رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أزمة الطاقة وتحديات التنمية المستدامة

بوابة الوفد الإلكترونية

تواجه مصر مشكلة عامة من حيث نقص موارد الطاقة نظرًا للزيادة المستمرة فى معدلات الاستهلاك مع ثبات أو انخفاض الانتاج المحلى من الغاز الطبيعى والبترول، وبالإضافة إلى ذلك فقد أدت ظروف عدم الاستقرار منذ قيام ثورة يناير 2011 إلى وجود أزمة حالية فى تدبير احتياجات الطاقة مما أدى إلى تكرار انقطاع الكهرباء وتوقف جزئى لبعض خطوط الانتاج فى مصانع.


وتعتبر مشكلة الطاقة نتيجة طبيعية لنمط التنمية غير المستدامة التى تم اتباعها على مدى العقود الماضية، لأنها لم تحقق العدالة الاجتماعية ولم تراع حق الأجيال المقبلة فى موارد البلاد خصوصًا الغاز الطبيعى، وفى ذلك الإطار فقد تم تخصيص جزء كبير من ميزانية الدولة لدعم الطاقة والذى يذهب معظمه إلى غير مستحقيه.

وقد أدت سياسات دعم الطاقة إلى زيادة الاستثمارات فى الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة للحصول على الطاقة بغير سعرها الحقيقى وتحقيق أرباح كبيرة.
ومن ناحية أخرى فإن أسعار الطاقة المنخفضة أدت إلى عدم الاستثمار فى مجالات الطاقة المتجددة (الطاقة الشمسية والرياح) وهى متوافرة بشكل هائل فى مصر.
ثانيا: أزمة الطاقة الحالية وهى الشق العاجل من المشكلة ترى الوزارة أنه نظرًا لأهمية الطاقة فى دعم وتنمية الاقتصاد الوطني، فإنه ينبغى على كل الأطراف العمل لإعطاء الأولوية لحل الأزمة الحالية بتوفير أنواع الوقود المطلوبة (الغاز الطبيعى - المازوت)، سواء بزيادة معدلات الانتاج أو الاستيراد أو الإثنين معًا، وذلك بما يتناسب والظروف الحالية.

لا يعتبر الفحم ضمن بدائل حل الأزمة العاجلة نظرًا لعدم توافره فى مصر وعدم وجود البنية الأساسية لمنظومة الاستيراد (الوانى) والنقل والتخزين والتداول، بالإضافة إلى ذلك فإن الاستثمارات الضخمة التى يتطلبها استخدام الفحم تستوجب الاستمرار فى استخدامه لمدة لاتقل عن 10-15 سنة حتى لو ظهرت آثاره السلبية على البيئة وصحة المواطنين فى وقت مبكر.
وإذا شملت هذه الاستثمارات جهات خارجية يصبح التحكيم الدولى إحدى عقبات اتخاذ قرارات تصحيح الأوضاع.

ثالثا: توفير الطاقة فى إطار التنمية المستدامة  ترى الوزارة ضرورة حل هذه المشكلة من خلال وضع استراتيجية للطاقة فى إطار التنمية المستدامة، وعلى ذلك فإنه يجب وضع وتنفيذ السياسات التى تحقق التوازن بين التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية وحماية البيئة ومصادر الثروة الطبيعية بها.

يتم حاليا إعداد استرالتيجية الطاقة من خلال المجلس الأعلى للطاقة مع دراسة عدة سيناريوهات للاستفادة من مصادر الطاقة الطاقة الجديدة والمتجددة وكذا مصادر الطاقة التقليدية التى تعتمد على الوقود الأحفورى. وسوف يتم تقييم البدائل أخذًا فى الاعتبار كل أبعاد التنمية المستدامة، أى  التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية وحماية البيئة ومصادر الثروة الطبيعية بها.

فى إطار وضع استرايجية الطاقة المستقبلية ترى الوزارة أنه يجب الالتزام بسياسات الحكومة المصرية بشأن حماية البيئة باعتبارها إحدى عناصر الهدف الاستراتيجى الخاص بالحفاظ على الأمن القومى وتأمين حق الأجيال المقبلة فى ثمار التنمية الوارد فى إطار وثيقة الرؤية والأهداف الاستراتيجية وسياسات العمل الصادرة فى ديسمبر 2009، وكذا إطار استراتيجية التنمية الشاملة الذى أعدته وزارة التخطيط والتعاون الدولى (2012-2022)، والتى تتسق مع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التى وقعت عليها مصر والمعنية بحماية البيئة وقضايا التغيرات المناخية.

رابعا: الفحم واستراتيجية الطاقة؛ رغم أنه يتم استخدام الفحم منذ فترة  طويلة على نطاق واسع فى أوربا وأمريكا نظرًا لتوافره فى هذه البلاد، إلا أن ما أظهرته الدراسات العلمية من ارتفاع التكلفة المجتمعية نتيجة الآثار السلبية للفحم قد أدى إلى مراجعة استراتيجيات الطاقة فى هذه البلاد وزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة على حساب الفحم.

وفى هذا الإطار بدأت أمريكا التخلص من محطات الكهرباء التى تعمل بالفحم وهى تمثل أكثر من 50% من مصادر الكهرباء، وذلك من خلال وضع معايير صارمة سوف تؤدى إلى الاستغناء عن الفحم نهائيًا قبل عام 2040، وفى ألمانيا تم إقرار استراتيجية جديدة للطاقة يتم من خلالها الاستغناء عن الوقود الأحفورى والطاقة النووية، وفى أوربا تم وضع معايير خاصة بالصناعات الكثيفة الاستهلاك للطاقة للحد من إنبعاثات غازات الاحتباس الحراري، حيث يعتبر الفحم من أكبر مصادر هذه الانبعاثات.

تشير الدراسات العلمية إلى أن التكلفة المجتمعية للفحم تتراوح بين ضعف إلى عشرة أضعاف سعره الأصلى، فاذا تم وضع ذلك فى الاعتبار عند التقييم الاقتصادى لمصادر الطاقة لن يكون الفحم هو الوقود الأرخص.
 
تحذر بعض الدراسات الاقتصادية من مخاطر الاستثمار فى مجال الفحم نظرًا للانخفاض المستمر فى تكلفة انتاج الطاقة النظيفة (طاقة الشمس والرياح)
خامسا: الآثار البيئية والصحية للفحم؛ فإنه من أسوأ أنواع الوقود من حيث تأثيراته السلبية وأهمها المخاطر الصحية، بالإضافة إلى انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى وتأثيرها على التغيرات المناخية، وتهدف المعايير والضوابط البيئية إلى الإقلال من الانبعاثات وآثارها وليس منعها، وتعتمد كمية الانبعاثات على ما تسمح به المعايير وكذا درجة الالتزام بتنفيذ هذه المعايير، والذى يعتمد بدرجة كبيرة على درجة تقدم المجتمع من الناحية الاقتصادية والسياسية وكذا النظم والقوانين والتشريعات السائدة ومستوى التعليم والثقافة والوعى بالحقوق والواجبات، وهذا يفسر التحسن الكبير فى نوعية البيئة فى الدول المتقدمة وهى تستخدم الفحم فى مقابل تدهور نوعية البيئة فى مصر وهى تستخدم الغاز الطبيعى. 

يؤدى استخدام الفحم إلى زيادة كبيرة فى كمية الانبعاثات ذات المخاطر الكبيرة على صحة المواطنين، ليس فقط فى المنطقة المحيطة ولكن أيضًا فى المناطق البعيدة، وذلك نظرًا لأن بعض الملوثات الخطيرة مثل الجسيمات الدقيقة (PM2.5 ) والزئبق والديوكسين تنتشر على مسافات قد تزيد على 1000 كيلومتر. وتوضح نتائج قياس الانبعاثات فى دول الاتحاد الأوربى أن متوسط كمية الانبعاثات من أكاسيد الكبريت تزيد عشرات الأضعاف مقارنة بالغاز الطبيعى بينما تزيد انبعاثات الرصاص بأكثر من عشرة آلاف ضعف. 

يؤدى استخدام الفحم فى صناعة الأسمنت فى مصر إلى زيادة انبعاثات أكاسيد

الكبريت (~168.000 طن/سنة) والجسيمات الصدرية الدقيقة (~ 20.000 طن/سنة) وأكاسيد النيتروجين (~ 18.500 طن/سنة)، وذلك مع افتراض استخدام المخلفات كبدائل للوقود بنسبة20%. وقد تزيد هذه الكميات نظرًا لأن الالتزام بالمعايير فى مصر أقل من المتوسط العام لدول الاتحاد الأوربى.

إن استخدام الفحم يؤدى إلى زيادة انبعاثات ثانى أكسيد الكربون بنسبة حوالى 70% مقارنة بالغاز الطبيعى وهذا يتعارض مع سياسات الدولة المعلنة وهى التنمية الاقتصادية الأقل اعتمادًا على الكربون واستخدام تكنولوجيات الانتاج الأنظف.

سادسا: التكلفة المجتمعية للفحم؛ وقد أظهرت بعض الدراسات العلمية الحديثة أن تكلفة المخاطر الصحية فى أمريكا بسبب استخدام الفحم فى توليد الكهرباء تقدر بعدة أضعاف قيمته السوقية، وذلك مع وجود الضوابط والمعايير الصارمة والإلزام بتطبيق القوانين ومستوى الالتزام العالى لدى المنشآت. وتصل القيمة المتوسطة للتكلفة المجتمعية أمريكا إلى حوالى 345 مليار دولار سنويا.  وتصل تكلفة التأثيرات الصحية نتيجة حرق الفحم فى أوربا إلى حوالى 42.8 مليار يورو سنويًا.

تشير دراسة للبنك الدولى (2002) إلى أن تكلفة التدهور البيئى فى مصر تعادل حوالى 4.5% من الناتج القومى الإجمالى. وتشكل تكلفة تدهور نوعية الهواء فى القاهرة والإسكندرية نصف هذه التكلفة ونظرًا لأن ملوثات الهواء عند استخدام الفحم تزيد عشرات أو مئات الأضعاف مقارنة بالغاز الطبيعى فإن التكلفة المجتمعية سوف تزيد بدرجة كبيرة جدًا. ويحتاج الأمر إلى دراسة متخصصة فى هذا المجال.

طبقًا لتقديرات وزارة البترول فإن تكلفة التأثيرات البيئية لانبعاثات ثانى أكسيد الكربون تصل إلى 80 دولار سنويًا لكل طن وعلى ذلك فإن تكلفة استخدام الفحم لانتاج 60 مليون طن من الأسمنت تصل إلى حوالى 536 مليون دولار سنويًا بسبب زيادة انبعاثات الكربون بمقدار 6.7 ملايين طن (مع فرض استخدام بدائل الوقود بنسبة 20%). كما أن تكلفة استخدام الفحم لتوليد الكهرباء (محطة بقدرة3000 ميجا وات) تصل إلى حوالى 700 مليون دولار سنويًا مع زيادة انبعاثات الكربون (5.7 مليون طن).

يضر استخدام الفحم بموقف مصر التفاوضى فى اتفاقية التغيرات المناخية، كما يعرض مصر لمخاطر عدم الاستجابة لمطالبها بالتعويضات التى تستحقها لأن مصر من الدول الأكثر تعرضًا للأضرار نتيجة التغيرات المناخية، حيث تبلغ الخسائر بسبب الأضرار فى منطقة الدلتا فقط حوالى 100-500 مليار جنيه سنويًا.

يمثل استخدام الفحم عائقًا للتنمية بسبب زيادة انبعاثات الكربون فى ظل التوجه العالمى لتحديد الانبعاثات فى جميع الدول ومن بينها مصر اعتبارًا من 2015.
 
يؤثر استخدام الفحم سلبًا على فرص تصدير المنتجات المصرية نتيجة زيادة انبعاثات الكربون حيث يتجه العالم إلى اعتماد (البصمة الكربونية) كأحد معايير تقييم السلع والخدمات.
سابعا: رؤية لسياسات واستراتيجية الطاقة
ترى الوزارة أنه يجب وضع السياسات الملائمة لجذب الاستثمارات فى المجالات التالية:
ترشيد وتحسين كفاءة استهلاك الطاقة فى كل القطاعات والأنشطة وأهمها قطاع الصناعة والمنازل والمبانى الحكومية والتجارية، بالإضافة إلى رفع دعم الطاقة عن الفئات القادرة.
الاستفادة من مصادر الطاقة الطبيعية الهائلة فى مصر وهى الرياح والطاقة الشمسية، مع التحسن الكبير والمستمر فى اقتصاديات الاستثمار فى هذه المجالات.
تعظيم الاستفادة من الكتلة الحيوية والمخلفات من كل الأنشطة.
فى إطار تنفيذ سياسة الوزارة لحماية البيئة وتنميتها تقوم الوزارة بالأتى:
توفير الدعم الفنى ومصادر التمويل لمشروعات التحكم فى التلوث من الصناعة حيث تم تقديم القروض والمنح للمنشآت الصناعية لتنفيذ المشروعات البيئية (269 مليون دولار). وقد كان لمصانع الأسمنت النصيب الأكبر من هذه المنح والقروض لمشروعات استبدال الفلاتر واستخدام الغاز الطبيعى واستخدام المخلفات كبدائل للوقود (~ 70 مليون دولار).
تطوير منظومة إدارة المخلفات المنزلية والزراعية لتوفير بدائل الوقود لصناعة الأسمنت بالكميات والنوعيات المناسبة بما يسمح باستخدامها فى جميع المصانع بنسبة 20%. 
تشجيع مشروعات التنمية الاقتصادية الخضراء الأقل اعتمادًا على الكربون.
تنفيذ البرنامج القومى للإدارة المتكاملة للمخلفات الصلبة بالتعاون مع الحكومة الألمانية وبالاشتراك مع وزارة التنمية المحلية وكل جهات المجتمع المدنى.