا تتقن المحررة قيادتها)، وبدأنا رحلتنا بالتجول مع عمال الديلفرى والذين تحدثوا عن طبيعة مهنتهم والتحديات التى يواجهونها.

 

البداية كانت مع عبدالرحمن إبراهيم 36 عاماً، يعمل فى إحدى شركات توصيل الطلبات للزبائن منذ أكثر من 15 عاما، فقال: «اخترت العمل فى هذه المهنة لسهولة الالتحاق بها، فالأمر لا يتطلب إلا صورة بطاقة ورخصة قيادة للدراجة النارية وفيش وتشبيه، ثم تبدأ الشركة فى التعاقد معك عبر الوكيل المعتمد لديها لتشغيلك وتوزيعك على المناطق التى ستتولى لتوصيل الطلبات للزبائن».

 

سألته: «ولماذا لا تعينك الشركة مباشرة وليس عبر وكيل؟» إجاب: «بعض الشركات لا تتعامل مباشرةً مع العمال بل يتم توريدهم إليها عبر وكيل معتمد والذى يكون مسئولاً تماماً عن كل ما يخص شئون العاملين، مشيراً إلى أنه عند التعاقد معه يحصل الوكيل على نسبة تتراوح من 3 إلى10% من راتبه الشهرى والذى يتحدد طبقاً لعدد الطلبات التى قام بتوصيلها للزبائن فى اليوم.

 

وأوضح أنه الشركة لا تقوم بتسليم أى معدات أو أدوات له لمساعدته فى توصيل الطلبات، بل تشترط للعمل لديها أن يكون لديها دراجة نارية ورخصة قيادة، فضلاً عن أنه يقوم بالتوقيع على إيصال أمانة قيمته يتراوح بين 50 ألف إلى 100 ألف جنيه قبل تسليمه البضائع المراد تسليمها للزبائن.

 

ونوه «إبراهيم» إلى أن راتبه الشهرى يتراوح من 3000 إلى 3200 شهرياً وذلك على حسب عدد الطلبات الذى قام بتوصيلها، مشيراً إلى أنه يعمل يومياً من الساعة لـ9 صباحاً وحتى الـ 6 مساءً، وأحياناً يقوم بالعمل متواصل من 9 صباحاً وحتى 11 أو 12 مساءً حتى يستطيع زيادة دخله الشهرى وتوصيل أكبر قدر من الأوردرات للزبائن.

 

وأكد أن متاعب المهنة لا حصر لها: أولها أنه لا يوجد تأمين للعاملين بها، أى أنه طالما العامل بصحته يستطيع أن يشتغل بها، أما لو أصابه المرض ليوم أو بضعة أيام فمصاريف علاجه وبقائه فى المنزل حتى شفائه تكون على حسابه الشخصى، مشيراً إلى أنه فى كثير من الأحيان يضطر النزول للعمل وهو مريض حتى لا تقوم الشركة بخصم الأيام التى تغيبها.

 

وأشار إلى أن الشركة هى المتحكم الوحيد فى حقوقنا، فلا أحد يحاسبها إن لم تعطنا حقوقنا أو مستحقاتنا المالية، منوهاً إلى أنه لا توجد جهة أو نقابة تدافع عنهم أو عن حقوقها فى حال أصابهم مكروه، فمثلاً «الشركة تعاملنا بنظام «الأسطوبات» (وهو يتم تجميع فيه الأوردرات فى واحد)، أى أنه لو قمت بتوصيل أكثر من طلب لنفس الزبون على مدار اليوم تحسبهم الشركة أنهم أوردر واحد أى تكون قيمتهم المحسوبة لى 14 جنيهاً.

محررة «الوفد» أثناء تجولها فى الشوارع

  لا إجازات ولا تأمين صحى.. العمل حتى 14 ساعة يومياً.. والأجر حسب عدد «الأوردرات»

 

واستطرد حديثه: «مهنتنا محفوفة المخاطر، ففى أى لحظة أكون معرضاً لحادثة على الطريق أثناء توصيلى الطلبات للزبائن وفى حال إصابتى بأى مكروه ينتهى مستقبلى ولا أحد يعولنى، منوهاً إلى واقعة مماثلة حدثت لزميله، حيث أصيب إثر حادثة على الطريق، أثناء عمله ونقل إلى المستشفى لإجراء عملية جراحية فى قدميه وتركيب مسامير وشرائح، مشيراً إلى أن الشركة تحملت فقط ثمن العملية أما باقى مصاريف العلاج ومصاريفه الشخصية، فكانت مساعدات مالية قدمها له أولاد الحلال وزملائه فى العمل».

 

ولفت إلى أن زميله لا يزال حتى الآن يعالج فى منزله والشركة لم توفر له أية مبالغ لينفق به على أسرته أثناء مرضه، منوهاً إلى أنه معرض أيضاً فى أى لحظة لكى يحدث له ما حدث لزميله خاصة أن حوادث الدراجات النارية تكون فتاكة وتسبب إصابات بالغة لنا خاصة أن بعض السيارات أحياناً تسير عكس الاتجاه وتقوم بحركات مفاجئة مثل فتح باب السيارة فجأة فلا يمكننا تفاديها فيتم الاصطدام بها، وتقع كارثة.

 

«سراج عبدالفتاح» 25 عاماً ويعمل منذ 3 سنوات - عامل ديلفري- كشف مصاعب من نوع آخر لهذه المهنة، فقال: «بعد أن تقدمت للشركة بصورة البطاقة ورخصة القيادة وفيش وتشبيه، تم عمل إيميل لى على أبليكشن الشركة لتلقى الطلبات من الزبائن وتوصيلها، مشيراً إلى أنه قبل استلام عملى وقعت على إيصال أمانة بـ10 آلاف جنيه».

 

ونوه إلى أنه قيمة إيصال الأمانة يختلف من شركة لأخرى على حسب نوع الطلبات التى يتولى توصليها، فمثلاً إذا كانت قيمة البضائع كبيرة كالموبايلات وأجهزة اللاب توب وغيرها من الأجهزة الكهربائية والإلكترونية تكون قيمة الإيصال كبيرة أما إذا كانت مجرد توصيل وجبات أو سلع غذائية فتتراوح قيمة الإيصال من 1000 لـ10 آلاف جنيه.

 

وأضاف: «أصعب ما يواجهه- عمال الديلفري- أثناء عملهم هو الطقس، فطبيعة عملهم تجبرهم على أن يظلوا باقين فى الشوارع طيلة النهار وأحياناً فى الليل أيضاً، فيكونون بذلك معرضين بطريقة مباشرة لقسوة الجو سواء فى الصيف (حيث يجوبون الشوارع فى ظل ارتفاع درجات الحرارة لأكثر من 9 ساعات) وفى الشتاء أيضاً فى الطقس شديد البرودة».

 

واستطرد حديثه قائلاً: «معاملة بعض الناس من ضمن المتاعب التى تواجهنا فى عملنا، مشيراً إلى أن بعض فئات المجتمع تقلل من شأن عامل الديلفرى وتعامله باستهزاء واستهانة، مشيراً إلى بعض الوقائع التى تعرض لها أثناء عمله وسببت له اكتئاباً وأزمة نفسية أثناء عمله»�.. فقال «أحياناً عندما أصل مـتأخراً للزبون بسبب ازدحام الطرق يعاملنى العميل معاملة قاسية ويوبخنى، مؤكداً أن أحد العملاء قام برد أحد السلع إليه ورفض استلامها بسبب التأخير ما اضطره

فى النهاية لإعادتها للمكان الذى استلمته منها».

ونوه إلى أن بعض العملاء عند وصوله إليهم بالسلع المطلوبة أو الأوردر المراد يتعمدون بقاءه على باب الشقة لأكثر من نصف ساعة ولا يردون على نداءاته، وعند مغادرته المكان يقومون بالاتصال به مرة أخرى للعودة إليهم، ما يجعله يضطر مرة أخرى للعودة إليهم، لافتاً إلى أن بعض العملاء أيضاً يقومون بإعطاء عناوين خاطئة على الأبليكشن وعند وصوله لهذه العناوين يكتشف أن العميل يتصل به ويعطيه عنواناً آخر للذهاب إليه.

محررة «الوفد» أثناء تجولها فى الشوارع

  عمال ديلفرى: المرض يهدد أرزاقنا كعمال اليومية.. وحوادث الطرق تقصف عمرنا.. إهانة بعض الزبائن تصيبنا باكتئاب.

 

وأوضح أنه فى إحدى المرات أتلف عميل سلعة قام بتوصليها إليها، ما اضطره فى النهاية إلى تحمل ثمنها، مشيراً إلى أن الشركة ترفع شعار «الزبون دائماً على حق» وبالتالى يكون المخطئ الوحيد أمامهم هو العامل فتعاقبه الشركة بخصم من يوم إلى يومين فى حال صدور شكوى من أحد العملاء منه، أو يقومون بخصم ثمن السلعة من راتبه فى حال تم تلفها أو رفض العميل استلامها.

 

وأشار إلى أن أحد العملاء قام بغلق الباب فى وجهه بعد استلامه الأوردر مباشرة، وهناك آخرون يلقون السلع فى وجوهنا ويرفضون استلامها، ونوه إلى أنه من بين المواقف القاسية التى يتعرضون إليها، أن زبوناً جعله ينتظر أمام منزله لأكثر من 45 دقيقة حتى يعود من «مشوار» خاص، وعندما قرر الاعتراض عما فعله العميل، قرر شكوته للشركة وقامت بخصم يوم العمل من مرتبه.

 

طه حنفى 42 عاماً، حاله أفضل من زملائه.. عُين منذ 6 سنوات فى إحدى الشركات ومؤمن عليه، ويتقاضى راتباً ثابتاً فى نهاية الشهر، لكن ورغم هذه المميزات إلا أنه اشتكى كزملائه من المهنة ومتاعبها، فقال: «هذه الوظيفة قد تكون أقرب وسيلة للكسب يومياً، لكنها محفوفة بالمخاطر بدايةً من الطرق التى يسير عليها العمال ما يجعلهم معرضين فى أى وقت للحوادث فى حال عدم انتباههم للطريق».

 

وأكد «حنفي» أن من الناس من يعاملون- عمال الديلفري- باحترام ويعطوننا البقشيش، وآخرون تكون معاملتهم جافة ويقومون بتوبيخنا فى حال تأخيرنا عن توصيل السلعة المطلوبة لهم.

 

سألت «حنفي» عما إذا كانت هذه المهنة حكراً على الشباب فقط دون البنات فأكد أنه لا مكان للبنات فى الشركة التى يعمل بها، مشيرا إلى أن تلك المهنة لا تناسب البنات خاصةً أنها صعبة ومحفوفة بالمخاطر، فضلاً عن أنهم معرضون للتعامل مع كافة أنواع البشر خلال عملهم، لافتاً إلى أن البنات قد لا يتحملن ضغط هذه الوظيفة أو التعامل معهم بشكل مهين من قبل بعض الزبائن، علاوة على أنها فى بعض الأحيان تضطر لتوصيل الطلبات لشقق بعض المواطنين وعادةً بعضهم يكون عازباً ويسكن بمفرده وبالتالى يكون هناك خطر عليها.

 

ولفت «حنفي» إلى أن أصعب ما يواجهه فى عمله هو صعود السلالم، حيث إنه يقوم بتوصيل ما بين 15 لـ16 أوردر فى اليوم، وبعضهم يكون لزبائن مقيمين فى الدور التاسع أو الأخير فى العمارة، وأحياناً لا يكون بها مصعد، فيضطر للصعود والنزول لهذه الأدوار يومياً، وبالتالى يكون الأمر شاقاً جداً عليه خاصةً أنه كبر فى السن.

 

بعد الاستماع لكافة هذه الحكايات والتى كشفت لنا عن مصاعب هذه المهنة، قررنا أن نعيش مكانهم ونقوم بتوصيل الطلبات للزبائن، حيث اتفقنا مع أحد العاملين أن أقوم بتوصيل الطلبات للعملاء بدلاً منه، وبالفعل كان يتلقى الطلبات على الأبليكشن المحدد وكنت أذهب مسرعة وهو إلى جوارى يراقبنى من بعيد لتوصيل السلعة للزبون، فحصلت على السلعة منه والتى استلمها من كافيه مشهور ثم قمت بتوصيلها لزبونة والتى قابلتنى على باب العمارة التى تسكن بها وقامت بإعطائى ثمنها وبقشيشاً بسيطاً.

 

كانت هذه التجربة رغم بساطتها إلا أنها كشفت لنا جانبا من متاعب هذه المهنة، وكان المطلوب توصيل سلعة لعنوان مسجل على الأبليكشن، ولكنها اتصلت تليفونياً وأنا فى الطريق إليها وغيرت العنوان المطلوب توصيل السلعة إليه، وهو ما تطلب تغيير اتجاه المسير، والسير لأكثر من ساعة تحت لهيب الشمس للوصول إليها، وكدت أصاب بضربة شمس لولا شربى لكميات كبيرة من المياه.

 

 ولم تكن تلك هى الواقعة الصعبة الوحيدة التى تعرضت لها خلال الأيام التى قضيتها فى توصيل الطلبات للمنازل، فأثناء قيامى بتوصيل أحد الطلبات لزبون آخر، كانت الشوارع التى أمر بها شديدة الزحام، مما تسبب فى تأخرى فى توصيل السلعة إلى الزبون، وما إن وصلت إليه، فوجئت به يرفض استلام السلعة منى، فقمت بمغادرة المكان وإعادتها للعامل مرة أخرى لكى يعيدها للمكان الذى استلمها منه، ولكنهم رفضوا أخذها، فاضطررت لدفع ثمنها حتى لا يتحمل العامل البسيط ثمنها، وتوالت الأوردرات والمشاوير وساعات الشقاء، وقفت طويلاً على أبواب الزبائن وتحملت مشقة كبيرة فى درجات حرارة حرارة عالية، والزبون دائماً على حق وعامل الديلفرى يتلقى الجزاءات والخصومات حتى إن لم يكن مخطئاً.