عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أنفاس الصوفية

الصوفي الحقيقي هو الذي يتعلق قلبه بربه، فتكون محبته خالصة، لا طمعا في الجنة ولا خوفا من النار، ينشغل لسانه ولا يتوقف قلبه عن ذكر ربه، ومع ذلك يضع نصب عينيه أن له مهمة جديرة بالاهتمام هي المشاركة في تعمير الدنيا، فهو يعيش للدنيا والآخرة معا، ولا يكون عالة على غيره، لذا قال بعض قدماء الصوفية: «اللهم اجعل الدنيا في أيدينا، ولا تجعل الدنيا في قلوبنا».

من يتعرف على أخلاق وسير الصوفية منذ قدمائهم حتى الآن يدرك عظمة هؤلاء القوم الذين تخلصوا من أغلال القيود الدنيوية فاستمتعوا بلذة ليس لها مثيل، ولذلك قالوا: «من ذاق عرف»، وقال إبراهيم بن أدهم: «لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من لذيذ العيش لجالدونا عليه بالسيوف». طريق الصوفية جهاد ينتهي بنيل الجزاء، وهو القرب من الله، والوصول إلى شعور لا يجده غيرهم حتى لو انغمسوا في الغالي والثمين من ملذات الدنيا، لأن التصوف يعنى الصفاء، وهو ما يؤدي إلى راحة النفس والبدن وسريان السعادة داخل الإنسان وامتدادها إلى ما حوله.
حظي التصوف بدراسات عديدة منذ قرون، واستمرت هذه الدراسات إلى اليوم، وبعضها مع التصوف وبعضها الآخر ضده. وتأتي كتب الدكتور مجدي إبراهيم – الحاصل على درجة الأستاذية الشهر الماضي- من أهم الدراسات في هذه المجال. ومنهج الدكتور مجدي لا يميل إلى المصطلحات الأكاديمية الجامدة، وإنما يعيش مع النصوص الصوفية، وتصل به إلى أن يعيش الحالة الصوفية، وينقلها إلى القارئ الذي يشعر بأنه يعيش مع صوفية من لحم ودم، وكأنهم يعيشون  بيننا ولم يفارقوا الدنيا، يغوص الدكتور مجدي في أحوالهم وكأنه واحد منهم جاء من بطن التاريخ ليحدثنا عنهم بلغتنا وليس بلغة عصرهم.
يقوم منهج الدكتور مجدي إبراهيم –في دراسة التصوف- على التذوق، وهو ما أكده في مقدمة دراسته وتحقيقه كتاب «السر في أنفاس الصوفية» للإمام أبي القاسم الجنيد، ويشير فيه إلى أن اللجوء إلى العقل وحده يجعل النصوص الصوفية صعبة الفهم «فالذي يقرأ كتب الصوفية بعقل وتنكر لا يفهمها مطلقا على حقيقتها». ويضيف أن «جوهر التصوف قائم على الحب. والحب عطاء وبذل وتضحية، وهي أمور لا تعرفها حسابات العقل. لا عقلانية ولا معقولية في الطريق.

ومواجهة الطريق بالعقل تفسده، ولكن المواجهة تكون بالتسليم لا بالإنكار، بالإقرار لا بالرفض».
وأبوالقاسم الجنيد (المتوفى عام 297 هجرية) هو الموصوف بإمام التصوف وطاوس العلماء، فقد وصل إلى درجة كبيرة من الفقه في سن مبكرة، وتصدر الفتوى في بغداد عندما كان عمره 20 عاما. وكتاب «السر في أنفاس الصوفية» أورد فيه الجنيد أقوالا موجزة لعدد من كبار الشخصيات الصوفية في القرن الثالث الهجري، وقد وصف إشاراتهم وخواطرهم بـ «الأنفاس»، ويقول عنها الدكتور مجدي إنها «صورة تعكس وعي العارف ومراقبته لربه أو هي صورة لمشهده الكشفي ولذائقته الروحية حين تفرَّد بالمعرفة، وحين تنفرد به المعرفة بعد أن تُحصَّل ممارسة وموهبة بمقتضى الذوق والمشاهدة في معاناة الذوق والتجريب».
وقد استغرقت الدراسة التي أعدها الدكتور مجدي عن الأنفاس ما يزيد على نصف الكتاب، متنقلا بين آراء الصوفية في توحد مع النصوص وشرح لأسرارها يفك الألغاز في لغة تعكس حال الصوفي وتبتعد عن الغموض وتجعل التصوف أقرب إلى الإفهام ويخاطب القلوب التي تجهله، ويؤكد أن التصوف الإسلامي لم يكن مقتبسا من أمم أخرى، وإنما جاء من وحي التجربة والتذوق.
ومن أنفاس الصوفية في هذا الكتاب قول الجنيد: «إن لله تسعة وتسعين اسماً، فمن أقر بها فهو المسلم، ومن عرفها فهو المؤمن، ومن عامل الله بها فهو العارف، ومن عامل بها ولم يسكن إليها وطلب المُسمَّى فهو الموحِّد، وله المشاهدة»، وقول أبي يزيد البسطامي: «المحبة معيار الله، يظهر فيه القريب من البعيد».
[email protected]