رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ذبح وحرق وشنق فى منزل العائلة!

بوابة الوفد الإلكترونية

قبل أن تجف دموع ملايين المصريين على «طفل القليوبية» الذى تركه أبواه وحده 9 أيام كاملة فى شقة مغلقة حتى مات جوعًا وتعفنت جثته، فوجئ المصريون بواقعة أخرى شديدة الغرابة، بطلها طفل صغير، يقود سيارة مرسيدس، ويطوف بها عدة شوارع بالقاهرة ساخرًا من كل من يقابله من رجال المرور، مرددًا ألفاظًا نابية!

حكايتا الطفلين.. ليستا الأولى من نوعها، لكنهما تستحقان أن نتوقف عندهما بالبحث والتحليل والتدقيق، ليس بغرض إيجاد أسباب ومبررات لها، وإنما لوقف تيار يحطم القيم الأسرية، ويدق ناقوس الخطر لينتبه الجميع إلى ضرورة حماية الأسرة المصرية، بعدما تجاوزت الجرائم الأسرية كل حدود الخطر.

وحسب المركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية فإن جرائم القتل الأسرى فى مصر تشكل ما بين ربع إلى ثلث إجمالى جرائم القتل، و92% من هذه الجرائم تتم بدافع العرض والشرف نتيجة الشك وسوء الظن والشائعات.

واتسعت الجرائم الأسرية لتتنوع ما بين آباء يقذفون فلذات أكبادهم إلى طريق الضياع، وآخرين يقتلونهم عمدًا أو إذلالًا أو إهمالًا.. يتجردون من كل مشاعر الأبوة والأمومة، والإنسانية، وتتحول أياديهم التى كان ينتظر منها «الطبطبة» على الأبناء إلى أياد قاتلة ملطخة بدماء صغارهم.

وعلى جانب آخر ظهرت حالات غريبة على مجتمعنا لأبناء يمارسون كافة أنواع العقوق ضد آبائهم، ويخالفون شرع الله، فى الرحمة والبر بالوالدين، فيودعونهم دور المسنين، أو يتركونهم فى بيوتهم دون رعاية حتى يستيقظ الجيران على روائح جثث تحللت على مقاعدها المتحركة.

وبرغم كونها حالات فردية فإنها تحدث ألمًا وجرحًا و«فوضى» فى كل ثوابت الأخلاق والقيم الأسرية، التى زينت دومًا مجتمعنا الذى اشتهر عبر تاريخه بتمسكه بكل ما هو إنسانى راق فى العلاقات الأسرية..

ماذا حدث للقيم داخل المجتمع المصرى؟.. وما الذى أصاب الأسرة المصرية، التى اتسمت عبر تاريخ طويل، بالتماسك والترابط والتراحم والتضحية الأبدية؟.. وما سر الجرائم شديدة البشاعة والغرابة التى يقترفها أشخاص مارقون، تفننوا فى إضافة كل ما هو شاذ وغير مألوف على جرائم تهز المجتمع بأثره، وتصبح حديث الناس فى الشوارع والبيوت وصفحات التواصل الاجتماعى؟!

 

جرائم ضد «فلذات الأكباد»

 

الأب هو السند.. هو الرعاية المتواصلة والحماية الأبدية من نوائب الزمن.. والأم هى نبع الحنان ورمز العطاء الذى لا ينضب.. ولكن شيئًا ما يحول الآباء والأمهات من الحماية والرعاية والعطاء إلى تعذيب وقتل فلذات أكبادهم..

فى سوهاج قتل أب ابنتيه وزوجته بإطلاق الرصاص عليهم وتمزيق أجسادهم بالساطور، انتقامًا منهم على خطف طفلة وقتلها.

وفى ليلة رأس السنة.. زينت أسرة الدكتور أحمد حوائط الشقة بالبالونات للاحتفال بليلة رأس السنة، وانتظرت الأم وأبناؤها الزوج، حتى دخل وهم ينظرون إليه بفرحة عارمة وببراءة شديدة وهنأوه بقدوم العام الجديد، وفجأة قرر الدكتور «أحمد» قتل زوجته «منى. ف» وأطفاله عبدالله 8 سنوات، وعمر 6 سنوات، وليلى 4 سنوات، وتوجه لقسم الشرطة ليحرر بلاغًا يفيد بأنه عثر على زوجته وأولاده مذبوحين عقب عودته من العمل، وانتقل مدير الأمن ومدير المباحث وعدد من ضباط البحث الجنائى، ولمعاينة الشقة والمفاجأة أنهم لم يعثروا على أى كسر فى أبوابها أو النوافذ التى تطل على الشوارع أو منافذ المناور، وبدأت شكوك الضباط تحوم حول الزوج لعدم وجود آثار عنف بالشقة وبتضييق الخناق حول الزوج انهار أمام مدير الأمن وضباط المباحث واعترف بجريمته معللًا ذلك بوجود خلافات بينه وبين زوجته مما جعله يفقد عقله ويتجرد من إنسانيته ويتخلص من زوجته وأولاده فى ليلة رأس السنة!

وفى الوراق، بالجيزة قتلت أم ابنها البالغ من العمر اثنى عشر عامًا لخروجه دون إذنها، وتغيبه عن المنزل، وقالت فى التحقيقات إنها كانت تقوم بتأديبه فمات فى يدها!

وفى قرية الملحة التابعة لمركز المنصورة بمحافظة الدقهلية دفع طفل عمره 5 سنوات حياته على يد والده دون ذنب اقترفه الصغير.. تعدى الأب على ابنه الصغير فأصابة بنزبف داخلى بالمخ وكسر فى الحوض والذراع اليسرى وكدمات وبعض الحروق فى القدم.. لماذا فعل الأب كل ذلك مع نجله الصغير البريء؟.. الإجابة: انتقامًا من زوجته التى انفصل عنها!

وفى حى العجوزة بمحافظة الجيزة وصلت طفلة لم تتجاوز الأربعة أعوام، إلى مستشفى العجوزة جثة هامدة، ما أثار الشكوك لدى الأطباء وقاموا بإبلاغ قسم شرطة العجوزة.

وتبين من التحريات أن عشيق والدة الطفلة وراء الاعتداء بالضرب على المجنى عليها، مما أسفر عن مقتلها، وتم القبض على المتهم الذى قال فى التحقيقات إن بكاء الطفلة المستمر تسبب فى إزعاجه، مما دفعه للاعتداء عليها بالضرب، حتى فوجئ أنها فقدت الوعى، فنقلها إلى المستشفى بصحبة والدتها، فى محاولة لإنقاذها، إلا أنها فارقت الحياة.

ومن جانبه قال الدكتور محمد هانى، استشارى أسرى ونفسى إن الزواج فى الفترة الأخيرة أصبح كحلبة المصارعة، والطفل هو من يتحمل فاتورة الخلافات الزوجية، حيث إن الآباء والأمهات يحملون فاتورة أخطائهم لأولادهم، وأن المتنفس للضغوط الحياتية التى يتعرضون لها هو التخلص من أبنائهم، دون إدراك منهم أن هؤلاء هم الأقرب إليهم.

وشدد «هانى» على ضرورة وجود شهادة نفسية تُثبت أن الرجل والمرأة قادران على الزواج قبيل التوقيع على عقد الزواج، وذلك تفاديًا لإنجاب أطفال مشوهين نفسيًا غير سويين اجتماعيين،، بالإضافة إلى تفعيل الدورات التأهيلية النفسية للمقبلين على الزواج، وتكون وزارة التضامن الاجتماعى هى القائمة على هذه الدورات.

مشيرًا إلى وجود أشخاص وجهات لها دور فعال فى تكوين أسرة كاملة متكاملة، هم أهل الأزواج، والسينما والمراكز الثقافية والتليفزيون والمنصات الإعلامية، ووزارة الشباب والتضامن والتربية والتعليم والصحة، لمعالجة المشاكل الزوجية فى الحياة الأسرية.

ووصفت الدكتورة إيمان عبدالله خبيرة العلاقات الأسرية، مرتكبى الجرائم الأسرية بأنهم أصحاب شخصية «نرجسية أنانية»، تفكر فى نفسها أكثر من غيرها، بالإضافة لكونها شخصية سيكوباتية عدوانية، لا تتورع عن أذى أقرب الناس لها وهم الأبناء.. وقالت «يجب معاقبة كل من يتورط فى مثل تلك الجرائم بكل قسوة ليكونوا عبرة للآخرين لعدم تكرار هذا الأمر، وذلك ليستطيع الآباء السيطرة على أنفسهم وقت الغضب».

وأضافت «معظم جرائم تعذيب وقتل الأطفال تكون وليدة اللحظة، وفى هذه الحالة يكون مرتكب الجريمة شخصًا طبيعيًا ومعتدلًا لكنه تعرض فى لحظة مفاجئة إلى ضغط نفسى شديد دفعه إلى فقدان السيطرة على حواسه بشكل مبالغ فيه، فأدى إلى إضرار الطفل وقتله، والدليل على ذلك أن الوالد أو الوالدة عقب مرور الواقعة والبدء فى السيطرة على حواسهم يتعجبون ولا يصدقون أنه من الممكن أن يكونوا هم من فعلوا هذا بأطفالهم، وهناك نوع من مرتكبى تلك الجرائم فاقدى الأهلية، يكونون من المرضى النفسيين، فيتصرفون بشكل غير متوقع، ومن الممكن أن ينسج له خياله قصصًا غريبة تدفعه إلى ارتكاب أفعال شنيعة ويكون المبرر هنا تعرضه للخيانة أو للظلم والإيذاء.

وأضافت «الطفل الذى يتعرض للتعذيب على يد أبويه أو أحد من أسرته من المستحيل أن تتلاشى وقائع التعذيب من ذاكرته مهما مرت به السنوات، ولهذا تؤثر على نفسية وشخصية الطفل، طوال حياته».

ويقول الدكتور محمد أبوليلة، عميد معهد الدراسات الإسلامية باللغة الإنجليزية بجامعة الأزهر، إن الأزهر يطلق حملات توعوية تستهدف محاربة السلوكيات الخاطئة فى التربية، مطالبًا بسن تشريعات للحد من تلك الظاهرة وتكون هناك عقوبة قانونية ضد أى أب أو أم يستخدمان القسوة ضد الأبناء مما يترتب على ذلك تشويه وتجريح ووفاة للطفل.

وعن تأديب الأطفال، أكد «أبوليلة»، أن الإسلام ذكر أن أقسى عقوبة للطفل لتأديبه هى «الضرب» ولكن لتعليم الصلاة ولم يذكرها مرة أخرى، حيث إن الضرب للإرشاد وليس للتشويه والتجريح بل هو «ضرب خفيف»، وبأنه لا تجوز الزيادة على 3 ضربات؛ لما روى أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال للصحابى مرداس المعلم: «إياك أن تضرب فوق الثلاث؛ فإنك إن ضربت فوق ثلاث اقتص الله منك».، لافتًا إلى أن الإسلام هو دين الرحمة، ووصف الله تعالى حبيبه المصطفى بأنه رحمة للعالمين، وأولى الناس بالرحمة هم الأطفال فى مراحل عمرهم المختلفة؛ لضعفهم واحتياجهم الدائم إلى من يقوم بشئونهم، حتى جعل النبى عدم رحمة الصغير من الكبائر، فقال: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا».

وتابع أستاذ الدراسات الإسلامية، أنه إذا صلح الضرب وسيلة للتربية بهذه الشروط والقيود فى بعض البيئات، فإن ذلك لا يعنى صلاحيته لكل البيئات والعصور، بل ولا لكل الأحوال أو الأشخاص، ثم إن حقيقة الضرب قد خرجت الآن عن هذه المعانى التربوية، وأصبحت فى أغلب صورها وسيلة للعقاب البدنى المبرح بل والانتقام أحيانًا، وهذا محرم بلا خلاف، ويجب أن تكون عقوبته الإعدام فى حالة الضرب أو العنف المؤدى إلى الموت، مؤكدًا أن العنف الأسرى ضد الأطفال تعامل غير أدمى فهو فى منزلة التعامل الحيوانى الوحشى، فتلك القسوة نهى عنها الإسلام، والرسول الكريم نزل بالرحمة فقال تعالى «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»، وذلك يؤكد أن أسلوب التربية الذى يدعو له الإسلام هو الحنو والترغيب والتحبيب والتقارب والحوار، فالنبى الكريم كان يقول عن نجلته السيدة فاطمة «فاطمة بضعة منى»، فباللين والرحمة والود هى أساس التعامل ويجب أن نتعلم الرحمة.

 

مؤسسات حماية الأسرة: المبادرات وحدها لا تكفى

 

فى السنوات الأخيرة، انطلقت مبادرات عديدة لحماية القيم المجتمعية، ودعم الترابط الأسرى، وعلاج أى خلل يضر بالعلاقات الأسرية، المبادرات أطقلتها عدة مؤسسات حكومية على رأسها المجلس القومى للطفولة والأمومة، والمجلس القومى للمرأة، والمجلس القومى للسكان، ووزارت «العدل» و«التضامن الاجتماعى» و«الصحة والسكان»، وجميعها تتعاون وتتشارك من أجل خلق بيئة آمنة وحامية للأطفال، وتعزيز نظم حماية الطفل، مع وضع استراتيجية وطنية، وخطة عمل لإنهاء العنف ضد الأطفال، بما فى ذلك وضع برنامج وطنى لرعاية الأطفال.. ولكن استمرار الجرائم الأسرية، يعنى أن كل تلك المبادرات رغم أهميتها إلا أنها وحدها لا تكفى.

أسس المجلس القومى للطفولة والأمومة فرقة عمل وطنية تتولى دعم وتطوير إطار عمل إنهاء العنف ضد الأطفال، ونشر التوعية وتشجيع تغيير السلوك خاصة بين الوالدين، ومنع العنف ضد الأطفال واقتراح بدائل للعنف فى التربية، وفى ربيع 2017 أقيمت حملة إعلامية «أولادنا»، لإنهاء العنف ضد الأطفال وكيفية تكوين الأبوة والأمومة الإيجابية.

وشاركت وزارة العدل فى حماية الأطفال من العنف، من خلال توفير المساعدة القانونية لهم، وبناء قدرات الجهات الفاعلة فى مجال العدالة بالتعاون مع مكتب المدعى العام والمجلس القومى للطفولة والأمومة ووزارة التضامن الاجتماعى، واليونيسيف.

كما تولت وزارة التضامن الاجتماعى، رعاية ملايين المصريين، وأطلت عليهم بمظلة الحماية والرعاية الاجتماعية، من خلال إطلاق العديد من المبادرات والبرامج التى تستهدف الطفل المصرى، صاحب الحق الأصيل فى الرعاية والاهتمام، محققة له سبل الحماية من المخاطر الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، عن طريق تخصيص 250 مليون جنيه مصرى لخدمات رعاية الطفل من الموازنة العامة للدولة، وإصدار وثيقة معايير لجودة مؤسسات الرعاية الاجتماعية وفقًا لمنهجية علمية، واستنادًا على المعايير الدولية، وتشكيل فرق التدخل السريع المركزى بديوان عام الوزارة لمجابهة أى انتهاكات تحدث للأطفال داخل دور رعاية الأيتام.

كما أطلقت عدة حملات وبرامج توعوية، كبرنامج «مودة»، عام 2019، ليظلل على الأسرة المصرية والحفاظ عليها، من خلال تدعيم الشباب المُقبل على الزواج بالمعارف والخبرات اللازمة لتكوين الأسرة وتطوير آليات الدعم والإرشاد الأسرى وفض المنازعات الأسرية، بما يسهم فى خفض معدلات الطلاق، بالإضافة إلى أن برنامج تحسين جودة الطفولة المبكرة خرج من الأوراق على أرض الواقع عام 2018، تحسينًا لجودة تنمية الطفولة المبكرة فى دور الحضانة.

وتم تدشين «وحدة حماية الطفل» التى تعمل بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف» على تطوير منظومة الحماية والرعاية المقدمة للأطفال بشكل عام والأطفال المعرضين للخطر بشكل خاص.

كما أطلقت وزارة التضامن برنامج «وعى» للتنمية المجتمعية، فى فبراير الحالى، ويعد من برامج الحماية الاجتماعية المستحدثة فى إطار الاستثمار فى البشر، ويهدف إلى تغيير السلوكيات المجتمعية السلبية المعوقة للتنمية البشرية والاقتصادية، ويعمل البرنامج على تشكيل الوعى الإيجابى تجاه 12 قضية مجتمعية من ضمنها التعليم والمعرفة ومحو الأمية، وصحة الأم والطفل، والتربية الوالدية الإيجابية، وزواج الأطفال، والنظافة والصحة العامة.

وهناك مبادرة «تطوير مؤسسات الرعاية الاجتماعية»، التى تهدف إلى تطوير ورفع كفاءة البنية لعدد من دور الرعاية، ودعم مهارات مقدمى الرعاية والقائمين على إدارتها والإشراف عليها، وضع البرامج والأنشطة التى تتيح فرصة التواصل المجتمعى والدمج وصولًا إلى مرحلة المتابعة، وتوفير بيئة آمنة للأبناء بدور رعاية الأطفال المحرومين من الرعاية الأسرية والمسنين بدور رعاية المسنين، وبرنامج «أطفال بلا مأوى»، الذى أطلق عام 2017، بهدف حمايـة الأطفال بلا مأوى مـن خلال تقديم خدمات الرعاية والتأهيل لهم ودمجهم فـى المجتمع، وبرنامج «رفيق المسن»، الذى يهدف لتوفير الرعاية للمسن فى مسكنه وتوفير البديل للرعاية المؤسسية للمسنين بحيث يتم توفير الرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية للمسنين داخل أسرهم، بالإضافة إلى توفير مراكز للسكن والرعاية والتأهيل للمرأة

المعنفة التى تحتاج إلى دعم ومساندة وتطوير نفسى واجتماعى وثقافى ومهنى.

أما المجلس القومى للطفولة، فقام بعدة مبادرات منها «بالهداوة مش بالقساوة»، لتربية المراهقين، للتمييز بين الصواب والخطأ، ومبادرة «أولادنا بالهداوة نكبرهم وبالقساوة نكسرهم»، التى تهدف لمنع العنف الأسرى مع فلذات كبدهم، التى تجلب لهم المشاعر السلبية سواء الغضب أو العدوانية أو الانكسار أو عدم الثقة بالنفس أو الحزن، وأكثر عرضة لمشاكل نفسية وسلوكية وصحية.

كما يوجد لجان حماية الطفل، بداخل المجلس القومى للطفولة والأمومة، الذى يعمل على تفعيل نظام الحماية الوطنى وفقًا لما نص عليه الدستور، وقانون الطفل رقم 12 لعام 1996 والمعدل بالقانون رقم 126 لعام 2008، واتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 والتى كانت مصر من أوائل الدول التى صدقت عليها، مما يترجم اهتمام الدولة بالأطفال والالتزام بحمايتهم وتوفير سبل التنشئة السليمة لهم.

وتعمل تلك اللجان على المستوى الوطنى مع خط نجدة الطفل 16000 وكافة الوزارات المعنية لتلبية كافة احتياجات الطفل وتوفير بيئة آمنة له، لذا فإن عمل لجان حماية الطفولة مرتبط ارتباطا وثيقًا بقطاعات أخرى مثل التعليم والصحة والتضامن، فنظام الحماية يتطلب تدخلا متعدد التخصصات ومتعدد القطاعات، والتى تهدف إلى الوقاية والاستجابة للمخاطر المرتبطة بمشكلات الحماية (مثل العنف، الاستغلال والإساءة والإهمال) من خلال العمل على جميع المحاور وبالأخص الرعاية الاجتماعية والتعليم والصحة والأمن والعدل.

 

«الميديا» متهم رئيسى فى التحريض على العنف

 

«قلبى على ولدى انفطر وقلب ولدى عليا حجر».. مثل شعبى جسدته جرائم غير قليلة وقعت مؤخرًا، ما بين قتل وتعذيب وتخلص من الأم لإرضاء الزوجة أو العشيقة!

والكارثة أن أغلب تلك الجرائم تقع لأتفه الأسباب وكأن هناك حالة تربص وعداء تاريخى بين الأبناء وآبائهم!.. فبسبب عبارة «يا عاطل» خنق شاب إسكندرانى أمه حتى ماتت، وجلس بجوار الجثة يومًا كاملًا، ثم لفها فى ملاءة ووضعها على كنبة فى صالة الشقة، وأخذ هاتفها المحمول واتصل بإخوته قائلًا للجميع عبارة واحدة «أمكم خرجت ولم تعد»، وبعدها هرب من المنزل،على أمل أن ينجو من العقاب، ولكن رجال الشرطة ألقوا القبض عليه، ووقتها لم تبدو عليه أية علامات ندم واعترف بجريمته وقال «آه خنقت أمى وقتلتها».. ثم صمت للحظات وعاد ليقول «ريحتها من الدنيا» ثم عاد لصمته، فسأله ضابط الشرطة: ولماذا قتلت أمك فقال بغضب «كانت دايما بتعايرنى إنى مبشتغلش وتقولى يا عاطل»!

ومن الإسكندية إلى حى عابدين بالقاهرة، حيث قتل موظف بالسكة الحديد والدته المسنة بطريقة شيطانية ثم سرق محتويات شقتها، لأنها رفضت الموافقة على زواجه من فتاة يحبها، فكان رده، خنق والدته، والتوجه إلى قسم عابدين لا ليعترف بجريمته، وإنما ليزعم أنه ذهب لزيارة والدته فوجدها ميتة، ومحتويات شقتها مسروقة!

وشهد شارع عصفور بالمنصورة، بالدقهلية جريمة بشعة.. طعنت فتاة والدها المسن بالسكين، ففر من أمامها إلى الشارع صارخًا: «إلحقونى بموت»، إلا أنه لفظ أنفاسه الأخيرة فى الشارع.. وفى تحقيقات النيابة قالت الابنة إنها طعنت أباها وقتلته لأنه «كان يعكنن عليها حياتها ودائم الخلاف معها».

وفى مدينة السنبلاوين، بمحافظة الدقهلية قتل شاب عشرينى والدته العجوز بسبب تسجيلها شقة سكنية لشقيقه الأصغر!

الدكتور محمود السماسيرى، أستاذ الصحافة والإعلام بجامعة سوهاج، يرى أن جرائم الأبناء ضد الآباء تكررت واختلفت وزادت حدتها يومًا بعد يوم، ولم يقتصر على القتل فقط، بل التمثيل بالجثة، وتلك الجرائم دخيلة على مجتمعنا ولا تعد ظاهرة بل سلوكيات فردية لابد أن نقف عندها.

وأشار «السماسيرى» إلى أن جرائم الآباء واختلافها خلق سلوكيات عدوانية عند أطفالهم، انعكس على طبيعة تصرفاتهم فيما بعد، ولهذا يجب على الوسائل الإعلامية المختلفة سواء المرئية والمسموعة والمقروءة إعادة تشكيل البناء الأسرى مرة أخرى من خلال حملات التوعية بأهمية الترابط الاسري

وتابع أستاذ الصحافة والإعلام أن الأفلام السينمائية ووسائط الميديا التى تحمل مشاهد عدوانية للأبناء ضد الآباء شكلت أيضاً سلوكيات الأطفال من صغرهم وكان لها دور كبير فى انتشار تلك الجرائم المشينة.

 

خبراء: ضعف العقوبات وراء انتشار الجرائم

 

أكد عدد من خبراء القانون أن القصور فى قانون الطفل، هو السبب الرئيسى فى التشوه الأسرى الذى تشهده مصر منذ فترة.. وقال عصام سند- الخبير فى القانون الجنائي- إن هناك قصورا فى قانون الطفل، حيث أن الضرب المبرح الذى يترتب عليه عاهة مستديمة أو إزهاق لروح الابن، ينظر القاضى له بحسب القصد الجنائى ويرجع هذا الأمر إلى تحريات الشرطة، وهنا يقرر القاضى العقوبة التى من الممكن أن تصل إلى 7 سنوات أو أقل وليس القتل العمد، لافتًا إلى أن القتل العمد يكون فى حالات تسمم الطفل أو استخدام سلاح أدى إلى قطع أى عضو من أعضائه، أو الضرب حتى الوفاة ولكن إذا كان القتل بداعى التأديب ووقعت الوفاة، تُصبح جنحة لا تزيد عقوبتها على 3 أعوام.

وأضاف «سند» أنه حسب القانون فإن طفل القليوبية الذى مات بعدما تركه أبواه وحيدا بلا طعام لمدة 9 أيام، سيحكم القضاء فيها وفقًا لتحريات الشرطة التى تحدد سواء القتل عن عمد أو لمجرد الإهمال بسبب الخلافات الأسرية، مشيرًا إلى أن وجهة نظره القانونية تشير إلى أن الموضوع شبهة جنائية وليس إهمالا من الوالدين.

وطالب الخبير القانونى بتغليظ العقوبة فى الجرائم الأسرية.. وقال «ازدياد عدد الجرائم بسبب عدم وجود عقوبة محددة رادعة تمنع كل من تسول له نفسه تعذيب طفل لا حول له ولا قوة»، لافتًا إلى أن قانون الطفل لعام 96، تم تعديله عام 2008 ليشمل مادة الاستغلال الجنسى، بعد أن زادت تلك الظاهرة فى مجتمعنا، وعلى القانون أن يتطور طوال الوقت مع انتشار الجريمة فى المجتمع.

من جانبه أطلق الأزهر الشريف تحت قيادة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، مبادرة تحت اسم «جنة» بهدف التوعية بخطر العنف ضد الأطفال، وذلك من خلال مجموعة من الفيديوهات التى تبث على صفحات الأزهر على مواقع التواصل الاجتماعى، تشمل شرح أحدث الطرق والأساليب السليمة، والمعتمدة على الأسلوب العلمى المبسط لتوصيل المعلومة عن كيفية التعامل السليم مع الأطفال وتجنب العنف، وتعتمد الحملة على مقاطع فيديو قصيرة توعوية من قبل مختصين تتناول أسباب العنف ضد الأطفال، والطرق العلمية للآباء للتعامل مع الأطفال وتوجيه الأطفال دون عنف أو أذى نفسى، إلى جانب توفير البيئة الصحية والنفسية السليمة للطفل.

وكان شيخ الأزهر، قد دعا فى يونيو من العام المنصرم 2019، لوضع تشريعات لمنع العنف الأسرى ضد الأطفال قائلا: «الضرب رغم أنه مباح بشروطه والتى تحصره فى الضرب الرمزى، لكن لولى الأمر أن يقيد هذا المباح إذا رأى ضررا يتحقق من تطبيقه».

كما وضعت دار الإفتاء على صفحتها الرسمية، قواعد تعامل الأسرة مع الأطفال، ذكرت فيه: «الإسلام دين العلم؛ فهو يدعو دائما إلى اتباع الوسائل العلمية الصحيحة التى ينصح بها المتخصصون فى المجالات المختلفة، ولا يخفى أن الضرب ليس هو الوسيلة الأنفع فى التربية كما يقرره كثير من علماء التربية والنفس؛ معللين ذلك بأن اعتماد الضرب وسيلة فى التربية عادة ما يولد السلوك العدوانى لدى الطفل المعاقب، فينظر لمن ضربه نظرة الحقد والكراهية، ولا يجوز أن تكون العلاقة قائمة على الخوف، بل قائمة على المودة والحب والاحترام، فلا يجوز اللجوء لضرب الطفل مع وجود البدائل التربوية النافعة للتوجيه والتقويم ترغيبا وترهيبا».

وأضافت دار الإفتاء: «النبى (صل الله عليه وآله وسلم) هو المربى والمعلم الأول، ولم يرد عنه أنه ضرب طفلا قط، وهو الأسوة والقدوة الحسنة الذى يجب أن نقتدى بسيرته الكريمة العطرة فى التربية والتوجيه»، مستشهدة بما روته أم المؤمنين عائشة (رضى الله عنها) حين قالت: «ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئا قط بيده، ولا امرأة ولا خادما، إلا أن يجاهد فى سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه، إلا أن يُنتهك شيء من محارم الله فينتقم لله عز وجل».

وتابعت دار الإفتاء: «الأصل فى الشرع حرمة الإيذاء بكل صوره وأشكاله؛ وأكد الفقهاء هذا المعنى؛ فمنهم من نص على أن ضرب الصبى لا يجوز أن يكون بالسوط والعصا ونحوهما، بل يكون باليد فقط تعبيرًا عن اللوم وإظهارًا للعتاب، ولا يجوز أن يكون بقصد الانتقام بل التأديب».

وبينت دار الإفتاء، أن الشرع نص على أنه «يجب عليه أن يتقى ولى الأمر ويبتعد عن الأماكن الحساسة والأماكن الشريفة التى يشعر الضرب فيها بالمهانة، كالوجه والرأس والنحر والفرج والقفا؛ ولا يجوز أن يكون الضرب مبرحا ولا مدميا ولا مؤذيا».