رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

وقفة تأمل مع ثورات مصر

في أعقاب الحرب العالمية الثانية بدأت أركان الإمبراطوريات الاستعمارية الأوروبية تنهار وفي مقدمتها الإمبراطوريان البريطانية والفرنسية.

وأخذت القوة العظمي الصاعدة «الولايات المتحدة الأمريكية» في وضع الخطط لترث نفوذ هذه الإمبراطوريات التي بدأت في الانحسار، وكانت منطقة الشرق الأوسط وفي القلب منه البلاد العربية هي الهدف، الذي يغري الإمبراطورية الجديدة بالسعي للهيمنة علي هذه المنطقة الغنية بمصدر الطاقة «البترول».
ويدرك خبراء السياسة أن مصر تمثل حجر الزاوية في هذه المنطقة ومن يرغب في بسط نفوذه علي هذه المنطقة الحيوية فعليه أن يتعامل مع مصر بالطريقة التي تجعل مصر عاجزة عن ممارسة نفوذها الطبيعي في المنطقة، هذا النفوذ المستند إلي قوة ناعمة طاغية، وتراكم حضاري يؤهلها لتكون مركز إشعاع وقوة بشرية منفتحة علي روح العصر تمكنها من امتلاك قوة قادرة علي المشاركة بفاعلية في حماية الأمن القومي العربي، وموقع جغرافي يؤهلها لأن تكون المعبر الأهم للتجارة الدولية.
ووصفت الكتابات السياسية الطريقة التي اعتمدتها مراكز صنع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية بأنها الطريقة التي لا تسمح لمصر بتفعيل عناصر قوتها، وإضعافها بدرجة محسوبة تصل بها إلي حافة الانهيار دون أن تسمح بأن تنهار، واعتمدت الولايات المتحدة الأمريكية في تنفيذ سياساتها هذه علي دعم عنصر التهديد العسكري المستمر المتمثل في إسرائيل، والتلويح بمساعدات اقتصادية مشروطة بالتقوقع داخل الحدود وعدم التعرض لمخططات تمزيق المنطقة أو الهيمنة عليها، وفي حالة ممانعة مصر فالحصار الخانق يتولي تركيعها وإرغامها علي الاستسلام للهيمنة الأمريكية.
بعد ثورة يوليو 1952، جربت أمريكا الوسيلتين، ولم تستطع أن تحقق أهدافها رغم حصار بالغ القسوة اقتصادياً ومنع للسلاح لإبقاء القوة العسكرية المصرية في حالة ضعف تمنعها من ردع أي عدوان بل وتجعلها عرضة للهزيمة واستطاع «عبدالناصر» أن يستثمر حالة الحرب الباردة بين قطبي الصراع الدولي في هذه المرحلة «الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية» قرر «عبدالناصر» أن يبني قوة مصر الشاملة بنهضة تعليمية واسعة وبناء قاعدة صناعية حديثة، وامتلاك سلاح حديث لبناء قوات مسلحة قوية، ورغم كل النكسات والهزائم العسكرية القاسية «عام 1967» رغم ذلك فقد تمكنت مصر من الصمود بفضل قدرتها علي انتهاج سياسة خارجية مكنتها من استثمار الصراع بين القوي الأعظم في العالم.
وبعد وفاة «عبدالناصر» تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من تحقيق حلمها بالهيمنة علي مصر بدرجة جعلتها تتصور أن الشعب المصري قد استسلم لهذه الهيمنة.
استغلت أمريكا ثقة الرئيس السادات في وعودها فأغرته بالهبات لتتخلي مصر عن دورها الطبيعي الإقليمي والعربي، ولم يمهل القدر الرئيس السادات ليكتشف مدي الخداع الأمريكي وآثاره المدمرة.
وجاء الرئيس مبارك ليتسلم قيادة مصر، وفضل الرجل أن يواصل مسيرة الرئيس السادات مع تعديل بسيط يتعلق بتحسين علاقات مصر بالدول العربية، لكنه استمر في تمكين الولايات المتحدة الأمريكية من مواصلة الهيمنة علي القرار المصري.
وعندما اطمأنت الولايات المتحدة الأمريكية الي أن مصر قد فقدت القدرة علي ممارسة دورها الطبيعي إقليميا وعربيا بدا للإدارة الأمريكية أن الوقت قد حان لتنفيذ مخططاتها التي تضمن الهيمنة المطلقة والدائمة بتمزيق دول المنطقة الي كيانات صغيرة متناحرة.
واستغلت أمريكا الغضب الشعبي المتنامي فى مختلف البلاد العربية لتغذية هذا الغضب باستخدام القوة الإعلامية الرهيبة التي اكتسبها الإعلام في عصر الفضائيات.
واشتعلت نيران الثورة الشعبية التي بدأت من تونس مرورا بمصر، وكان البديل لأنظمة الحكم القمعية بديلا براقا، فتقدمت قوي الإسلام السياسي لتحتل مواقع القيادة في مصر وتونس.
ولم يمض وقت طويل حتي اكتشفت الجماهير التي ثارت في مصر مطالبة بعودة مصر الي مكانتها الطبيعية، اكتشفت الجماهير أن تصدي قوي الإسلام السياسي لقيادة الدولة قد بدأ محاولة محمومة لقيادة مصر نحو مستقبل يختلف اختلافا جذريا عن الأهداف التي أرادت أن تحققها ثورة الشعب في الخامس والعشرين من يناير عام 2011.
وانتفض الشعب مرة أخري ضد التوجهات الجديدة التي تختلف اختلافا جذريا عن أهداف ثورة يناير.
ويلاحظ المراقبون أن الجماهير الثائرة في الحالتين: ثورة يناير وموجتها الثانية في 30 يونية، هذه الجماهير رفعت قطاعات كبيرة منها صور عبدالناصر.
وفى تحليلهم لهذه الظاهرة أكد خبراء السياسة وعلم النفس الاجتماعى أن الشباب الذي رفع هذه الصور وشعارات ثورة يوليو 1952 كان يؤكد إيمانه «بجوهر» أهداف ثورة يوليو، وأن من حاول أن يتهم هذا الشباب بأنه يتناقض مع نفسه عندما يؤكد أنه يثور من أجل أن يتمتع الشعب المصرى بحرياته، وفي نفس الوقت يرفع صور عبدالناصر وشعارات ثورة يوليو، لأن فترة حكم عبدالناصر شهدت تضييقاً قاسياً علي الحريات.
التفسير المنطقى لهذه الظاهرة بسيط، فالشباب الثائر قرأ عن تجربة مصر أيام حكم عبدالناصر ورأى أن المبادئ التي قامت من أجلها الثورة هي المبادئ التي يتطلع ثوار اليوم لتحقيقها وأبرزها:
1- استقلال القرار الوطنى.
2- عدالة توزيع الثورة.
3- بناء جيش وطنى قوى.
4- بناء اقتصاد قوى.
5- عدم الانحياز إلي أية قوة دولية عظمى.
6- تحقيق حياة نيابية حرة بانتخابات نزيهة.
وإذا كانت مصر في عهد عبدالناصر قد تمكنت فعلاً من تحقيق الكثير من هذه الأهداف أو على الأقل تمكنت من أن تسير خطوات واسعة على تحقيق هذه الأهداف، فإن الأخطاء التي حدثت في عهد عبدالناصر وخاصة ما يتعلق منها بالحريات الشخصية والتضييق عليها وعلي مجمل الحريات العامة، هذه الأخطاء رصدها كثيرون ومنهم من يدافع عن حقبة حكم عبدالناصر.
منطق هؤلاء أننا تعلمنا الدرس، وأن إدانة أخطاء فترة حكم عبدالناصر لا يمكن بأي حال أن تحجب عن العيون الإنجازات الهائلة التي حققت نقلة نوعية في مصر والتي جعلت ثورة يوليو 1952 نموذجاً ملهماً للعديد من الشعوب في تلك الحقبة.
في هذه الأيام لا يستطيع أي متابع لتحركات الرئيس السيسي أن يبعد عن مخيلته صوراً من نجاحات ثورة يوليو 1952.
ولعل أبرز ما يتوارد للخواطر هو التحرك السياسي البارع علي المسرح الدولى، والقدرة الفائقة علي التعامل مع مختلف دول العالم بمنطق العصر ولغة المصالح المشتركة. وفي هذه الأيام يتجلى بشكل ساطع عودة مصر لمكانتها الطبيعية إقليميا وعربيا. ولا يبتعد عن هذه الصور كسر احتكار السلاح الذي يحققه هذه الأيام الرئيس السياسي بقدرة فائقة مكنت القوات المسلحة المصرية ان تسترد مكانتها الطبيعية، وقدرتها علي ان تساهم بقوة في ردع أي عدوان علي مصر وفي المشاركة الفاعلة في الدفاع عن الأمن القومي العربي.
فإذا اضفنا المحاولات الجادة لإطلاق الحريات والأهم السير خطوات علي طريق تحقيق عدالة توزيع الثروة. فالنتيجة الطبيعية في هذه الحالة هي اقتناع الشعب الذي ثار لتحقيق أهداف ثورة 25 يناير 2011 و30 يونية 1213 هذا الشعب الذي رأي تماثلا بين أهداف ثورتيه وثورة الآباء والأجداد عام 1952.
وفي نفس الوقت فقد وعي الثوار جيدا دروس الأعوام التي تلت عصر عبدالناصر والتي بنت توجهاتها المختلفة سياسيا علي أخطاء لا يمكن ان ينكرها منصف وقعت إبان حكم عبدالناصر وأبرزها تعرض الحريات لانتهاكات لا تغتفر.
يبقي أن أشير الي ان استدعاء تجربة عبدالناصر اليوم لا تعني تطبيقاً حرفياً لكل مكونات التجربة لكنها تعني الاقتناع بأن «جوهر» التجربة الناصرية يصلح تماما الآن لأن يكون المرتكز لبناء مصر الحديثة القوية القادرة علي ان تمارس دورها الريادي إقليميا وعربيا سواء علي الصعيد السياسي أو الثقافي أو الحضاري. واستلهام الإيجابيات من تجارب الماضي ليست بدعة مستهجنة بل هو بدعة حسنة خاصة عندما نستلهم هذه التجارب بعين فاحصة تستفيد من كل ما هو إيجابي وتبتعد عن كل ما هو سلبي.
وفي تقديري فإن مصر هذه الأيام تسير بثبات وثقة علي الطريق الصحيح لتحقيق أهداف ثورة يناير في الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.
وفي هذا السياق فإن الشعب المصري يختزن في أعماقه تجارب ثورات شعبية رائعة تظل كلها مشاعل تضىء له الطريق.. ويحق لهذا الشعب ان يفاخر بثورات عرابي وثورة 19 بقيادة سعد زغلول، ووقفة مصطفي النحاس وهو يعلن باسم الشعب إلغاء معاهدة 36 وثورة يوليو 52 وأخيرا ثورتي 25 يناير و30 يونية.