عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مدرسة أردوغان

تطرح زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى مصر يوم الاثنين المقبل سؤالا مهما، وهو من المستفيد ممن "هل تستغل تركيا ثورات المنطقة للاستفادة منها وتحقيق أكبر مكاسب ممكنة..

أم تستغل دول المنطقة بزوغ نجم تركيا كلاعب قوى جديد لا يستهان به في الصراع العالمي بعد أفول نجم الاتحاد السوفيتي (سابقا)، وتحكم الولايات المتحدة في توجيه السياسة والاقتصاد الاوروبي؟".

في البداية لابد من الإشارة إلى أن زيارة  أردوغان إلى مصر تأتي في وقت تتزايد فيه الأزمة السياسية بين أنقرة وتل أبيب، على خلفية الهجوم على السفينة التركية "مرمرة"، وما ترتب عليه من تخفيض التمثيل الدبلوماسي بين تركيا وإسرائيل إلى درجة سكرتير ثان وتعليق كامل العلاقات التجارية والعسكرية مع إسرائيل.

ومما يزيد من حساسية الزيارة التي تعتبر تارخية ومفصلية، بل قد تكون بداية لرسم خريطة سياسية جديدة في المنطقة، ما تضمنه برنامج الزيارة من توقيع عدد من الاتفاقيات الثنائية والتعاون الاستراتيجي بين البلدين في المجالات العسكرية والاقتصادية، وأيضا احتمالية قيام أردوغان بزيارة لقطاع غزة من معبر رفح، والذي اعتبرته تل أبيب خطأ دبلوماسيا كبيرا، من الممكن أن يضر بالعلاقات التركية الأمريكية، بل لم تخف الدولة العبرية من مخاوفها وقلقها من هذه الزيارة، وهو ما أعربت عنه صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية بقولها إن مصدر القلق الإسرائيلي هو احتمال تأسيس تحالف استراتيجي بين أنقرة والقاهرة ضد إسرائيل.

وللوصول إلى إجابة منطقية لسؤالنا، نطرح سؤلا آخر، وهو "ما هي الأسباب الحقيقية لتدهور العلاقات التركية الإسرائيلية، خاصة وأنهما كانتا حليفتين في المنطقة منذ أن وقعتا اتفاقاً للتعاون العسكري عام 1996، تلته اتفاقات أخرى في المجال العسكري في السنوات اللاحقة.

على مدى سنوات عديدة وتسعى تركيا للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي، إلا أنها كانت تصطدم دائما بزرائع أوروبية تمنعها من نيل هذه العضوية، لتدرك أنقرة أنه لن يسمح لدولة إسلامية الدخول إلى هذا الاتحاد، وعلى الرغم من التقدم الكبير الذي أحدثته تركيا في مساعيها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وتحقيق معدلات أداء مرتفعة، بل وتحقيق نسبة عالية من الاشتراطات التي حددها الاتحاد الأوروبي لإنضمام تركيا إليها، إلا أنها أدركت أن المشوار مازال طويلا، والوعود الاوروبية ما هي إلا مسكنات ومماطلة، ولن تصبح تركيا أوروبية.

وفي سعيها لتحقيق اشتراطات الاتحاد الأوروبي، تمكنت تركيا من تحسين أوضاعها الداخلية، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ليكون لديها دبلوماسية نشطة جدا يدعمها اقتصاد في ذروة ازدهاره، اذ ارتفع اجمالي الناتج المحلي إلى 8.9% عام 2010، لتصبح دولة ذات ثقل، بل تمكنت من فرض نفسها كمشارك قوي ومحوري في أمن المنطقة، ليجمعها بإسرائيل تنسيق في كل المجالات.. استثمارات اقتصادية هائلة.. تعاون عسكري مفتوح.. تلاق في الأهداف المختلفة، غير أن عنجهية إسرائيل والإهانات التي وجهتها لحليف الأمس، جاءت نتائجها معاكسة، لتفاجئ برد فعل قوي من دولة ترى نفسها دولة محورية، لتخسر إسرائيل حليف، وتخسر تركيا دور الوسيط بين العرب وإسرائيل الذي كانت تضطلع به في السنوات الأخيرة، وسهلت بموجبه المحادثات السورية الإسرائيلية حول مستقبل الجولان، إلا أنها زادت من تأكيداتها بأنها قوة عالمية، وفاعلا لا يمكن تجاوزه، ومن اجل ذلك يتعين عليها تأمين فضاء اقليمي.

وفي محاولتها للخروج من المأزق القوي، حاولت إسرائيل بإلقاء اللوم على أميركا التي لم تتحرك  إيجابياً، لوقف تدهور علاقاتها بتركيا تارة، أو بالتلميح إلى أن زيارة أردوغان إلى غزة ستضر بالعلاقات الاميركية التركية تارة أخرى، إلا أن الجميع أدرك مؤخرا أن إسرائيل هي الخاسر الأكبر لأهم حليف في المنطقة، بل أن خسارتها لتركيا قد تتجاوز فقدانها للحلفاء الأوروبيين.

وبالحديث عن العلاقات التركية الاميركية، نتوقع تغيرها هي الأخرى خلال المرحلة المقبلة، لكن قبل الإشارة إلى شكل هذا التغير، نشير سريعا إلى ملامح من العلاقات بين البلدين، والتي بدأت مع استغلال الرئيس أوباما للغضب التركي من الأوروبيين بسبب تمنعهم من أنضمام تركيا كعضو كامل العضوية في الاتحاد الأوروبي، ليسارع إلى نسج علاقة خاصة بينه وبين القيادة التركية، وفي نفس الوقت استغل الرئيس أوباما غياب الحضور العربي الذي قابله طموح تركي للتمدد في المنطقة، ليقترب تدريجيا من تحقيق أهداف الولايات المتحدة

في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي، ساعده في ذلك غضب الأتراك من الغرب الذي لم يخف رعبه من الظهور السياسي والعسكري القوي لروسيا أو إيران.

ومع اشتعال الثورة في تونس، وامتدادها إلى مصر، ثم ليبيا واليمن وسوريا، وأشباه الثورات في بلدان أخرى، أعادت تركيا حساباتها سريعا، وكانت الرابح الأكبر بين دول العالم في استغلال ما تشهده المنطقة من تغيرات للسيطرة وفرض الهيمنة، فلم يأت توجه تركيا إلى العرب كمناورة سياسية، بل من خلال دراسة متقنة، لأن نظامها السياسي، وتنامي اقتصادها، ورغبة الأطراف المجاورة لها استثمار هذا التعاون أعطاها بعداً لم تصل إليه دول من قبلها، بما في ذلك إيران، لترى إسرائيل من هذا التوجه ضغطاً يوازي ضغط الاتحاد السوفيتي على أميركا قديما.

معادلة العلاقات العربية التركية، وتحديدا مصر، ليست لغزا، بل هي مصالح مشتركة، فتركيا مع إعادة حساباتها، وجدت أن مشوارها إلى الاتحاد الأوروبي مازال طويلا، وعلاقاتها بالولايات المتحدة تفيد الأخيرة أكثر مما تستفيد أنقرة، والتعاون العسكري مع إسرائيل لن يجلب عليها إلا الهموم ووضعها دائما موضع شكوك بين دول المنطقة التي تقع في أوسطها، بل تدفع ثمن هذه العلاقة باهظا في بعض الأحيان.. إذن كان لابد من قلب الطاولة على الجميع وإعادة ترتيب الأوراق من جديد، خاصة وأن لديها من المقومات ما يؤهلها لان تكون في موقف المفاوض القوي، كما أن خسائرها السياسية خلال العقود الماضية، من الممكن أن تعوضها سريعا في حالة ما أصبحت القوة الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط.

مما سبق يتضح لنا، أهمية مصر لتركيا، وليس العكس كما يظن البعض، فتركيا سوف تحقق من وراء تقوية علاقاتها بمصر مكاسب لا حصر لها، ليتضح لنا أهمية الدور المصري المفقود إلى الآن في ملعب السياسة العالمي، لذا وجب علينا أن نسعى لنقف في المكان المناسب من التفاوض، ونستغل الحاجة التركية لأهميتنا الاستراتيجية والإقلمية، وأن يكون لنا موضعا مناسبا على خريطة السياسة العالمية، باعتبار مصر المحرك الرئيسي لمساعي تركيا لسيطرتها على المنطقة.

وعلى هامش زيارة أردوغان للقاهرة، والتردد المصري في الموافقة على زيارته إلى غزة، بسبب اتفاقات مع إسرائيل أو القلق على سلامة رئيس الوزراء التركي كما أعلنت القاهرة، كلمة أخيرة أوجهها إلى كل مسؤول عربي.. تعلموا فن المناورات الدبلوماسية والهيمنة السياسية التركية هو أزكى لكم، فهل نسمع قريبا عن زيارات لدبلوماسين عرب إلى غزة أو الصومال أو باكستان، كما فعلها من قبلكم أحمد داود أوغلو وزير الخارجية التركي، أم لم تصل إلى مسامعكم رسائل أردوغان التي أعلن فيها تضامنه مع الفلسطينيين وتحديه لاسرائيل، أو الرسالة غير المعنلة للقادة العرب لمواقفهم الضبابية في دعم القضية الفلسطينية.. ونصيحة أخيرة لمن لم يستوعب الدرس عليكم بالالتحاق بمدرسة أردوغان.