رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ماذا بعد فوز خيرت الشاطر أو بديله برئاسة مصر؟

خيرت الشاطر
خيرت الشاطر

منذ أعلنت جماعة «الإخوان المسلمين» قرارها ترشيح نائب مرشدها المهندس خيرت الشاطر، لخوض انتخابات رئاسة مصر،

مطلع الأسبوع الماضي، وتداعيات القرار تتصاعد. أثار القرار الذي صدر بالغالبية موجة من الاحتجاجات داخل صفوف الجماعة، كما استدعى انتقادات أطراف من قوى الإسلام السياسي، وفتح الباب مجدداً أمام توجيه الاتهام لـ «لإخوان المسلمين» بنقض وعودهم. وقراءة القرار تستدعي العودة قليلاً إلى الوراء، فعندما بدأت الدعوة الى تظاهرات 25 كانون الثاني (يناير) ٢٠١١ كان «الإخوان المسلمون» مثلهم مثل معظم التيارات الإسلامية متحفظين تجاه المشاركة فيها. لكن يوم ٢٨ من الشهر نفسه كان فارقاً في مشاركة «الإخوان» في الثورة، كما شهد تحرير عدد من معتقليهم وسجنائهم أثناء عملية اقتحام السجون التي جرت آنذاك. وخلال أيام الثورة الأولى، أعني الثمانية عشر يوماً، حاول «الإخوان» أن يبعثوا برسالتين متعارضتين إلى حد ما، الأولى حقيقية، مفادها أنهم ليسوا اللاعب الأساسي في الثورة، وجاءت هذه الرسالة في وقت كانت الآلة الإعلامية لنظام مبارك تروج لفكرة أن الثورة صناعة «إخوانية» في محاولة لتفتيت الكتلة الثورية المعتصمة في الميادين المصرية، وفي سعي دؤوب لاستخدام «فزاعة» الإسلاميين مرة أخرى لينفض الناس من حول الثورة. والحقيقة أنه رغم مشاركة «الإخوان» - خصوصاً شبابهم - في الثورة منذ يوم ٢٨ كانون الثاني (يناير)، إلا أنه لا يمكن اعتبارهم صناع الثورة أو الطرف الأساسي فيها، وكان هدف الإخوان من رسالتهم تلك أن يطمئنوا الناس من ناحية، ويطمئنوا إدارة الدولة التي دخلوا معها في مفاوضات من ناحية أخرى. لكن الرسالة الثانية كانت مناقضة، فقد سعى «الإخوان» في الوقت ذاته إلى إقناع من يفاوضونهم في الدولة بقدرتهم على تحريك الشارع وإخلائه في الوقت نفسه.
وبعد إطاحة رأس النظام في يوم ١١ شباط (فبراير) ٢٠١١ توالت الرسائل المطمئنة من «الإخوان»؛ تلك الرسائل التي روَّجوا فيها لعدم نيتهم للمغالبة، بل رغبتهم في المشاركة، مؤكدين أنهم لن يرشحوا أحد أعضاء الجماعة في انتخابات الرئاسة، كما أنهم لن ينافسوا على مقاعد مجلس الشعب كافة، ولا حتى على خمسين في المئة منها، أي أنهم لن يسعوا للحصول على الغالبية البرلمانية. وفي الأسابيع التي تلت إطاحة مبارك كان من الواضح أن هناك توافقاً بين الجماعة والمجلس العسكري. ظهر ذلك جليّاً في قرار إعادة تشكيل اللجنة التي صاغت التعديلات الدستورية؛ فقد غلب في تشكيلها المنتمون لتيار الإسلام السياسي، وكان من بينهم عضو بارز في الجماعة، كما كان رئيسها المستشار طارق البشري منتميّاً إلى التيار الإسلامي عموماً، وقدَّمت اللجنة مشروعاً للتعديلات الدستورية أدخل مصر في مرحلة من الارتباك السياسي ما زالت تعيش فيها إلى الآن، وكان المستفيد الأول منها الإخوان وحزبهم الذي تأسس في الصيف الماضي، أو على الأقل هذا ما يبدو إلى الآن. وكان الاستفتاء على التعديلات أيضاً الدستورية كاشفاً عن مقدار التوافق بين المجلس العسكري من ناحية وتيارات الإسلام السياسي من ناحية أخرى، وعلى رأسها «الإخوان» و «السلفيون»، والتيار الأخير في معظمه كان موالياً للنظام السابق ومعارضاً للخروج عليه، من منطلق عقيدي. طوال العام الماضي أحرز «الإخوان» انتصارات سياسية متتالية؛ فحصلوا على ترخيص إنشاء حزبهم السياسي ـ حزب «الحرية والعدالة» ـ للمرة الأولى في تاريخ الجماعة. وتحولت الجماعة من جماعة محظورة ـ كما كانت توصف رغم وجودها القوي في الشارع ـ إلى جماعة تتحرك بعلانية كاملة رغم عدم وجود غطاء قانوني لها، ونجح أعضاء الحزب والجماعة في انتخابات كثير من النقابات المهنية ونوادي أعضاء هيئات التدريس في الجامعات.
فضّ التحالفات
وأظن أن الجماعة أحست بقوتها فسلكت مسلكاً أدَّى إلى فضِّ التحالف الديموقراطي الذي كان يضم حزب «الحرية والعدالة» مع حزب «الوفد» الليبرالي الذي يعتبر امتداداً لحزب تأسس عام ١٩١٩ في خضم الثورة المصرية إلى جانب عدد من الأحزاب الصغيرة، وكان هدف التحالف التنسيق في انتخابات مجلس الشعب والشورى، فخرج «الوفد» وعدد من الأحزاب الإسلامية من التحالف بسبب الخلاف حول نسب التمثيل لكل حزب من أحزاب التحالف في القوائم الانتخابية وعلى المقاعد الفردية، ومع انتخابات مجلس الشعب حقق الإخوان وحزبهم نصراً تاريخيّاً زاد من شعورهم بأن لحظة التمكين قد حانت، الأمر الذي يتبناه بعض صقور الجماعة. لقد أسفرت أحداث عام من الثورة عن خريطة سياسية جديدة على مستوى مصر؛ فهناك ثلاث قوى أساسية على الساحة السياسية: المجلس العسكري الذي يدعم حكومة الجنزوري التي تشكلت بعد أحداث شارع محمد محمود واستقالة حكومة عصام شرف. قوى الإسلام السياسي وتضم ثلاثة تيارات رئيسة؛ تيار الإخوان والتيار السلفي الذي يرفض في غالبيته معارضة السلطة، وهي هنا المجلس العسكري، والجماعة الإسلامية التي قامت في السنوات الأخيرة قبل الثورة بمراجعات أعلنت فيها التخلي عن العنف المادي والاتجاه إلى النشاط الدعوي، ثم انطلقت بعد الثورة إلى النشاط السياسي والحزبي بقيادتها التاريخية التي ظهرت في سبعينات القرن الماضي. ثم تأتي القوى المدنية التي تضم أطيافاً سياسية واسعة وغير مؤتلفة، من أقصى اليمين الليبرالي إلى أقصى اليسار الثوري، وتندرج تحتها أحزاب معارضة كانت قائمة في قبل الثورة، وأحزاب أخرى تأسست بعدها ومجموعة من الائتلافات والحركات الثورية.
وعلى ساحة العمل البرلماني أسفرت الانتخابات عن كتلة غالبة لتيار الإسلام السياسي تسيطر على البرلمان بمجلسيه، وكتلة صغيرة من الأحزاب الليبرالية واليسارية، وكتلة أصغر من الأحزاب المنتمية إلى النظام السابق والتي خرجت من عباءة الحزب الوطني الديموقراطي المنحل، كان السؤال الذي يطرح نفسه وقتها (يناير/ كانون الثاني ٢٠١٢) من سيتحالف مع من داخل البرلمان؟ هل سيسعى الإخوان والقوى الديموقراطية بتنوعاتها المختلفة إلى تكوين كتلة برلمانية تدافع عن الديموقراطية ولا تكرر أخطاء الماضي القريب والبعيد التي كانت الأنظمة تستخدم فيها كل طرف لضرب الطرف الآخر؟ أم سيتجه الإخوان إلى التحالف مع القوى الإسلامية التي لا تتجه لمعارضة المجلس العسكري والحكومة التي كلفها بإدارة البلاد قبل انتهاء انتخابات البرلمان بأسابيع قليلة؟
لكن التحالف تم بين أحزاب الكتلة الإسلامية بتنوعاتها المختلفة رغم الخلافات بينها، وظهر هذا التحالف أو التوافق في مواقف عدة لعل أهمها السيطرة على تشكيل الجمعية التأسيسية التي ستضع الدستور الجديد لمصر. بعد الانتخابات بدأت خسائر الإخوان على المستوى السياسي، أولاً ظهر عجزهم عن محاسبة الحكومة محاسبة جدية، وبعد مرور أكثر من شهرين على انعقاد مجلس الشعب، لم يشعر المصريون بتحسن في أحوالهم، كما لم يروا نشاطاً تشريعيّاً أو رقابيّاً جاداً، كما أن إذاعة جلسات مجلس الشعب على الهواء كشفت مستوى أداء الأعضاء غير الملائم لما كان ينتظره الشعب من برلمان الثورة. ثانياً كان لتصريحات الإخوان وقادة «الحرية والعدالة» أثناء الإعداد للمسيرات الشعبية في الذكرى الأولى لبدء الثورة وإصرارهم على تحويلها إلى احتفالات في مواجهة موقف القوى الثورية التي رأت أن الثورة مستمرة إلى أن تحقق أهدافها كاملة، وللتصريحات التحريضية ضد هذه القوى، تأثيره في زيادة الفجوة في المواقف بين الإخوان والشارع السياسي. فقد بدا الأمر كما لو كان «الإخوان» استراحوا لسيطرتهم على البرلمان واكتفوا بما تحقق لهم من مكاسب بفضل الثورة، وأصبحوا دعاة هدوء واستقرار. ثم كان الأمر الثالث موقف تحالف «الإخوان» و «السلفيين» عند تشكيل لجان مجلس الشعب، والذي ظهر فيه واضحاً رغبتهم في الاستئثار بكل شيء، الأمر الذي تكرر عند تشكيل الجمعية التأسيسية المكلفة بوضع الدستور.
مغالبة في الشارع
وكان نجاح القوى الثورية في الحشد لتظاهرات 25 كانون الثاني (يناير) 2012 وسيطرة هذه القوى سيطرة كاملة على الميادين المصرية رغم محاولات «الإخوان» تحويل المناسبة إلى احتفالية، ثم من بعد ذلك الإقبال المحدود على انتخابات مجلس الشورى، الغرفة الثانية في البرلمان، مؤشرات مهمة على تراجع قدرة «الإخوان» على الحشد والسيطرة على

الشارع، في الوقت الذي انفضت عنهم كل القوى السياسية ومعظم منظمات وهيئات المجتمع بعد أسلوبهم في تشكيل الجمعية التأسيسية. ومن ناحية أخرى شهدت الأسابيع الأخيرة عمليات شد وجذب بين الجماعة وحزبها من ناحية والمجلس العسكري وحكومته من ناحية أخرى. فبعد إحجام حزب «الحرية والعدالة» عن المطالبة بتشكيل الحكومة عقب تشكيل مجلس الشعب، بدأ يلوح بإسقاط الحكومة فوراً من دون انتظار انتهاء الفترة المتبقية من المرحلة الانتقالية، الأمر الذي رفضه المجلس العسكري بشدة، ولوح في بيان واضح إلى استدعاء التاريخ، في إشارة إلى أزمة 1954 التي أنهت الوجود القانوني للجماعة حتى الآن. كانت هذه مقدمات مهدت للقرار الذي اتخذه الإخوان بخوض معركة الرئاسة بمرشح لهم بعد أيام من التسريبات المتعارضة، ثم القرار بترشيح المهندس خيرت الشاطر نائب المرشد الذي كان قد حصل على عفو يتيح له ممارسة حقوقه السياسية قبل أسابيع قليلة. لماذا تراجع «الإخوان» عن قرارهم أو وعدهم بعدم خوض انتخابات الرئاسة؟
أحسوا أن الأسابيع الأخيرة خصمت من رصيدهم، وأن نتيجة خوضهم انتخابات رئاسية بعد أربع سنوات ليست مضمونة، كما أن الإمساك بسلطات الدولة كلها في أيديهم فرصة ربما لن تتكرر مرة أخرى، وإن أوان التمكين قد آن واحد، وأنهم ربما كانوا على وشك صدام مع المجلس العسكري ومع القوى السياسية الأخرى. ومن وجهة نظر الذين أيدوا ترشيح الشاطر داخل «الإخوان»، فإن الهجوم ونقل المعركة إلى الأمام، يعد الأسلوب الأفضل لمواجهة الأزمة، خصوصاً أن الترشيح يأتي في الوقت القاتل الذي يجعل من الصعب على القوى الأخرى ترتيب صفوفها لمواجهة الوضع الجديد.
ما الذي يترتب على ترشيح الشاطر في سباق الرئاسة على مستوى العملية الانتخابية؟ أولاً سيؤدي إلى تفتيت الصوت الذي سيتوجه لمرشحي التيار الإسلامي. فحتى كتابة هذه السطور هناك ثلاثة من المرشحين المحتملين ينتمون إلى التيار الإسلامي؛ الشاطر وعبد المنعم أبو الفتوح ومحمد سليم العوا، بعد أن بات في حكم المؤكد استبعاد حازم صلاح أبو إسماعيل بسبب حصول والدته على الجنسية الأميركية. ثانياً يفترض أن يدفع ترشح الشاطر القوى المدنية إلى التكتل خلف مرشح واحد والاستفادة من تراجع صدقية الإخوان في الشارع لاستخلاص مؤسسة الرئاسة من قبضة تيار الإسلام السياسي.
لكن هذا الفرض ما زال بعيداً، بسبب فشل محاولات قوى الثورة في اختيار مرشح واحد لها بعد انسحاب البرادعي في منتصف كانون الثاني الماضي، ورفض كثير من هذه القوى تأييد مرشح من رجال النظام السابق. لكن هل يمكن التكهن بنتيجة الانتخابات من الآن؟ أظن الأمر صعب للغاية، والإجابة قبل وضع قائمة المرشحين النهائية في 24 نيسان (أبريل) الجاري أكثر صعوبة؛ خصوصاً أنه من غير المؤكد أن هذا الترشيح سيكتمل، وأن الشاطر سيصل إلى المرحلة الأخيرة من سباق الرئاسة، مرحلة التصويت.
فالتسريبات التي تنشرها الصحف كل يوم تشير إلى مخالفات محتملة ارتكبها الشاطر في الفترة السابقة، مثل تصويته في انتخابات مجلس الشعب قبل صدور العفو عنه، الأمر الذي لو صحَّ فإنه قد يعرضه للمساءلة القانونية إذا رغب المجلس العسكري أو الحكومة في ذلك، الأمر الذي قد يعوق إكمال ترشحه للرئاسة. لكن لنترك مناقشة هذا الاحتمال ونرى هل هناك احتمالات حقيقية لفوز الشاطر؟
احتمالات فوز الشاطر (أو بديله) قائمة إذا لم تنجح القوى المدنية في توحيد صفوفها والاتفاق على اختيار واحد، لكن المرجح أنه إذا لم يفز في الجولة الأولى فلن يحقق انتصاراً في جولة الإعادة. هذا إذا سارت الأمور في مسارها الطبيعي ولم يقع حدث دراماتيكي يقلب الاحتمالات كافة.
غلبة الجناح المتشدد
أما السيناريوات المحتملة في حال فوز الشاطر فأولها زيادة الاستقطاب في الساحة السياسية. فخيرت الشاطر ينتمي إلى الجناح المتشدد في «الإخوان»، الجناح الذي يسعى إلى الإسراع بتطبيق الشريعة كما يتصورها هذا الجناح، وهو بدأ جولاته الانتخابية بزيارة «الهيئة الشرعية للإصلاح والتغيير»، وأعلن هناك نيته تشكيل هيئة من أهل الحل والعقد لتعاون البرلمان في تطبيق أحكام الشريعة، مستوحياً النموذج الإيراني. الأمر الثاني أزمة الولاء المزدوج التي ستؤثر على أمور إدارة الدولة، فولاء الشاطر لمرشده الذي يراه «الإخوان» أعلى من رئيس الدولة، وهنا أيضاً سيعيد الإخوان إنتاج النظام الإيراني في نسخة سُنية. الأمر الثالث أن مصر ستعاني إذا نجح واستقر له الأمر من أمراض تزاوج السلطة والثروة والدين، لقد كان التزاوج بين السلطة والثروة الذي ميز سنوات حكم مبارك الأخيرة أحد أهم أسباب الفساد السياسي والاقتصادي الذي عانت منه مصر، وأحد أهم العوامل التي دفعت لقيام الثورة، وإذا كان المصريون ظنوا أنهم تخلصوا من هذا الحلف فيبدو أنهم واهمون، حلف السلطة والثروة يطل برأسه مرة أخرى مغلفاً بغلاف ديني. الأمر الرابع أن قضية العدالة الاجتماعية التي كانت شعاراً من شعارات الثورة وهدفاً من أهدافها ستتراجع إلى الوراء. إن سيطرة الإخوان في تحالف مع القوى الأخرى في تيار الإسلام السياسي على البرلمان والحكومة ورئاسة الجمهورية ولجنة صياغة الدستور ومحاولتهم فرض رؤيتهم وتغيير الأسس التي قامت عليها الدولة المصرية الحديثة، والتي تراكمت على مدى أكثر من مئتي عام، يعني دفع المجتمع نحو حالة من الصدام الحاد.