رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

د.أيمن سلامة يقدم قراءة قانونية فى قضاء الدستورية العليا

الدكتور أيمن سلامة
الدكتور أيمن سلامة

تعنى دولة القانون بمفهومها الواسع تحقيق التوازن بين ضرورات السلطة وضمانات الحريات العامة والحقوق، لأن تغليب ضرورات السلطة يفضى الى الاستبداد، وتغليب ضمانات الحقوق يؤدى إلى الفوضى، ووجود الدستور يحقق مفهوم دولة القانون.

حيث يعنى إقامة نظام عام فى الدولة وبيان قواعد ممارسة السلطة فيها وشروط استعمالها وإلزام هذه السلطات بأن يدور نشاطها فى اطار قانونى محدد لا تستطيع أن تخرج عنه. ونظرا لكون القواعد الدستورية أسمى من السلطات الحاكمة، فإن تلك السلطات تتقيد بها بالضرورة لأنها منشأة بموجب هذه القواعد الدستورية، وإذا خرجت هذه السلطات على الدستور والقواعد الدستورية، فأنها تهدم أساس وجودها القانونى، وبذلك تفقد صفتها القانونية، وتزول صفة الشرعية عن تصرفاتها.

ويعد وجود سلطات الدولة العامة ومؤسساتها من دون دستور سندًا غير قابل للصرف، فالدستور هو السند الشرعى لوجود الهيئات الحاكمة فى الدولة، والحاكم أو الهيئة الذى لا يخضع لأحكام الدستور يهدم السند القانونى لوجوده وأساس شرعية تصرفاته.

ولما كان الدستور هو أصل كل نشاط قانونى تمارسه الدولة؛ فهو لذلك يعلو ويسمو على أوجه هذا النشاط كافة، وتضفى الطبيعة الخاصة للدستور عن سائر القواعد القانونية صفة السيادة لكونه كفيل الحقوق والحريات، وعماد الحياة الدستورية، وأساس نظامها، فأضحى استواء قواعده على القمة فى البناء القانونى للدولة مسلمة طبيعية، وبديهية منطقية، وصارت قواعده آمرة ملزمة يتعين على الدولة الالتزام بها وإجلالها فى تشريعاتها وقضائها، وفيما تمارسه من سلطات تنفيذية.

إن مبدأ المشروعية يعنى خضوع الدولة للقانون، حيث تخضع السلطات كافة بالدولة للقانون، سواء كانت هذه السلطات تشريعية أو تنفيذية أو قضائية، وبهذا تتميز الدولة القانونية عن الدولة البوليسية، كما يعد مبدأ المشروعية، الضمان الحيوى والأساسى لحقوق الافراد فى مواجهة السلطات العامة للدولة، حتى لا تتحول الدولة فى مواجهة الأفراد الى سلطة قهر مادية، تعسفية واستبدادية؛ وحينئذ تخرج الدولة عن نطاق القانون الى مجال الفوضى والظلم.

لقد استمدت نظرية الرقابة على دستورية القوانين من فكرة سيادة الدستور وتفوقه، والذى يعنى أن الدستور يعلو على القوانين العادية فى الدولة، فإذا ما تعارضت هذه القوانين فى نصوصها، أو روحها، أو أهدافها مع الدستور كانت الغلبة للدستور. وإذا كانت السمة البارزة للرقابة الدستورية تكمن فى تأمين خضوع القوانين العادية لأحكام الدستور، أى فى مراقبة أعمال البرلمان، فان هذه الرقابة تهدف بشكل عام الى حماية الحقوق والحريات من تعسف المشرع وانتهاكه للمبادئ الدستورية، فدعت الحاجة والضرورة إلى وجود تنظيم قانونى، أو دستورى يكفل ويضمن علو وسمو قواعد الدستور فى الدولة الديمقراطية.

لقد استهوت الرقابة الدستورية العديد من دول العالم، لا فرق فى ذلك بين المتقدم منها والمتخلف، وهذه الرقابة تعنى أن الأعمال الصادرة عن السلطة التشريعية قابلة للرقابة والإبطال إذا ما تبين للهيئة أو المحكمة المنوط بها هذه الرقابة أن العمل التشريعى المطعون فيه ينطوى على خرق لأحكام الدستور، فالرقابة على دستورية القوانين ببساطة تعنى حماية الدستور وعدم السماح بإقرار قوانين مخالفة لأحكامه، فأصبح دور الرقابة هو إلزام السلطة التشريعية لحدودها الدستورية وذلك بإبطال أى قانون يكون مخالفا للدستور، فبدون هذه الرقابة يصبح الحديث عن علو الدستور لغوا بلا طائل، وجهدا بلا عائد.

لقد أحال الدستور المصرى الدائم لعام 1971 فى مادته رقم (175) الرقابة على دستورية القوانين واللوائح للمحكمة الدستورية العليا حصريا ودون غيرها، وذلك تأكيدا لأهمية دور المحكمة فى بناء دولة القانون وإقرار مبدأ المشروعية، فقامت المحكمة منذ نشأتها بدور دستورى خطير فى توطيد مبدأ الشرعية، وتحقيق التوازن بين السلطات وذلك بما تقرر لها من حق مراقبة السلطتين التشريعية والتنفيذية وإلزامهما حدودهما الدستورية حتى صارت المحكمة قيمة على الدستور وناطقة باسمه. ولا تنحصر رقابة المحكمة المشار اليها فى رقابة التشريعات والقوانين التى تصدر عن البرلمان فى مصر، بل تنبسط أيضا لرقابة اللوائح العادية التفويضية، أو اللوائح التى لها قوة القانون والتى تصدر عن رئيس الجمهورية، تأكيدا لخضوع الحاكم والمحكومين للقانون.

لقد نصت المادة رقم (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا على أن: "يترتب على الحكم بعدم الدستورية عدم جواز تطبيق النص من اليوم التالى لتاريخ نشر الحكم"، ويبين من هذا النص أن الذى يعدم النص أو يلغيه السلطة التنفيذية، ولا علاقة للمحكمة الموقرة بهذه المسألة، حيث تبرز القوة الإلزامية النافذة للحكم عند نشره فى الجريدة الرسمية ودخوله حيز التنفيذ.
واتساقا مع هذه المبادئ الدستورية التى أرستها المحكمة الدستورية العليا فى نظامها القانونى وقضائها الذى نطقت به فى العديد من الأحكام القضائية، قام رئيس المجلس الاعلى للقوات المسلحة بنشر الحكم القضائى للمحكمة بعدم دستورية قانون انتخابات مجلس الشعب فى الجريدة الرسمية، وذلك بموجب النظام القانونى للمحكمة ذاتها، والأمر لا يتعلق من قريب أو بعيد بالإعلان الدستورى، وذلك وفقا لما ذهب به نفر ممن لم يطلعوا على نظام المحكمة ولا أحكامها السابقة، ولا النظم القانونية لسائر المحاكم العليا، أو المجالس الدستورية المقارنة فى دول العالم.

يشير الواقع العملى فى مصر الى أن السلطة التشريعية تماطل فى تنفيذ الأحكام المتعلقة بعدم دستورية نص تشريعى صدر عن البرلمان، وتفعل كل ما تستطيع لإفراغه من مضمونه، ولقد اعتنقت هذه السلطة هذا الاتجاه حين اعتنقت مبدأ "المجلس سيد قراره"، وذلك لستر الرغبة الملحة لدى السلطة التشريعية فى تحجيم دور المحكمة الدستورية العليا بصفة خاصة والقضاء بصفة عامة.

وتلتزم السلطة التشريعية حين علمها بالحكم الصادر بعدم دستورية القانون الصادر عنها، بالتدخل لإلغاء ذلك القانون

من ناحية، وإصدار قانون جديد ينظم ذات المجال الذى كان ينظمه القانون المقضى بعدم دستوريته.

ومن عجب، أن يزعم البعض أيضا أن المحكمة فى قضائها الأخير الشهير قد تجاوزت ولايتها القضائية فى نظرها للنص التشريعى المطعون بعدم دستوريته؛ ومن ثم فقد ترتب على حكمها هذا أن ينحل مجلس الشعب برمته وليس ذلك الجزء الذى تأسس منعدما للمبادئ الدستورية وفاقدا لقواعد الشرعية، رغما أن المحكمة ذاتها قد اعتنقت نهجا ليس بغريب ولا قريب اعتنقته المحكمة العليا الاتحادية فى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1924، حيث قالت الدستورية العليا فى حكم صادر لها فى 2 يناير 1993: "وحيث كان إبطال هذه المحكمة نص المادة (5) من القانون المطعون عليه، مؤداه زوال النصوص الأخرى المرتبطة بها، باعتبار أنها مترتبة عليها، ولا قوام بدونها، فان أحكام المواد (15 - 3 - 6) من هذا القانون تكون مع مادته الخامسة كلا لا يتجزأ". أيضا وعلى سبيل التمثيل لا الحصر فقد نصت المادة الثانية من قانون المجلس الدستورى الجزائرى على: "اذا صرح المجلس أن القانون المعروض عليه يتضمن حكما غير مطابق للدستور، ولا يمكن فصله عن باقى أحكام هذا القانون، لا يتم إصدارة".

إن الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية العليا، يلزم سائر المحاكم فى مصر بمختلف درجاتها وأنواعها فتمتنع عن تطبيق القانون المقضى بعدم دستوريته بموجب الحكم البات للمحكمة الدستورية، بل ويتمتع ذات الحكم بذات الحجية والإلزام أمام المحكمة الدستورية نفسها، فتلتزم الأخيرة بهذا الحكم مثل سائر المحاكم فى الدولة، ولا يقدح فى ذلك أن هذه المحكمة هى التى أصدرت الحكم، ومن ثم لا يجوز للمحكمة أن تفصل فى دعوى سبق لها وأن قالت كلمتها بشأنها.

وتلتزم أيضا السلطة التنفيذية بتنفيذ أحكام المحكمة من اليوم التالى لنشر أحكامها فى الجريدة الرسمية، وذلك وفقا لنص المادة رقم (49) من قانون المحكمة ولا تنتظر السلطة التنفيذية أن تقوم السلطة التشريعية أى البرلمان باتخاذ ثمة اجراءات مطابقة للحكم، وإلا فالمسئولية الدستورية قائمة فضلا عن المسئولية الجنائية، وسبق أن قضت المحكمة ذاتها بأن: "الامتناع عن تنفيذ أى حكم قضائى نهائى حائز لقوة الأمر المقضى يشكل فى حد ذاته جريمة جنائية، فالأحكام تصدر باسم الشعب، ويكون الامتناع عن تنفيذها أو تعطيل تنفيذها من جانب الموظفين العموميين المختصين جريمة يعاقب عليها القانون".

لقد أثبتت كافة الأحكام التى قضت بها المحكمة الدستورية العليا فى مصر نصرتها لحقوق الانسان وتصديها للافتئات على هذه الحقوق من قبل الرئيس أو البرلمان، فلم ترهبها سلطة طاغية، ولم ترعبها قوة عاتية، فاستمدت قوتها من الحق، وأسست حجتها على القانون، واهتدت بصيرتها بالعدالة.

لقد سطرت المحكمة الدستورية العليا فى مصر ومن إنشائها فى عام 1979 وسابقتها المحكمة العليا، كافة أحكامها بمداد من ذهب، وكانت ودون أدنى شك عنوانا للحقيقة، وصماما للأمان، ودرعا للشرعية، وحصنا للمشروعية فى الدفاع عن حقوق الإنسان المصرى، بل وفى سائر أرجاء العالم، حيث أصبحت كل أحكامها ودون ثمة استثناء، مرشدا هاديا، ونبراسا منيرا، ومعينا غزيرا تسترشد بها العديد من المحاكم العليا فى مختلف الدول، فضلا عن الفقهاء والشراح فى مجالات حقوق الانسان والدساتير.

لقد لعبت المحكمة دور الحارس للدستور، أى لمبدأ الشرعية، ودورها هذا أقرب لدور رجل الأمن الذى يشكل وجوده حماية ورادعا يمنع حصول المخالفات، والمحكمة حامية أيضا لمبدأ الفصل بين السلطات، فتلزم كل سلطة بحدودها الدستورية التى رسمها وأطرها الدستور.

ختاما، يمكن وصف المحكمة الدستورية العليا بالسلطة المضادة، التى تحمى وتردع، وتقى وتقمع كل تغول أو تسلط من اى من السلطات العامة على حقوق الانسان الأساسية وحرياته العامة.