عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

دنيا بلا خيال

دائماً أحتاج إلي خيالي أهرب به ومعه إلي قريتي التي لا تذكرها الخرائط وإلي طفولتي التي أنساها مع مشاغل وهموم الحياة، أهرب بذلك الخيال علي أقصي مسافة ممكنة تبعدني عن ضجيج الناس وصخب الفساد، أريد وجوهاً مبتسمة لا تعرف الحزن، وأرضاً يكسوها اللون الأخضر وتتخللها روائح الربيع ونسمات الزهور التي تعطي الحياة للأرض الجرداء، وتعبر عن وجود الطبيعة الفطرية السليمة قبل أن يفسدها، أحياناً أتمني أن أجلس علي ضفاف النهر أتأمل مياهه النقية الرافدة عبر التاريخ المعبرة عن نقاء أهل مصر قبل أن تتلوث وقبل أن أسمع عن وفاه أفراد أهل المحروسة بسبب تسمم المياه، لا أريد سماع صرخات طفل لأنه أراد أن يشرب ولم توضح له براءته أن المياه مسمومة وأن الاختيار محصور بين ألم العطش وبين ألم الارتواء المسموم.

أهرب بين جنبات خيالي بعيداً عن سماع حوادث تصادم تحصد الأرواح وتقضي علي حياه عائلة بكاملها وتقتل الفرحة بينها وتجعل أحلام أفرادها كابوساً ويبقي منهم أشباه الحطام الناتج عن هذه الحوادث، في خيالي كل شيء جميل لا توجد في دنياه كباري تنهار بسبب الفساد، أو طرق تصنع لتهدم أو أرصفة نخشي السير عليها.
في دنيا الخيال مساحات غير محدودة وأفق ليس له نهاية من العشق للجمال والاستمتاع به، فلا تلمح العرق ينهش في جلود أصابها الوهن، ولا قلوب أصابها المرض، ولا عقول أصابها العفن، ولا تجد فيها طفلا يمسك قطعة من القماش يمسح بها زجاج سيارة ليكتسب رغيف خبز، أو طفلة بتروا أعضاء من جسدها الطاهر لتباع في سوق التسول، ولا سيدة عجوز تنام في الشارع وتتغطي بالورق و تأكل من رفات الطعام الملقي في سلات القمامة.
لن تجد في هذه الحياة أبا يبيع ابنته ليطعم بثمنها أكوام لحم محشورة بين جدار يريد أن ينقض عليهم، لا تجد في هذه الدنيا إلا السعادة.. السعادة فقط، لا تجد فيها قيمة الانسان مرتبطة مع كرسيه

أو منصبه، كرامتي كإنسان محفوظة ومصانة بعيدا عن مركز عائلي أو سطوة مال.. قيمتي كإنسان تكمن في كوني إنسانا.
الحب فيها صادق وبريء.. النفاق والرياء والمصلحة مفردات منتهية الصلاحية هناك، القتل والفتك والنصب والفهلوة مركونة في أرفف بعيدة عن العيون والقلوب والعقول والوجدان، لا أحد يعرف الطريق الي الشر أو الاقتراب منه.
هذه الدنيا التي أرسمها لنفسي لأعيش فيها وأحافظ عليها لا تتعدي لحظات ولكن تجعلني قادراً علي التواصل والعيش في الواقع، هذا الواقع الذي نسي أو تناسي الناس فيه قيم التسامح والرحمة فاختل الميزان فأصبحت المصلحة مبدأ والغدر أسلوب حياة والفهلوة شطارة والصدق عملة نادرة والكذب أقرب الطرق للوصول الي الهدف وأن الحب عودة الي الكهوف.
في واقعي عند كثير من الناس الغاية تبرر الوسيلة فأفعل ما شئت كل شيء مباح وكل الطرق سليمة طالما أن هذه الأساليب والطرق تصل بك إلي غايتك.. المهم الغاية!!
في الواقع تجد أن أبجديات الانسانية مهدرة وأن التواصل حروف ممزقة وأن الحياة أصبحت من تطورها رقمية.. رقم الحساب.. رقم السيارة.. عدد أرغفة الخبز.. أرقام الفواتير.. أرقام.. أرقام حتي التواصل الاجتماعي أصبح رقميا بلا روح حقيقية
دنيا الواقع صعبة ودنيا الخيال جميلة - وإن كانت للحظات - ولكن الأصعب من الواقع أن تعيش في دنيا بلا خيال.  
[email protected]