عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

التفوق العلمي وأثره في تقدم الأمم

الدكتور إبراهيم البيومى
الدكتور إبراهيم البيومى إمام وخطيب مسجد السيدة زينب

أهتم الإسلام بقيمة العلم أيما اهتمام، وبلغت عناية الله - عز وجل - بنا لرفع الجهل عنّا ، أن كان أول ما نزل من الوحي على نبينا صلى الله عليه وسلم، أعظم كلمة هبط بها جبريل هي قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}(العلق:1).

 

وأمرُ الله عز وجل بالقراءة والعلم في أول آية نزلت من القرآن دليل واضح على أهمية العلم في تكوين عقل الإنسان وفي رفعه إلى المكانة السامية، فلا يستوي عند الله الذي يعلم والذي لا يعلم، قال تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} (الزمر: 9) ؛ ويرفع الله الذي يطلب العلم والذي يعمل به على غيره درجات، قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (المجادلة: 11). أي يرفع الذين أوتوا العلم من المؤمنين بفضل علمهم وسابقتهم درجات أي على من سواهم في الجنة.

 

ولشرف العلم أباح الله لنا أكل الصيد الذي صاده الكلب المعلم، وإذا صاده كلب غير معلم لا يؤكل:{يَسْأَلونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [المائدة:4] ، هذا في عالم الكلاب، رفعه الله درجة عن أقرانه بالعلم ؛ فما بالك بمن تعلم الكتاب والسنة؟! لذلك قَالَ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ:" إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ ".

 

بهذا بدأ الدكتور ابراهيم البيومى امام وخطيب مسجد السيدة زينب حديثة حول التفوق العلمى واثره في تقدم الامم وأضاف قائلا:

 وقد لعن الرسول -صلى الله عليه وسلم- الدنيا بمن فيها إلا من انتسب لشرف العلم فقال:" الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا ، إِلاَّ ذِكْرَ اللهِ، وَمَا وَالاَهُ، أَوْ عَالِمًا، أَوْ مُتَعَلِّمًا." " (الطبراني وابن ماجة والترمذي وحسنه)، وكما قيل: كن عالما أو متعلما ولا تكن الثالث فتهلك.

فهنيئًا لك أيها العالم والمتعلم؛ فما هو أفضل من أن يستغفر لك الحوت في البحر والدواب وحتى النمل تستغفر لطالب العلم؟! فعَن أبي الدَّرداءِ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليْه وسلَّمَ يَقُولُ:"مَن سَلَكَ طَرِيْقَاَ يَبْتَغِي فِيْهِ عِلْمَاً سَهَّلَ اللهُ لهُ طَرِيْقَاً إلى الجَنَّة؛ وإنَّ المَلائِكَةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ العِلْمِ رِضَاً بِما يَصْنَعُ؛ وَإنَّ العَالِمَ لَيَسْتَغفِرُ لهُ مَن في السَّمواتِ ومَن في الأرضِ حَتَّى الحِيْتَانُ في المَاءِ؛ وفَضْلُ العَالِمِ عَلى العَابِدِ كَفَضلِ القَمَرِ على سَائِرِ الكَوَاكِبِ؛ وإنَّ العُلَماءِ وَرَثَةُ الأنبِيْاءِ؛ وإنَّ الأنبِيْاءَ لمْ يُوَرَثُوا دِيْناراً ولا دِرْهَمَاً وَإنَّما وَرَّثُوا العِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أخَذَ بِحَظٍ وَافِرٍ".( أبو داود والترمذي وابن حبان في صحيحه بسند حسن).

ومع أن الإسلام حرم الحسد إلا أن الشارع أباحه في مجال العلم، فعَنْ ابنِ مَسْعودِ رضيَ الله ُ عنهُ قال: قالَ رسول اللهِ صلى اللهُ عليْهِ وسلَمَ: "لا حَسَدَ إلاَّ في اثنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاه اللهُ مَالاً فسَلَّطَهُ عَلى هَلَكتِهِ في الحَقَّ ورَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الحِكْمَةَ فَهُوَ يَقضِي بِها وَيُعَلِمُّها". (متفق عليه).

إن الله لم يقصر الأجر على العلماء في حياتهم؛ بل امتد الأجر بعد موتهم وإلى قيام الساعة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ" (الترمذي وقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ). ويحضرني قول الإمام الشافعي رحمه الله:   قد مات قوم وما ماتت مكارمهم...............وعاش قوم وهم في الناس أموات.

 

ولأهمية العلم نجد أنه صلى الله عليه وسلم جعل فداء كل أسير من أسرى بدر ممن يحسنون فن القراءة والكتابة، أن يعلم عشرة من أبناء الصحابة, ولم يقتصر اهتمام النبي عليه السلام بالحث على تعليم العربية فحسب؛ بل أمر بتعلم اللغات الأخرى، وكما قيل:( من تعلم لغة قوم أمن مكرهم ) .

 

وجملة القول: فإن ما تقدم هو قليل من كثير ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في شأن عنايته بالمسألة العلمية؛ تعلمًا وتعليمًا؛ أقوالًا وأعمالًا؛ مما يبرز اهتمامه الفائق بولاية العلم والتعليم.

 

إن العلم أساس نهضة الأمة وقيام الحضارات؛ فبالعلم تبنى الأمجاد، وتَسُود الشعوب، وتبنى الممالك

وما فشا الجهل في أمة من الأمم إلا قوض أركانها، وصدَّع بنيانها، وأوقعها في الرذائل والمتاهات المهلكة.

وكما قيل:       العلم يبني بيوتًا لا عماد لهـا ............... والجهل يهدم بيوت العز والكـرم

وكم هو شديد الوقع على النفوس أن يرى في الناس من شاب رأسه، ورق عظمه، وهو يتعبد الله على غير بصيرة! وقد يصلى بعض الناس أربعين سنة، أو عشرين سنة، أو أقل أو أكثر وهو لم يصل في الحقيقة؛ لأن صلاته ناقصة الأركان، أو مختلة الشروط والواجبات؛ ومع ذلك لا يحاول تعلم أحكامها، بينما يُرَى حريصًا على دنياه؛ ويكفي هذا دليلًا على أن الله  سبحانه وتعالى لم يرد به خيرًا، ولو تعلم العلوم الدنيوية، وتبحر فيها؛ وقد وصف الله تعالى أصحابها بقوله تعالى: { يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ }؛ [الروم: 7]. وقال جل شأنه: { بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ }؛ [النمل: 66].

 

يقول الإمام ابن كثير رحمه الله: "فهؤلاء ليس لهم علم إلا بالدنيا وأكسابها وشؤونها وما فيها، فهم حذاق أذكياء في تحصيلها، ووجوه مكاسبها، وهم غافلون عن أمور الدين، وما ينفعهم في الدار الآخرة، كأن أحدهم مغفل لا ذهن له، ولا فكرة".أ.ه . ويقول الحسن البصري: "والله ليبلُغنَّ أحدُهم بدنياه أنه يقلب الدرهم على ظفره، فيخبرك بوزنه، وما يحسن أن يصلي"؛ فكيف تنهض الأمة - في جميع مجالاتها - بأمثال هؤلاء ؟!!

 

إن من أهم عومل النهوض بالأمة في المجال العلمي أن نهتم بالمعلم والمربي وأن نشكر جهوده، ونؤدي إليه بعضاً من حقه، وأن نعرف له قدره واحترامه وفضله.

إن نهضة الأمة منوط بتربية أجيال على علم وتحمل المسئولية؛ وما اختلت موازين الأمة، وفسد أبناؤها إلا حينما ضاع الأبناء بين

أبٍ مفرط لا يعلم عن حال أبنائه، ولا في أي مرحلة يدرسون، ولا مع من يذهبون ويجالسون، ولا عن مستواهم التحصيلي في الدراسة - وبين مدرس خان الأمانة، وتهاون في واجبه، ولم يدرك مسؤوليته؛ فدور الأسرة عظيم في غرس هذه القيم في نفوس أبنائها فهم مسئولون عنهم يوم القيامة.

 

وأوضح الدكتور ابراهيم البيومى امام وخطيب مسجد السيدة زينب، أن ظاهرة الغش في التعليم لها أثرها السيء على تقدم الأمم؛ فالغش بلاء ابتلي به طلاب العلم صغارًا وكبارًا، فهو ليس على مستوى المراحل الابتدائية فحسب، بل تجاوزها إلى الثانوية والجامعة والدراسات العليا، فكم من طالب قدم بحثًا ليس له فيه إلا أن اسمه على غلافه!! وكم من طالبٍ قدم مشروعًا ولا يعرف عما فيه شيئًا!! هذه الظاهرة التي أنتجها الفصام النكد الذي يعيشه كثير منا في مجالات شتى، نعم لمَّا عاش كثير من طلابنا فصامًا نكدًا بين العلم و العمل، ترى كثيرًا منهم يحاول أن يغش في الامتحانات.

 

وهو قد قرأ حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي تبرأ فيه من الغشاش قائلًا: " مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي " (مسلم)، بل ربما أنه يقرأه على ورقة الأسئلة، ولكن ذلك لا يحرك فيه ساكنًا، لأنه قد استقر في ذهنه أنه لا علاقة بين العلم الذي يتعلمه وبين العمل الذي يجب أن يأتي به بعد هذا العلم .

 

إن للغش أسبابًا كثيرةً تعمل على إنتاج هذا الخلق المشين منها:

ضعف الإيمان: فإن القلوب إذا ملئت بالإيمان بالله لا يمكن أن تقدم على الغش وهي تعلم أن ذلك يسخط الله ؛ لا يمكن للقلوب التي امتلأت بحب الله أن تقدم على عمل وهي تعلم أنه يغضب الله.

ومنها: ضعف التربية: خاصة من قبل الوالدين أو غيرهما من المدرسين أو المرشدين؛ فلا نرى أبًا يجلس مع ابنه لينصحه ويذكره بحرمة الغش، ويبين له أثاره وعواقبه .

 

ومنها: تزيين الشيطان: فالشيطان يزين لكثير من الطلاب أن الأسئلة سوف تكون صعبة، ولا سبيل إلى حلها والنجاح في الامتحانات إلا بالغش؛ فيصرف الأوقات الطويلة في اختراع الحيل والطرق للغش؛ ما لو بذل عشر هذا الوقت في المذاكرة بتركيز لكان من الناجحين الأوائل!!

 

إن الغش له أثره السيئ على المجتمع؛ فهو سبب لتأخر الأمة، وعدم تقدمها ورقيها، وذلك لأن الأمم لا تتقدم إلا بالعلم وبالشباب المتعلم، فإذا كان شبابها لا يحصل على الشهادات العلمية إلا بالغش، فقل لي بريك: ماذا سوف ينتج لنا هؤلاء الطلبة الغشاشون ؟! ما هو الهم الذي يحمله الواحد منهم ؟! ما هو الدور الذي سيقوم به في بناء الأمة ؟! لا شيء ، بل غاية همه؛ وظيفة بتلك الشهادة المزورة، لا هم له في تقديم شيء ينفع الأمة، أو حتى يفكر في ذلك؛ وهكذا تبقى الأمة لا تتقدم بسبب أولئك الغششة بينها؛ ونظرة تأمل للواقع : نرى ذلك واضحًا جليًّا، فعدد الطلاب المتخرجين في كل عام بالآلاف ولكن قل بربك من منهم يخترع لنا؟! أو يكتشف؟! أو يقدم مشروعًا نافعًا للأمة؟! قلة قليلة لا تكاد تذكر!!

 

إن هذا الغاش غدًا سيتولى منصبًا، أو يكون معلمًا وبالتالي سوف يمارس غشه للأمة، بل ربما علَّم طلابه الغش؛ بل إن الوظيفة التي يحصل عليها بهذه الشهادة المزورة، أو التي حصل عليها بالغش سوف يكون راتبها حرامًا، لأنه بني على حرام ، وأيما جسد نبت من حرام فالنار أولى به.

إن الذي يغش قد ارتكب عدة مخالفات –إضافة إلى جريمة الغش – منها السرقة، والخداع ، والكذب، وأعظمها الاستهانة بالله، و ترك الإخلاص، وترك التوكل على الله ...إلخ.

 

فعلينا جميعًا أن تعاون في مقاومة هذه الظاهرة، كل بحسب استطاعته وجهده، فالأب في بيته ينصح أبنائه ويرشدهم ويحذرهم بين الحين والآخر ، والمعلم والمرشد في المدرسة والجامعة كل يقوم بالوعظ والإرشاد، وكذلك الداعية في خطبه ودروسه، والإعلام بوسائله المختلفة.

وهكذا كان العلم سبيلًا وطريقًا لتقدم الأمم ورقيها وازدهارها في كل زمان ومكان .