رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خطاب القذافي يكرس ديكتاتوريته ويقفز بليبيا إلى المجهول

بدأ الشعب الليبي، على شاكلة ما قام به الشعبان التونسي والمصري المطالب بحقوقه السياسية، وإذا كان ذلك أمرا متوقعا على الصعيد العربي في ضوء حقيقة أنه منذ أن أنطلقت ثورة الياسمين في تونس، وسلمت شعلتها لثورة الغضب في مصر، أدرك جميع الرؤساء العرب ضرورة أن تمر هذه الشعلة على كافة بلدان الشعوب العربية لاسيما تلك الدول التي لن تشهد انتقالا سلميا حقيقيا للسلطة، إلا أن معمر القذافي كان استثناءً على هذه القاعدة فرغم تعرضه لإنقلاب من شعبه في مرات ماضية إلا أنه لايزال يعيش في مدينة فاضلة من صنع خياله يعتقد فيها ترحيب شعبه ببقاءه طول حياته في السلطة وأولاده من بعده.

وبعد أن استيقظ معمر القذافي على حقيقة كانت بمثابة كابوس بالنسبة له، رفض الإستسلام للواقع، تجاهل دروس ثورتي تونس ومصر، رفض الخضوع لقواعد وقيم العدالة القانونية والشرعية، أختار نفسه على شعبه، حيث حاول أن يطبق مواقف وسياسات الرئيس السابق محمد حسني مبارك لكن بثيابه الليبية ومسلحا بإيدلوجية الكتاب الأخضر، والتي بدأت أولى خطواتها في مواجهة الشعب بتجنيد المرتزقة واستخدام جهازي الشرطة والجيش في مواجهة شعبه بلا رحمة أو شفقة.

كما أنه انتهج نفس سياسات جهاز الشرطة المصرية بأن قام بقطع كافة وسائل الإتصال لكنه انفرد في ذلك بأن شملت سياساته تعطيل حركة الطيران المدني أيضاً، تعامل مع شعبه كأنه عبيد لديه، ولا حق له عليه، وفوق كل هذا فاجئ معمر القذافي كافة الأقطار العربية وغير العربية في أول خطاب له بعد الثورة بظهوره في "توك توك" حاملاً سمسية وكأنه في منتجع سياحي وعطلة صيفية للإستجمام وكأنه لم يكن يدرك ما يحدث في بلاده، وفوق كل ذلك لم يتحدث سوى جملة واحدة بالغة القصر وهي أنه مازال في طرابلس ولم يخرج خارج البلاد، هل هذا ما كان يشغل رأس الدولة وكان سبباً هاماً لخروجه حتى يصرح بذلك؟ الا يقدر ما يحدث في شعبه ودمار وخراب لدولته!

ورغم هذا فلم يكتفي معمر الفذافي بمفاجأته هذه بل أبدع في خطابه الثاني، والذي ضرب عرض الحائط بكل ما كان يتوقع من أي إنسان عاقل، حيث لم يحدث في أي تاريخ سياسي ولا في أي بلد كان أن نجد خطاب رئيس دولة يمتد ليستغرق 75 دقيقة في أوقات أزمة غير عادية قد تؤدي إلى فوضى عارمة في البلاد، كما لم نشهد من قبل قيام رئيس دولة بالتحدث عن أمجاده ونضاله السياسي بهذا الشكل وفي هذه التوقيتات!.

إن خطاب معمر القذافي الثاني قدم العديد من الإشارات والدلالات على وضع العراقيل أمام مخرج سلمي لما يجري حاليا في ليبيا. فالخطاب يشير إلى ما يمكن اعتباره معاناة القذافي من داء العظمة حيث يبدو من خلال الخطاب قناعته بحقه في إمتلاك ليبيا إنطلاقاً من كونه قائد الثورة الليبية فهو حسبما يشير ليس رئيس ( مثل نظيره المصري) حتى يقدم استقالته، ورغم ذلك فإنه يحاكي سياسات النظام المصري المخلوع في توظيفه لنظرية المؤامرة حيث يؤكد في خطابه وفقاً لمدركاته الخاصة أنه هو الثورة والمجد والتاريخ الذي صنع أمجاد ليبيا أمام الدول العربية والغربية وكافة الشعوب فهو التاريخ الذي جعل الجمهورية الليبية في مكانة متقدمة تنافس فيها قيادات النظام الدولي والتي تعاونت من أجل تدمير هذا التاريخ العظيم أي تدمير معمر

القذافي!

بالإضافة إلى أنه ينظر إلى الثوار وكأنهم قلة مندسة غير أنه وصف هذه القلة بمجموعة قليلة من الشبان الذين يتعاطون الحبوب .. واعتبرهم كالفئران وأنهم يغيرون على مراكز الشرطة لإحراق ملفات تضم جرائمهم وأنهم يقلدون ما تم في تونس ومصر؟!..وفوق كل هذا حذر القذافي شعبه بتهور غير مسبوق ما بين تقبل الوضع والعودة لما كان ونسيان ما تم سفكه من دماء أو تطهير كل بيت في ليبيا فيما يوحي بتهديد بعملية هولوكوست أوإبادة جماعية لليبيين، وعلى ذلك فالقذافي يخير شعبه بين اختيار الموت التام أو اختيار المفكر والفليسوف والعالم والمجد والتاريخ معمر القذافي.

وعن التعامل مع العراقيل التي تقف أمام الليبيين فقد أشار القذافي في خطابه بشكل قد لا يكون مقصود، وهو تسميمه أو قتله .. فهو حجر عثرة يقف أمام الشعب، فهل سيكون ذلك بمثابة الحدث الذي سيمثل نقطة النهاية لمسلسل الدم في ليبيا؟.

وبشكل عام فإن القذافي لم يتحرك بخطى إيجابية تجاه الأزمة التي تشهدها بلاده، لم يتصرف كرئس دولة عاقل حتى الآن، لكنه تعامل كمجرم حرب تفوق على إسرائيل في سلوكياتها السياسية تجاه الفلسطينيين. ورغم ما  قام به معمر القذافي من مذابح في بعض المدن الليبية واستخدام القوة العسكرية ضد شعبه الأعزل إلا أنه يؤكد في خطابه أنه لم يستخدم القوة بعد، إذا ما هو مفهوم القوة في القاموس القذافي؟.

ليت القذافي يعود إلى رشده الذي لم نره منذ تولى قيادة الجمهورية الليبية فيرحل وليعتذر لشعبه قبل دخول قوات دولية لحماية الشعب، لكن للأسف لا تأتي الرياح بما تشتهي به السفن.. لقد كتب القذافي نهايته بيده ، ولعل هذه فرصة جيدة أمامه إلا أنه إستغلها أسوأ إستغلال حيث أختار سيناريو صدام حسين، والذي سينتهي به إلى المحاكمة الدولية هذا إن استطاع الخروج حياً من ليبيا، اختار أن تقع ليبيا تحت الإرادة الدولية، دعا القذافي شعبه إلى التعقل وعدم اتاحة الفرصة للعالم لكي يتفرج عليه، إلا أنه لم يعمل بهذه النصيحة بل فرج العالم عليه هو وعلى سياساته الطفولية والعدوانية الغوغاء بدلا من الإلتزام بالنصيحة التي وجهها لشعبه، إلا أن جبروته الظالم اختار ذاته مقابل فناء شعبه.

*باحثة ماجستير في العلوم السياسية