رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أسلحة مصر لمواجهة أزمة المياه

سد النهضة - صورة
سد النهضة - صورة ارشيفية

من ينظر لقضية المياه فى مصر يجد أنها أكبر من سد النهضة وتهديداته، فحصتنا من المياه ثابتة عند 55 مليار متر مكعب منذ سنوات طويلة، ومع زيادة عدد السكان الذين تخطى عددهم الآن 100 مليون نسمة وصل استهلاك  مصر من المياه ما بين 105 الى 110  مليارات متر مكعب.. وهكذا دخلت مصر فى مرحلة الفقر المائى، وأصبحت المياه اكبر تحدٍ يواجه المصريين. ومع  اصرار أثيوبيا على ملء بحيرة سد النهضة، أصبحت المشكلة المقبلة أكبر، حتى أن البعض هول منها وأكد أن مصر مهددة بالعطش والجفاف، إلا أن الخبراء يؤكدون أن تداعيات سد النهضة يمكن أن تمر بسلام، إذا تحلى الطرفان بالمزيد من التعقل ومراعاة حقوق الدولتين فى مياه النيل.

وبغض النظر عن قضية سد النهضة والتى زادت الطين بلة، فمصر لديها مشكلة حقيقية فى المياه تتمثل فى ثبات حصتها من مياه نهر النيل ، بالاضافة إلى ضعف مواردها المائية بشكل عام من مياه جوفية ومياه امطار، وبالتالى يبقى نهر النيل هو المصدر الوحيد للحياة.

ويجمع الخبراء على ضرورة أن تبحث مصر عن وسائل لزيادة حصتها من المياه، من خلال تحلية مياه البحر، وترشيد الاستهلاك، والاهتمام بتوفير مصادر جديدة للمياه مثل اعادة استخدام مياه الصرف الزراعى فى الزراعة، وتعظيم استخدام المياه الجوفية، فهذه هى الأسلحة التى يجب أن تستخدمها مصر لمواجهة  أزمة نقص المياه التى سيزيدها بناء سد النهضة.

 

91 مليار متر مكعب.. قيمة الأمطار المهدرة

 

تعرضت مصر منذ أيام لموجة أمطار وسيول، و كالعادة غرقت القاهرة فى «شبر أو عدة أشبار من المياه  »  رغم ان هذه المياه لو حسن استغلالها لكانت احد الأسلحة المهمة التى تواجه بها مصر أزمتها المائية ، فوفقا لتقارير منظمة الأغذية والزراعة تقدر كميات الأمطار التى تسقط على مصر ب 51 مليار متر مكعب من المياه، و هو ما يوازى حصة مصر من مياه النيل إلا قليلا ومع ذلك فقد فشلت مصر طوال الأعوام الماضية فى الاستفادة من هذه الكميات من المياه، ورغم أنها تغذى الخزان الجوفى بتسربها تحت الأرض، إلا أنه يمكن أن تستخدم بطرق أفضل من هذا بحيث يمكن من خلالها تعويض أزمة نقص المياه، و زيادة الرقعة الزراعية.

وإذا كانت منظمة الأغذية والزراعة «الفاو» تقدر كمية الأمطار التى تسقط على مصر بـ 51، إلا أن وزارة الزراعة أكدت فى تقاريرها أن كمية الأمطار التى يمكن الاستفادة بها تصل إلى 13 مليار متر مكعب، وهى كمية كافية لزراعة 600 ألف فدان، ومع ذلك لم تستطع مصر الاستفادة من مياه الأمطار بل انها تتحول فى كل مرة تسقط فيها إلى نقمة، حيث تغرق الشوارع، وتتوقف المياه فيها ويصاب المرور بالشلل التام، و تتحول حياة المواطنين إلى جحيم.

رغم أن هذه الكمية من المياه العذبة يمكن بقليل من التفكير المنظم الاستفادة منها بشكل يفيد مصر و المصريين وأوصى تقرير منظمة الفاو مصر بضرورة الاستفادة من مياه الامطار، حيث إن امطار الساحل الشمالى وحدها تكفى  لزراعة 2 مليون فدان، كما أن السيول التى تسقط على منطقة رأس غالب تكفى لزراعة 100 ألف فدان، كذلك السيول التى تسقط على جبل علبة، و كل هذه الكميات لا يستفاد بها .

وكانت وزارة الرى قد قررت انشاء أكبر بحيرة لتجميع مياه السيول والأمطار بالغردقة التى تزيد على ٥ ملايين متر مكعب، ويأتى هذا المشروع ضمن خطة الحكومة لحماية الاستثمارات والمنشآت البترولية ومطار الغردقة الدولى والممتلكات الخاصة للمواطنين والتى تقدر بـ٥٠ مليار جنيه، فضلًا عن الاستفادة منها في شحن الخزان الجوفى وتوفير المياه للمجتمعات الرعوية والقرى المحيطة بها، وتتضمن هذه الخطة انشاء عدد من السدود والبحيرات الصناعية بمحافظات البحر الأحمر والصعيد بتكلفة 400 مليون جنيه ، إلا أن هذه المشروعات لم يتم الانتهاء من تنفيذها بعد، و ما زالت الأمطار و السيول تمثل كارثة تشل الحياة تماما فى مصر .

ويشير الدكتور نادر نور الدين أستاذ موارد المياه بجامعة القاهرة تقرير منظمة الفاو، الذى اكد أن حجم الأمطار التى تسقط على مصر سنويًا تقدر بنحو 51 مليار متر مكعب، ولكن لا يتم الاستفادة سوى من 1.3 مليار متر مكعب فقط، وهى تلك الكمية التى تسقط على مناطق الدلتا، أما المناطق الصحراوية فلا توجد بها مخرات للسيول وهو ما يؤدى إلى عدم الاستفادة من المياه.

وطالب «نور الدين» بضرورة تجهيز مخرات للسيول فى المناطق الصحراوية، تمر أسفل الطرق الرئيسية وتصب فى خزانات، و هذه المياه يمكن استخدامها فى الزراعة  أو الشرب كما يحدث فى عدد من دول الخليج .

وأوضح نور الدين أن مصر لديها الكثير من الأسلحة التى تمكنها من مواجهة أزمة المياه، مشيرا إلى أن ما يحدث بشأن قضية سد النهضة يحتوى على الكثير من المبالغات، فنحن نمتلك السد العالى و بحيرة ناصر التى يقدر مخزونها بـ 162 مليار متر مكعب، منها 90 مليار متر عمقًا، وبالتالى يمكن للجميع بشئ من التفاهم الوصول إلى حلول وسطى، فنحن فى السنوات السمان التى تسقط فيها الأمطار بغزارة على هضبة أثيوبيا، و لو استغلت اثيوبيا هذا الظرف يمكنها ملء بحيرة السد  فى عامين و ليس ثلاثة، فموارد النيل الأزرق فى سنوات الفيضان تتراوح بين 80 مليارًا إلى 90 مليار متر مكعب، فى حين أن المعاهدات الدولية و بنود اتفاقية 59 تؤكد على أن موارد مصر من النيل الأزرق  يجب ألا تقل عن 50 مليارًا، و لو توصلت الدول الثلاث إلى اتفاق يمكنها تقسيم هذه الحصة الزائدة فيما بينها، وبذلك تستفيد مصر وأثيوبيا والسودان، و أضاف أن مياه الأمطار الغزيرة يمكنه أن تحل المشكلة بشرط تفاهم كل الأطراف.

وأشار إلى أن سد النهضة ما هو إلا جزء من مشاكل مصر المائية، وليس كل مشاكلها، فنحن نعيش حالة من الفقر المائى، ولابد من التغلب عليها بتوفير موارد أخرى للمياه، فبعيدا عن المياه الجوفية التى لا تستطيع مصر الاستفادة سوى من 5.5 مليار متر مكعب على الأكثر منها، حتى لا تتأثر التربة وتصاب بالتملح بعد فترة، كما حدث فى مزارع طريق مصر الاسكندرية الصحراوى بين الكيلو 54 و حتى الكيلو 105، لذلك لابد من الاستفادة من مياه الأمطار و السيول بتجميعها فى خزانات للاستفادة منها وقت الحاجة، والأهم من كل ذلك هو ترشيد الاستهلاك، إذ يجب أن يعلم المصريون أن المياه هى قضيتهم الرئيسية التى يجب الحفاظ عليها.  يذكر أن العديد من دول العالم استفادت من مياه الأمطار، ففى اليابان تم انشاء أنهار صناعية يتم صرف مياه الامطار فيها، ويختلف حجم النهر من مدينة لأخرى حسب كمية الأمطار المتوقع هطولها على المدينة و فى السعودية و تونس و سوريا قامت الحكومات بانشاء خزانات و سدود لحصاد مياه الأمطار و الاستفادة بها فى الزراعة و الشرب.  

 

مياه الصرف.. كميات هائلة فى انتظار «التدوير»

 

تؤكد الإحصاءات الرسمية أن استهلاك مصر من المياه يتراوح سنويا بين 105 مليارات إلى 110 مليارات متر مكعب سنويا، أما مواردها الفعلية من المياه فلا تزيد على 61 مليارا، منها 55 مليار متر حصتها من نهر النيل، و6 مليارات من المياه الجوفية والأمطار، وبالتالى فالعجز المالى يقدر بحوالى 49 ملياراً، هو ما يمثل تحديا أكبر لابد من مواجهته.

لذلك يجب أن تستعد مصر لمواجهة هذه الأزمة، ووفقاً لتصريحات الدكتور محمد عبدالعاطى وزير الرى فى مؤتمر استخدام مياه الصرف الصحى والوقود الذى عقد بجامعة الأزهر منذ عامين تقريبا، أكد الوزير أنه لابد من البحث عن حلول غير تقليدية لمواجهة الفقر المائى، لافتا إلى أنه لابد من معالجة مياه الصرف لتوفير احتياجات الزراعة والشرب، والتغلب على مشكلة نقص المياه فى المستقبل.

يذكر أن مياه الصرف الصحى تستخدم فى الزراعة منذ عام 1915 بمنطقة الجبل الأصفر، حيث تستخدم لزراعة أشجار الموالح والجوافة والنخيل، وفى عام 1997 توسعت الدولة فى استخدامها فى الزراعة.

وتقدر كمية مياه الصرف الصحى بالقاهرة الكبرى بحوالى 6 ملايين متر مكعب يوميا يستخدم جزء بسيط جدا منها فى الزراعة، والباقى يصرف فى المجارى المائية، ومع زيادة مشكلة نقص المياه فى مصر أصبح لابد من التوسع فى استخدامها خاصة فى أغراض الزراعة.

وأكدت الدراسات أن مياه الصرف الصحى يمكن أن تستخدم فى كل المجالات، بما فى ذلك الشرب، كما يحدث فى بعض الدول الأوروبية، ولكن هذه الدول تمتلك تكنولوجيا لتنقيتها حتى المستوى السابع، وهى مكلفة للغاية، أما فى مصر فيمكن الاستفادة منها فى رى الأرض الزراعية لأنه لدينا محطات تعالج للمستويين الثانى والثالث، ويمكن استخدام مياها فى زراعة الغابات الشجرية والتى تدر موارد هائلة، كما يمكن استخدامها لزراعة الألياف كالقطن والكتان، ويشترط لهذا التخلص أولا من البكتيريا الممرضة التى قد تكون موجودة بها للمحافظة على صحة المزارعين أولا.

أما المياه المعالجة حتى المستويين الثالث والرابع فيمكن استخدامها فى زراعة المحاصيل التقليدية والخضراوات، وكشفت الدراسات أن هناك مشكلة تواجه مياه الصرف الصحى فى مصر، إذ إنها تحتوى على ملوثات صناعية أخرى حيث لا يوجد فصل بين صرف المنازل والمصانع، وهذه الملوثات الصناعية مثل الرصاص والألومنيوم والزئبق يصعب التعامل معها، مما يجعل تنقيتها تحتاج إلى تكنولوجيا مكلفة جدا ولابد من إجراء دراسة جدوى اقتصادية لمعرفة جدواها، على أن تشمل الدراسة نوعية الأراضى التى سيتم ريها بها ومساحتها، وأماكنها والنباتات التى ستزرع فيها.

يذكر أن معالجة مياه الصرف الصحى تتم على عدة مراحل أولاها المعالجة التمهيدية والتى تستخدم فيها وسائل لفصل وتقطيع الأجزاء الكبيرة، وهى المرحلة التى يتم فيها التخلص من 5 إلى 10% من المواد العضوية القابلة للتحلل، وما يتراوح بين 2 إلى 20% من المواد العالقة، ولا تصلح هذه المياه للاستخدام، ثم تأتى بعد ذلك مرحلة المعالجة الأولية والغرض منها التخلص من 35 إلى 50% من المواد العضوية والصلبة من خلال أحواض الترسيب، و50 إلى 70% من المواد العالقة، وهذه المياه أيضا غير صالحة للاستخدام فى أى غرض من الأغراض.

ثم تأتى مرحلة المعالجة الثانوية التى يتم فيها التخلص من 90% من المواد العضوية، و85% من المواد العالقة.

أما المرحلة الرابعة فهى مرحلة المعالجة المتقدمة التى يتم فيها التخلص من بعض العناصر كالنيتروجين والفسفور والمواد العالقة الصلبة الزائدة، والمواد السامة والصعبة التحلل.

والمرحلة الخامسة فهى مرحلة التطهير وتتم من خلال حقن محلول الكلور إلى حوض التطهير بما يتراوح بين 5 إلى 10 ملليجرامات للتر الواحد، لمدة 15 دقيقة كحد أدنى وفى حالة استخدام المياه للزراعة تصل مدة التطهير إلى 120 دقيقة.

وتشير بعض الدراسات إلى أن تكلفة تنقية المتر المكعب من مياه الصرف الصحى تتراوح 150 قرشا إلى جنيهين، للاستخدام فى الزراعة، أما التنقية من أجل الشرب، فيحتاج إلى تكنولوجيا متقدمة جدا، ولذلك ففى أمريكا وبعض دول أوروبا تستخدم مياه الصرف الصحى للشرب بعد تنقيتها المرحلة السابعة، وهوما أكده الدكتور سميح منصور أستاذ علم المبيدات والسموم بالمركز القومى للبحوث والخبير بالاتحاد الدولى للسميات، مشيرا إلى أن المياه طالما وصلت للمواصفات الصحية من درجة النقاء وأصبحت عديمة الطعم واللون والرائحة، ومعدل الأملاح به فى حدود المسموح به فيمكن استخدامها فى كل الأغراض بما فيها الشرب، ولكن المشكلة فى مصر هى اختلاط مياه الصرف الصحى والزراعى والصناعى معا، وكل نوع منها يجب التعامل معه على حدة، حتى يمكن تنقيته، لذلك لابد من تطبيق هذه التجربة فى إحدى المحافظات كنموذج، حتى يمكن دراستها دراسة جيدة وتعميمها بعد ذلك إذا نجحت التجربة، وأشار إلى أن مياه الصرف الصحى تحتوى على عناصر مفيدة للزراعة كاليوريا والبوتاسيوم والفسفور ولكن يجب معالجتها قبل استخدامها للتخلص من العناصر الضارة والمواد المشعة الموجودة فى الأدوية، والمواد الكيميائية الموجودة فى المنظفات كالكلوروفورم، وبعد التخلص من هذه الملوثات يمكن استخدامها بشرط متابعة تحليلها من وقت لآخر لضمان صلاحيتها باستمرار، وأكد على ضرورة تنقية مياه الصرف الصناعى جيدا قبل إعادة استخدامها لأن تأثيرها الضار لا يقتصر على الإنسان والنبات بل يمتد للمياه الجوفية أيضا نظرا لاحتوائها على معادن ثقيلة، مشيرا إلى أن مياه الصرف الصحى من أهم المخلفات التى يجب الاهتمام بإعادة تدويرها، مع الوضع فى الاعتبار تكلفة المعالجة والجدوى الاقتصادية من وراء استخدامها.

 

المياه الجوفية.. مصادر بديلة فى عمق الصحراء

 

المياه الجوفية أحد أهم مصادر المياه العذبة فى العالم كله، وهى موجودة فى مصر بكميات غير قليلة إلا أن استخداماتها محدودة، لذلك فقد أكد الخبراء أنه لا يمكن التعويل عليها بشكل كامل، إلا أنها يمكن أن تكون حلًا جزئيًا لمشكلة المياه فى مصر.

وتتميز المياه الجوفية فى مصر بأن مخزونها ثابت، فرغم أن الخزان الجوفى يضم كميات كبيرة من المياه، إلا أنه خزان يتجدد فى بعض الأماكن وغير متجدد  فى العديد من المناطق، خاصة مناطق الصحراء الشرقية  والغربية وشبه جزيرة سيناء.

وتقسم دراسة أجراها الدكتور خيرى العشماوى والدكتورة ليلى الشريف الأستاذان بالمركز القومى للبحوث خزانات المياه الجوفية فى مصر، إلى خزانات متجددة، وأخرى غير متجددة .

وتتوزع خزانات المياه الجوفية المتجددة بين وادى النيل ( بمخزون 200مليار متر مكعب )، وإقليم الدلتا ( بمخزون 400مليار متر مكعب تقريبا).، ويقدر ما يتم سحبه من مياه تلك الخزانات بنحو 6.5 مليار م3 سنويا، وهو ما يعرف بحدود السحب

الآمن والذى يبلغ أقصاه نحو7.5 مليار م3 حسب تقديرات معهد بحوث المياه الجوفية.

كما تتميز هذه الخزانات بنوعية جيدة من المياه تصل ملوحتها ما بين300 إلى800 جزء فى المليون فى مناطق جنوب الدلتا، ولا يسمح باستنزاف مياه تلك الخزانات إلا عند حدوث جفاف لفترة زمنية طويلة، لذلك تعتبر هذه المياه ذات قيمة استراتيجية هامــة.

أما خزانات المياه الجوفية غير المتجددة فتمتد تحت الصحراء الشرقية والغربية وشبه جزيرة سيناء، وأهمها خزان الحجر الرملى النوبى فى الصحراء الغربية والذى يقدر مخزونه بنحو40 ألف مليار متر مكعب، ويمتد فى إقليم شمال شرق إفريقيا ويشمل أراضى مصر والسودان وليبيا وتشاد، ويعتبر هذا الخزان من أهم مصادر المياه الجوفية العذبة غير المتاحة فى مصر للاستخدام نظرا لتوافر تلك المياه على أعماق كبيرة، مما يسبب ارتفاعا فى تكاليف الرفع والضخ لذلك فإن ما تم سحبه من تلك المياه يقدر بنحو0.6 مليار متر مكعب/السنة وهى تكفى لرى حوالى 150 ألف فدان بمنطقة العوينات ومن المتوقع أن يزداد معدل السحب السنوى لما يتراوح بين  2.5 مليار إلى 3 مليار متر مكعب فى السنة كحد سحب آمن واقتصادى.

وأكدت الدراسة أنه لابد من  تفادى الآثار الناتجة عن الانخفاض المتوقع فى منسوب الخزان الجوفى، وذلك بالتحول من نظام زراعة المساحات الشاسعة الى نظام المزارع المحددة بمساحات متفرقة تتراوح بين (2000 إلى 5000فدان ) وذلك للحفاظ على الخزانات الجوفية لفترات طويلة.

وأكدت دراسة أمريكية أجرتها الجمعية الجيولوجية الأمريكية،أن هناك عدة عوامل منها الاستهلاك المتزايد لموارد المياه الجوفية، بالإضافة إلى قرب الانتهاء من عمليات بناء سد النهضة الإثيوبي، سيحدث أزمة في الموارد المائية في مصر بحلول عام 2025 وعليه، من المتوقع أن تؤدي المياه الجوفية دورًا مهمًّا في تزويد مصر بجزء من احتياجاتها المائية، ولكن هذا وفقا للخبراء يجب أن يتم بحذر لأن الاستخدام المفرط للمياه الجوفية من شأنه التأثير على الخزان الجوفى مما يؤدى إلى ملوحة التربة فيما بعد.

ووفقا للدكتور محمد عصام الدين أستاذ المياه والأراضى بكلية الزراعة جامعة القاهرة، فإن استخدام المياه الجوفية لتعويض مشكلة نقص المياه يجب أن يتم باحتياطات معينة، لأنه عندما يتم السحب من هذه الخزانات بشكل غير مدروس تزيد نسبة الملوحة فيها مما يؤثر على البيئة كلها.

 وأشار إلى أن المياه الجوفية تختلف طبيعتها حسب الخزان الذى تنتمى إليه، فالخزان الجوفى فى الوادى والدلتا هو خزان متجدد لأنه يعتمد على رشح المياه من النيل، أما فى الصحراء فالمياه  غير متجددة ومحدودة وتقتصر على أماكن بعينها، وهذه يجب أن يتم التعامل معها بحذر شديد، لأن الاستخدام غير المدروس للمياه الجوفية يؤدى إلى تملح الآبار، خاصة إذا لم يكن لها مصادر امداد متجدد.

وأشار إلى أنه لتعظيم الاستفادة من المياه الجوفية  لابد ألا يزيد استخدامها على 10%، لذلك فهى يمكن أن تكون مجرد حل جزئى لمشكلة المياه، خاصة فى المناطق الصحراوية التى تتسم بخزان جيولوجى غير متجدد، ولا يمكن التوسع فى استخدامها حتى لا تحدث أضرار بيئية.

وفيما يتعلق بالاستخدامات المستقبلية للمياه الجوفية، كشفت الدراسة السابقة أنه من المتوقع أن تصل كميات المياه المستخدمة فى الزراعة من المياه الجوفية  إلى نحو3.6 مليار متر مكعب عام 2025.

وأشارت إلى أن الصحراء الشرقية لم تلق اهتماما كبيراً فيما يتعلق بكشف واستغلال المياه الجوفية بأراضيها، فقد أسفرت الدراسات الاستكشافية عن وجود أكثر من 200 بئر وينبوع للمياه الصالحة للشرب، إلا أن معظم هذه الآبار لم تستغل اقتصادياً نظراً لعدم تدفقها بكميات كبيرة وبصفة منتظمة على مدار السنة، ومن المتوقع أنه يمكن الاستفادة بنحو0.3 مليار متر مكعب من مياه الينابيع مستقبلاً.

أما فيما يتعلق بالتوسع فى استخدام المياه الجوفية فى الدلتا والوادى، فيمكن التوسع الزراعى الأفقى على المياه الجوفية بالوادى والدلتا،إلا أن ما يمكن سحبه بأمان وفق ما أشارت إليه الدراسات السابقة يقدر ب  4.9 مليار متر مكعب،فى حين أن ما يتم الاعتماد عليه من هذا المصدر حالياً يبلغ نحو4 مليارات متر مكعب، أى ان الزيادة يجب ألا تزيد على 0.9 مليار متر مكعب فقط.

 

تحلية مياه البحر.. خيار استراتيجى بتكلفة عالية

 

فى الندوة التثقيفية الـ 31 للقوات المسلحة ، بمناسبة ذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة، تحدث الرئيس السيسى عن قطع مياه النيل عن كل الساحل الشمالي والبحر الأحمر، مع التوسع فى تحلية مياه بتكلفة 200 مليار جنيه،ومن المرجح أن ترتفع في العام المقبل إلى 300 مليار.

فالدولة تتوسع منذ فترة فى تحلية مياه البحر لتعويض نقص المياه المتزايد كل عام نتيجة لزيادة عدد السكان مع ثبات الموارد المائية، حتى أصبح لدينا 53 محطة تحلية تنتج يوميا حوالى 100 ألف متر مكعب، بالاضافة إلى عدد من محطات التحلية التى يقيمها أصحاب الفنادق فى المناطق السياحية بالبحرالأحمر وجنوب سيناء.

وقبل سنوات،وفى مؤتمر تحلية مياه البحر فى الدول العربية أكد الدكتور مصطفى مدبولى ابان شغله لموقع وزير الاسكان - أن تحلية مياه البحر تحتل أولوية كبرى حاليا لمصر، بعد أن دخلت مرحلة الفقر المائى، وأضاف أنه مع التزايد المطرد فى عدد السكان وثبات مواردنا التقليدية من المياه، فمن المتوقع أن يكون هناك تناقص مطرد فى نصيب الفرد، ووصف الوزير تحلية مياه البحر بأنها أصبحت خيارا استراتيجيا، وأمنًا قوميًا لمصر.

وأشار مدبولى – وقتها - إلى أن خطة التنمية العمرانية التى تنفذها الدولة تتضمن اعتمادا كليا على تحلية مياه البحر فى المدن الساحلية الجديدة، حيث تم انشاء محطات تحلية فى مدن العلمين الجديدة وشرق بورسعيد والجلالة بطاقة 150 ألف متر مكعب يوميا لكل منها، بخلاف التوسع فى المحطات الحالية مثل محطة اليسر بالبحر الأحمر بطاقة 80 ألف متر مكعب يوميا، موضحا انه يتم العمل على توطين تكنولوجيا صناعة تحلية مياه البحر فى مصر بالتعاون مع الانتاج الحربى والهيئة العربية للتصنيع، والقطاع الخاص وبالتعاون مع الدول العربية المتقدمة فى هذا المجال مثل السعودية.

ويبدو أن هذه الاستراتيجية استمرت فيها الدولة بعد تولى الدكتور مصطفى مدبولى رئاسة الوزراء، فهى سلاح يمكن استخدامه إلى أنه وفقا للخبراء سلاح مكلف جداً.

جدير بالذكر أن كمية مياه الشرب المنتجة فى مصر تقدر يوميا بـ 25 مليون متر مكعب فى اليوم، 85% منها من مياه النيل، بينما لا تمثل مياه البحر المحلاة منها سوى 0.1 %، والباقى من المياه الجوفية.

ومن المعروف أن تحلية مياه البحر مكلفة جدا، لذا لا تلجأ إليها إلا الدول الغنية ، فالعالم كله لا ينتج سوى 25 مليار متر مكعب من المياه المحلاة، وهى تمثل نسبة 6% من مياه الشرب فى العالم، ومعظمها يتم انتاجه فى السعودية وأمريكا واليابان وأسبانيا والكويت، ومعظم الدول لا تلجأ إليها إلا فى أضيق الحدود نظرا لتكلفتها العالية، حيث تتكلف تحلية المتر المكعب الواحد حوالى 10 جنيهات، وهى تكلفة مرتفعة جدا، ويتمثل معظمها فى استهلاك الكهرباء التى تمثل 44% من قيمة تكلفة التحلية، حيث يحتاج كل متر مكعب لـ 2.5 كيلووات فى الساعة.

ولأن تحلية مياه البحر أصبحت أحد أسلحة مصر لتعويض مشكلة نقص المياه، فالباحثون يقومون باجراء دراسات لتقليل تكلفة عملية التحلية والتغلب على مشكلاتها، منها دراسة أجراها فريق بحثى بجامعة الاسكندرية، نجح خلالها فى التوصل إلى طريقة لتنقية مياه البحر وتحليتها فى غضون دقائق معدودة، وتعتمد التقنية الجديدة على أغشية تحتوى على مسحوق اسيتات السليلوز ومكونات أخرى تحتجز الملح عند مرور مياه البحر عليها، وهى ذات جدوى اقتصادية، لأنها لا تحتاج لكهرباء لعملية التنقية كما يحدث فى الطرق التقليدية.

ونشر الفريق هذه الدراسة وأكدوا انها وسيلة غير مكلفة لتحلية مياه البحر، إلا أن أحدًا من المسئولين لم يلتفت لمناقشة جدواها.

كذلك توصل الدكتور محمد نجيب الأستاذ بمعهد أمراض النباتات بمركز البحوث الزراعية إلى طريقة أخرى غير مكلفة لتحلية مياه البحر عن طريق زراعة الطحالب وورد النيل فى مياه البحر لترسيب كربونات الكالسيوم، وبذلك يتم تحويل مياه البحر من مياه عسرة إلى مياه لينة، وبعد ذلك تدخل المياه على أحواض باستخدام فلاتر لتنقيتها وتحتوى هذه الأحواض على نباتات معينة لتنقية المياه وترشيحها ، ثم تضاف إليها معادن مثل البنتومايت لامتصاص الأملاح الزائدة منها، وأكد الدكتور نجيب أن هذه الطريقة بسيطة وغير مكلفة بالمرة، إذ لا تزيد تكلفة المشروع على مليون دولار، وهذه الأحواض تكفى لتحلية حوالى 5 مليارت متر مكعب، ويمكن مضاعفة الكمية بانشاء مزيد من الأحواض، وأكد أن المياه المحلاة بهذه الطريقة تكون جيدة جدا بحيث يمكن ضخها فى نهر النيل والآبار ويمكن استخدامها فى الزراعة والشرب أيضا.

وإذا كانت تحلية مياه البحر قد أصبحت خيارا استراتيجيا كما قال رئيس الوزراء فلابد من تغيير الاستراتيجيات القديمة فى التحلية، وتقييم تجارب الباحثين فى التحلية، لعلها توفر طرقا أسهل واقل تكلفة فى تحلية مياه البحر التى تعد أحد اسلحة مصر لمواجهة أزمة نقص المياه.