عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تركيا العملاق الصاعد (3)

عرضنا في الحلقة السابقة الجزء الثاني من التقرير المتعمق الذي عرضه الكاتب جورج فريد مان في مجلة ستراتفور في 22 إبريل عن الدور المتصاعد لتركيا في المنطقة. والذي عرض فيه نتائج التغير في السياسة الخارجية التركية بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وزوال خطره الداهم علي تركيا.

وهو الخطر الذي كان يضطر تركيا إلي ربط سياستها بالسياسة الأمريكية والانصياع لطلبات أمريكا. وكان زوال الخطر السوفييتي هو السبب المباشر في تحول السياسة الخارجية التركية. وتطلع تركيا إلي القيام بدور قوة عظمي إقليمية. وأثر ذلك علي دول المنطقة. وأوضح الكاتب أن فشل تركيا في الحصول علي عضوية الاتحاد  الأوروبي كان سببا في انتعاش اقتصادي تركي. وفي عدم المساهمة في انقاذ بعض اقتصادات أوربا المتردية مثل الاقتصاد اليوناني وذكر الكاتب أن المسارات الثلاثة للاستراتيجية التركية الجديدة هي أولا ارتفاع نسبي في القوة التركية وسط منطقة تتميز بعدم الاستقرار. وثانيا أن الأخطار المحتملة علي المصالح التركية نتيجة عدم استقرار المنطقة تضطر تركيا إلي مد نشاطها إلي خارج حدودها. وثالثا أن أمريكا حاليا في مرحلة إعادة تحديد دورها في المنطقة بعد حرب العراق. مما يجعلها قوة غير ثابتة لا يمكن التنبؤ بتصرفاتها.
وفي هذه الحلقة الثالثة والأخيرة يعرض الكاتب المرحلة الانتقالية التي تمر بها السياسة التركية وأثر الدور التركي الجديد علي دول المنطقة التي يعنينا منها مصر طبعا كأولوية أولي.
يقول الكاتب إن تركيا تصعد كقوة عظمي لم تصل لهذه المنزلة بعد لعدة أسباب. ضمن هذه الأسباب محدودية المؤسسات التركية في إدارة الشئون الإقليمية وكذلك وجود قاعدة سياسية تركية ليست مهيأة بعد للنظر لنفسها كقوة عظمي تساند التدخلات الإقليمية. وكذلك فإن المنطقة لا تنظر لتركيا الآن علي أنها قوة مفيدة في المساعدة علي استقرار المنطقة. فهناك عدة خطوات مطلوبة لأي قوة تصعد لدور إقليمي مسيطر. وقد بدأت تركيا تخطو أولي هذه الخطوات. فاستراتيجية تركيا حاليا في مرحلة انتقالية. فهي لم تعد مقيدة بوضعها في مرحلة الحرب الباردة عندما كانت مجرد جزء من حلف دفاعي. ولكنها لم تبن بعد أساس سياسة إقليمية ناضجة. فهي لا تستطيع التحكم في المنطقة كما لا تستطيع تجاهل ما يحدث حولها. وحالة سوريا خير مثال لذلك. فسوريا جار لتركيا ويؤثر في تركيا عدم استقرار سوريا. وليس هناك حلف دولي مستعد لاتخاذ خطوات لنشر الاستقرار في سوريا. ولذلك اتخذت تركيا موقفا تمتنع فيه عن الأفعال الدرامية. ولكنها تبقي خياراتها مفتوحة لمواجهة الأوضاع لو تدهورت الأمور ضد مصالح تركيا. وعندما نلقي نظرة شاملة علي النطاق التركي بصفة عامة نري هذه المرحلة الانتقالية في حالة حركة سواء في العراق أو القوقاز. وبالنسبة لإيران فإن تركيا ترفض أن تكون جزءا من تحالف أمريكي ضد إيران كما ترفض أن تساند الموقف الإيراني. تركيا لم تنشئ توازنا قويا إقليميا كما هو مفروض في قوة إقليمية. ولكنها أنشأت توازنا قويا تركيا بمعني أنها توازن سياستها بين الخضوع لأمريكا وبين استقلالية القرار التركي. وهذه الفترة من التوازن متوقعة من قوة صاعدة وقد مرت أمريكا نفسها بفترة مماثلة بين 1900 ووقت اندلاع الحرب العالمية الأولي.
من الواضح أن أمام تركيا موضوعين داخليين أساسيين يتطلبان الحل بينما تسير تركيا للأمام. ونقول «تسير للأمام» لانه لا توجد دولة تستطيع حل كل مشاكلها الداخلية قبل القيام بدور عالمي أكبر. والموضوع الأول هو التوتر القائم بين العناصر العلمانية والعناصر الدينية في المجتمع التركي. وهذا الموضوع داخلي لتركيا ولكنه يسبب توترا في السياسة الخارجية أحيانا. خاصة بالنسبة للإسلاميين المتطرفين. حيث إن كل علامة علي تطور تيار إسلامي سياسي تسبب قلقا في القوي غير الإسلامية وتغيرا في سياستها تجاه تركيا. أما الموضوع الثاني فهو المشكلة الكردية في تركيا كما يجسدها تنظيم حزب العمال الكردستاني المسلح. إن التوتر بين العلمانيين والدينيين شائع في معظم المجتمعات حاليا ومنها أمريكا. إن توتر يمكن للشعوب التعايش معه. ولكن مشكلة حزب العمال الكردستاني فريدة. فالموضوع الكردي يتداخل في موضوعات إقليمية. فمثلا موضوع مستقبل العراق يشمل مدي الحكم الذاتي الذي تتمتع به المنطقة الكردية. وهذا بدوره يؤثر علي أكراد تركيا. ولكن المشكلة الكبري لتركيا هي أنه طالما ظلت مشكلة أكرادها بلا حل فإن القوي الخارجية المعارضة لصعود تركيا ستجد أن الأكراد هم نقطة ضعف تركيا. وقد تري في التدخل السري في المنطقة الكردية فرصة لاضعاف تركيا.

إن تركيا تعاني فعلا من مجهودات سوريا وإيران لزعزعة تركيا من خلال أكرادها. وكلما ازدادت تركيا قوة شعرت بعض قوي المنطقة بعدم الارتياح. وهذا يزيد فرص تعرض تركيا للتدخلات من الخارج. لذلك يتعين علي تركيا مواجهة الموضوع الكردي حيث ان الاضطراب في المنطقة والحركات الانفصالية التي تغذيها القوي الخارجية المعادية تستطيع زعزعة قوة تركيا وإيقاف اتجاهها الحالي للصعود نحو التحول إلي قوة عظمي.
هناك دائما تناقض هو أنه كلما ازدادت قوة دولة أصبحت عرضة للاهتزاز من الداخل. فمثلا من المقطوع به أن أمريكا كانت أكثر أمنا في الفترة ما بين نهاية الحرب الأهلية بها وتدخلها في الحرب العالمية الأولي عن أي وقت بعد ذلك. وكذا كانت تركيا ربما أكثر أمنا بين 1991 والآن عنها عندما تصبح قوة كبري. وفي نفس الوقت فإنه من غير الآمن لدولة ان تصبح حليفا صغيرا لقوة عظمي وتتحمل مخاطر علاقاتها بالدول الأخري.
إن فكرة الأمن بين الدول هي فكرة خادعة في المدي الطويل. فهو أمن غير دائم. واستراتيجية تركيا الحالية هي أن تجعل هذا الأمن يدوم لأطول مدة ممكنة. وهذا يعني أن تسمح للأحداث حولها أن تأخذ مجراها علي افتراض ان نتيجة هذه الأحداث حاليا لا تهدد تركيا بنفس الدرجة التي يهددها تدخل تركيا في الأحداث حولها. ولكن كما ذكرنا فان هذه سياسة انتقالية. فالتوتر في جنوب تركيا. وصعود منطقة نفوذ إيرانية. وتغلغل النفوذ الروسي في القوقاز. واحتمال ان تغير أمريكا سياستها في الشرق الأوسط عند نقطة معينة. وتحاول استدراج تركيا لحلف جديد معها. كل هذه العوامل لا تسمح بتحول المرحلة الانتقالية إلي سياسة دائمة.
إن دراسة الموضوع التركي مهمة لانها مكان نستطيع فيه دراسة تحول دولة صغيرة إلي دولة كبري. فدراسة الدول الكبري أقل إثارة للباحث لان تصرفاتها يمكن عادة التنبؤ بها. ولكن السيطرة علي مرحلة تحول إلي دولة عظمي أكثر صعوبة بكثير من ممارسة القوة في دولة عظمي. فالقوة في مرحلة التحول هي أن تحتفظ الدولة بثباتها في وقت يكون العالم المحيط بها في مرحلة فوضي تزلزل الأرض تحتها. والضغط الذي يسبب هذا الوضع علي دولة هو ضغط شديد جدا عادة. فهو يبرز كل ضعف ويختبر كل قوة. وفي حالة تركيا فإنه سيمر وقت غير قصير قبل أن تنتهي مرحلة التحول بتركيا إلي قيام قوة كبري راسخة فيها.
وإلي هنا ينتهي هذا التحليل المتعمق لدولة ستؤثر حتما في مستقبلنا سلبا أو إيجابا. وعندما تنجح ثورتنا المجيدة في إرساء قواعد دولة ديمقراطية راسخة في مصر. فسنجد في تركيا حليفنا الطبيعي الذي ينسق معنا عملية تحول باقي الأنظمة الشمولية في الخليج والمشرق العربي إلي دول ديمقراطية حليفة لا يجد معها المشروع الاستيطاني الإسرائيلي مفرا من تسليم السلطة للأغلبية العربية والرحيل. أو البقاء كأقلية مميزة في بحر عربي فسيح علي غرار وضع الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا.
--
نائب رئيس حزب الوفد