عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الكرامة الإنسانية فى القرآن

اختصَّ الله عزَّ وجل النَّوع الإنساني من بين خلقه بأنْ كرَّمه وفضَّلَه وشرَّفه، فللإنسان شأنٌ ليس لسائر المخلوقات؛ فقد خلَقَه البارئُ تعالى بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته؛ إكرامًا واحترامًا، وإظهارًا لفضله، واتَّخذ سبحانه من هذا الإنسانِ الخليلَ والكليمَ، والولِيَّ والخواصَّ والأحبار، وجعله مَعْدِنَ أسراره، ومَحلَّ حكمته، وموضِعَ مثوبته.

 

وهذه الورقة ما هي إلاَّ بيان لبعضِ مكرمات الله تعالى لِهذا الإنسان، والتي يُمكن استخلاصها من القرآن الكريم على النَّحو التالي:

أولاً: تكريم الذات:

إنَّ تكريم الإنسان في القرآن هو تكريم لِذَاته الإنسانية: ﴿ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ﴾ [التغابن: 3]، وتكريمٌ لِدَوره في إعمار الأرض: ﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾ [هود: 61]، فهذا التَّكريم هو اسم جامعٌ لكلِّ الخَيْر والشَّرَف والفضائل[1].

 

ثانيًا: الإيجاد:

من إكرام الله للإنسان أنْ أوجَدَه بعدما لم يكن شيئًا مذكورًا، ولا يُعرف له أثر؛ قال عزَّ وجلَّ: ﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ﴾ [الإنسان: 1]، والمعنى أنه كان جسَدًا مصوَّرًا، ترابًا وطينًا، لا يُذْكَر ولا يُعرَف، ولا يُدْرَى ما اسْمُه؟ ولا ما يُراد به، ثُمَّ نَفَخ فيه الرُّوح فصار مذكورًا، وقال يحيى بن سلام: لم يكن شيئًا مذكورًا في الخَلْق، وإن كان عند الله شيئًا مذكورًا[2].

 

ثالثًا: خِلْقتُه على الفطرة:

من كرامة الإنسان أنْ خلَقَه الله مَجْبولاً على الإيمان؛ قال سبحانه: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 30]، ومعناه: أنَّه تعالى ساوى بين خلْقِه كلِّهم في الفطرة على الجبِلَّة المستقيمة، لا يُولَد أحدٌ إلاَّ على ذلك، ولا تَفاوُتَ بين الناس في ذلك[3].

 

وزيادةً في تكريم الذَّات الإنسانية فإنَّ الإيمان بالله لا يكون وراثيًّا،

كما لا يكون منَّةً ولا أمرًا مفروضًا، ولكن يكون بفِعْل إرادة فرديَّة حُرَّة، وهداية ربَّانيَّة نورانيَّة: ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ [الكهف: 29]، ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ﴾ [البقرة: 256]، ﴿ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾ [النور: 35].

 

وللتأكيد على الحُرِّية الإنسانيَّة التكريمية تَرِد في القرآن الكريم آياتٌ عديدة تُذَكِّر النبِيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بِحُدوده الدَّعَوية، ومن هذه الآيات:

﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ﴾ [النساء: 80].

﴿ قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ﴾ [الأنعام: 104].

 

﴿ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ ﴾ [الزمر: 41].

﴿ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ * إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ ﴾ [الغاشية: 21 - 23].

 

رابعًا: الخلافة وإعمار الأرض:

تعكس خلافة الإنسان في الأرض أسْمَى مراتب التَّكريم الإِلَهي؛ ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 30].