رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات فى سورة البلد

التدبر فى كتاب الله من صفات المؤمنينوقوفًا عند تأملات في سورة البلد، والبداية مع فاتحة هذه السّورة، وهو القسم بمكّة المكرّمة، ثمّ القسم إنّ الإنسان قد خُلِقَ في مشقّة ومكابدة، فما الرّابط بين الأمرين؟ الحقيقة أنّ الرّابط هو النبي -صلّى اللّٰه عليه وسلّم-؛ إذ كان وقتها في مكّة، وكان يلاقي فيها العنت، والمشقّة والتّكذيب، والإيذاء وهو يبلّغ الدّعوة، فقال له تعالى إنّ الإنسان قد خُلِق في مشقّة وتعب ومكابدة؛ ليُسلِّي النبيّ -صلّى اللّٰه عليه وسلّم-، وليصبّره على طريق دعوته الذي ما يزال في بدايته.

 

وعند الاطلاع على جوانب أخرى من السّورة، فسيلاحظ وجود ترابط مع السّورة التي قبلها، وهي سورة الفجر، وتحديدًا في قوله تعالى: {وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا * وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا}.

 

وهذا الترابط يأتي مع ما ذُكر في سورة البلد في الحضّ على الإنفاق على الأيتام والفقراء والمساكين، وذلك في قوله تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ}.

 

وهذا الترابط قد تنبّه له علماء الأمّة الأوائل، فقال-مثلًا-صاحب روح المعاني إنّ اللّٰه -جلّ وعلا- لمّا ذكر الذين يحبّون المال، ويأكلون التّراث وذمَّهم، ذكر في هذه السّورة المطلوب من صاحب المال، وهو فكّ الرّقبة؛ أي إعتاق العبيد، وهذا يلزم مالًا لشراء العبيد وإعتاقهم، وكذا الإطعام في يوم المسغبة، وهو وقت المجاعة.

 

وذكر أيضًا أصناف الأيتام من أولي

القربى، والمساكين، وكذا عندما ذكر في سورة الفجر النّفس المطمئنّة، فإنّه ذكر في هذا السّورة بعضًا من الأمور التي يحصل العبد بها على الاطمئنان، وأخيرًا يمكن القول إنّ هذه السّورة-أي البلد-قد استوفت عناصر الإبلاغ، والإرسال؛ فقد ذكرت موطن الرّسالة، وهي مكّة، في قوله تعالى: {بِهَٰذَا الْبَلَدِ}.

 

وكذا ذكرت الرّسول، وذلك في قوله -عزّ وجلّ-: {وَأَنتَ حِلٌّ بِهَٰذَا الْبَلَدِ}.

 

وذكرت كذلك المرسلَ إليهم، وهم {الْإِنسَانَ} و{وَالِدٍ وَمَا وَلَدَ} وكذلك ذكرت الرّسالة التي ينبغي للمرسل إليهم أن يعوها، وهي الإيمان والأعمال الصّالحة من {فَكُّ رَقَبَةٍ} و{إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ}.

 

ذُكِر في هذه السّورة أيضًا أصناف الخلق بالنّسبة للاستجابة لهذه الرّسالة، وهم أصحاب الميمنة الذين اقتحموا العقبة، وأصحاب المشأمة الذين هم الكافرون، فسبحان اللّٰه أيّ عموم هذا، وأيّ استيفاء، وأيّ شمول؟! فهذا كلام لا ينكر نسبته للعزيز الجبّار إلّا من كان جاهلًا، أو كان خبيث الجوهر، واللّٰه تعالى أعلى وأكبر.