عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

صائمون ع الجبهة.. كتيبة محرومة من الإفطار 3 أيام

بوابة الوفد الإلكترونية

في كل بيت مصري  قصة.. بطلها ليس في قوة بن شداد أو جرأة بن الخطاب أو بسالة بن الوليد فيسجل التاريخ اسمه، ولن تجد أسطورته في إحدى الروايات المصورة أو الأفلام التليفزيونية مثل "الرجل الأخضر" أو "سوبر مان" لأنه ليس بالشخص الخارق.. إنه أحد أفراد أسرتك.. مواطن بسيط.. بطل صنعته الظروف ووضعته أمام تحد حقيقي تغلب عليه بجسارة المحاربين.. فلا وقت ولا مكان للجوع أو العطش أو النوم، تلك النواقص البشرية التي يلغيها الجندي على الجبهة من قاموس احتياجاته الأساسية، فتتحول كل أيامه لرمضان وتزداد ساعات الصيام للأبطال على خط النار.

الفطار كل كام يوم..!

يروي لنا حسين السيد البربري، جندي من سلاح الصاعقة ومن أبطال موقعة رأس العش، قصة كتيبته مع الصيام قائلا: تدريبات الصاعقة في رمضان لم تكن مميزة عن غيره من شهور السنة منها العملي ومنها النظري، فمنذ إلتحقت بالصاعقة عام 1969 وحتى انتهاء فترة تجنيدي عام 1974 ورمضان لم يختلف، فما زال شديد الحرارة ولصيامه مشقة محبوبة حتى في أحلك الظروف، أذكر أنه أيام حرب الاستنزاف وبعد معركة رأس العش التي أسقطنا فيها الطائرتين الإسرائيليتين بمدافع محمولة قام العدو بعمليات انتقامية ضرب فيها موقعنا وتسبب في نفاد الزاد لفترة طويلة ..وتم حصارنا ما يقارب من ثلاثة شهور انقطعت خلالها وسائل الإتصال مع القيادة وبالطبع مع عائلاتنا، وكان هناك من ترك زوجته وهي حامل ومن ترك أسرته بلا عائل، ولكن مواجهة الموت في كل لحظة على خط النار جعلنا نشعر أنهم في مأمن وأن موقعنا درع يحميهم.

ويتابع: في تلك الفترة كلما حاولت القيادة توصيل مؤن لنا قام العدو بضربها بمدافع الهاون، فكان من الطبيعي أن ينفد الزاد وتشاء إرادة الله أنه في تمام الساعة الخامسة والنصف وقبل رفع أذان المغرب بقليل كنت جالسا على ترعة الإسماعيلية وإذا بمنسوب الماء يرتفع حتى قام بعمل بركة، ما إن شاهدتها حتى طلبت من زملائي إحضار "كوريك" و" صفيحة " وأغلقنا الطريق وخلعت ملابسي لتصفية مياه البركة وإخراج سمك البلطي السابح بها، "جوال كامل من السمك كان إفطار كتيبة عددها 260 فردا لم تأكل لمدة ثلاثة أيام .

نسينا أننا صائمون

وعن يوم العبور ليلة العاشر من رمضان يقول حسين: اجتمع بنا اللواء عمر خالد أحد قادة التدريب لإلقاء محاضرته قبل تنفيذ التدريب العملي أو ما نسميه" واجب العمليات  قبل التحرك لتنفيذ العملية "في إطار التدريب لا أكثر كما أوحى لنا"، ويومها رفعت يدي لأسأله سؤالا تعجب له زملائي وإن كان يشغلهم أيضا: " هل يمكننا مشاهدة ماتش الزمالك والاتحاد؟!"

 العجيب في الأمر أنه أجاب بأسلوب ودي " طبعا.. أنا كمان هتفرج معاكم على الماتش"، وبالفعل ذهبنا في تلك الليلة لأحد المقاهي ببور سعيد وشاهدنا الماتش وهزيمة الزمالك 1 صفر، وبدأنا في التحرك بإتجاه الموقع في العاشرة مساء، ولمرة أخرى تساءلنا لماذا لا تعترضنا الشرطة العسكرية رغم سيرنا في وقت متأخر؟!

 وقبل وصولنا للنقطة المحددة للتنفيذ أخبرنا القائد أنه تم تأجيل العملية للغد وسنبيت ليلتنا في هذا المكان بالقرب من القناة، وفي ظهر اليوم التالي اجتمع بنا القائد وأبلغنا بأننا على موعد مع حرب التحرير.. وقتها لم نصدقه وظنناها مزحة حتى نفخنا القوارب بالفعل وأعددناها للانطلاق .. وفي ظل عملنا داخل الخنادق كان

زملاؤنا يلعبون الكرة ويمصون القصب ويقيمون حفلة للتمويه .

ويتابع حسين حتى لحظة الانطلاق والعبور لم نشعر بظمأ أو جوع رغم أن الحرارة وقتها كانت كفيلة بأن تسقط طيور السماء صرعى، لم نشعر سوى بكلمة لها زئير ارتجفت معها القلوب ورددها المشاة "الله أكبر "، وكأنها إشارة البدء التي لم ندر إن كانت إنطلقت بالفعل أم أن الحماس قذف بنا إلى الضفة الأخرى للقناة .

وفي خلال 18 ساعة كنا قد اقتحمنا الأرض المحتلة إلى العمق، ولم نشاهد خلالها جندي إسرائيليا يدافع عن نفسه وجها لوجه، بل كانوا يحاربون من داخل دبابة أو مدرعة أو داخل خندق " منتهى الجبن"، وعندما هدأ الامر تذكرنا أننا صائمون ولم نفطر بعد فأخرجنا التعيين " العجوة والبسكوت" وكان أحلى من الديك الرومي.

الأهالي يدبرون المؤن

وعن دور المقاومة الشعبية في مساندة جنود الجيش الثالث أثناء حصار الثغرة يقول عبد الغني جندي بسلاح الإشارة في حرب أكتوبر: الحصار كان لا يسمح لأحدنا بالخروج لإحضار المؤن، كذلك لم نسمح  للعدو بالدخول إلى المدينة وكلما حاول أحدهم التسلل قبض عليه من خلال الكمائن التي صنعها الأهالي الذين حمونا في منازلهم، وكانوا يحاولون بشتى الطرق مساعدتنا وتقديم الطعام لنا والبحث معنا عن ماء للوحدات.. ومشكلة المياه هم من وجدوا لها الحل، فكان بجوار جامع الغريب بئر ماء عذب اكتشفها الأهالي تحت محل أحذية فقاموا مع صاحبه بحفرها . وكان الطعام يأتي لنا في الخنادق أحيانا من المحطة العسكرية بالسويس وكنا نأكل في جماعات .. حقاً يد واحدة اجتازت الأزمة.

فرحة العودة

وعن فرحة العودة يقول عبد الغني كانت من أكثر اللحظات المؤثرة عودة الروح حيث فقد أهلي الأمل في عودتي واعتبروني من الشهداء أذكر وقتها عندما دخلت إلى شارعنا قابلت صديقا لي وطلب منى أن أمهد لهم أمر عودتي لأن الفرحة قد تقتل أحيانا، وبالفعل سبقني إلى المنزل وبعد السلام على الأهل والتحية أخبرهم بأنه وصلت له أخبار عن كوني على قيد الحياة  ثم أعقب ذلك بخبر عودتي وناداني وكان الموقف صعبا على جميع أفراد أسرتي.. فرحة ودموع  وعناق جماعي لا يمكن أن تنقله عدسة سينما كما حدث في الواقع.