عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

جرائم غريبة على أرض "المحروسة"

بوابة الوفد الإلكترونية

أصبحنا نستيقظ يوميًا على جرائم تقشعر لها الأبدان، وتشيب الرؤوس من فظاعتها ودناءة مرتكبيها الذين تجردوا من كل مشاعر الإنسانية، وارتكبوا أفعالا تنكرها الشياطين، والأبشع من تلك الأفعال هو نشرها على مواقع «السوشيال ميديا» واعتياد المواطنين على مشاهدتها وكأنها أصبحت أمرا طبيعيا.

ظواهر غريبة على مجتمعنا انتشرت كالنار في الهشيم خلال الفترة الماضية، قتل واغتصاب داخل المقابر وتقطيع جثث، عنف في كل مكان، والضحايا آباء وأبناء وأزواج وزوجات.

جرائم تنذر بخطر محدق بمجتمعنا المشهور بالطيبة والشهادة والتسامح، ولا مبالاة من المواطنين تجاه ما يحدث وكأنهم اعتادوا على مثل هذه الجرائم البشعة التى تدل على أن المجتمع المصري يعاني من أزمة حقيقية بسبب العنف المستمد من الأفلام والمسلسلات الدرامية وغياب رقابة الأسرة وضعف الوازع الدينى وهو ما يدعو لتكاتف الجميع لوقف هذه الكوارث التى ستدمر مجتمعنا.

 

راح ضحيتها آباء وأبناء و«عشرة العمر»:

قتل مع سبق الإصرار!

شهد المجتمع المصرى خلال الفترة الماضية عددا من الجرائم البشعة التى أفزعت الجميع، جرائم لم يعتد الشعب المصرى السماع عنها، ولكن كشفت الوقائع أنها أصبحت حقائق ملموسة، وجميعها تؤكد أن المجتمع «فيه حاجة غلط» وغريبة على الشعب الطيب الهادئ هدوء النهر، فجرائم العنف التى ترتكب بمنتهى القسوة تؤكد أن هناك تغيرًا حدث فى طبيعة عدد كبير من المصريين، ويجب أن ينتبه الجميع قبل أن يصبح العنف هو سمة المجتمع.

جريمة الفيوم التى كشفت الأجهزة الأمنية بوزارة الداخلية غموضها واحدة من الجرائم التى أفزعت المجتمع، حيث قام الزوج بقتل زوجته فى شهر سبتمبر الماضى ودفنها فى مسكنهما، كما قام باحتجاز عائلته المكونة من 14 فردا بالمنزل تحت تهديد السلاح الآلي، ومع سماع دوى إطلاق أعيرة نارية داخل المنزل انتقلت أجهزة البحث الجنائى بالمديرية إلى الموقع فبادرهم المتهم بإطلاق النيران، والتهديد بقتل المحتجزين، حتى تمكنت القوات من انقاذ الرهائن، وتم العثور على جثة حماة المتهم ملقاة فى فناء المنزل، وتم نقل المصابين لمستشفى الفيوم العام.

وفى الأسبوع الماضي، اهتز الشارع المصرى بسبب جريمة قتل مروعة فى مدينة الإسماعيلية، وصفها البعض بأنها «الأبشع فى البلاد»، حيث أقدم شاب على قتل آخر، ثم فصل رأسه عن جسده، وراح يتجول حاملا رأس الضحية فى يد والسكين الذى استخدمه فى قطع رأسه فى اليد الأخرى، وتم ذلك أمام المواطنين وتداول عدد كبير من مستخدمى السوشيال ميديا مقاطع فيديو لهذه الواقعة البشعة.

وفى وقت لاحق، ألقى القبض على الجاني، وقالت وزارة الداخلية إن «المتهم مهتز نفسيا وسبق حجزه بإحدى المصحات للعلاج من الإدمان» وتبين أنه «كان يعمل بمحل موبيليا خاص بشقيق المجنى عليه».

كما سجل حى مصر القديمة أربع جرائم قتل خلال شهر سبتمبر الماضي، الأولى عندما أقدم شاب على قتل شقيقته بعدما اقترضت منه مبلغا ماليا ورفضت سداده، والثانية تمثلت فى مصرع شاب بطعنة فى الرقبة على يد صديقه بسبب خلافات مالية بينهما.

والجريمة الثالثة كانت مقتل طفل على يد والديه نتيجة الضرب بسبب سوء سلوكه، والرابعة كانت مصرع طفل على يد والده أيضًا لنفس السبب، حيث لفظ أنفاسه الأخيرة بسبب الضرب المبرح.

كما شهد حى بولاق الدكرور بالجيزة جريمة بشعة سوف يتوقف أمامها التاريخ طويلًا حيث قام القذافى فرج الشهير بسفاح بولاق الدكرور بقتل صديقه وزوجته ودفن جثتيهما داخل شقة بفيصل قبل خمس سنوات، وتبين من خلال استجواب المتهم والتحقيقات التى أجريت معه، أنه ارتكب عدة جرائم بخلاف القتل منها التزوير وانتحال الصفة والسرقة.

وتبين أن جرائم «القذافى» تم اكتشافها بالصدفة أثناء إنهاء إجراءات خروجه من السجن، فى قضية سرقة حيث تبين أن اسمه ورد فى قضية اختفاء زوجته، فتم ضبطه واعترف بدفنها منذ خمس سنوات وأثناء استخراج الجثة تم العثور على جثة رجل آخر معها وتبين أنه صديق المجنى عليه الذى قتله أيضًا، وانتحل صفته لمدة خمس سنوات، حيث سافر إلى الاسكندرية وتزوج من عدة سيدات مستخدما اسم صديقه، وقام بالنصب عليهن وسرقتهن، كما اعترف بقتل فتاتين أخريين إحداهما شقيقة إحدى زوجاته، ودفنها فى شقة مواجهة للشقة التى دفن بها صديقه وزوجته، كما قتل فتاة تعرف عليها فى الإسكندرية وقام بدفنها فى مخزن بالعصافرة.

فى واقعة مأساوية قام ثلاثة مسجلين خطر باغتصاب ربة منزل أمام زوجها فى المقابر، حيث قام أحدهم بشل حركة الزوج، بينما قام المتهم الرئيسى والمسجل خطر بـ37 قضية متنوعة وتحت تهديد السلاح الأبيض، بإدخال زوجة المجنى عليها إلى مقبرة واغتصابها أمام زوجها، ونجحت الأجهزة الأمنية فى ضبطهم وإحالتهم للنيابة العامة التى تولت التحقيقات وأمرت بإحالتهم للجنايات.

هذه الجرائم التى يندى لها جبين المجتمع أثارت الخبراء الذين أكدوا أنها أصبحت ظاهرة تستحق الدراسة، حيث أكد أحمد علام استشارى العلاقات الاسرية والتنمية البشرية أن المجتمع يشهد جرائم غير مسبوقة من حيث طريقة ارتكاب الجريمة وتوقيتها وكثرتها، مشيرا إلى أن تلك الجرائم لم تعد جرائم فردية، ولذلك فهى تعتبر ناقوس خطر يدق الباب، مؤكدا أن الدراما وما تحتويه من مشاهد عنف تصدر موجه شرسة من العنف إلى المجتمع كله.

وأضاف الدكتور «علام» أن مرتكبى مثل هذه الجرائم معظمهم مختلون نفسيًا ويتعاطون المخدرات ومن هنا اجتمع المرض النفسى وتأثير المخدر، ونتيجة لوجود جينات المرض العقلى (الانفصام) بات لدى المريض مشاعر وأفكار متضاربة، من شعور بالعظمة، وشعور بالاضطهاد، وهى أمور تؤدّى إلى علاقة غير سليمة بينه وبين من حوله، مما قد ينتج عنه إحساس بالذل أو تصوّر أشياء غير حقيقية، كما حدث فى جريمة الإسماعيلية إذ تصوّر المريض أن الجانى قام باغتصاب أمّه وزوجته على الرغم من أنه غير متزوج، مشيرًا إلى أن تلك الجرائم الشنعاء مبنية على ركيزة أساسية فى علم الجريمة وهى الإفراط فى القتل، بحيث لا يكتفى القاتل بإنهاء حياة مقتوله، بل يفرط فى استخدام العنف على الجثة التى ما كادت تخرج الروح منها، وهذا يرتبط ارتباطا وثيقا بالدافع للقتل، ولأن لكل جريمة دافعًا، فدائما ما يرتبط القتل المفرط بجرائم الانتقام، وعادة ما يرتبط الانتقام فى كل المجتمعات الانسانية بالأنثى أو المال أو الأبناء، ولكن هناك دافع آخر للإفراط فى القتل وهو المرض العقلى (وليس النفسي) والذى يعانى فيه المريض من أفكار ومعتقدات زائفة تسيطر على تفكيره وإرادته دون إدراك منه.

وأضاف «علام» أن عدم الرقابة على الأطفال فى المنازل، الذين أصبحوا يقضون معظم وقتهم فى ألعاب العنف زادت من معدلات ارتكاب الجرائم وتنوعها، وهناك سبب ثالث لانتشار مثل هذه الجرائم وهو المخدرات المنتشرة فى المجتمع، فبالرغم من تصدى الأجهزة الأمنية لتجار ومروجى المخدرات بقوة، إلا أن المخدرات تبحث عن طرق خفية لتصل إلى أولادنا، والقضاء على عقولهم، لذا يجب تغليظ العقوبة فى القانون على متعاطى المخدرات أيضا، وليس المروجين فقط، لأن المتعاطى أصبح مدمرًا للمجتمع لفقدانه الوعي، وقد يقوم بارتكاب أى جريمة وهو فى هذه الحالة.

 

المصريون كانوا أكثر شعوب الأرض فى «الجدعنة»

وداعًا.. لزمن الشهامة

هل غابت الشهامة عن الشارع المصرى ولماذا؟ أسئلة تتردد فى أذهان الجميع، ففى الوقت الذى أصبح فيه العنف كالسوس ينخر فى جنبات المجتمع، نجد أن اللامبالاة أصبحت جزءا من سلوكيات الكثيرين من أبناء الوطن، فالجرائم ترتكب فى الشوارع على مرأى ومسمع من المواطنين ولا يتحرك أحد لانقاذ المجنى عليهم.

يجيب عن هذه التساؤلات الباحث الاجتماعى رضا عثمان، قائلًا: « الى عهد قريب كانت مصر من أكثر دول العالم شهرة بأن السلوك الإيجابى لشعبها يطغى على الشارع، وكانت (الشهامة) أحد أهم المصطلحات التى تلازم الإنسان المصري، وكانت ملامح هذه الشهامة تظهر فى سلوكيات الناس فى الحياة اليومية فإذا ظهرت علامات الإعياء على أى إنسان يلتف حوله العشرات يعرضون المساعدة، ولو تعطلت سيارة فى الطريق توقفت لها الكثير من السيارات، ولو وقع حادث يستدعى التبرع بالدم نجد عشرات ومئات المتبرعين يسارعون للمستشفيات للتبرع بدمائهم، وغيرها الكثير من ملامح التكافل الإنساني، ولكن الحال اختلف الآن وغابت مظاهر الشهامة عن المجتمع المصري، لدرجة أن مئات المتواجدين بالشارع يشاهدون مقتل أحد جيرانهم دون أن يحركوا ساكنًا لمحاولة إنقاذ الضحية أو مقاومة المجرم، ومنهم من يكتفى بالتصوير فقط

وأكد «عثمان» أن زيادة معدلات الفقر التى تصل إلى 30% من عدد السكان وفق تقرير البنك الدولي، تعد أحد أسباب هذه الحالة، وهو ما كان له أثر كبير فى غياب دور الأسرة فى التنشئة الاجتماعية لأفرادها، مما يعرض الأجيال لمخاطر الجريمة المترتبة على الانحرافات المختلفة مثل (تعاطى المخدرات – التدخين – أوكار الجريمة – الخ) حيث تذهب اهتمامات رب الأسرة إلى توفير تكاليف المعيشة دون الاهتمام بجودة التنشئة، فضلًا عن انتقال دور السينما من نقل واقع المجتمع إلى صناعة واقع مجتمعى غير موجود بالأساس، من خلال انتشار الأعمال الفنية ذات الطابع العنيف، وظهور الأفلام الخاصة بالبلطجة واستخدام أدوات الجريمة، مما صنع بيئة خادمة لتقليد تلك الأفلام، وغياب الدور الهام لدور العبادة ورجال الدين فى إحياء الرقابة الذاتية للإنسان، وتشجيع المصلين على الاهتمام بضبط أخلاقهم على بوصلة تعاليم الدين الذى يحث على التكافل الإنسانى ومقاومة الانحرافات.

وأكد عثمان أن ارتفاع معدلات الجريمة جاء نتيجة حتمية لغياب الشهامة، لأن المجرم وجد مجالًا آمنًا ليمارس جريمته دون اعتراض من أحد ودون محاولة من المحيطين لإيقافه عن جريمته، حيث تشير تقارير مكتب الأمم المتحدة لمقاومة المخدرات والجريمة إلى تنامى معدلات الجريمة فى مصر من 2.01 فى كل 100 ألف نسمة فى عام 2012 إلى 3.6 فى كل 100 ألف نسمة فى عام 2019.

ووضع «عثمان» عدة اشتراطات لعودة الشهامة للمجتمع المصري، وهى تبدأ من دور الأسرة، حيث يجب الانتباه إلى توجيه الأبناء إلى ارتياد دور العبادة التى تغرس الأخلاق المعتدلة والرقابة الذاتية فى التعامل مع الناس من خلال التربية الروحية والأخلاقية التى تغرسها عبادة الله فى نفس الإنسان، بالإضافة إلى ترشيد استخدام مواقع التواصل الاجتماعى ومراقبة الأبناء، وعدم متابعة المنحرفين أو مشاهدة المقاطع المنحرفة، وابتعادهم عن التطبيقات ذات الطابع العنيف أو الإباحي، كما يجب على الأسرة الانتباه إلى أصحاب الأبناء وأوقات خروجهم معهم وطبيعة الأماكن التى يرتادونها، بالإضافة إلى دور الأجهزة التشريعية والأمنية، حيث تعد التشريعات الرادعة للجرائم أحد أهم العوامل التى تحد من انتشار مثل هذه الجرائم، حيث سيراجع المجرم نفسه كثيرًا قبل الإقبال على ارتكاب الجريمة لأنه سيجد أمام عينيه عقوبة صارمة قد تكلفه حياته أو سنوات عمره داخل السجن، كما طالب عثمان بضرورة حماية المبلغين عن الجرائم حيث إن الشعور بالحماية يخلق سلوكًا ايجابيًا يجعل الإنسان مبادرًا إلى التعامل مع التجاوزات التى قد تظهر من حوله، بالإضافة إلى أن تواجد الشرطة سريعًا فى مواقع الجرائم يقلل من الخسائر البشرية والمادية حيث سيساهم الوصول السريع فى إنقاذ الأرواح والممتلكات والسيطرة على المجرمين.

واختتم كلامه قائلًا: «هناك دور لصناع الفن والسينما، حيث إن واجب صناع الفن هام فى الاهتمام بالأعمال التى تبرز النماذج المتميزة، وليس خلق قدوات منحرفة تعتمد على البلطجة والانحراف وعدم السعى نحو الإثارة السلبية، مطالبا بإنتاج أعمال درامية جادة ذات خلطة رائعة تضم الفكاهة والجد والإثارة البناءة، وهى العناصر التى اختفت من الدراما المصرية وظهرت فى الدراما العالمية المؤثرة التى عززت الانتماء لدى الشعوب المختلفة والاعتزاز بالقيم والتاريخ.

 

الكرتون والألعاب الإلكترونية.. أهم الأسباب

أطفال لكن قتلة

جرائم العنف ليست قاصرة على الكبار فقط، ولكن أحيانا يقع الصغار أيضا فيها، وكما أنهم يكونون ضحايا فى معظم الأحيان إلا أنهم قد يكونون جناة أيضا فى أحيان أخرى.

 فقد شهد الحى الـ11 بمدينة 6 أكتوبر واقعة مثيرة فى بداية العام الدراسى حينما قام طفل فى الصف السادس الابتدائى بقتل زميله بعد نشوب مشاجرة بينهما على الجلوس فى المقعد الأول داخل الفصل، حيث سدد الطفل المتهم لزميله ضربة فى رقبته أودت بحياته فى الحال.

وكانت هذه الواقعة هى الثانية من نوعها خلال الأسبوع الأول للدراسة حيث لفظ الطالب محمد حلمى شحاتة، بالصف الثانى الإعدادى بمدرسة زراعة ميت علوان بكفر الشيخ أنفاسه الأخيرة، متأثرًا بإصابته بحالة إغماء داخل الفصل، أثناء اليوم الدراسي، بعد تعدى 3 طلاب عليه بالضرب، لمنعه من الجلوس بالمقعد الأول.

وفى سبتمبر الماضى قام طفل عمره 6 سنوات بقتل شقيقه الأصغر البالغ من العمر أربع سنوات بسبب لعبة، وبينت تحريات مباحث الهرم أن الطفل أصاب شقيقه بجرح ذبحى فى الرقبة مما أدى للوفاة، وقال الطفل المتهم باكيا، إنه كان يلعب مع شقيقه فى الشقة وعندما خطف شقيقه الأصغر منه اللعبة تشاجر معه، وكانت سكين المطبخ ملقاة على منضدة فأمسك بها وطعنه بها.

هذه الواقعة لم تكن الأولى من نوعها، حيث قررت نيابة الإسماعيلية إيداع طفل إحدى دور الرعاية ومتابعة سلوكه، بعد أن قتل شقيقته بعد محاولته التحرش بها، وصرحت بدفن جثة المجنى عليها، حيث واجهت النيابة الطفل بأداة الجريمة «إيشارب»، استخدمه فى خنق شقيقته بعد محاولتها الصراخ والاستنجاد بوالدتها.

وتعليقا على تلك الحوادث، أكدت داليا الحزاوى مؤسس ائتلاف «أولياء أمور مصر»، أن تلك الحوادث لن تكون الأخيرة فى سلسلة الجرائم التى يكون أبطالها أطفالًا يعانون عنفًا سلوكيًا وتربويًا، مشيرة إلى أن الأسرة هى المسؤول الأول عن وقوع هذه الجرائم لغياب الرقابة على الأطفال، بجانب تدنى مستوى الأسر المتعلق بقواعد التربية الصحيحة والعنف الأسرى ضد الأطفال.

وأشارت «الحزاوي»، إلى أن هناك عدة أسباب وراء انتشار ظاهرة البلطجة والسرقة والعنف بين الأطفال، منها انشغال الاسرة عن تربية ابنائهم، بحثا عن تحسين الدخل لتوفير مطلبات المعيشة، فلم يعد للاسرة دور فعال فى التربية والرقابة والتوجيه، لذا يجب بعد كل الاحداث التى نراها ان تعود الاسرة لدورها فى نصح الابناء وغرس الصفات الكريمة والقيم فيهم، وذلك من خلال الجلوس مع الابناء على مائدة طعام واحدة او على الأقل عمل جلسة اسبوعية يتم سماع مشاكل الابناء وتقويم سلوكياتهم، كما ان المدرسة ايضا كان لها دور فى التربية والتوجيه، ولكن للاسف دور المدرسة اصبح ضعيفا جدا، فلم يعد هناك اهتمام بتدريس مادة التربية الدينية الاسلامية والمسيحية، ولا يوجد دور فعال للاخصائى الاجتماعى بالمدرسة، مطالبة بعودة

الثقافة المصرية وتأصيل القيم والمبادئ والجذور التى تربى ونشأ عليها المصريون مثل حب الخير وتجريم العنف، وذلك بعودة التربية للتعليم، وإعادة مراكز الشباب للعمل بكامل طاقتها، واستيعاب الشباب لتفريغ طاقاتهم، وعودة دور الثقافة والتوعية، بالإضافة إلى ان 90% مما يبث فى الفضائيات العربية والأجنبية أكشن وعنف، مشيرة إلى دور الألعاب الالكترونية وأفلام كارتون الأطفال التى تحتوى على مشاهد عنف، والفائز فيها هو الذى يقوم بعملية قتل او تفجير أو هدم للعبور للمرحلة التالية، وبالتالى فإن ذلك يربى داخل الطفل نوازع شر وعنف ويرسخ لمفاهيم سلبية بعيدا عن ثقافة التسامح والحب.

وتابعت قائلة «يجب البحث عن المثل العليا وتسليط الضوء عليها، ونشر الحب والسلام والخير، من خلال استغلال الدراما والسينما فى تجسيد هذه الأدوار، والبعد عن تجسيد أدوار الشر، وألا يسلط الإعلام الضوء على هذه الجرائم وينقلها بالشكل الذى يثير الذعر بين المواطنين، فضلا عن ضرورة عودة دور الإعلام كما كان فى الماضي، حينما كان من أهم أدواره تنوير فكر المجتمع، من خلال بث البرامج الهادفة التى كانت تساعد فى تثقيف المواطنين وتنمية وعيهم وإدراكهم.

 

السوشيال ميديا تربى روح العنف والكراهية

دماء على صفحات الإنترنت

مجتمع أبهر الجميع بموضوعاته وتنوعها ونقله للحدث أثناء وقوعه، يقضى عليه الملايين معظم أوقاتهم، دون أن يعلموا أنه يسرق أعمارهم، هذا هو الانترنت، تلك الشبكة العنكبوتية التى اخترقت مجتمعاتنا، واعتقد الكثيرون أنها الطريق إلى عصر الحداثة ليكتشفوا بعد ذلك أنها فى ظاهرها الرحمة وفى باطنها العذاب.

فالشبكة العنكبوتية كما تحمل فى ثناياها المعلومات والأفكار البراقة، تحمل لنا أيضا العنف والقسوة والدماء، من خلال ما تبثه من أفلام وفديوهات للجرائم لحظة حدوثها، وألعاب الكترونية تجتذب الصغار والكبار على السواء، وهو ما زاد من حالة العنف التى يعيشها مجتمعنا.

إلهام المهدى، الخبيرة القانونية، والباحثة الاجتماعية، تشير إلى أنه مع تفشى حالات العنف بصور مختلفة فى المجتمع المصرى لابد أن نتوقف عند هذه النقطة ونسعى جاهدين لنتدارك هذا الطوفان الجارف الذى يمكن له ان يدمر الأخضر واليابس، والذى ظهر بظهور وانتشار مواقع التواصل الاجتماعى «السوشيال ميديا»، مؤكدة أن لها تأثيرًا سلبيًا فى طريقة تناولها وعرضها لجرائم العنف والقتل بصورة مبالغ فيها، ووصفها على غير حقيقتها، ففى ظل غياب الثقافة المحافظة على قيم المجتمع وآدابه نجنى ثمار الآثار السلبية للتكنولوجيا الحديثة والعولمة بشكل كبير، وخاصة على الأسرة بالذات فى ظل تفكك الأسرة الواحدة وانعزال أفرادها حتى أصبح كل منهم فى عالم منفصل، وأصبحت المؤثرات الخارجية لها التأثير الأكبر فى تربية الأبناء وتوجيههم فى ظل غياب واضح للرقابة عليهم، ووجهت المهدى الاتهامات للسوشيال ميديا بتصدير وتضخيم حجم جرائم القتل فى المجتمع على غير الحقيقة، وكأن المجتمع كله اصبح قتلة رغم أنها حوادث فردية، ومن الناحية العلمية لا تمثل هذه الجرائم نسبة تذكر فى مجتمع يتخطى تعداده 100 مليون نسمة.

وأكدت الخبيرة القانونية على ضرورة إعادة التربية الصحيحة للفرد، لذلك لابد وأن نبدأ من الأطفال والذين يجب أن يتم تنشئتهم بطريقة صحيحة من خلال الأسرة مشيرة إلى أن هناك عوامل أخرى تدخل فى عملية التربية بعد الأسرة وهى المدرسة والسوشيال ميديا، ثم النادى والشارع

وأشارت إلى أن الأسرة هى القلم الأول الذى يخط فى صفحات حياة الطفل البيضاء، فإن كانت الأسرة تمارس العنف كطبع أصيل فيها بين أفرادها أو تمارس هذا العنف بسبب خلافات زوجية او يتعرض الطفل نفسه للعنف طريق النهر والزجر والسب والضرب، فكل هذا سينعكس على تكوينه وقد يتسبب ظهور سلوك عدوانى عليه يمارسه على طرف أضعف منه.

وأشارت الباحثة الاجتماعية، إلى دور الميديا، التى تلعب دورا فى غاية الاهمية والخطورة فى نفس الوقت، حيث انها سلاح ذو حدين، فلها آثار سلبية منها خلق روح العداء لدى أبنائنا وهو ما يظهر من خلال الألعاب التى تعلم العنف وتربى داخل الطفل روح القتل والاعتياد على سفك الدماء، بالإضافة للأفلام بما فيها أفلام الكرتون والأفلام السينمائية وأغانى المهرجانات وفيديوهات التيك توك وغيرها، خاصة أن اغلب الأشخاص فى السوشيال ميديا يعتبرهم الأبناء بمثابة قدوة لهم.

وأضافت أن المدرسة تعد ضلعا هاما فى تكوين شخصية الطفل، ولكنها أحيانا قد تكون سببا فى خلق طفل عدوانى ليصبح بلطجيا فيما بعد، ويحدث ذلك إذا تعرض الطفل فى المدرسة لحالات تنمر سواء كان تنمرًا من المدرسين أو من زملائه، وسواء بسبب شكله |أو لونه أو طريقة كلامه او مستواه المادى او الإجتماعى او النفسى، فإذا لم يعالج هذا التنمر بشكل صحيح تتكون لديه طاقة عنف تتحول لسلوك عدوانى يمارسه على اقرانه او مدرسيه إذا لازم الأمر.

وأوضحت أن النادى، يمكن أن يكون من ضمن الأسباب التى تساهم فى خلق سلوك عدوانى لدى الطفل، حيث إن الأصل أن الرياضة تنمى الجسد والروح والعقل  ولكن ربما يحدث العكس إذا ما كان المدرب القدوة للطفل شخصًا يتصف بالعدوانية، فيكتسب الطفل السلوك العدوانى منه بالتبعية، فضلًا عما يشاهده الأطفال من أحداث فى الشارع  وسلوكيات سيئة يمارسها البعض.

وأوضحت «المهدى» أن عنصر الرقابة على الأطفال تقلص او يكاد يكون اختفى سواء بسبب انشغال الأبوين بالعمل نظرا للظروف المعيشية الصعبة او بسبب الجهل.

وأضافت :عندما تصل الأمور لحد القتل البشع والتمثيل بالجثة فى عز النهار وأمام الجميع، لابد وأن نتوقف ونعيد كل الحسابات من جديد، لنبحث عن حلول جذرية للقضاء على هذه الظاهرة المخيفة، لذا لابد من العمل على استخدام السوشيال ميديا بشكل صحيح لبث برامج توعية للاطفال والشباب والأمهات، وعمل دورات تدريبية للمدرسين، وتزويد المدارس باخصائيين اجتماعيين مثقفين ومدربين على كيفية التعامل مع سيكولوجية الأطفال بشكل صحيح، وعمل اجتماعات دورية واجبة الحضور للأمهات داخل المدارس للتوعية وتعليم الأم كيفية التربية النفسية الصحية، وكيفية اتخاذ قرار إيجابى حيال وجود أى شخص عدوانى يتعامل مع أبنائها بشكل مباشر، ولابد من تفعيل دور رقابى على الالعاب الالكترونية السلبية، والعمل على إعادة الدوريات الأمنية لتقليص انتشار المخدرات والعنف فى الشارع، مع العلم انه لابد من وجود خطاب دينى صحيح ليهذب المشاعر والروح.

 

منها «إبراهيم الأبيض».. «الألمانى».. و«أبو موتة»:

وراء كل جريمة فيلم هابط

«إبراهيم الأبيض – ملوك الجدعنة – أبو موتة – الأسطورة – الألمانى – قلب الأسد» أفلام ومسلسلات، طرقت بيوتنا بدون سابق إنذار، عاش وتربى عليها أجيال، صنعت نفوسا متشبعة بالعنف والدماء، وبسبب قلة الرقابة المجتمعية والأخلاق الإنسانية فيها صبغت المجتمع بصبغتها الوحشية، أبطال يفعلون ما يحلو لهم، مما خلق لنا واقعا دمويا أصبحنا نستيقظ عليه كل يوم.

نورهان النجار الاستشارى النفسى والإرشاد الأسري، ترى أن فكرة انتشار الجرائم فى المجتمع من البداية كانت نتيجة لحظة شيطان وغضب، إنما فى الوقت الحالى فتنشئة الطفل هى السبب الرئيسى وراء تلك الجرائم، فمن الممكن أن يكون لدى البعض نوايا إجرامية، وهنا يأتى دور الأسرة سواء فى منع هذه النوايا من خلال التربية على الأخلاق القويمة والإيمان والتسامح، أو زيادها من خلال غياب القيم والدين، لمؤكدة أن وسائل الإعلام والفن والمسلسلات ساعدت كثيرا فى انتشار مثل هذه الجرائم.

وأشارت «النجار» إلى أنه يجب توعية الطفل من المواد المعروضة، خاصة وأن هناك مسلسلات تدعو للعنف وللدم، مطالبة بتغليظ العقوبات ووجود رد فعل قاس ورادع ليكون عبرة لغيره سواء كان القائم بمثل هذه الأفعال شابًا أم رجلًا، حتى لا يشيع الفساد فى المجتمع، مطالبة بتكاتف جميع مؤسسات التنشئة للوقوف والتصدى لمثل هذه الأفعال، بل وزرع القيم والأخلاق فى نفوس الأطفال، مؤكدة على أن جريمة قطع رأس إنسان وتجول المجرم بها فى شوارع الإسماعيلية مفتخرا متباهيا بجريمته، هى بلا شك أحد آثار أفلام ومسلسلات العنف والبلطجة التى أعطتها شاشات السينما والقنوات التلفازية مساحات واسعة فى السنوات الأخيرة، وأصبح أبطال هذه الأفلام والمسلسلات نماذج يقتدى بها الشباب، ويمثلون أدوارهم فى واقع الحياة حتى كثر القتل.

وأكدت الاستشارى النفسى أنه بدلًا من أن يصبح الفن وسيلة يتحقق من خلالها السلم والأمن المجتمعى، ويكون أداة لتطهير النفوس غير السوية من نزعاته العدوانية، والرغبة فى العنف تحول إلى صانع لتلك العدوانية ومبرر لذلك العنف، خاصة وأن الجرائم المنتشرة المصورة، أوحت لنا أنه يؤدى دور بطولة فى فيلم من أفلام العنف والبلطجة التى اشتهر بها أحد أدعياء الفن والذي–للأسف الشديد– يحتفى به فى كل مكان، وتتم الإشادة بأدواره المحرضة على القتل والعنف، وطالبت علماء الاجتماع والمتخصصين فى علم الإجرام وعلماء الدين القيام بدورهم المنوط بهم فى توعية المجتمع بخطورة انتشار العنف والبلطجة، والكشف عن أسبابه وبواعثه وتحديد وسائل الوقاية منهما.

يذكر أن الفنان محمد صبحى له شهادة هامة فى هذا الصدد حينما قال خلال لقائه مع الإعلامى مصطفى بكرى فى برنامج حقائق وأسرار «إن السينما التى قامت بتصدير مشاهد البلطجة مسؤولة عن العنف الذى يشهده المجتمع» مؤكدا أن الخبثاء الذين يتحدثون عن أن السينما تنقل العنف الموجود فى المجتمع، قائلا «إن أفلام العنف هى التى نقلت ذلك إلى الواقع وليس العكس كما يروّجون».

وأشار «صبحي»، إلى أن الإبداع يكون عبر تقديم رؤية جمالية حتى فى القبح، موضحا أن الدراما لا يمكن أن تقدم الشخص بأن يأخذ حقه «بدراعه» فهذا يسقط هيبة الدولة، مطالبًا بأن يتم اختراع مواقع التواصل الاجتماعى بديلة عن «الفيسبوك» كما حدث فى الصين من أجل الابتعاد عن الهيستيريا على تلك المواقع.