عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

صراع المذاهب والتيارات الدينية

الصوفية يرفضون الشيعة، والشيعة يتعاملون مع أهل السنة بمبدأ «التقية» بأن يقولوا شيئا في حين يضمرون شيئا آخر، والسلفيون يرفضون الاثنين «الصوفية والشيعة» ويرون أنهم مخالفون للشرع. يتمزق العالم الإسلامي بسبب المنتمين إليه إلى فرق وجماعات ومذاهب لا تتعايش فيما بينها، ويرجو كل فصيل منها أن يطلع عليه الصباح وقد رأى الفصيل الآخر

اختفى من الوجود، لا يسعى أحدهما إلى التعرف على غيره والبحث عن المشترك بينهما وحساب نسبة هذا المشترك، وإنما يكتفي بالنظر من خلال الميكروسكوب إلى الاختلافات الهامشية التي تكبر في عينيه فيغفل عن الأساسيات المشتركة، ليتحول العالم الإسلامي إلى كيان ضعيف تدب فيه الخلافات ولا يستطيع النهوض من كبوته؛ لأن العلاقات قائمة على الكراهية بين الدول التي تنتمي إليه والجماعات التي تضمها الدولة الواحدة.
الخلافات بين المسلمين ليست وليدة اليوم، وإنما تعود إلى القرن الأول الهجري عندما دبت الفتنة في عصر الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه، ثم انقسمت الأمة إلى ثلاثة فصائل؛ أحدها يؤيد الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه خليفة للمسلمين، والثاني يقف في جانب معاوية بن أبي سفيان، والثالث يرفض الطرفين، وقد أطلق على الطرف الأخير «الخوارج» وهم الذين لجأوا إلى أسلوب العنف فأحدثوا القلاقل في العالم الإسلامي. لم تتوقف انقسامات المسلمين، فقد انقسم الشيعة والسنة والخوارج إلى فرق متعددة، كل فرقة ترى أنها على صواب وأن غيرها هو المخطئ، ويصل الخلاف بين هذه الفرق إلى درجة تكفير بعضها بعضا، ليخسر العالم الإسلامي قوته، وينشغل بخلافاته التي تلهيه عن إدراك أن العالم يتقدم من حولنا ويضيف إلى إنجازاته إنجازات جديدة، في حين أننا غارقون في الهوامش على حساب الأصل الواحد الذي يجمعنا، وهو القرآن الكريم. والمشكلة أن العامة يتبعون أشخاصا يضفون عليهم صفات القداسة، ويتلقفون أقوالهم دون إعمال للعقل، وكل ذلك ناتج عن الجهل الذي يستفيد منه الزعماء الدينيون والقادة السياسيون، ليدفع الجهلاء الثمن في النهاية، في حين يسكن من يخدعونهم القصور ويمارسون هواية السياحة في البلدان المختلفة على حساب الفقراء الذين يغرقون في الفقر.
الفقراء هم وقود الفتن بين الفرق والمذاهب الدينية، سواء في الماضي أو الحاضر، ولأن القادة الدينيين يزرعون فيهم التعصب ويملأون قلوبهم بنار الكراهية لمن يختلفون عنهم في المذهب أو التيار الديني، ظنا منهم أن هذا يقربهم من ربهم، غير مدركين أنهم يخالفون مراد الله الذي دعا الناس إلى التعايش في سلام، وأرشدهم إلى أن الحكمة من اختلاف الخلق هي أن يتعارفوا ويتقاربوا وأن يجعلوا الاختلاف سببا للتعاون عندما يطلع كل طرف على ما لدى الآخر فيضيف إلى نفسه جديدا

يكون وسيلة لقوته، فالإضافات تُحدث القوة، ولكن المسلمين – عن هذا - غافلون.
لقد كان علماء المسلمين القدامى من الفرق المختلفة أكثر وعيا من الدعاة الذين يشعلون النفوس كراهية في عصرنا الراهن، لم يكن أحدهم يجد حرجا في أخذ العلم عن عالم من فرقة أخرى، فالكل يستمد علمه من القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة. يكفي أن نقرأ السطور التالية من كتاب «إسلام بلا مذاهب» للدكتور مصطفى الشكعة لندرك التسامح الذي كان يجمع بين علماء المسلمين في العصور الماضية، على عكس الأفواه التي تنفخ أبواق الكراهية هذه الأيام، يقول الدكتور الشكعة: «وإذا أنعمنا النظر جيدا واطَّرحنا الأفكار البالية الجامدة خلف ظهورنا، فإننا لن نجد كبير خلاف بين كل من مذهب السنة ومذهب الشيعة الزيدية، وكذلك لن نجد كبير خلاف بين السنة وبين الإباضية، فالإمام أبو حنيفة السني كان تلميذا للإمام زيد بن علي الذي إليه ينتسب المذهب الزيدي، أخذ عنه الفقه وأصول العقائد، والإمام زيد تلميذ لواصل بن عطاء أحد رءوس المعتزلة، وكان ملازما له، وقد ليم في ذلك؛ لأن واصلا لا يوافق الشيعة في كل ما قالوه عن الإمامة، ولكن زيدا صاحب الأفق الواسع والمدارك السمحة ضرب بكل ذلك عرض الحائط وظل مخلصا لتعاليم واصل بن عطاء وأخذ عنه». هكذا كانت العقليات متفتحة لا تقبل الانغلاق ولا تترك فرصة للكراهية تفسد العلاقات وتريق الدماء تحت دعوى الدفاع عن دين الله، والحقيقة هي أن دين الله براء من الدماء التي تسفك والقلوب التي تتعكر بالكراهية، لأن الله لا يرضى يوم القيامة سوى بالقلوب النقية الطاهرة التي تدفع أصحابها إلى التعاون مع الفرق الأخرى من المسلمين وغير المسلمين، سواء اتفقوا في جزء كبير مما نؤمن به أو اختلفوا.

[email protected]