رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

سكك حديد مصر.. «حافية على جسر الذهب»

بوابة الوفد الإلكترونية

تحقيق - مجدى سلامة /إشراف: نادية صبحي

«حافية على جسر الذهب».. هذا هو الوصف الأكثر تعبيراً عن حال سكك حديد مصر.. فهى واحدة من أغنى الهيئات والشركات العامة، وربما تكون هى أغناهم على الإطلاق، ومع ذلك تشكو الفقر والديون!

وإذا كان الأديب الكبير عبدالحى أديب قد اختار فى سبعينات القرن الماضى عنوان «حافية على جسر الذهب» لروايته، التى تحولت لفيلم سينمائى، فإن ذات العنوان يعبر بدقة شديدة عما يجرى فى هيئة سكك حديد مصر الآن.

فالهيئة تشكو الفقر والديون، وتسحب من البنوك على المكشوف لصرف رواتب العاملين فيها، رغم أنها قادرة بإجراء واحد فقط أن تحصل على تريليون جنيه و49 مليار جنيه، ويمكنها بإجراء آخر أن تحصل على 6 مليارات جنيه، وبإجراء ثالث أن تحصل على 500 مليون جنيه، ورغم كل هذه المليارات التى تمتلكها، لا تستطيع تغطية نفقاتها وتضطر للسحب على المكشوف من البنوك لتسديد رواتب موظفيها، ولتطوير أسطولها من القطارات، وكانت النتيجة هو غرقها فى بحر الديون التى وصلت إلى 49 مليار جنيه!

وكان طبيعياً عندما تصل الديون إلى هذا الرقم المخيف أن يبحث مسئولو وزارة النقل وهيئة السكك الحديدية عن طريق للنجاة من جبال الديون، وبدلاً من أن يسلكوا الطريق الصحيح ويستغلوا أراضى وممتلكات الهيئة، فضلوا السير فى الطريق الخطأ وهو مواجهة الديون بزيادة أسعار تذاكر القطارات، فقبل شهور رفعوا أسعار التذاكر بنسبة 50 %، وحالياً يضعون الرتوش الأخيرة لرفع أسعار تذاكر القطارات مرة ثانية!

وحسب بيانات هيئة السكك الحديدية، فإن الهيئة تمتلك 190.88 مليون متر مربع من الأراضى، فى كل محافظات مصر، وأغلبها فى مواقع متميزة يزيد سعر المتر فيها على 10 آلاف جنيه، أما أقل سعر لمتر الأرض فى أراضى السكة الحديد فلا يقل أبداً عن 1000 جنيه، ومعنى ذلك أن متوسط إجمالى سعر أراضى هيئة السكة الحديد يصل إلى تريليون و49 مليار جنيه.

فى القاهرة وحدها تمتلك هيئة السكة الحديد 48.26 مليون متر مربع، وتمتلك 48.88 مليون متر مربع فى الإسكندرية ومطروح والبحيرة، و15 مليون متر مربع فى الغربية والدقهلية والمنوفية و26.72 مليون متر فى الشرقية والقليوبية والإسماعيلية والسويس وبورسعيد، و13 مليون متر فى بنى سويف والمنيا وأسيوط بأسيوط، و37.8 مليون متر فى سوهاج وقنا وأسوان، إضافة إلى نحو 7.2 مليون متر مربع فى محافظات الوادى الجديد والبحر الأحمر، وسيناء.

وهذه الأراضى الشاسعة، التى تمتلكها هيئة السكك الحديدية لا تستغل الهيئة منها سوى 70 مليون متر مربع فقط تمتد عليها خطوط السكة الحديد ومحطات السكة الحديد المنشآت التابعة لها.. ومعنى ذلك أن هناك 120.88 مليون متر مربع من أراضى الهيئة يمكن استغلالها بالبيع أو التأجير أو إقامة مشروعات استثمارية أو تجارية فوقها، وهذه الأراضى وحدها تبلغ قيمتها 664 ملياراً و400 مليون جنيه.

والمفاجأة التى كشفتها لـ«الوفد» مصادر مسئولة بهيئة السكة الحديد، هى أن أكثر من 100 مليار متر مربع من أراضى السكة الحديد استولى أشخاص عليها، وبعضهم أقام على ما استولى عليه من أراضى السكة الحديد عمارات، وكافتيريات، دون رادع!

وتجسدت هذه الجريمة فى أبشع صورها فى منطقة «أبوزعبل» التابعة لمحافظة القاهرة، حيث استولى عدد من الأشخاص على 911 ألفاً و400 متر مربع من أراضى هيئة السكة الحديد بمنطقة «أبوزعبل» بالقليوبية.. هذه الأراضى كانت تحوى مبانى ومزارع تابعة للهيئة وخلال أيام ثورة يناير استولوا عليها بعض الأشخاص، وأزالوا ما عليها من مبان وأشجار، قاموا بتقسيمها إلى قطع صغيرة وبيعها كأراضى بناء، فيما قام آخرون ببناء عمارات أو مقاه وكافتيريات، وحققوا من وراء ذلك عشرات الملايين من الجنيهات!

وتتوالى الكوارث فيما يتعلق بأراضى هيئة السكة الحديد، بفاجعة غريبة وهى ضياع نحو 298 ألف متر مربع من أراضى الهيئة بسبب أخطاء تعاقدية، بخلاف تنازل مسئولى الهيئة فى سنوات سابقة عن 25 ألف متر مربع لعدد من الأشخاص بدون مقابل!.. وبالتالى فإن إجمالى الأراضى الضائعة بسبب أخطاء تعاقدية أو بسبب التنازل تبلغ 323 ألف متر مربع، وقيمة هذه الأراضى بأسعار السوق حالياً تبلغ ملياراً و776 مليوناً و500 ألف جنيه!

والغريب أن هيئة السكة الحديد قررت فى تسعينات القرن الماضى إنشاء شركة، تتبع الهيئة وتتولى استغلال أراضى السكة

الحديد واستثمارها وتخصص العوائد لتطوير سكك حديد وفور إنشائها حققت تلك الشركة عوائد سنوية بلغت 16 مليون جنيه، ولمن تلك العوائد انخفضت إلى 10 ملايين جنيه فقط فى الميزانية الأخيرة للهيئة!

ورغم أن مصدراً مسئولاً فى السكة الحديد -طلب عدم كتابة اسمه- أكد أن جزءاً من أراضى المملوكة للسكك الحديد، لا يصلح للاستثمار أو الاستغلال، لأنه أساساً يقع داخل حرم خطوط السكك الحديدية وجزء منه مقام عليه بالفعل ورش ومبان.. وقال المصدر أكد أيضًاً «ورغم ذلك يمكن استخدام الجزء الأكبر من تلك الأراضى فى إقامة محلات تجارية وكافتيريات، أو حتى مدارس».

وإذا كان العدوان الأكبر على أراضى السكة الحديد قد استغل حالة الانفلات الأمنى التى أعقبت ثورة يناير 2011، واستولى على مساحات شاسعة من أراضى السكة الحديد، فإن عام 2014 شهد أول محاولة جادة لاسترداد أراضى الهيئة، وكانت البداية بتشكيل لجنة لحصر هذه الأراضى، وظلت اللجنة تعمل لشهور طويلة، وطاف أعضاؤها جميع محافظات مصر، وحصروا كل أراضى الهيئة، وقدموا تقريراً وافياً، بمساحة هذه الأراضى ومواقعها، ونوع الاعتداء عليها (البناء أو الزراعة أو غيرها) وقدمت الهيئة تقريرها النهائى لرئيس هيئة السكة الحديد، وكان المتوقع بعد هذا الحصر أن تبدأ الهيئة معركة استرداد أراضيها وتحريرها من أيدى غاصبيها، ولكن شيئاً من هذا لم يحدث، وظل الحال على وضعه، ولا تزال أراضى هيئة السكة الحديد تحت احتلال الغاصبين.

وحسب مصدر مسئول فى هيئة السكة الحديد فإن الهيئة لا تستطيع وحدها استعادة أراضيها، كما أن وزارة النقل ذاتها تعجز عن ذلك.. وقال المصدر:«استرداد أراضى هيئة السكة الحديد تحتاج لتحرك أكثر من سلطة فى مصر، فالأمر يحتاج لإصدار قانون يصدره البرلمان بهذا الشأن، حتى لا ندخل فى متاهات التنازع المدنى فى المحاكم بين هيئة السكة الحديد ومغتصبى أراضيها، خاصة أن مثل هذا النزاع يستمر لعشرات السنين، وبالتالى فالأفضل إصدار قانون حاسم فى هذا الشأن، يتم تطبيقه على الجميع على التعديات، وتتولى وزارة الداخلية تنفيذه».

ولم تتوقف ثروات هيئة السكة الحديد عند الأرضى فقط، فالهيئة -بحسب أوراقها الرسمية- تمتلك 5 آلاف شقة، عائد هذه الشقق سنوياً يبلغ مليون جنيه، أى أن متوسط عائد كل شقة فى العام يبلغ 200 جنيه فقط، أى أن كل شقة من شقق هيئة السكة الحديد تؤجر شهرياً بـ16 جنيهاً تقريباً، ومع ذلك لم تفكر الهيئة فى بيع هذه المبانى، أو حتى رفع إيجاراتها حتى الآن! أما لو فكرت الهيئة فى بيع تلك الشقق فإنها ستحصل على الأقل على 500 مليون جنيه على أقل تقدير!

وفوق هذا توجد داخل مخازن الهيئة قطع غيار غير مستغلة قيمتها 6 مليارات جنيه..

ورغم امتلاكها كل هذه المليارات.. تشكو الهيئة من الفقر ومن ديونها.. ألم أقل لكم إنها «حافية على جسر الذهب».