عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«الوفد» فى بيت أحمد إبراهيم القاطن فى «دير النحاس»

بوابة الوفد الإلكترونية

مفاجأة: الفنان محمد عبدالحليم يسكن فى الشقة التى شهدت أحداث فيلم «حياة أو موت»

 

فى قلب مصر القديمة، وبالقرب من ميدان الملك الصالح، يكمن «دير النحاس» الذى اشتهر من خلال فيلم «حياة أو موت»، للفنان الراحل عماد حمدى، من خلال جملة هى الأكثر إنسانية فى تاريخ السينما المصرية، حين جاب حكمدار العاصمة «يوسف وهبى» القاهرة مصطحباً مكبر الصوت لينادى من خلاله: «من حكمدار بوليس العاصمة إلى أحمد إبراهيم القاطن فى دير النحاس، لا تشرب الدواء.. الدواء فيه سم قاتل»، ليدخل بعدها الشارع إلى الذاكرة المصرية والعربية من أوسع أبوابها، وليتساءل الجميع هل دير النحاس هذا شارع كائن فى مصر، أم أن الأمر لا يتعدى كونه خيال مبدع؟

الوصول للشارع لم يكن صعباً، فبداية من ميدان الملك الصالح، عندما تسأل عنه، سيرشدك العاملون على أبواب محلاتهم عن مكانه، ليخبروك بابتسامة مصرية «بس أحمد إبراهيم مش هناك».

لافتة كبيرة طُليت باللون الأزرق مثلها مثل كل لافتات الشوارع هناك هى أول ما سيقابلك فى دير النحاس، تحمل اسم الشارع الشهير، بعدها ينقسم الشارع لحارتين، يتفرع من الحارة الأولى عطفة صغيرة، بها بيتان أكل عليهما الزمن وشرب، وفى الغالب ليس بهما سكان، فالهدوء سمة المكان، أما إذا سمعت صوتاً، فعليك الهروب، فربما كانت هذه هى اللحظة التى اختارها المولى لانهيار هذه العطفة جملة.

عندما تترك العطفة، لتكمل جولتك فى الحارة الأولى، ستدرك أنك لست فى حاجة إلى نظارتك الشمسية، فقد غابت الشمس عن المكان «فى عز الظهر»، بعدما التصقت البيوت ببعضها التصاقاً، لم يترك لها جزءاً من أية خصوصية.

 أما الحارة الثانية من الشارع، فقد تكومت فى مدخلها أكوام القمامة، فى مساحات تؤكد أنها كانت لبيوت سقطت بالفعل، وعلى كل حال فحارة دير النحاس سابقاً ودار النحاس حالياً لن يزيد اتساعها على المترين، ولا يوجد بها سوى ثلاثة بيوت، بيتان يؤكدان أنهما ما زالا يحتفظان بطباع أهليهما القدامى، الذين رسمت ملامح حياتهم الأفلام القديمة وأنهم «ناس فى حالهم». ورغم قسوة الحياة، إلا أنهم ما زالت لديهم القدرة على الابتسام فى وجوه الغرباء. بينما جاءت البناية الثالثة غريبة عن المكان، ولا تنتمى له، فقد كانت عمارة شاهقة، تؤكد فخامتها أنها حديثة البناء. وعرفنا بعدها من السكان، أنها بنيت منذ أربعة أعوام فقط، لتفصل بين سكان المكان والبقية الباقية من الشمس والهواء، وأنها فى الأساس كانت أحد فروع مصانع «باتا» الشهيرة.

فى المقابل لهذه العمارة يوجد المنزل رقم «3»، وهو البيت الذى أصبح أشهر من نار على علم فى المدينة، من النظرة الأولى تشعر أنك أمام باقة زهور وليس منزلاً، فعبقرية مخرج مثل كمال الشيخ، استطاعت أن تكتب لهذا البناء مصيراً مختلفاً عن كل ما فى هذه الحارة البائسة، فرغم قدم البيت الواضح إلا أن سكانه اعتادوا زيارات الناس المفاجئة لهم، فعملوا بالمثل المصرى «امسح بيتك ورشه.. ما تعرف مين يخشه».

البيت عبارة عن دورين فقط، فى كل دور شقتان، مطلى من الخارج باللون الوردى الرائق الباعث على البهجة والفرح، كما رسمت باقات الزهور أسفل النوافذ، وزين المدخل بباقات زهور حقيقية. بعدها تستقبلك بوابة خشبية كبيرة عبارة عن ضلفتين، تدل شراعتيهما الزجاجيتين على قدمها، بينما دل لونها البنى الزاهى على حداثة الاهتمام بها.

مدخل البيت فيه من البراح ما يخبرك بسخاء الزمن القادم منه. أما السلم الرخامى اللامع الذى سوف يأخذك إلى الدور الثانى فى راحة فعلية، سوف تتذكر وأنت تصعده وجه الفنانة مديحة يسرى، وهى تسابق الزمن على درجاته، تكسو وجهها قطرات العرق، إثر طريق طويل قطعته، ولم تلتقط أنفاسها فيه، لتنقذ حياة زوجها، تكفيراً عن إحساسها بالذنب، بعدما تركته يصارع المرض والحزن فى ليلة عيد.

وصلنا إلى الشقة التى من المفترض، أن زجاح بابها كان قد كسر، فى مشهد تشويقى للفيلم، من خلال أداة الاستفهام المطروحة فى كل الأعمال التشويقية، سواء درامية أو روائية، وهى «هل» ليأتى آخر مشاهد العمل، ليكون الجواب، فالفيلم من البداية كان سلسلة لمجموعة من «هل»، وكانت «هل» الأخيرة هى: هل ستنجح الزوجة فى إنقاذ زوجها من الموت أم لا؟

طرقنا باب الشقة، ولم ننتظر طويلاً، فقد فتح الباب وجه مألوف تماماً لنا، وبعد أن ألقينا عليه تحية الصباح، استشعرنا أنه ليس فى مزاج يسمح له باستقبال ضيوف، فأخبرناه أننا لن نطيل عليه ولن نقتحم هدوءه، فقط نود أن نعرف هل هذه الشقة التى صور فيها الفنان عماد حمدى فيلمه الشهير «حياة أو موت»؟ عندما عرف صاحب الشقة أننا نود أن نتحدث عن الفن، رحب بنا واستقبلنا بود وبشاشة، لقد كانت مفاجأة لنا أن الذى يسكن هذا المنزل هو الممثل محمد عبدالحليم. وقبل أن يتساءل أحدكم من هو الفنان محمد عبدالحليم، دعونى أؤكد لكم أنك

سوف تعرفه بمجرد أن تقع عيناك عليه، ولكن هذا هو حالنا، لا نعرف عن العمل سوى البطل.

الفنان محمد عبدالحليم ممثل مصرى قدير، تميز فى أداء اﻷدوار الثانوية فى اﻷعمال الفنية المختلفة، شارك فى العديد من المسلسلات التلفزيونية والمسرحيات والأفلام السينمائية، بدأ حياته الفنية فى أواخر السبعينات، عندما اختاره المخرج عبدالرحمن الخميسى، ليشارك فى فيلمه «زهرة البنفسج» فى عام 1977. تخرج فى المعهد العالى للفنون المسرحية عام 1970، وتزامل مع قامات فنية قديرة منها، محمد صبحى ونبيل الحلفاوى ولطفى لبيب، مارس التأليف والإخراج إلى جانب التمثيل، ومن أهم أعماله، «دموع فى عيون وقحة» و«شيخ العرب همام»، كما شارك فى مسلسل «وضع أمنى» الذى عُرض مؤخراً فى رمضان، فى بطولة للنجم عمرو سعد.

بمجرد دخولنا الشقة شعرنا أننا فى المكان الخطأ، ليست هذه هى شقة «أحمد إبراهيم» التى ظهرت فى الفيلم، لتجيء كلمات الفنان محمد عبدالحليم حلاً للحيرة التى وقعنا فيها فيقول: الفيلم تم تصوير كل مشاهد الخارجى فيه هنا فى الشارع الرئيسى، وفى مدخل المنزل والسلالم. لكن الشقة التى ظهرت فى الفيلم كانت «ديكور داخلى» صممه المبدع ماهر عبدالنور، فى استديو مصر، أما كل ما تم تصويره هنا كان التصوير الخارجى فقط، الذى ظهر من خلاله ترام 15 وترام 30، ونفق الملك الصالح.

لكن لماذا اختار كمال الشيخ هذا المنزل فى هذا الشارع تحديداً، كى يدخله تاريخ الذاكرة العربية، من خلال فيلم نال شهرة واسعة، وجوائز مهمة؟ فقد دخل الفيلم فى المسابقة الرسمية فى مهرجان كان السينمائى 1955، وحاز على جائزة الدولة عام 1955، وكذلك على جائزة أحسن فيلم من المركز الكاثوليكى المصرى عام 1954.

وحول هذه النقطة قال عبدالحليم: فى الوقت الذى كانت فيه السينما المصرية مسجونة بين جدران الاستديوهات والقصور الفاخرة، خرج كمال الشيخ لتصوير أفلامه فى شوارع القاهرة المزدحمة بالناس، وخاصة فى فيلم «حياة أو موت» والذى كان قد استوحاه من قصة نشرت فى إحدى الصحف المصرية، تحكى عن خطأ صيدلى فى صرف دواء لمريض.

ويستطرد عبدالحليم: فى هذا الفيلم تحديداً، كان لابد أن يكون مسرح الأحداث مكاناً متصلاً بالترام، فالفيلم كله عبارة عن رحلة لفتاة صغيرة، من الصيدلية فى العتبة إلى منزلها فى دير النحاس، من خلال رحلتين فى الترام كانت إحداهما خطأ، لذلك كان لابد من شارع يرتبط بعدة أحياء، هى الجيزة ومصر القديمة والعتبة والملك الصالح من خلال شبكة اتصال الترام، وأتوقع أن كمال الشيخ لم يكن ليجد أفضل من «دير النحاس» ليقوم بهذه المهمة.

وعن إقامته فى الشقة التى تم فيها تصوير الفيلم، أكد الفنان محمد عبدالحليم، أنه ولد بهذه الشقة، وأنه يبلغ من العمر الآن حوالى ثلاثة وسبعين عاماً، لم يترك فيها هذا المكان سوى ستة أعوام فقط، هى كل عمر زواجه، الذى أهداه هدية عمره، ابناً وحفيدين.

يذكر أن فيلم «حياة أو موت» أنتج فى 1954 بعيون جديدة، وهو أحد كلاسيكيات السينما المصرية، ويحكى عن رجل يصاب بأزمة قلبية، فيرسل ابنته للحصول على الدواء، ليكتشف الصيدلى بعدها، أنه أخطأ فى تركيب دواء قاتل، لتظل حكمدارية القاهرة فى البحث عنه وإنقاذ هذا الرجل قبل تناوله الدواء.