رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ثورات سنة 2011 في نظر الغرب (2)

 

نشرنا في المقال السابق الجزء الأول من تحليل جاك جولدستون الأستاذ بجامعة جورج ماسون الذي نشره في عدد مايو/ يونيو عام 2011 بمجلة الشئون الخارجية الأمريكية تحت عنوان »محاولة فهم ثورات سنة 2011.. مواطن القوة والضعف في الديكتاتوريات الشرق أوسطية«.. الذي نراه معبراً أصدق تعبير عن مفهوم الغرب للثورات العربية، وقد غطي في المقال السابق ما رأه من أسباب قيام هذه الثورات العربية في وجه ما اعتبره أنظمة حكم سلطانية هشة فاسدة حشدت جهدها في تنمية اقتصاداتها تنمية لم تستفد منها سوي فئة قليلة حول السلطان، بينما حرمت الأغلبية الساحقة من ثمارها.

ويستطرد جولدستون في هذه الحلقة قائلاً: إن من الصعب لأي حكومة خلق فرص عمل كافية لمواجهة البطالة بين الشباب، خاصة خريجي الجامعات الذين يتزايد عددهم، وقد حاول كل من بن علي في تونس ومبارك في مصر تقديم معونات للعمال وأسرهم لمواجهة أسعار المعيشة، ولكنهما اضطرا في العقود الأخيرة لخفض هذه المعونات لخفض الإنفاق الحكومي وتسبب هذا الخفض في زيادة فاحشة في نسبة البطالة بين الشباب في الشرق الأوسط وصلت عام 2009 إلي 23٪ وهي ضعف النسبة العالمية، وفي مصر مثلاً أصبحت البطالة بين خريجي الجامعات عشرة أمثال البطالة بين محدودي التعليم، وزادت النظم السلطانية الديكتاتورية من وقع البطالة علي الشباب، ففي تونس مثلاً اندلعت الاضطرابات عندما أشعل الشاب المتعلم بوعزيزي النار في نفسه لأنه عندما لم يجد عملاً حاول كسب قوته ببيع الفاكهة علي عربة يد، وإذا بالبوليس يصادر مصدر رزقه، وقد قام الشباب المتعلم والعمال في كل من مصر وتونس بحركات احتجاجية محلية عديدة لعدة سنوات بسبب ارتفاع نسبة البطالة والمرتبات المتدنية والعنف البوليسي والفساد في إدارة الدولة، ولكن هذه المرة تجمعت احتجاجاتهم وانتشرت إلي درجة غير مسبوقة.

وقد سبب تركيز الثروة والفساد في هذه الأنظمة السلطانية في نفور نخبها العسكرية التي رأت نفوذها يتدهور لحساب مجموعة من رجال أعمال حول النظام جمعوا ثروات هائلة باحتكار السوق والاستثمار الأجنبي، وكان طبيعياً لذلك ألا تتحمس النخب العسكرية في كل من مصر وتونس، في قمع الهبات الشعبية فلم يقبل الضباط والجنود قتل مواطنيهم لإبقاء مبارك وبن علي وحوارييهم في السلطة.. وفي ليبيا تسبب نفس النفور بين النخب العسكرية في فقدان القذافي لمساحات ضخمة من أرض ليبيا، ولم ينقذ القذافي للآن من السقوط سوي لجوئه إلي استئجار الجنود المرتزقة واللجوء لإثارة الولاءات القبلية.

أما في اليمن فقد بقي عبدالله صالح في السلطة للآن بالكاد نتيجة المساعدات الأمريكية التي منحت له لوقوفه في وجه المتطرفين الإسلاميين والصراعات القبلية بين معارضيه، ومع هذا فلو وحدت المعارضة ضده صفوفها كما يبدو وفيما يحدث الآن، ولو تخلت أمريكا عن استمرار مساندة حكمه القمعي، فإن صالح يمكن أن يكون السلطان التالي في السقوط من السلطة.

وعند كتابة هذا التحليل فإن السودان وسوريا المحكومتين بسلاطين طغاة لم تشهدا بعد هبات شعبية، ومع ذلك ففساد البشير وجمعه للمال قد أصبح فضيحة في الخرطوم، وقد سقط أحد أعمدة حكمه الخاص ببقاء السودان موحداً عندما انفصل جنوب السودان في يناير عام 2011.

أما في سوريا فقد حافظ بشار الأسد علي التأييد الشعبي بسبب سياسته المتشددة تجاه إسرائيل ولبنان، ومع ذلك فليس لدينا تأييد شعبي شامل، فحكمه يعتمد علي أقلية نخبوية فاسدة، ومن الصعب معرفة مدي صلابة تأييد النخب والعسكر لكل من الأسد والبشير، ومع هذا فقد يكون النظامان من الهشاشة لدرجة الانهيار في وجه هبات شعبية عريضة فجأة.

أما الملوك في المنطقة فحظهم أكبر في إمكان احتفاظهم بالسلطة، مع أنهم يواجهون مطالب شعبية للتغيير، والواقع أنه في المغرب والأردن وعمان وإمارات الخليج تواجه الحكومات نفس التحديات الديموجرافية والتعليمية والاقتصادية التي يواجهها السلاطين، ولكن للأنظمة الملكية ميزة كبري هي أنها مرتدة، فالملكيات الحديثة تستطيع الاحتفاظ بسلطات تنفيذية ضخمة بينما تتنازل عن حق التشريع لبرلمانات منتخبة، وفي حالات الاضطرابات غالباً ما توجه الجماهير مطالبتها بتغيير التشريعات وليس إسقاط الملكيات، مما يعطي الملوك قوة أكبر علي المناورة، فضلاً عن ذلك فقد تؤدي وراثة العرش في الملكيات للتغيير والإصلاح بدل تدمير النظام كله، ففي المغرب سنة 1999 مثلاً تفاءلت الجماهير باعتلاء الملك محمد السادس للعرش، وقام الملك بالتحقيق في بعض الانتهاكات القانونية التي حدثت في عهد سلفه كما عمل علي تدعيم حقوق المرأة، وإدخال إصلاحات دستورية كبيرة، ويمكن لهؤلاء الملوك الاحتفاظ بسلطاتهم لو كانوا مستعدين لمشاركة مسئولين منتخبين من الشعوب في هذه السلطات.

أما النظام الذي لا نعتقد أنه سيغير أسلوبه في المستقبل القريب فهو النظام الإيراني فرغم أنه يعتبر نظاماً سلطانياً من عدة زوايا فهو مختلف عن باقي السلاطين في المنطقة في أن آيات الله يتمتعون بتأييد شعبي كبير لعدائهم للغرب وتعصبهم للقومية الفارسية، كما أنه تقودها مجموعة من قادة أقوياء وليس فرداً كالحال في باقي الأنظمة السلطانية.

أما هؤلاء الذي يأملون أن تقود تونس ومصر التحول نحو الديمقراطية فقد يخيب ظنهم فالثورات هي مجرد بداية لمسيرة طويلة، وحتي الثورات السلمية قد تحتاج لخمس سنوات قبل إرساء نظام جديد راسخ وفي العادة فإنه بعد انتهاء شهر العسل الثوري يبدأ ظهور الخلاف بين مجموعات الثوار، فالحملات الانتخابية التي تلي الثورات والمجالس المنتخبة بعدها قد تختلف نظرة المجموعات المنتخبة لما يجب أن يكون عليه

تنظيم المجتمع الجديد، كما هي الحال في مصر وتونس مثلاً بين نظرة التيارات الإسلامية وباقي التيارات السياسية لما يجب أن يكون عليه
المجتمع الجديد، وكثير من الحكومات الغربية التي طالما ساندت ديكتاتوريات بن علي ومبارك باعتبارهما عنصر استقرار في بلدهما تخشي الآن زحف القوي الإسلامية علي الحكم في هذه الدول، ولكن عنصر التفاؤل يكمن في أن كل الأنظمة السلطانية التي سقطت في الحقبات الثلاث الأخيرة في أوروبا وآسيا وأفريقيا لم يعقبها قيام أنظمة أيديولوجية وإن كانت الديمقراطيات التي قامت مازالت هشة وعرضة للفساد.

وتعتبر هذه المرحلة نقطة فاصلة في تاريخ العالم، فبين سنوات 1949 و1979 كانت كل ثورة ضد حكم سلطاني تقيم ديكتاتورية شيوعية أو إسلامية مثل الصين وفيتنام وإيران، فقد كان معظم المثقفين في العالم الثالث يميلون نحو النموذج الشيوعي وليس الرأسمالي للحكم أو للنظام الإسلامي مثل إيران، ولكن منذ سنة 1980 فقد النموذج الشيوعي والإيراني بريقهما وأصبحا علامة فشل الإدارة وفشل النمو الاقتصادي وهو الفشل الذي قامت الثورات الحالية للقضاء عليه.

ولتونس ومصر اقتصادات ذات معدل نمو عال، ولكن عليها بناء مؤسسات ديمقراطية جديدة فإذا أقام الغرب بضخ مساعدات مالية كبيرة لها قبل قيام حكومات مسئولة بها فإن ذلك سيكون مدعاة للفساد وعرقلة تقدمها نحو الديمقراطية، بالإضافة لذلك فإن أمريكا ودول الغرب ذات مصداقية ضعيفة بالمنطقة لطول مساندتها للأنظمة السلطانية فأي مساعدات تقدمها ستكون موضع شك، فما يحتاجه الثوار حالياً هو التأييد المعنوي لمساندة قيام الديمقراطية وقبول كل الفئات السياسية التي تلتزم بالعملية الديمقراطية.. وأكبر خطر تتعرض له مصر وتونس حالياً هو محاولات ثورات مضادة من المحافظين بين العسكر وفي الحقبات الأخيرة فشلت محاولات الثورات المضادة كما حدث في الفلبين وهايتي، ومع ذلك فهذه المحاولات تضعف الديمقراطيات الجديدة وتستنزف جهدها في القيام بإصلاحات ضرورية، فإذا حاولت المؤسسات العسكرية في تونس ومصر مثلاً البقاء في السلطة أو منع التيارات الإسلامية من الوصول إليها أو المشاركة فيها، أو حاول ملوك المنطقة إبقاء نظمهم مغلقة بالقمع بدلاً من فتحها بالإصلاحات، فإن القوي المتطرفة سيشتد ساعدها، ومثال ذلك ما حدث في البحرين فبدلاً من قيام الملك بالإصلاح السياسي استدعي قوي السعودية والخليج لقمع المظاهرات فكانت النتيجة مطالبة الثوار بإسقاط النظام بدلاً من المطالبة بالإصلاحات السياسية.

والتهديد الرئيسي الآخر للديمقراطية في الشرق الأوسط هو الحرب، فالنظم الثورية قد تطرفت تاريخياً عندما تعرضت لتدخل خارجي، مثال ذلك ما حدث في إيران عندما هجمت العراق علي إيران عام 1980 فقد أعطي ذلك الهجوم الفرصة لخوميني لتصفية الحكم المدني المعتدل الذي أعقب سقوط الشاه وإقامة حكم الملالي، ولو سبب قلق إسرائيل علي أمنها أو هجمات الفلسطينيين عليها في اندلاع حرب جديدة بين مصر وإسرائيل فإن المتطرفين سيستولون علي ثورات الشرق الأوسط.. ورغم كل ذلك فهناك أسباب قوية للتفاؤل، فقبل عام 2011 كان الشرق الأوسط هو المنطقة الوحيدة في العالم المحرومة من الديمقراطية، وجاءت ثورة مصر وتونس لتغير كل هذا، ومهما كان الناتج النهائي لهذه الثورات فإنه يمكن التأكيد أن حكم سلاطين المنطقة يقترب من نهايته.

وإلي هنا ينتهي التحليل المطول لجولدستون عن ثورات المنطقة من وجهة نظر غربية، ولا شك أننا نتفق مع معظم ما ذكره من أسانيد، ولكن الخطأ الأكبر الذي وقع فيه جولدستون هو تصوره أن النظام السوري أكثر رسوخاً بسبب سياسته المتشددة مع إسرائيل ولبنان، فها نحن نري ديكتاتور سوريا يفقد أعصابه تماماً في وجه الثورة المتصاعدة في كل أنحاء سوريا ضده ويلجأ للإبادة الجماعية لشعبه لقمع الثورة.. ولا شك لدينا أن الجيش السوري الذي يبيد شعب سوريا حالياً هو نفس الجيش الذي سينقلب علي بشار الأسد قريباً جداً ويسحله ويريق دمه ودم عصابته في شوارع دمشق.

*عضو الهيئة العليا للوفد

رئيس لجنة العلاقات الخارجية