رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عاصمة «بنت عمران» فى السلّامية.. 15 يومًا فى «حبك يا مريم»

بوابة الوفد الإلكترونية

 

مع أن الطريق قصير، حيث يمتد لبضعة كيلومترات،  لا تحتاج لقطعها سوى 10 دقائق لو كانت السيارة جيدة، إلا الوصول إلى داخل السلّامية فى أيام الموسم يتطلب سائق ماهر، يستطيع تخطى تكدس المركبات والزوار فى الأزقة الضيقة المؤدية إلى مقر «بنت عمران».

 

«السلًامية الحائط» هي قرية أم أو مجلس قروي يتبع مركز نجع حمادي شمال قنا؛ يضم عددً من التوابع من القري، واسمها مركب ولا يعرف أحدًا  من الأهالي  سبب التسمية.

 

الباحث أيمن أبو الوفاء، مدير إدارة التسجيل الأثري بمنطقة آثار نجع حمادي الإسلامية والقبطية، أرشد صحفي الوفد إلى معلومات وصفها هو بالقليلة وردت عن القرية بمرجعين اثنين، فذكرها محمد رمزي ذكرها في كتابه «القاموس الجغرافي للبلاد المصرية من عهد القدماء المصريين إلى سنة 1945» أن أصلها من توابع ناحية القصر ثم فصلت عنها سنة 1245 هجرية، باسم السلمية بالقصر والصياد.

كما وردت في جداول سنة 1881 باسم السلمية بالقصر وفي إحصاء 1882 باسم السلّامية ومن سنة 1892 باسمها الحالي.

أما المرجع الثاني وهو كتاب «تاريخ محافظة قنا من العصر الحجري للعصر الحديث» فلم يضف إلا أن القرية كانت في العصر العثماني من توابع ناحية القصر والصياد.

 

ربما ميزت كلمة «الحائط» القرية عن قري مماثلة تحمل نفس الاسم فى محافظات أخرى بالجمهورية، غير أن مدخل القرية الحالي يبدو مناسبًا لاسمها، ويصادفك أول البلد عدة حوائط، تشمل عدة تعرجات بالطريق محاطة بأسوار حول الأرض الزراعية، التي بدأت بالتآكل بالزحف العمراني عليها، أفقدتها طابع مداخل القرى الطولية المستقيمة المعتادة إلى أن يعتدل الطريق بعد انحناءات، ليصل إلى زقاق يسلمك للآخر حتي تصل إلى مقر البتول.

 

تتوقف سيارة الأجرة عند أول القرية وسط صيحات متطوعي التنظيم من شباب البلدة لقائدي المركبات،  لإخلاء المكان فور إنزال الزوّار، وإفساح الطريق لغيرهم، ستنال ترحيبًا لا ينقطع لو قرأت اللافتات المكتوبة والتي ستصاحبك في الطريق بأضواء كثيفة وبوحدات خشبية رمزية لكنائس ومعها أيقونات العذراء معلقة بعرض الطرقات، وقد تنال أيضًا حبة من المنين تلك المخبوزات التي تعدها ربات البيوت خصيصًا في صيام العذراء، يأخذك زقاق لآخر ويضيق الطريق تارة ويتسع تارة أخرى، إلى أن تكون مجبرًا أن تندمج في الزحام.

 

  في تلك الأزقة تظهر تيمات المولد، بائعو الحلوى والمكسرات الشعبية والدمي ولعب الأطفال ودقاقي الوشم وأيقونات السيدة العذراء، حاستين من الحواس تنهكان فى رحلة الوصول إلى «أم عيسي».. البصر والسمع؛  تصدح مكبرات الصوت بمدائح مريم ولا تنقطع إلا للضرورة القصوى كما لو أن طفلًا غاب عن أهله في الزحام، ستسمع أيضًا أصوات الدفوف والشدو فى «حبك يا مريم»،  ومع النسمات المحملة بروائح المحاصيل من الزراعات القريبة ستندمج أكثر رغم الزحام، كل الأعمار تترجل جوارك وكل الشرائح الاجتماعية، تذوب الفوارق لبعض الوقت في هذه الأزقة.

لا تبوح البيوت بحالة السكان الاقتصادية وتذوب بيوت الـ 7 عائلات القبطية الأساسية بالقرية،  وسط الكتل السكانية المتراصة دون تنظيم عمراني ، غير أن هناك عددً من البيوت العتيقة المميزة المشيدة من الطوب اللبن والأخشاب والشرفات والشبابيك المشربية المحتشمة والتي تغلق بأبواب خشبية وتؤمن بمتاريس من الخلف ولا تتجاوز الطابقين ارتفاعًا، وهي مغلقة ومهجورة ولا تفتح إلا أيام الموسم بحضور ملّاكها الذين هجروها إلى المدينة أو إلى محافظات أخري، أما أغلب البيوت الباقية تشبه المنازل العادية في كل القري.

 

يحضر المغتربون  من أبناء القرية إليها خلال أيام الموسم وتعود الحياة إلى هذه البيوت العتيقة تفتح دواوينها وتضاء مداخلها، أما الشرفات فتزين بأيقونات مضيئة للسيدة العذراء عليها السلام.

أمام تلك المنازل يجلس ملّاكها وأسرهم على كراسي، وهنا يحدث تصنيف تلقائي يفضل البعض الجلوس في هدوء واستقبال من يعرفونه من الزوّار الوافدين إلى القرية، ويدعونه للضيافة والبعض الآخر يفضل المظاهر الاحتفالية الصاخبة أمام منازلهم.  

 

عذراء السلّامية ليست كنيسة ككل الكنائس المسماة بـ «أم عيسي» والمنتشرة في كل أسقفيات الطائفة الأرثوذكسية في الجمهورية، لها خصوصية مميزة، في سنة 1912 نشر عالم القبطيات البريطاني سومرز كلارك عضو لجنة حفظ الآثار العربية وعضو جمعية آثار الإسكندرية ـ آنذاك، نتائج جولته لتسجيل الكنائس والأديرة في مصر والسودان في كتاب «الآثار القبطية في وادي النيل ـ دراسة في الكنائس القديمة»، مر كلارك على عذراء السلّامية مرورًا سريعًا وذكر اسمها فقط وقال إنها تتبع إيبارشية قنا مع عددً آخر من الكنائس التى زارها في مديرية قنا ـ وقتها.

 

الشائع بين الأهالي أن كنيسة عذراء السلّامية بنيت في نهايات القرن الثامن عشر وجددت في سبعينيات القرن الماضي،  وهذا ـ حسب الروايات يرمي إنها أثرية غير أن مرور سومرز كلارك عليها دون دراسة لمبانيها يشكك فى كونها أثرية، لأن دراساته كانت مستفيضة في شرح الأطرزة وطرق البناء ومواده في كل

الكنائس والأديرة الأثرية التي مر عليها، ويرجح أيضًا أنها لم تسترع انتباهه كونها بسيطة التخطيط والطراز ومبنية من الطوب اللبن وقت زيارة عالم القبطيات البريطاني.  

 

السلّامية الحائط أو السلمية لا تبتعد سوي كيلومترات عن تجمعات رهبنة الشركة التي أسس لها الأب باخوميوس فى القرن الخامس الميلّادي في فاو والقصر وتخومهما، ربما كانت السلّامية جزءً من التجمعات الرهبانية المندثرة بمرور الزمن أو لحوادث عارضة، هناك ديرين يجاورن عذراء السلامية الأول هو دير أنبا بلامون ببلدة القصر وهو مفتوح للزيارة ويحوي كنيسة أثرية مازالت موجودة، والآخر هو أطلال دير باخوميوس بقرية فاو والديرين يقعان إلى الشرق من مدينة نجع حمادي.

 

ومن الخصوصية التاريخية لـ «عذراء السلّامية» إلى خصوصية أخري متعلقة بعاصمة افتراضية موازية لـ «عذراء درنكة» الواقعة بجبال محافظة أسيوط، أوجدت «عذراء السلّامية» مساحة لنفسها؛ لتكون عاصمة للحب المريمي جنوبًا، طيلة السنة وتتجلي أكثر خلال أيام الصيام الـ 15 وليلة الختام، مقصد لمحبي «أم عيسي» ومن لا يستطيع الحج إلى درنكة أمامه فرصة زيارة السلّامية والحصول على فيوضات الحب من «أم النور»، تقع القرية بالطريق الزراعي الشرقي وهو ما يسهل الوصول إليها من كل المناطق المجاورة بتكلفة وعناء لا يذكر مقارنة بالذهاب إلى درنكة  البعيدة شمالًا،  فضلًا عن هذه الروحانيات المتدفقة التي يتلمسها المحبين هناك.

 

على حائط مضيفة الكنيسة ووسط صور رجال الدين والأساقفة، تظهر صورة باستثنائية ملفتة لرجل مهيبًا ووقورًا يرتدي الجلباب البلدي والعمامة فوق رأسه، اسمه بطرس عجايبي وكان أحد نظّار الكنيسة، غير أن وجوده وحده دون باقي النظّار المتعاقبون على هذا المنصب الشرفي يثير التساؤل، تعاقب على نظارة الكنيسة خلال القرنين الماضيين 6 نظّار هم: مينا عجايبي، بطرس عجايبي، مكسيموس إلياس، مينا المقري، ميخائيل بديع، فتحي متري، أما من يتولي النظّارة حاليًا فهي لجنة مشتركة من القساوسة وبعض الأهالي بإشراف مطرانية دشنا للأقباط الأرثوذكس التي تتبع لها الكنيسة.

 

منصب النظّارة هو منصب شرفي وله شروط أن يكون ناظر الكنيسة الذي يسير أحوالها المالية والإدارية، من أصحاب الملكيات ويتمتع بالأمانة والقبول، وهذا ما قاله فتحي صليب يسي، 75 عامًا، الذي يتولي منصب شيخ البلد الذي تتوارثه عائلته «البشايات» منذ قرنين، يفسر شيخ القرية هذه الشروط في اختيار النظّار أن ذو الحيثية قادرين على تحمل المسؤولية.

 

بطرس عجايبي خلف شقيقه«مينا» في نظّارة الكنيسة، وهما من عائلة «الحقوق»، وكان بطرس عجايبي متيمًا بحب السيدة مريم -حسبما يروي الأهالي-  و صاحب أيادي بيضاء، فقد تبرع بجزء من أملاكه لصالح «عذراء السلّامية» رغم أنه أنجب 8 من الذكور والإناث، ومنها معصرة زيوت قديمة بمدخل القرية، وأراضٍ أخرى، وأقام مشغل لتعليم فتيات القرية المسلمات والمسيحيات الحياكة والتطريز، وساهم مع عائلات القرية في إحلال وتجديد الكنيسة في سبعينيات القرن الماضي، وتبدو هذه الأسباب منطقية في أن تتواجد صورته دون باقي النظّار في مضيفة كبار الزوّار. 

 

عاصمة «بنت عمران» فى جنوب مصر، أسست لنفسها مساحة كبيرة في الذاكرة الشعبية منذ عقود، بالتوازي مع عذراء درنكة في جبل أسيوط حيث أحد محطات زيارة العائلة المقدسة إلى مصر، الحمامة الحسنة اختارت أن تحط في السلّامية.