رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

البرلمان .... والقضاء

بدأت مصر مرحلة جديدة تتجه فيها نحو عهد جديد من الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير، عهد يسود فيه القانون علي الجميع، وكانت أولي الخطوات نحو هذا العهد هي بناء مؤسسات الدولة التي انهارت علي يد نظام تداعت قواعده وتآكلت صلاحيته، وبدأت بالفعل بانتخاب مجلس الشعب في انتخابات جرت ولأول مرة بشكل حر ونزيه تحت إشراف قضائي كامل من دون أدني تدخل من أي جهة كما كان يحدث في ظل النظام البائد.

بدأ مجلس الشعب أعماله وانعقدت عليه كافة أمال وطوحات الشعب المصري، فالكل ينتظر منه الكثير لتغيير شكل هذا البلد إلي الأفضل، ولكن ما أن بدأت أولي جلسات المجلس رأينا أمور غريبة بدأت بالإختلاف حول القسم الذي يؤديه كل عضو، ثم توالت الجلسات وبدأ يتضح أن الكثير من أعضاء هذا المجلس ليس لديهم الخبرة الكافية في المجال البرلماني، حتي رأينا بعضهم يتحدث في أمور لا تمت للقانون بصله، ثم بدأ البعض في المطالبه بأمور تدخل في أختصاص السلطة القضائية علي نحو يخالف مبدأ الفصل بين السلطات.
في البداية وجدنا البرلمان يقوم بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق في عمليات القتل التي حدثت في 25 يناير والتي أحيل بسببها الرئيس السابق وأعوانه إلي المحاكمة الجنائية، أي أنه شكل لجنة تقصي حقائق في ذات الواقعة المنظورة في الوقت الراهن أمام القضاء الجنائي، وهذا يعد تدخلا منه في أعمال السلطة القضائية؟!!!
وطالب البعض داخل البرلمان بعزل النائب العام، رغم أن ذلك مخالف للدستور والقانون، فكافة الدساتير المصرية منذ عام 1923 وحتي الاعلان الدستوري الصادر عام 2011 مستقرة علي حكم واحد وهو أن القضاة مستقلون، وغير قابلين للعزل وينظم القانون مساءلتهم تأديبياً، ولا سلطان عليهم فى قضائهم لغير القانون، ولا يجوز لأية سلطة التدخل فى القضايا أو فى شئون العدالة، وبناء علي ذلك فالنائب العام مستمر حتي انتهاء مدة خدمته ولا يجوز للبرلمان المطالبة بعزله من منصبه، فالذي يملك هذا القرار هو المجلس الأعلي للقضاء في ضوء إجراءات طويلة ومعقدة وتحكمها قواعد صارمة علي خلفية ارتكابه لجريمة ما. كما أنني أري أن مسألة الحكم علي أداء النائب العام وتعامله مع القضايا لا يحددها العامة من الناس ولا أصحاب المصلحة علي اعتبار أن طبيعة عمله يحكمها قواعد فنية واجرائية قد تخفي عليهم.
وقد تحدث العديد من أعضاء البرلمان عن هزلية المحاكمات الجارية الآن والمتهم فيها الرئيس السابق وأعوانه وأن سيناريو المحاكمة تم إعداده مسبقا، وهذا يعد إهانة للسلطة القضائية، فكيف يقال ذلك فى ظل قضية هي الأولي من نوعها التي تعرض علي القضاء المصري، وأعتقد ان القضاء المصري ظلم في هذه القضية حيث أن الجريمة المرتكبة هي جريمة قتل جماعي قام بها النظام الحاكم ضد شعبه، وهي جريمة لا وجود لها في قانون العقوبات المصري، والمتهم هو رئيس جمهورية ونجليه ووزير داخليته وكبار مسئوليه، ويعد ذلك الأمر جديدا فلأول مرة يتم مثول مثل هؤلاء المسئولين أمام القضاء، كما أن جهات التحقيق لم تأخذ الوقت الكافي لاعداد القضية فتعرضت لضغوط من الرأي العام ما كان يجب أن تتعرض لها لسرعة احالة المتهمين للمحكمة رغم أنهم كانوا قيد الحبس الاحتياطي ولا داعي لسرعة احالتهم، ومع ذلك نجد القضاء المصري يحاول جاهدا استبيان الحقيقة وبشكل عاجل فالمحكمة تنظر القضية يومياً بشكل متلاحق وغير مسبوق. فما المطلوب أكثر من ذلك؟ مع ضرورة

أن نضع في الاعتبار أن المدعين بالحق المدنى استوقفوا المحاكمة لمدة ثلاثة شهور، فضلا عن ضرورة مراعاة حجم ونوع القضية وما بها من دفوع، كما يجب أن نراعي أن العقوبة المنتظرة إذا ما ثبت ارتكاب المتهمين لهذه الجريمة هي عقوبة الإعدام، وبالتأكيد لا نريد اعداما بدون دليل فحينئذا لن نكون بصدد قضاء عادل.
ورأينا مؤخراً أصواتاً داخل البرلمان تطالب بنقل الرئيس السابق إلي مستشفي سجن طره، وتشكيل لجنة لمعاينة مقر المستشفي بالسجن، وهذا أيضا ليس من اختصاصه، وفيه تعدي علي السلطة القضائية حيث أن هذا الأمر من اختصاص النيابة العامة باعتبارها الأمينة علي الدعوي الجنائية بالتنسيق مع مصلحة السجون وتحت إشراف القضاء.
ولا مراء في أن البرلمان له الحق في أن يطالب بتحقيق العدالة الناجزة، ولكن أليات تطبيق هذه العدالة لا دخل للبرلمان بها، فالسلطة القضائية هي المنوط بها تحديد ألياتها، وإذا تتطرق البرلمان إلي هذه الأليات فإنه يكون قد خرج عن نطاق اختصاصه.
وأعتقد أن رسالة رئيس المجلس الأعلى للقضاء إلى البرلمان، الذي اعترض فيها على مطالبات البرلمان بعزل النائب العام، وتسريع محاكمات أركان النظام السابق، واعتبر أن هذه المطالبات مساسا بالفصل بين السلطات، كفيله بأن تضع الأمور في نصابها إذا وضعها أعضاء البرلمان ووضعوا القانون نصب أعينهم، وإذا علموا أيضاً أنها ليست رسالة موجهه من رئيس المجلس الأعلي للقضاء فحسب، بل هي رسالة موجهة من كل قاضي. لأنه بالفعل يسئ للقضاه كل ما يحدث في البرلمان من تعدي واضح علي السلطة القضائية بشكل يخالف مبدأ الفصل بين السلطات.
وفي نهاية الأمر لابد أن يعي البرلمان الدور المنوط به علي وجه الدقة وهو دور رقابي تشريعي فهو يمتلك سلطة التشريع واقرار السياسة العامة للدولة والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والموازنة العامة للدولة، كما يمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، ويجب أن يراعي مبدأ الفصل بين السلطات، وأنه لا يجب أن تتغول سلطة علي آخري، خاصة وأننا في مرحلة بناء دولة القانون التي يجب أن تقوم فيها كل سلطة بدورها متعاونة مع السلطة الأخري دون أن تتعدي أياً منهم علي الآخري. لأن مثل هذا التعدي سيؤدي إلي صراع بين السلطات سينعكس بالسلب علي الدولة.
-----
الخبير في مجال القانون الجنائي الدولي
[email protected]