رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«الكعك ».. سيد الموقف في العيد .. والأسعار نار

بوابة الوفد الإلكترونية

يا كحك العيد يا احنا.. يا بسكويت يا احنا.. يا شرباتات يا احنا.. يا كوبايات يا احنا.. ومحدش حلو إلا احنا».. حروف وكلمات ممزوجة بفرحة قدوم عيد الفطر المبارك المنتظر حلوله، فالجميع يستعد لاستقباله، تتزين المخابز والأفران طوال العشر الأواخر من شهر رمضان، بأشكال وأنواع مميزة ومختلفة من الكحك، وتتصاعد الروائح الشهية من المنازل، معلنة عن فرحة وبهجة المناسبة الدينية التى يكافئنا بها الله بعد صيام ثلاثين يومٍا من شهر الذكر والغفران، لينسحب التمر والقراصيا والمشمشية والكركديه وتتراجع أطباق البسبوسة والكنافة والبقلاوة والقطائف، ويحل محلها علب الكعك المغلفة بورق شفاف، وظهور جبال بيضاء مهيبة وإلى جوارها هضاب متدرجة أنيقة، من كعك العيد، وموسمه، ومستلزماته التى لا تخلو منها الغالبية المطلقة من البيوت المصرية هذه الأيام، قِوامها كعك، وهامشها «غُرِيبة» وإطارها «بيتى فور»، وجميعها يتمتع بنكهة تداعب حاسة الشم، وبمذاقٍ يحرك مراكز الجوع، وبسعرٍ يحدث ثقباً عميقاً موجعًا فى كل جيب.

من المعابد الفرعونية للبيوت المصرية

كحك العيد، ظاهرة لا ترتبط فقط بالتهادى والتزاور؛ بل بمفاهيم أكثر تنوعًا، فهى عادة توارثت منذ عصر الفراعنة، مرورًا بـعصر الإخشيديين والمماليك حتى الفاطميين والأيوبيين، إلى أن وصل إلى عصرنا هذا، فمنذ العصر الفرعونى وجدران المعابد شاهدة على تواجده كعادة مصرية أصيلة، فنجد النقوش على المعابد القديمة، حيث كان يقدمه الفراعنة كقرابيين وهدايا للآلهة، وظل الكعك يرمز إلى الدلالات الدينية والأساطير لأنهم كانوا يربطون الكعك بالفلك، لأن منهم من كان يرمز له على أنه القمر أو الشمس نظرًا لاستدارته، إلى أن تحولت هذه الطقوس إلى رمزٍ للاستمرارية والمُقاومة، وإلى دلالةِ ثباتٍ على الأرض.

 

الكعك المنزلي

«البسكويت- الكحك- الغريبة- البيتى فور».. روائح تهيمن على الأحياء، ليست بالضرورة روائح كعك المخابز، لكنها روائح كعك مصنوع بالمنزل، للبحث عن الحنين إلى الماضى زمن الجدات، ففى هذه الأيام، تعج محافظات مصر، عامة، والريف والأحياء الشعبية، خاصة، بـ«صاجات الكحك» التى تتجمع النساء لخبزه ونقشه، ومساعدة الأطفال لهن فى المنازل أو حتى فى التوصيل والاستلام إلى ومن المخابز والأفران، فى أجواء احتفالية مبهجة.

تحرص معظم السيدات فى المدن، والنساء الجالسات على الأبسطة، فى مُواجهة الأوانى الضخمة والعجين؛ فهناك من يعتمدن على صناعة الكحك المنزلى لإعالة أسرهن، والبعضُ الآخر يتخذنه وسيلة لجَمع الشَمل، وشد الأزر بين أفراد العائلة المُمتدَّة، فى ظل أوضاع عصيبة، وهناك آخرون يقومون بشراء علب متناهية الصغر تحمل بداخلها ما يزن نصف كيلو، وهى لا تثير السخرية أو النظر لها بعين تنقصها الاحترام أو تفتقد للشهوة، بل تُقدِمُها محال الحلويات الجديدة الأنيقة، للجمع بين أصالة الكعك ومعاصرة الأحجام الصغيرة.

 ويبدأ خروجه للنور، من مرحلة تخمير العجينة، ومع قرب طلوع الشمس يتم خلط العجينة بالدقيق، ويتم إضافة السمن والسكر والسمسم والكركم والحليب والحبان، ويتم عجنها لمدة ربع ساعة متواصلة دون توقف.

 وفى الخطوة الثانية، تبدأ مرحلة «التبسيس»، عبارة عن دعك قطع من العجين بالسمن، وفردها على شكل صوابع أو دوائر، ويتم وضعها على صوانى صاج للحظات حتى تتخمر، ثم تتوجه السيدات إلى الفرن البلدى، ليتم إدخاله فى مدة لا تتجاوز الثلث ساعة حتى تستوى صوابع الكحك، وتخرج بشكل الأصفر الجميل الذى تعودنا عليه منذ أن نشأنا على هذا الموروث، كما كانت بعض الأنواع تقلى فى السمن أو الزيت، وأحياناً كانوا يقومون بحشو الكعك بالتمر المجفف «العجوة»، أو التين ويزخرفونه بالفواكه المجففة كالنبق والزبيب، ووجدت أقراص الكعك محتفظة بهيئتها ومعها قطع من الجبن الأبيض وزجاجة عسل النحل.

 

أصوله

للكحك أصولٌ ضاربة فى القِدم، فثمّة نقوشٌ على جُدران بعض المعابد المصرية، تصوّر امرأةً تحمل سلَّة بها كحك، ويُقال أنه كان يُوضع مع جثامين الموتى كزادٍ لرحلتهم الطويلة، وإنه اتخذ شكله المعروف بالاستدارة التامة؛ مُستلهَمًا

مِن قُرص الشمس، فهى عادة يتوارثها المصريون منذ عصر الفراعنة، حيث كان الفراعنة هم أول من قاموا بخبزه، وكان يتم وضعه مع الميت، حتى يستعين به كغذاء، فى رحلته إلى العالم الآخر، وكان الكحك وقتها ينقش بنقوش شبيهة بنقوشات اليوم، والتى كانت نوع من التقرب من آتون، إله الشمس فى الحضارة الفرعونية، وقد ثبت ذلك على الكثير من النقوشات على جدران المعابد القديمة، وكتب المؤرخ إبراهيم العنانى فى مجلة أكتوبر عام 1984، أن زوجات الملوك فى مصر القديمة، اعتدن على تقديم الكعك برسمة قرص الشمس، للكهنة القائمة لحراسة الهرم خوفو، فى يوم تعامد الشمس على حجرة خوفو، ووفقاً لما جاء بكتاب ''لغز الحضارة المصرية''، من أبرز الشواهد على أن هذه الصناعة ''فرعونية'' النشأة؛ فإنه كانت هناك صورًا مفصلة لصناعة كعك العيد فى مقابر طيبة ومنف، من بينها ما صور على جدران مقبرة (رخمى _ رع) من الأسرة الثامنة عشرة، وتشرح هذه الصور كيف تتم صناعة الكعك تفصيليًا.

 وانتقلت إلى الدولة الإسلامية، وتحديدًا فى عهد الدولة الطولونية، وكان يصنع حينها فى قوالب خاصة، ويسمى ''كل واشكر''، وتوجد قوالب الكعك التى كان يصنع بها الكعك فى عهد الدولة الإسلامية فى متحف الفن الإسلامى، وقد كتب عليها عبارات ''كل هنيئًا واشكر''، و''كل واشكر مولاك'' وغيرها، وكما تشير الدكتورة نعمات أحمد فؤاد فى مقال لها عن حقيقة صناعة كعك العيد نشر بمجلة «كل الناس» عام 1990، قائلة: انتقلت صناعته إلى الدولة الإخشيدية وأصبح من أهم مظاهر عيد الفطر حينئذ، وكان يتم حشوه بالدنانير الذهبية ويقدم لكبار الزوار، وكتب على الكعكة «افطن له» أى انتبه إلى ما بها من ذهب وتحور اسمها وأطلق على الكعك المحشو اسم «كعكة انطونلة».

 أما الدولة الفاطمية فقد اهتمت بهذه الصناعة فى عيد الفطر، وهو ما اكسب طباخى الدولة الفاطمية شهرة واسعة، وكان الخليفة يخصص مبلغ 20 ألف دينار لصناعة كعك العيد، وكانت جميع المخابز والمصانع تتفرغ لصناعته من منتصف شهر رجب، وأنشئت بعد ذلك ''دار الفطنة''، وهى دار مخصصة لصناعة كعك العيد فقط، حيث أن مصر كانت تعرف أكثر من 53 نوعا من الحلويات فى العصور الوسطى، وكان الخليفة المعز لدين الله الفاطمى يقوم بنفسه بتوزيع الكعك على رجاله وأفراد الشعب فى سرادق كبير يقام بقصر الخليفة وهو صاحب أطول مائدة فى التاريخ أعدت خصيصا لتقديم الكعك وكان طولها 1350 مترا وكانت تحمل 60 صنفا من الكعك.