جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
نشر منذ عدة أيام علي «الانترنت» أنه قد تم تشكيل جماعة تقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمصر، وأن هذه الجماعة سوف تستخدم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر «العصي الكهربائية» وغيرها، من وسائل العنف!! ومازالت هذه الجماعة المجهولة غير معروفة لأجهزة الأمن والشرطة ويتعين للحكم علي شرعية هذه الجماعة دينيا وقانونيا،
أن تحدد ماهية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وطبقا للمعني اللغوي فإن «المعروف» هو كل ما يستحسن من الافعال، ويعد من الخير العام أو الخاص شرعا، أما «المنكر» فيشمل كل ما حرمه وكرهه وقبحه الشرع!!، ويضر النفس أو الغير!! وقد يظن البعض أن المعروف مقصور علي الشعائر التعبدية كالصلاة والصوم.... إلخ وأن المنكر يقتصر علي المخدرات والخلوة بالأجنبية والزناوالفواحش.... إلخ، ولكن الصحيح أن «المعروف» يشمل كل خير وفضيلة وأخلاق، بينما «المنكر» يشمل كل رذيلة وشر وضرر وإضرار سواء فيما يختص بالعقيدة وبالغير في المعاملات... إلخ، ولقد تعددت آيات القرآن التي ذكر فيها المعروف والمنكر ومنها «ولتكن منكم أمة يدعون إلي الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون» ويبين من ذلك أن الأمر الرباني موجه الي كل المسلمين أي الي «الأمة الإسلامية» وليس إلي جماعة أو طائفة منهم!! دون غيرها، ويؤكد ذلك قوله تعالي «كنتم خير أمة أخرجت للناس» تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله»، وقوله تعالي: «يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين» ودعت آية أخري لمشاركة المؤمنات للمؤمنين تقول: «وبعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم»، وفي آية أخري نص القرآن علي عقاب ترك الأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بقوله تعالي: «لعن الذين كفروا من بني إسرائيل علي لسان داود وعيسي ابن مريم وذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون» وقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «من رأي منكم منكرا فليقومه بيده، فإن لم يستطع فبلسانه وإن لم يستطع فبقلبه وهذا أضعف الإيمان».
ويتضح من هذه الآيات القرآنية والحديث النبوي أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسئولية الأمة الإسلامية بأكملها وأن ذلك يتم بالدعوة التي تلتزم بأن تكون بأسلوب سلمي بالحكمة والموعظة الحسنة اتباعا لقوله تعالي: «وادعوا إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة» وقوله تعالي: «لا إكراه في الدين»، «من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، و«من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد»، وبناء علي ذلك كله فإن هذه الدعوة الي الخير ومكارم الأخلاق وحسن المعاملة، والبعد عن المحرم والمكروه والقبيح!! لا يقوم بها الفرد أو جماعة محدودة من الأفراد بيدهم متفردين عن سلطة الدولة لعدم الاستطاعة لذلك في الدولة القانونية إلا باللسان الذي يدعو الي الحكمة والموعظة الحسنة، لأن الدولة وحدها هي المحتكرة لارتكاب الفعل بالقوة والدعوة طبقا للشرعية الدينية والدستورية والقانونية وهي التي تنظم وتنشر وتذيع الدعوة الي المعروف والنهي عن المنكر بوسائل الإعلام الجماهيري، وبالتعليم والتثقيف المختلفة، كما تمنع فعل المنكر بواسطة أجهزة الأمن، والشرطة خاصة بواسطة شرطة الآداب والمخدرات والمرور... إلخ، والنموذج الأشهر لتطبيق الأمر بالمعروف والنهي
والحقيقة أن الرأي الصائب الواجب الاتباع شرعا وقانونا هو الخطر الحازم التام لأي جماعات تغتصب سلطة المجتمع وأجهزة الدولة والأزهر وتهدد الحريات العامة والسلام الاجتماعي متدثرة بمزاعم إسلامية علي أساس مغلوط في تفسير القرآن والسنة، خاصة بعد أن حصلت الأحزاب الإسلامية علي أغلبية ظاهرة في البرلمان، والله ولي التوفيق.
--------
رئيس مجلس الدولة الأسبق