رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مصر الجديدة

حقا.. مصر مختلفة وجديدة آخذة فى التخلق
المصريون يخطئون ويتعثرون ويرتبكون،لكنهم فى نهاية المطاف يتعلمون. فللمرة الأولى منذ عقود بعيدة، يختار المصريون بمحض ارادتهم الحرة ما يريدون،

حتى لو كان هذا الاختيار يؤجل بضع خطوات اهداف ثورتهم فى الخبز والحرية والكرامة الانسانية. ذهب المصريون الى صناديق الاقتراع،وسط ضغوط عدة كان ابلغها قسوة الضغوط الاقتصادية، لكنهم بقدرتهم الفذة على التحمل،والتحايل على مصاعب الحياة، قرروا هذه المرة ان يكونوا طرفا فاعلا اصيلا فى عملية التغيير، وبرغم ما قيل عن قلة الوعى أو السعى الى تغيبه، فقد اختار المصريون بإرادة حرة - لم تكن متاحة لهم من قبل - من يشاءون من بين المرشحين الثلاثة عشر للرئاسة.
- «اخذت حقيبة السكر والزيت والصابون والفول والعدس والشاى، وصوتت لمرشح آخر لم يعطنى شيئا»!
الجملة السابقة تكررت كثيرا فى الطابور الذى جمعنى، مع ناخبات وناخبين من بسطاء المصريين ونحن ندلى بأصواتنا داخل اللجان الانتخابية ،ازداد وعى المواطن بأهمية صوته الحر، بعد عهود ظلامية طويلة،دأب فيها حكامه على سرقة صوته لتأبيد حكمهم الاستبدادى، ولعل استعادة هذا الصوت لإرادته وحريته ،هو واحد من النتائج الايجابية المهمة لانتخابات الرئاسة الاخيرة، حتى لو كانت نتائجها النهائية قد شكلت صدمة لدى قطاعات من القوى السياسية المختلفة، التى اعتبرت ان الاختيار فى جولة الاعادة قد أصبح الآن بين استبدادين احدهما دينى والآخر مدنى، لكن ما يلفت النظر أن أحدا لم يتوقف أمام الأسباب التى قادت الى هذه النتيجة، وبينها أن 27 مليون مصرى ممن لهم حق التصويت لم يدلوا باصواتهم، او لعلهم لم يجدوا بين المرشحين من يحفزهم للذهاب الى صناديق الاقتراع، او لفقدانهم الثقة فى امكانية تحقيق النزاهة الانتخابية، او ليأسهم من احداث التغيير الذى يبدل حياتهم من السيئ الى الافضل. وبينها ايضا ان القوى الديمقراطية والليبرالية وقوى الثورة، التى حصدت نحو عشرة ملايين صوت قد خاضت الانتخابات مفتتة ومنقسمة، يحارب بعضها بعضا، ورفضت كل المبادرات،والمحاولات اليائسة التى تم بذلها لتوحيد صفوفها حول مرشح واحد بينها.
ساهم انقسام الصف الاسلامى بين ثلاثة مرشحين هم الدكتور عبدالمنعم ابوالفتوح والدكتور محمد مرسى والدكتور محمد سليم العوا، وتدهور مكانة جماعة الاخوان المسلمين خلال العام ونصف العام الأخير منذ اكتساحها للانتخابات البرلمانية الاخيرة، وافتقاد الناس للثقة فى خطابها الاعلامى والسياسي، وتشريعاتها، وأداء نوابها، واندفاعها الجنونى غير المحسوب للهيمنة على كل مفاصل الدولة، وخوضها معركة على جبهتين، لإنجاح مرشحها بطبيعة الحال، والسعى عبر الصفقات الانتخابية الى توجيه تصويت انصار عبدالمنعم ابوالفتوح من بعض السلفيين الى مرشح آخر بهدف اسقاطه، كل ذلك ساهم فى التوصل الى أن تنحصر جولة الإعادة بين مرشح جماعة الاخوان المسلمين الدكتور محمد مرسى والمرشح المستقل المحسوب على الدولة المصرية الفريق «احمد شفيق» الذى تشابكت عوامل عدة فى صعوده الى جولة الاعادة من بينها  القلق المشروع لدى قطاعات واسعة من المجتمع المصرى من غيبة الدولة، وافتقاد الأمن، وغيبة القانون والنظام، وهو ما شكل خسارة 

فادحة على المستويين المادى والنفسى لتلك القطاعات التى احتمت بالأيقونة المصرية الشهيرة «اللى نعرفه أحسن من اللى ما نعرفوش» فذهبت أصواتها اليه، تماما  كما شكلت المخاوف المشروعة لدى قطاع واسع من الأقباط من هيمنة الاخوان المسلمين على رأس الدولة، وقادتهم هم من سبق ان طالبوا بفرض الجزية عليهم، فى ان تذهب اصوات  كثيرين منهم الى الجنرال «شفيق». اكثر من عشرة ملايين  صوت ذهبت الى «الشيخ» و«الجنرال» اللذين يخوضان جولة الإعادة بنسبة تصل الى نحو 50% من عدد الذين شاركوا فى التصويت، وكلاهما خارج معسكر الثورة، بحسب تصنيف الثوار انفسهم، وهو ما يتطلب مراجعة منصفة ودقيقة للاخطاء التى وقع فيها الثوار،وجريهم المندفع وراء كل مظاهرة مهما التبست أهدافها، أو أخطأت مقاصدها، أو أسفرت عن نتائج كارثية، أو دمرت من منشآت عامة هى ملك للشعب الذى يفترض أن يدافع الثوار عن مصالحه، لابد من الاعتراف بأن التشرذم الذى اصاب ائتلافات الثورة، وافتقاد البرنامج الواضح والرؤية المحددة، قد أفقدت الثوار تعاطف قطاعات واسعة من الشعب المصرى، وقد عبرت تلك القطاعات عن نفسها فى صناديق اقتراع انتخابات الرئاسة.
لا أتفق مع دعوات أنصار بعض المرشحين الذين لم يحالفهم الحظ بمقاطعة انتخابات الإعادة، لأن المقاطعة ستصب فى صالح أحد المرشحين لا محالة، فيما أصحاب الدعوة اليها،يرفضون الاثنين معا، ولا أجد فى الدعوة للمطالبة باستصدار تشريع ،يلزم الفائز منهما بالحصول على 50%+1 سوى تهريج تشريعى يستهدف إلغاء الانتخابات برمتها وإعادتها من جديد لصالح مرشح ثالث.
علينا ان نقبل جميعا بالنتائج التى أسفرت عنها الجولة الاولى، وأن نتقبل ما ستسفر عنه الجولة الثانية مع إدراك تام أن أحدا لن يستطيع إعادة إنتاج النظام القديم مرة أخرى، بسبب بسيط ان مصر جديدة فى طريقها للتشكل، ولنبدأ من الآن الاستعداد لتشكيل جمعية تأسيسية متوازنة لوضع دستور جديد يحتوى على ضمانات حقيقية، بألا يستبد أى من الفائزين بموقع الرئاسة، بسلطته، وهو استعداد تبدأ خطوته الأولى الآن وليس غدا.