رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عصافير لها أنياب! .. جرائم بشعة يرتكبها أطفال فى عمر الزهور

صغار يتورطون فى حوادث قتل وتحرش واغتصاب

 

تفكك الأسرة وغياب الرقابة.. أبرز أسباب ارتكاب الجرائم

 

تقليد مشاهد العنف فى «الميديا» يضع الأطفال تحت طائلة القانون

 

لا يزالون فى عمر الزهور... لكنهم خلعوا عباءة الطفولة ومُحيت البراءة من وجوههم.. وقرروا أن يقتحموا عالم الجريمة وأن يخالفوا القانون بأفعالهم.. التى وصفها البعض بأنها مجرد «مراهقة» أو «غلطة عيال» نتيجة خلل فى التربية من قبل الأسرة وعدم وجود رقابة عليهم.

لكن ليس كل خطأ يمكن أن يُغتفر، أو ينظر إليه على أنه غلطة يمكن غض الطرف عنها، فهناك جرائم يقف المجتمع عندها مندهشًا حينما يسمع أن مُرتكبها طفلًا لا يتجاوز عمره 18 عامًا، بعضها قتل واغتصاب وسرقة وغيره، ما جعل البعض يتخلى عن عاطفته ويطالب بتعديل قانون الطفل لمعاقبة مرتكبى مثل هذه الجرائم من المراهقين، للحد من هذه الظاهرة.

وطبقًا لدراسة أصدرتها أحداث شمال الجيزة فإن أكثر من 15 ألف طفل محكوم عليهم أو محبوسين احتياطيًا فى السنوات الأخيرة، وحوالى أكثر من 15 ألف جريمة ارتكبها الأطفال دون الـ18 منها 4730 قضية سرقة، و333 قضية مخدرات، و40 قضية هتك عرض، و200 قضية مرور، و40 إصابة خطأ، و8 نصب و217 ضرب 4 قتل و8 قضايا دعارة.

وكانت آخر هذه الجرائم فى مركز شرطة ههيا بالشرقية، حيث عثرت المباحث على طفل مقتول بأرض زراعية بالقرب من قرية العدوة، إثر إصابته بسلاح أبيض (مطواة)، وبعد 24 ساعة من الجريمة، تم القبض على 3 من المتهمين أعمارهم تتراوح ما بين 15 و16 سنة، حيث قاموا باستدراج المجنى عليه لمكان خال من المارة، «بالتوك توك» الخاص به، وفى الطريق قاموا بقتله وسرقة التوك توك منه.

الجدل فى هذا الملف لا ينتهى ولا تكفى المطالبات بشأنه، خاصةً بعد عدة وقائع مخالفة للقانون، وكان مرتكبوها أطفالًا أبرزها واقعة «طفل المرور» الذى اتهم بالتنمر على شرطى مرور مع أربعة من أصدقائه، وقررت النيابة وضعه فى إحدى دور رعاية الأطفال وقتها، وصدر ضده حكم بالحبس هو وأصدقائه، ولكن فى الوقت الذى يحصل فيه البعض على أحكام، فهناك من يفلت من العقاب، أو لا يحصلون على حكم مشدد فى الكثير من الجرائم، علاوةً على أن هناك العديد من الأسباب وراء اندفاع الأطفال لارتكاب مثل هذه الجرائم.. التى سيتم تناولها فى هذا التحقيق.

 

 

جرائم مُشينة

حدد الدستور المصرى لسنة 2014 فى نص المادة «80» أن سن الطفل حتى بلوغه الثامنة عشرة من عمره وجاء ذلك متوافقًا مع اتفاقية حقوق الطفل التى تحدد حقوق الطفل المدنية والسياسية والاقتصادية والثقافية التى صدقت عليها مصر سنة 1990، ودخلت حيز النفاذ فى 2 مايو 1991، التى حددت سن الطفل بمن هو أقل من 18 سنة، وبناء عليه فإن مصر بها أكثر من 39.2 مليون طفل أقل من 18 سنة طبقًا للأرقام الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2020، بعضهم يستغل فى أعمال مخالفة للقانون منها التسول والسرقة من قبل مجرمين محترفين، والبعض الآخر تدفعه الظروف أو عدم الرقابة من الأهل إلى ارتكاب جرائم.

وفقًا لتصريح مصدر مسئول لنا فى إحدى دور الرعاية للأطفال فإن الجرائم التى يرتكبها من هم أقل من 18 عامًا تختلف من حيث درجة خطورتها، فهناك بعض الأعمال التى تخالف القانون يرتكبها أطفال لا يتجاوز عمرهم الـ13 عامًا، وهؤلاء بنص القانون لا توجد عقوبة لهم، بل أقصى ما يمكن تطبيقه عليهم وهو وضعهم فى دور رعاية مناسبة لمدة زمنية تبدأ من شهر وتستمر لـ6 أشهر أو سنوات حتى يتم توفير الرعاية النفسية والصحية لهم، ثم يعودون مرة أخرى للمجتمع، أما الأطفال من سن 15 وحتى قبل بلوغ الـ 18 عامًا يتم تطبيق العقوبة عليهم بالسجن لمدة تتروح من 3 سنوات إلى سبع سنوات، حيث تختلف العقوبة على حسب الجريمة التى ارتكبها الطفل، ولكن فى العموم أقصى عقوبة ممكن أن يحصل عليها الطفل هى 7 سنوات.

وأشار إلى أن الأطفال الذين يُحكم عليهم بالسجن المشدد وهم من سن 15 عامًا لأقل من 18 عامًا، يتم وضعهم فى الأحداث لقضاء فترة السجن، وخلال هذه الفترة يتم تأهيلهم وتدريبهم على مهنة شريفة، لكى يعملون بها فى حال خروجهم من الدار، علاوةً على تأهليه نفسيًا من قبل اخصائيين، وفى حالة بلوغ الطفل الـ 18 عامًا ولا يزال لديه سنوات أو شهور من فترة عقوبته يتم تحويله إلى السجن العادى لقضاء فترة العقوبة هناك، لأنه بذلك تجاوز سن الطفولة وأصبح شخصًا بالغًا فيعامل معاملة المجرمين أو المُدانين العاديين إلى أن تنتهى فترة حبسه.

وأضاف أنه طبقًا للقانون فإنه لا يجوز احتجاز الأطفال أو حبسهم أو سجنهم مع غيرهم من البالغين فى مكان واحد، ويراعى فى تنفيذ الاحتجاز تصنيف الأطفال بحسب السن والجنس ونوع الجريمة، ووضع القانون عقوبة لمن يخالف ذلك بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على سنتين، وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تجاوز خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين لكل موظف عام أو مكلف بخدمة عامة احتجز أو حبس أو سجن طفلًا مع بالغ أو أكثر فى مكان واحد.

وقال إنه حاليًا جار تعديل قانون الطفل ومن الممكن إضافة بعض المواد التى تشمل عقوبة مشددة للحد من هذه الظاهرة، ولكن بالطبع ستكون هذه العقوبة للأطفال من 15 إلى أقل من 18 عامًا، ولا تشمل من هم دون هذه السن، حيث ينص التعديل على أنه إذا ارتكب الطفل الذى تجاوز سنه خمس عشرة سنة، جريمة عقوبتها الإعدام أو السجن المؤبد حكم عليه بالسجن مدة لا تزيد على 25 سنة، وإذا كانت الجريمة عقوبتها السجن المشدد يحكم عليه بالسجن مدة لا تقل عن عشرين سنة، وإذا كانت الجريمة عقوبتها الحبس يحكم عليه بالحبس مدة لا تقل عن سنة».

ولفت إلى أن معظم الجرائم التى ارتكبها بعض الأطفال يكون عادةً سببها عدم رعاية الأهل لهم، أو محاولة منهم لتقليد ما يشاهدونه فى بعض المسلسلات والأفلام، أو لديهم

مرض نفسى يدفعهم لارتكاب مثل هذه الجرائم.

ويؤكد هذا الرأى تقرير صادر عن منظمة اليونيسيف، أشار إلى عدم سلامة الصحة النفسية لبعض الأطفال، وهو ما يؤثر على سلوكايتهم، حيث أشار التقرير إلى أن نسبة العنف الجسدى للأطفال فى مصر وصلت إلى 93%، سواء عن طريق الأسر أو حتى دور الرعاية، أما العنف النفسى فى مصر فتتراوح نسبته بين 40 و50% من الأطفال.

أكد تقرير للمجلس القومى للأمومة والطفولة، تعرض ٩٣٪ من الأطفال دون سن الرابعة عشرة للعنف الجسدى أو اللفظى، وأشار التقرير إلى أن خط نجدة الطفل تلقى من يناير ٢٠١٨ وحتى يوليو ٢٠١٩ حوالى ٣٦٣ ألف مكالمة، منها ٢٦ ألفًا و٩٣٢ من حالات الأطفال المعرضين للخطر والناجين من العنف الذين قدمت لهم خدمات إحالة للجهات المختصة وكذلك دعمًا نفسيًا.

 

العقوبة والسبب

نصت المادة 17 من قانون العقوبات: أنه «إذا ارتكب الطفل الذى تجاوز سن خمسة عشر عامًا جريمة عقوبتها الإعدام أو السجن المؤبد أو السجن المشدد يحكم عليه بالسجن، وإذا كانت الجريمة عقوبتها السجن فيحكم عليه بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، ونظم قانون الطفل رقم 126 لسنة 2008، العقوبات التى تطبق على الأطفال الذين لم تتجاوز أعمارهم الـ15 عامًا، حال ارتكابهم بعض الجرائم، وذلك وفقًا للمعاملة الجنائية لهم.

ونص قانون الطفل على أن يحكم على الطفل الذى ارتكب جريمة، ولم يتجاوز عمره 15 سنة ميلادية كاملة، بأحد التدابير الآتية، التوبيخ، الإلحاق بالتدريب والتأهيل، الإلزام بواجبات معينة، الاختبار القضائى، العمل للمنفعة العامة، بما لا يضر بصحة الطفل أو نفسيته، وتحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون أنواع هذا العمل وضوابطها، أو الإيداع فى أحد المستشفيات المتخصصة،أو الإيداع فى إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية.

على أن يحكم عليه بالتدابير المنصوص عليها فى البند 8 من المادة 101 من قانون العقوبات، وخاصة إذا كان الطفل قد ارتكب جنحة».

من جانبها، قالت د. سوسن فايد أستاذ علم النفس السياسى بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية: «إن انتشار هذه الظاهرة بشكل فج فى الفترة الأخيرة يرجع إلى عدة عوامل أهمها التربية، فالظروف الاقتصادية واضطرار الأهل إلى العمل فى أكثر من وظيفة لتدبير أمورهم المعيشيةـ جعلهم ينشغلون عن متابعة أطفالهم والحديث معاهم، مشيرةً إلى أن معظم الآباء يتعاملون مع أطفالهم بمنطق القوة أى أنه لا صوت يعلو فوق صوتهم دون الاستماع إلى رغبات أبنائهم ومحاولة التقرب منهم».

وأشارت إلى أنه للأسف فى هذه السن الصغيرة يحاول الأطفال دائمًا تقليد ما يرونه من عنف أو مشاهد غير لائقة تعرض على التليفزيون أو فى مواقع الإنترنت، ما يجعلهم يرتكبون فى بعض الأحيان سلوكيات تضعهم تحت طائلة القانون، لافتةً إلى أن مشاهد القتل والعنف فى الأفلام والمسلسلات يكون لها تأثير سلبى على نفسية وسلوكيات الطفل تجاه غيره، مشيرة إلى أن العديد من الدراسات الحديثة أكدت أن مشاهدة الأطفال لفترة زمنية طويلة أعمالًا تحتوى على عنف أو قتل أو غيره قد يولد لديهم نوعًا من الاضطراب النفسى، ويحولهم إلى شخصيات عدائية وعدوانية تجاه الآخرين، وهذا ما يفسر قدوم بعض الأطفال على ارتكاب مثل هذه الجرائم.

وأوضحت أن التفكك الأسرى عامل مهم جدًا فى انتشار هذه الظاهرة، فالعديد من الأطفال يعانون بعد فراق الزوجين، خاصةً إذا قام أحدهما بالزواج مرة أخرى، فتنعدم بذلك الرقابة على الطفل، ما يدفعه إلى المغامرة وتجربة سلوكيات جديدة قد تجعله تحت طائلة القانون، مؤكدةً أن من السهل تحويل الطفل إلى مجرم، خاصةً أنه يكون فى سن لا تتسم بالرشادة ولا يستطيع التفرقة بين الصح والخطأ أو ما قد يعاقب، علاوةً على أن ابتعاده عن أهله يولد لديه نوعًا من الحرمان فيحاول تعويضه بسلوكيات غير منضبطة قد تكون سرقة أو ارتكاب سلوك عنيف مع الآخرين.

وأكدت أن الحل ليس فقط سن قانون لمعاقبة مرتكبى الجرائم، لكن الأسرة هى الأساس فإن انصلح حالها وقامت بدورها على أكمل وجه من اهتمام وتربية ورقابة على الأطفال فى هذه المرحلة العمرية، ستتم السيطرة على هذه الظاهرة.