رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ياسر بكر يكتب: كذبة "الأسلحة الفاسدة" .. والمساس بحرمة التاريخ !

بوابة الوفد الإلكترونية

كثيرة هى القصص التى نحشو بها عقولنا، ثم يتبين لنا عند الفحص والتمحيص أنها قصص مزيفة، وأوهام من صنع خيال خصب..

صغيراً كنت فى قريتى تلوانة ـ مركزالباجورـ منوفية ، عندما اتصل علمى للمرة الأولى بـ "الحدوتة " المسماة إعلاميا وفى كتب تزييف التاريخ بـ "الأسلحة الفاسدة فى حرب فلسطين " ، ساعتها لم يكن لى قدرة البحث فى تفاصيلها أو جهد الكشف عن أسرارها  ، ولكنها الصدفة وحدها تسوق إلى أذنى همسات أعمامنا وخالاتنا من أهل القرية حولها ـ هكذا كنا نناديهم ـ  كان الحديث عنها دائما مرتبطا بحضور " البيه " عبد الغفار إلى القرية فى سيارته الشيفروليه  الفارهة وهندامه الأنيق وبصحبته زوجته السيدة / جنات عبد الله فى ملابس إفرنكية لم نألف مثلها فى الأرياف .
كان انبهارنا أكثر بالسيارة التى تقف أمام منزله الملاصق لمسجد سيدى محمد الحجازى المجاور لدارنا بشارع داير الناحية ، والذى يطلق عليه أهلنا "درب الشرم" ، كانت الأمهات تدعون للأبناء فى ساعات الرضا بالرفعة وعلو المرتبة وأن يصبحوا مثل عبد الغفار بيه ، وكان الرجال يقولون أن عبد الغفار بيه رجل طيب ؛ ولهذا فقد نجاه الله من مكيدة الأسلحة الفاسدة ، وبيّض صفحته ، فالرجل قد وظّف الكثير من أبنائهم الذين ضاقت عليهم الرقعة الزراعية الطاردة لأبنائها فى مخازن الذخيرة بالجيش ، أو كما كانوا يطلقون عليها "الجباخانة"
البيه عبد الغفار ، هو القائمقام عبد الغفار عثمان كبير مفتشى المفرقعات بالجيش المصرى أثناء حرب فلسطين ، والمتهم الخامس فى قضية أو كذبة "الأسلحة الفاسدة "التى كانت أخر المسامير التى دقها ضباط انقلاب 23 يوليو فى نعش العهد الملكى وعهد أسرة محمد على وأخر ملوكها الملك فاروق فى مساس واضح بحرمة التاريخ .
البداية :

بدأت القضية بخبر صغير نشرته الصحف فى 20 أبريل 1950 عن استقالة رئيس ديوان المحاسبة بعد أن لقى من العنت والإرهاق الكثير لمعرفة سر اعتمادات حملة فلسطين مما حدا به لتقديم استقالته من رئاسة الديوان .

.. وعلى أثر ذلك وقف النائب مصطفى مرعى فى البرلمان يتحدث عن أسباب استقالة رئيس ديوان المحاسبات ، وكيف أنه لم يستقل لأسباب شخصية ، وإنما احتجاجاً على الضغط الذى كان يحسه فى ذلك الحين من الملك ورجالة، وتحدث النائب عن لجنة " احتياجات الجيش " التى تألفت فى 13 مايو 1948 ومنح رجالها السلطة التامة فى الشراء، وأسهب فى الحديث عن المخالفات زهاء ساعتين ، وأنهى حديثه بسؤال إلى دولة مصطفى باشا النحاس رئيس الوزراء عن أسباب المخالفات ؟!

رد الحكومة :

وفى 8 مايو ، ردت الحكومة : ( أن رئيس ديوان المحاسبة لم يقطع فى استقالته عن أسباب معينه لتقديمها ، أما عن ملاحظات الديوان فإنه لم يحدث فى عهد الحكومة القائمة خلاف بين الجهتين ، بل على العكس فإن ما وصل من ملاحظات الديوان يجد العناية من الوزارات المعنية ) .

ولكن يبدو أن الإجابة لم تعجب صاحب السؤال ، فلما أراد أن يعلق عليها طويلا ، ذكره رئيس مجلس الشيوخ د. محمد حسين هيكل باشا باللائحة ، فقال : "أنه سيقدم استجواباً ."

هروب النائب :

وبالفعل تم نظر الاستجواب يوم الاثنين 28 مايو 1950 ، واستغرق وقتاً طويلاً ، ورأى المجلس تأجيل سماع رد الحكومة لليوم التالى ، وفى اليوم المحدد فوجئ المجلس بغياب صاحب الاستجواب لسفره إلى الإسكندرية بحجة أنه مسافر للخارج ، وهو ما أغضب فؤاد سراج الدين باشا الذى حضر إلى المجلس للرد على الاستجواب ليجد مقدمه قد غاب فوقف يقول :

" العجب كل العجب ، فلم تشهد ساحة البرلمان على مدى تاريخه أغرب من هذا الاستجواب ، فعندما يستقبل المطعون الطاعن بالبشاشة ويفسح الصدر لاتهاماته وطعناته ، ويحيط سؤاله بكل أنواع العناية والرعاية ، وتأتى الحكومة لترد على استجوابه ، فيغيب عن حرم البرلمان ، ويسترسل قائلا ً : .. ورغم أن حكومة الوفد لم تكن فى الحكم حال وقوع موضوع الاستجواب ، فقد كانت فى عهد وزارة محمود فهمى النقراشى باشا التى تلتها وزارتا إبراهيم عبد الهادى باشا وحسين سرى باشا، ولم تثر تلك القضية إلا فى ظل حكومة الوفد !! ، وأشار  إلى عدد من المجلدات الموضوعة على الطاولة أمامه قائلا : كل هذه المجلدات التى أمامكم ، هى تقارير ديوان المحاسبة  فى عهد الوزارات السابقة ، والتى لم تكلف نفسها بالرد على ما جاء بها !!

..ولإنقاذ الموقف بعد هروب النائب مصطفى مرعى ، تبنى الاستجواب الدكتور إبراهيم بيومى مدكور، وتقدم باقتراح تأليف " لجنة تحقيق " ، فأحيل اقتراحه إلى لجنة الشئون الدستورية ، وانتقل المجلس إلى جدول الأعمال بأغلبية 56 صوتاً فى مقابل 38 .

ذكر د . محمد حسين هيكل باشا فى كتابه ( مذكرات فى السياسة المصرية ـ ج 3 ـ صـ 89 ) : وقد تبين من بعد أن سفر مقدم الاستجواب محدد له يوم السبت ( السبت 2 يونيو ) ، أى بعد أربعة أيام من الموعد المحدد لكلام ممثل الحكومة  ( الثلاثاء 29 مايو ) !!

سر هروب النائب :

ظل سر هروب النائب سر لم يعرفه الكثير وبدأت الشائعات تتردد عن ضغوط مُورست عليه من قبل الملك والسراى ، لكن الحقيقة كانت غير ذلك فقد أدرك النائب أنه تم استدراجه إلى كذبه ، وهو ما قد لا يحمد عقباها ، وهو ما كشف عنه أحمد حمروش أحد ضباط انقــلاب 23 يوليو 1952 فى ( الجـزء الأول من كتابه قصة ثورة 23 يوليو ):

" حكاية الأسلحة الفاسدة استغلت فى منشورات الضباط  الأحرار الذين وجدوا فيها ورقة دعائية مجانية ؛ لتأليب الضباط الصغار وفضح مفاسد القيادات العليا فى الجيش والهجوم على القصر والحاشية ، وانتقل نشاط الضباط من المنشورات إلى الصحف ، فأخذوا يتصلون بالكتاب والنواب والصحفيين لتزويدهم بالبيانات والمعلومات حول صفقات السلاح .

ويروى أحمد حمروش نماذج من هذه الاتصالات ، فقد لجأ عبد المنعم أمين الذى كان مدرساً فى مدرسة المدفعية وعضو مجلس قيادة الثورة فيما بعد إلى مصطفى مرعى بعد تقديم الاستجواب بما عنده من بيانات ، ولكن مصطفى مرعى تشكك فى أن يكون عميلاً مدسوساً عليه.

.. كذلك ذهب عبد اللطيف البغدادى وحسن ابراهيم ومصطفى مرتجى ومحمد شوكت من ضباط الطيران إلى مصطفى مرعى ، وأبلغوه إعجابهم واستعدادهم لتنفيذ ما يستقر رأيهم عليه حتى لو وصل الأمر إلى قتل الملك ، وهنا جفل منهم مصطفى مرعى ، وآثر أن يتحفظ معهم ، وسافر إلى أوربا !!

من البرلمـــان إلى
" روز اليوسف " :

بهروب مصطفى مرعى ،  أصبح الاستجواب لقيطاً فى البرلمان ، لكن يبدوا أن المغرضون من أصحاب المصلحة لم يعدموا الحيلة ، ففى يوم 6 يونيو 1950 خرجت  مجلة " روز اليوسف " بمقال لإحسان عبد القدوس بعنوان : " من هو الضابط الذى يمتلك قصراً فى كابرى ؟ " تحدث فيه عن صفقات السلاح وما شابها من فساد وعمولات ، ثم انتقل إحسان لانتقاد فؤاد سراج الدين باشا بقوله :

" لماذا تحمس معالى سراج الدين باشا كل هذا الحماس فى الدفاع عن الاتهامات التى وردت فى تقرير رئيس ديوان المحاسبه ، هل كان يدافع عن الحكومات غير الوفديه ؟! إن هناك سرا ، وهو سر ليس فى حاجه لان يكشف عنه فؤاد باشا ،وهو سر مفضوح !! "

ثم أتبعه بمقال ثان بعنوان : " جاهل أم جهلان ؟! " وينطوى على طعن فى حيدر باشا ، وتلميح وإشارة إلى أحد الوسطاء فى صفقة البنادق البلجيكية Fm  ، ويدعى أدمون جهلان ، ومقال ثالث فى 20 يونيو بعنوان : " استقل يا رجل" التى وجهها لحيدر باشا، مما حدا بمصطفى نصرت وزير الحربية والبحرية لتقديم بلاغ إلى النائب العام فى 22 يونيو بشأن ما نشرته "روز اليوسف" فى العدد رقم 149 بتاريخ 20 يونيو 1950 ، والعددين السابقين من اتهامات لرجال الجيش ، جاء فيه :

"إن سمعة الجيش وضباطه يجب ألا يتطرق إليها شك من جهة الأمانة والاستقامة ، ولذا رأيت إبلاغ عزتكم للتحقيق فى التهم المنسوبة إلى رجال الجيش ؛ وذلك لإظهار الحقيقة ، فيحول إلى المحكمة من تثبت إدانته حتى يقصى كل من تحوم حوله الشبهات . "


عبد القدوس أمام النيابة :

على الفور تم استدعاء عبد القدوس رئيس تحرير روز اليوسف أمام النيابة ، ونظراً للأهمية ، تولى النائب العام التحقيق فى القضية بنفسه ، ولم يتمكن عبد القدوس من تقديم أدلة مادية عن صفقات السلاح سوى عن واقعة واحدة خاصة بعقد مبرم بين زوجة المقدم جورج إبراهيم سعد والتاجر عبد الصمد محمد عبد الصمد ، وذكر للنائب العام أن المعلومات بشأن باقى الصفقات قد استقاها من بعض الضباط فى الجيش  ، ولكنه رفض الإدلاء بأسمائهم حرصاً على مستقبلهم .

هكذا جاءت أقوال إحسان عبد القدوس ( خريج الحقوق الذى فشل باعترافه فى ممارسة مهنة المحاماة ) ، محض أقوال مرسلة ، لم يستطع إقامة الدليل المادى على ما جاء بها باستثناء العقد المشار إليه!!

إبعاد الوزير
ورئيس الأركان :

وفى 18 سبتمبر 1950 ، بعث النائب العام برسالة خطية إلى  وزير العدل عبد الفتاح الطويل باشا جاء فيها :

" .. ولاشك أن معاليكم تقدرون ، وستعاونون النيابة فيما تطلبه من إبعاد أى موظف سواء كان بالقصر الملكى أو بالقوات المسلحة أو بوزارة الحربية والبحرية عن وظيفته مؤقتا متى تراءى لها ذلك لمصلحة التحقيق" .

ووافق وزير العدل على طلب النيابة ، وطالب النائب العام ألا يتقيد التحقيق إلا بما نصت عليه القوانين ، وبناء عليه كان أول المبعدين الفريق محمد حيدر قائد القوات المسلحة ، والفريق عثمان المهدى رئيس هيئة أركان حرب الجيش المصرى .

التحقيقات :

استغرقت التحقيقات 6 شهور كاملة وجاءت فى 16 ألف ورقة فولسكاب وجاء تقرير الاتهام فى 9 صفحات فولسكاب ، وقدمت التهم فيها إلى قاضى الإحالة فى 15 يناير 1951 ، وشمل قرار الاتهام كل من :

1 ـ محمود توفيق أحمد باشا  ـ 60 سنة ـ وكيل وزارة الحربية والبحرية
2 ـ اللواء إبراهيم سعد المسيرى بك  ـ 48 سنه  ـ مدير سلاح المهندسين ورئيس لجنة احتياجات الجيش
3 ـ المقدم مصطفى محمد شديد  ـ 41 سنة ـ  سلاح الأسلحة والمهمات
4 ـ النبيل عباس حليم 

ـ 53 سنة ـ من الأسرة المالكة
5 ـ القائمقام عبد الغفار عثمان ـ 48 سنة ـ  كبــير مفـتشى الذخـــيرة بالجيش المصرى
6 ـ الرائد فؤاد محمد عاطف  ـ 32 سنة ـ  مفتش المفـرقعــات برفـح
7 ـ المقدم حسين مصطفى منصورـ 43 سنة ـ كبير ضباط مخازن الذخيرة
8 ـ الرائد فؤاد بقطر ـ 31 سنة ـ مفتش مفرقعات السلاح البحرى
9 ـ أمير البحر (اللواء بحرى) أحمد بدر بك ـ 41 سنة ـ قــــــائد الســــلاح البحرى
10 ـ محمود فهمى ـ 38 سنة ـ  تاجر وسكرتير عباس حليم
11 ـ جوزيف كلوكلو  تردنيس ـ 41 سنة ـ تاجر
12 ـ المقدم جورج إبراهيم سعد ـ 36 سنة ـ أركان حرب سلاح المهندسين
13 ـ عبد الصمد محمد عبد الصمد  ـ 30 سنة ـ تاجر

وتم إحالة القضية إلى محكمة الجنايات فى 18 مارس 1953 وصدر الحكم فى جلسة 10 يونيو 1953 ، حيث أصدرت المحكمة  برئاسة المستشار كامل أحمد ثابت وعضوية المستشارين محمد كامل البهنساوى وأحمد مختار حكمها التاريخى الذى قضي ببراءة كل المتهمين من كل التهم المنسوبة إليهم ، ما عدا متهمين اثنين فقط حكم عليهما بغرامة 100 جنيه علي كل منهما ، وهما القائمقام عبد الغفار عثمان والبكباشي حسين مصطفي منصور كعقوبة على الإهمال حسب القانون .

يقول اللواء جمال حماد  ( المؤرخ العسكرى وعضو مجلس قيادة انقلاب 23 يوليو 52) فى حديثه لجريدة الأهرام اليومى ـ 11 ديسمبر 2009 :

( حين صدر هذا الحكم انقلبت الدنيا،  لأن الناس تهيأت لسماع حكم يتلاءم مع كونها قضية رأي عام كبري،  بل هي أهم ، وأخطر القضايا التي ارتكزت عليها الثورة لذلك كان هناك ميل من قبل مجلس قيادتها لتغليظ العقوبة ، وكان محمد نجيب مؤيدا لهذا الاتجاه ، ووقع الاختيار علي عبد الغفار عثمان كبير مفتشي الذخيرة ليكون كبش الفداء!!) .

مغالطات عبد القدوس :

جاء حكم المحكمة فى القضية بعد انقلاب 23 يوليو ورحيل الملك ، ليضع للحقيقة عنوانا ، لكن إحسان عبد القدوس بدلاً من الرجوع إلى الحق ،وتقديم الاعتذار للرأى العام ، استمر فى النفخ فى كذبته التى بنى عليها مجده الصحفى الزائف ، فقد ضمن إحسان هذه القضية واحدة من قصصه السينمائية وهى قصة فيلم «الله معنا» المأخوذ عن رواية بنفس الاسم، وكان الفيلم من إخراج أحمد بدرخان وعرض فى أعقاب انقلاب يوليو مباشرة عام 1955 وكان من المفروض أن يصبح أول فيلم سينمائى يستقبل الانقلاب ولكن الرقابة التى كانت تابعة وقتها لوزارة الداخلية رفضت التصريح بالفيلم دون إبداء الأسباب، وحاول إحسان أن يدافع عن فيلمه ، والذى تناول قضية كذبة الأسلحة الفاسدة التى فجرها وباءت كل محاولاته بالفشل، ومر على هذه الواقعة عامان ولم يجد أمامه سوى اللجوء إلى شريكه فى الكذبة البكباشى جمال عبدالناصر بعد أن أصبح رئيساً للجمهورية، وطلب منه مشاهدة الفيلم قبل أن يصدر حكمه عليه ، ووافق عبدالناصر على أحداث الفيلم كاملة، لكنه اشترط أن يتم حذف بعض الأجزاء من الفيلم كانت تشير أحداثها إلى شخصية محمد نجيب، والذى أدى دوره فى الفيلم الفنان زكى طليمات زوج والدة إحسان .

القاضى يتكلم
بعد ربع قرن من الصمت :

التزم القاضى الصمت ولم يعقب على حكمه الذى أصدره ، حتى تمكنت الزميلة الأستاذة فيفى العريان من إجراء حوار معه نشرته جريدة الجمهورية فى عددها الصادر فى 3 يونيو 1976 بعنوان : " القاضى يتكلم بعد ربع قرن .. لماذا أصدرنا حكم البراءة فى قضية الأسلحة الفاسدة ؟! " .

قال القاضى : " كان الجيش المصرى يعانى من نقص السلاح والمؤن والذخيرة ، وبالرغم من معارضة العسكريين الذين أجمعوا أن الوقت غير ملائم لاتخاذ إجراءات حربية، فقد كانوا متأكدين أن الوحدات المصرية وجميع الأسلحة لا تملك الإمكانيات أن تخوض حرب منتصرة، فقد كان عدد المحاربين اليهود 60 ألف مزودين بأحدث الأسلحة وأرقى التدريبات ، بينما ما حشده العرب لا يتجاوز 10 آلاف بالإضافة لأسلحتهم المحدودة ، لكن رجال السياسة لم يأخذوا برأى العسكريين ، فكان دخولهم الحرب مجازفة ، ولتعويض نقص السلاح؛ أنشئت لجنة تسمى لجنة احتياجات الجيش بقرار من مجلس  الوزراء فى 3 مايو 48 ، وقد أعفيت من كل القيود والإجراءات المالية ؛ حتى تسرع فى الحصول على الأسلحة والذخائر.

ثم أن محكمة الجنايات لم يثبت لديها مصرع جندى واحد من أسلحة فاسدة !! "

.. انتهى كلام القاضى ، لكنه كشف حقيقة تسليح الجيش المحدود الذى لم يكن يصلح سوى للزوم مهام التشريفات فقط !!

شهادات للتاريخ :

هذه هى شهادة القاضى عن الأسباب التى بنى عليه عقيدته وأسس عليها حكم البراءة ، فما بالنا بشهادات شهود من أهلها ، وأهلها نفر من الذى روجوا للكذبة من ضباط انقلاب 23 يوليو 1952 :

يقول اللواء محمد نجيب فى كتابه " كلمتى للتاريخ ": ( أنا لا أريد أن أنزلق مثل الكثيرين إلى تعليق عدم انتصارنا فى حرب فلسطين على مشجب الأسلحة الفاسدة، وهى القضية التى استخدمت للدعاية ضد النظام القائم حينذاك ، ولكنها انتهت بالبراءة فى عهد الثورة . )

الأغرب من هذا ، أنه لم يرد فى اليوميات التي كتبها جمال عبد الناصر بخط يده فى أثناء حرب فلسطين عن المدة من سنة 1948 حتى نهاية سنة 1949 جملة واحدة عن الأسلحة الفاسدة ، تلك اليوميات التى احتفظ بها الأستاذ محمد حسنين هيكل لمدة 55 عاما ،ة والتى نشرتها جريدة العربى الناصرى بعنوان :" دفتر يوميات عبد الناصر".

ويؤكد اللواء أ .ح جمال حماد متعه الله بالعافية وطول العمر على صحة تلك الشهادات فى حديثه لجريدة الأهرام اليومى ـ 11 ديسمبر 2009 :

( بصراحة شديدة حجم الدعاية في قضية الأسلحة الفاسدة لا يقل عن 60% وقد روجت السينما لهذه القضية طويلا. وكل ما في الأمر أن المدافع التي قيل إنها كانت ترتد لصدور جنودنا كانت تنفجر نتيجة لسخونتها. وكثافة استخدامها في ضرب النار وقلة التدريب ، فالمدفع الـ 25 رطلا من أفضل المدافع في العالم وهيأ النصر للانجليز في العلمين ولكن الذخائر التي استخدمت كانت فاسدة نتيجة للعوامل الجوية وحرارة الشمس ، أما الهزيمة فقد تحملتها مصر؛ لأنها مصر الرائدة والأخ الأكبر دائما. كان جيشنا أكبر جيش. أحد الجيوش السبعة كان يتكون من (1000مقاتل) يحاربون بالبنادق فقط ، وبلا خرائط !!  ) .

.. ويعترف د . ثروت عكاشة فى الجزء الأول من مذكراته بعنوان : "مذكرات في السياسة والثقافة" ـ صـ 54 ـ :

(إن ما قيل عن فساد الأسلحة والذخائر التي كانت في أيدي الجيش المصري ، حديث يتجاوز الحقيقة.)

***

كل ما لدينا من وقائع وشهادات تؤكد أن كذبة سوداء مسماة بـ " الأسلحة الفاسدة " هي صورة صارخة ومثال زاعق لعملية الغش والتدليس في كتابة تاريخ الوطن والمساس بحرمته التى مازال مجرمى تزييف التاريخ يصرون عليها فى مناهج التعليم فى مصر !!