رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

المستشار لبيب حليم لبيب يكتب: صراع الإرث الشرعى

نصوص قوانين المواريث تسرى على جميع المصريين باختلاف دياناتهم

 

القانون المدنى ينص على تعيين الورثة وتحديد نصيبهم طبقاً للشريعة الإسلامية

 

دستور 2014 يستوجب تنقية نصوص قانون الميراث مما يخالف أحكامه

 

 

فى شبابى علمنى أساتذة أفاضل فى كلية الحقوق أن التشريع هو قيام سلطة عامة مختصة فى الدولة بالتعبير عن القاعدة القانونية، والتكليف بها فى صيغة مكتوبة، علمونى أن التشريع يتدرج إلى ثلاثة أنواع أولها وأعلاها هو الدستور، وثانيها القانون، وثالثها اللائحة.

وقالوا لنا إن الدستور هو القانون الأساسى الأعلى الذى يرسى القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ويقرر الحقوق والحريات ويحدد لكل من السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية وظائفها وصلاحياتها ويضع الحدود والقيود الضابطة لنشاطها.

وأن التشريع العادى هو الذى يطلق عليه اسم القانون، أى الوثيقة الصادرة عن السلطة التشريعية متضمنة قاعدة قاعدة، وأن اللائحة هى تشريع فرعى تسنه السلطة التنفيذية بموجب الاختصاص المخول لها فى الدستور.

وتعلمت من كل هؤلاء أنه لا يجوز لسلطة أدنى فى مدارج التشريع أن تلغى أو تعدل قاعدة تنظيمية وضعتها سلطة أعلى أو أن تضيف إليها أحكامًا جديدة، وأن الدستور هو صاحب الصدارة، وبالتالى فإن على ما دونه من التشريعات النزول عند أحكامه، فإذا ما تعارضت هذه وتلك وجب التزام أحكام الدستور وإهدار ما سواها، وأنه يستوى فى ذلك أن يكون هذا التعارض سابقًا أو لاحقًا على العمل بالدستور.

وإذا ما أورد الدستور نصًا صالحًا بذاته للأعمال بغير حاجة إلى سنّ تشريع أدنى، لزم إعمال هذا النص من يوم العمل به، ويعتبر الحكم المخالف له فى هذه الحالة قد نسخ ضمنًا وبقوة الدستور نفسه.

وشرح لنا الدكتور رمزى سيف، رئيس قسم قانون المرافعات فى الستينيات - رحمه الله - أنه لا يجوز إلغاء نص التشريع القديم، أو ينظم من جديد الموضوع الذى سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع.

وأضاف - رحمه الله - أن إلغاء القاعدة القانونية يعنى رفع حكمها القانونى بموجب قاعدة أخرى متأخرة عنها وأعلى منها أو مساوية لها فى مدارج التشريع، وهو لا يتم إلا بتشريع لاحق ينص صراحة على إلغاء هذه القاعدة، أو يشتمل على نص يتعارض مع هذه القاعدة القديمة، أو ينظم من جديد الموضوع الذى سبق أن قررت قواعده تلك القاعدة.

 

ظاهرة التعدد

وفى القرن الماضى اتسم نظامنا القضائى بظاهرة خطيرة، هى ظاهرة التعدد، واستتبع ذلك تعددًا فى القوانين المطبقة، هذا التعدد كان راجعًا إلى تعدد الأديان ومذاهبها!

كانت جهات القضاء الدينى تفصل فى منازعات المصريين المتعلقة بأحوالهم الشخصية، فكانت المحاكم الشرعية مختصة بقضايا الأحوال الشخصية للمصريين المسلمين، وكانت المجالس الملية هى المختصة بالفصل فى قضايا الأحوال الشخصية لغير المسلمين!!

ولما قامت ثورة 23 يوليو سنة 1952، اكتشفت الحكومة أنه من الشذوذ أن يظل الوطنيون من المنتمين إلى الطوائف الملية غير الإسلامية محتفظين باستثناءات قضائية كانت فى كثير من الحالات عنوانًا على الفوضى وعدم النظام، وأنه لا يتفق مع السيادة القومية فى شىء أن تصدر الأحكام فى ألصق المسائل المتعلقة بذات الإنسان من جهات قضائية غير مسئولة ولا مختارة من جانبها.

بالإضافة إلى أن هذه الجهات كانت تطبق على ما يطرح عليها من أقضية قواعد غير مدونة وليس من اليسير أن يهتدى إليها عامة المتقاضين، وهى مبعثرة فى نظامها بين متون الكتب السماوية، وشروح وتأويلات لبعض المجتهدين من رجال الكهنوت، مبعثرة فى كتب لاتينية أو يونانية أو عبرية أو سريانية أو أرمينية أؤ قبطية لا يفهمها غالبية المتقاضين.

لذلك ارتأت الحكومة أن تعالج الأمر بإصدار القانون رقم 462 لسنة 1955، الذى وحدت بمقتضاه جهات التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية، لكنها للأسف أبقتها على تعدد القوانين المطبقة على هذه المسائل!

وقد نصت المادة السادسة من هذا القانون على أن تصدر الأحكام فى المنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية - والتى كانت من اختصاص المحاكم الشرعية - طبقًا لما هو مقرر فى المادة 280 من لائحة المحاكم المذكورة.

والمادة 280 سالفة البيان تقضى بأن تصدر الأحكام طبقًا للمدون فى هذه اللائحة والأرجح الأقوال فى مذهب أبى حنيفة ما عدا الأحوال التى ينص فيها قانون المحاكم الشرعية على قواعد خاصة فيجب فيها أن تصدر الأحكام طبقًا لتلك القواعد.

هذه النصوص تقضى بتطبيق الشريعة الإسلامية على الأحوال الشخصية للمسلمين، أما بالنسبة للمصريين غير المسلمين فتصدر الأحكام - فى نطاق النظام العام - طبقًا لشريعتهم!

وقد حددت المادتان 13 و14 من قانون نظام القضاء المسائل التى تدخل فى نطاق الأحوال الشخصية، وبالتالى فإنه كان من الطبيعى أن تخضع كافة المسائل المنصوص عليها فى هاتين المادتين للشرائع الدينية أى الشريعة الإسلامية بالنسبة للمسلمين والشريعة المسيحية بالنسبة للمسيحيين.

ولكن المشرع وحّد القواعد الموضوعية التى تخضع لها بعض هذه المسائل وجعلها عامة تنطبق على جميع المصريين أيا كانت دياناتهم، ومللهم وطوائفهم، وقام بهذا التوحيد تارة بقوانين مستقلة وضعت لتحكم بعض المسائل كقانون المواريث رقم 77 لسنة 1943، وقانون الولاية على المال رقم 119 لسنة 1952، وتارة أخرى بنصوص أوردها صراحة ضمن المجموعة المدنية.

 

أبوحنيفة

ففى سنة 1943، أصدر المشرع القانون رقم 77 فى شأن المواريث، ونص على أن تسرى أحكامه على جميع المصريين أيا كانت ديانتهم، والقواعد الموحدة للمواريث التى نص عليها هذا القانون لا تقتصر على أحكام هذا القانون، وإنما يكملها القول الراجح من مذهب أبى حنيفة.

ورغم وجود هذه القواعد الخاصة فى مسائل الميراث، فإنه لم يكن هناك ما يحول دون تطبيق شرائع غير المسلمين فى حالة واحدة، هى حالة إذا كان المورث غير مسلم، فإنه أجاز لورثته فى حكم الشريعة الإسلامية وقوانين الميراث أن يتفقوا على أن يكون التوريث طبقًا لشريعة المتوفى!

ولكن لما صدر القانون المدنى سنة 1948، نصت المادة 875، منه على أن: «تعيين الورثة وتحديد أبنائهم فى الإرث وانتقال أموال التركة إليهم تسرى فى شأنها أحكام الشريعة الإسلامية والقوانين الصادرة فى شأنها.

وأوضحت المذكرة التمهيدية للمشروع التمهيدى للقانون أن الشريعة الإسلامية والتقنينات المستمدة منها هى التى ينطبق عليها ميراث المصريين جميعًا - مسلمين أو غير مسلمين - ولا ينطبق قانون الملة على غير المسلمين حتى لو اتفق الورثة جميعًا على أن ينطبق!

ومفاد ذلك أن المشرع قصد استبعاد أحكام الشريعة غير الإسلامية من نطاق أحكام الميراث، ومن هذا المنطلق أخضع غير المسلمين للقواعد الموحدة للمواريث التى تسرى على المسلمين وطبق عليهم جميعًا أحكام الشريعة الإسلامية والقول الراجح فى مذهب أبى حنيفة النعمان.

وقد أثير عقب صدور قانون سنة 1955 التساؤل: لماذا ألزم المشرع القاضى قبل أن يطبق أحكام الشريعة الدينية غير الإسلامية على غير المسلمين فى نزاعاتهم المتعلقة بالأحوال الشخصية التأكد من عدم مخالفة القاعدة التى تحكم النزاع للنظام العام؟!

وقد أثار القانون فى ذلك الوقت علامات استفهام عديدة، فقيد تطبيق قانون معين بعدم مخالفته للنظام العام يكون أمرًا مستساغًا عند تطبيق قانون أجنبى إذا كان هذا القانون متعارضًا مع النظام العام فى مصر، ولكن النظام العام كقيد على تطبيق شريعة غير المسلمين بشأن أحوالهم الشخصية أمر كان غريبًا، لأنه لا يتصور أن تكون شريعة موسى أو أحكام الإنجيل متعارضة مع النظام العام فى مصر!

وفى تبرير أعمال القانون المتقدم - قيل وقتها - إن النظام العام يعد من الأفكار الأساسية فى القانون بصفة عامة، إذ ترتبط به أحكام قانونية متعددة فى مجالات القانون المختلفة، وأنه ما دمنا بصدد تطبيق قواعد الأحوال الشخصية فإن المرجح فى بيان ماذا كانت هذه القواعد متعارضة مع النظام العام أم لا هو أحكام الشريعة الإسلامية باعتبارها صاحبة الولاية العامة فى مسائل الأحوال الشخصية.

 

النظام العام

وقيل - فى ذلك الوقت أيضاً وبعده - إن قواعد الشريعة الإسلامية التى تعتبر من النظام العام قاعدة الميراث التى تقضى بأن للذكر مثل حظ الأنثيين، وتحريم زواج المحارم.

وأكدت محكمة النقض بجلستها المعقودة بتاريخ 17/1/1979، فى الطعنين رقمى 16 و26 لسنة 48ق، بأنه إذا خلا القانون المدنى والقانون رقم 462 لسنة 1955 من تحديد المقصود بالنظام العام إلا أنه من المتفق عليه أن يشمل القواعد التى ترمى إلى تحقيق المصلحة العامة للبلاد، سواء من الناحية السياسية أو الاجتماعية، أو الاقتصادية،

والتى تتعلق بالوضع الطبيعى المادى والمعنوى لمجتمع منظم وتعلو فيه على مصالح الأفراد، وتقوم فكرته على أساس مذهب علمانى بحت يطبق مذهبًا عامًا تدين به الجماعة بأسرها، ولا يجب ربطه بأحد أحكام الشرائع الدينية.

وأضافت المحكمة: وإن كان هذا لا ينفى قيامه أحياناً على سند مما يمت فى العقيدة الدينية بسبب.

متى أصبحت هذه العقيدة وثيقة الصلة بالنظام القانونى والاجتماعى المستقر فى ضمير الجماعة، بحيث يتأذى الشعور العام عند عدم الاعتداد به، مما مفاده وجوب أن تنصرف هذه القواعد إلى المواطنين جميعًا من مسلمين وغير مسلمين بصرف النظر عن ديانتهم، فلا يمكن تبعيض فكرة النظام العام، وجعل بعض قواعده متصورة على المسيحيين وينفرد المسلمون ببعضها الآخر، إذ لا يتصور أن يكون معيار النظام العام طائفيًا وإنما يتسم بالموضوعية متفقًا وما تدين به الجماعة فى الأغلب الأعم من أفرادها!

 

شريعة الأقباط

ولما قارب عمرى على الانتهاء صدر دستور سنة 2014، ولئن كان هذا الدستور نص فى المادة الثالثة منه على أن مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين المصدر الرئيسى للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية، فإن ذلك لا يعنى أن تقوم المحاكم بتطبيق أحكام الشريعة المسيحية على المسيحيين، قبل أن يصدر قانون ينظم أحوالهم الشخصية.

ذلك لأن المشرع الدستورى بنصه على أن مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين المصدر الرئيسى للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية، فإنه يكون قد أتى بقيد على السلطة المختصة بالتشريع قوامه ألزم هذه السلطة وهى بصدد وضع التشريعات بالالتجاء إلى مبادئ الشريعة المسيحية لاستمداد الأحكام المنظمة للمجتمع.

وهذا يعنى عدم جواز إصدار أى تشريع فى المستقبل - يخص المسيحيين - يخالف أحكام الشريعة المسيحية، كما يعنى إعادة النظر فى القوانين القائمة قبل العمل بدستور سنة 2014، مما يجعلها متفقة مع حكم المادة الثالثة من الدستور.

ويثور على الساحة الآن ثمة تساؤل يستوجب الإجابة عنه: ما المقصود بمبادئ شرائع المسيحيين، هل تقصد بها فقط ما جاء فى الكتاب المقدس أو ينصرف إلى ما كانت تطبقه المجالس الملية قبل إلغائها؟!

 

أقول إن الكتاب المقدس بعهديه - القديم والجديد - وإن كان لا يتضمن أحكامًا كثيرة متعلقة بالأحوال الشخصية، إلا أنه المصدر الأساسى للتشريع، ثم تأتى بعده قوانين الرسل، وقرارات المجامع وقد أثير موقف مجموعة سنتى 1938 و1955 التى وضعهما المجلس الملى العام للأقباط الأرثوذكس وهل يصلح أي منهما للتطبيق؟

أقول إن هاتين المجموعتين وضعهما المجلس الملى العام وهو ليست له صفة تشريعية لأن الدولة لم تمنحه هذه السلطة، وبالتالى فإنه بإصداره لأي من هاتين اللائحتين يكون قد اغتصب سلطة البرلمان، وبالتالى فإن ما أصدره من لوائح إنما هو مجرد عمل مادى لا يحاج به.

ولا يغير من ذلك أن المحاكم دأبت على الرجوع إلى لائحة 1938، باعتبار أنه عمل بها أمام المجالس الملية واكتسبت صفة العرف الملزم وإن العرف فى القانون مصدر رسمى للقانون ويأتى فى المرتبة الثانية منه، فذلك مردود عليه بأن المجلس الملى استقى فى وضعه النصوص هذه اللائحة لقواعد مبعثرة فى نظامها لشروح وتأويلات لبعض المجتهدين من رجال الكهنوت مبعثرة فى كتب لاتينية أو يونانية أو عبرية أو سريانية أو أرمينية أو قبطية لا يفهمها غالبية المسيحيين وأن اطراد العرف على مخالفة الكتاب المقدس لا يمكن أن يشكل قاعدة قانونية واجبة الاحترام، كما لا يجب الأخذ بأحكام لائحة أصدرها من لا يملك حق إصدارها لأننا بتطبيق أحكامها نحاول أن نبث فيه الحياة من جديد!

وإذا كان ما أورده الدستور فى هذا الشأن لا يعد نصًا صالحًا بذاته للأعمال، إنما يستوجب تضمين قانون الميراث رقم 77 لسنة 1943، نصًا على أن أحكامه لا تسرى على غير المسلمين. كما يستوجب تعديل المادة 875 من التقنين المدنى بأن ينص صراحة على أن تعيين الورثة وتحديد أنصبتهم فى الإرث وانتقال أموال التركة إليهم تسرى فى شأنها أحكام الشريعة الإسلامية بالنسبة إلى المسلمين، وتسرى على المصريين المسيحيين أحكام الشريعة المسيحية.

ثم يجب إصدار قانون للأحوال الشخصية لغير المسلمين تستقى مصادره من الشريعة المسيحية وحدها، دون أى اجتهاد من المجلس الملى العام ولا من غيره، إنما مصدره الكتاب المقدس بعهديه وقوانين الرسل وقرارات المجامع.

ويبقى السؤال: هل يحق الآن للقضاء أن يطبق شريعة الأقباط على المنازعات الخاصة بالأحوال الشخصية لغير المسلمين دون أن يصدر قانون على الأخص تنظيم مسائل الميراث؟

وقد أجابت المحكمة الدستورية العليا بجلستها المعقودة بتاريخ 4/5/1985، فى القضية رقم 20 لسنة 1ق فقالت إن إعمال حكم المادة الثانية من الدستور وإن كان مؤداه إلزام المشرع باتخاذ مبادئ الشريعة المصدر الرئيسى لما يضعه من تشريعات بعد التاريخ الذى فرض فيه هذا الإلزام بما يترتب عليه من اعتباره مخالفًا للدستور إذ لم يلتزم بذلك القيد، إلا أن قصر هذا الإلزام على تلك التشريعات لا يعنى إعفاء المشرع من تبعية الإبقاء على التشريعات السابقة، وإنما يلقى على عاتقه من الناحية السياسية مسئولية المبادرة إلى تنقية نصوص هذه التشريعات من أى مخالفة للمبادئ الدستورية سالفة البيان.

ولا شك أن قانون المواريث ونصوص التقنين المدنى لم يلحقهما أى تعديل بعد سنة 2014، وكان دور القاضى هو تطبيق القانون وأن امتناعه عن إعمال أحكامهما يمثل إهدارًا للعدالة فإن القضاء ملزم بإعمال أحكامهما إلى أن يصدر قانون لا يتعارض مع مبادئ الشريعة المسيحية!

والحل الأمثل هو أن يقوم البرلمان بإصدار قانون للأحوال الشخصية للمسيحيين يكون مصدره مبادئ الشريعة المسيحية.