رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عاطف الغمرى يكتب: سياسة «بايدن» تجاه العالم والشرق الأوسط

جو بايدن
جو بايدن

الرئيس الجديد لن يكرر رهان «أوباما» الخاسر على الإخوان فى خدمة المصالح الأمريكية

 

يميل إلى حل الدولتين فى فلسطين.. لكنه لن يستطيع إلغاء نقل السفارة إلى القدس

 

مبدأ توازن القوى يلعب دوره فى تقييد قدرات أمريكا تجاه الدول الأخرى

 

من الواضح أن الطبيعة ذات الخصوصية الفريدة للنظام السياسى الأمريكى، يضاف إليها الكيفية التى يتم بها اتخاذ قرار السياسة الخارجية، تجعلهما يتجاوزان السؤال الذى يمكن أن يطرحه البعض وهو: ما الذى ستكون عليه سياسة الرئيس جو بايدن عموما، وفى الشرق الأوسط ونحن منه على وجه الخصوص؟

 

وقبل الدخول فى هذه الناحية، يحسن أن نقرأ ما يعتبر مؤشرات مبدئية ـ وليست قاطعة ـ عن توجهات بايدن، التى جاءت على ألسنة معاونيه، ومنهم مستشار الأمن القومى جاك سوليفان الذى حدد استراتيجية بايدن فى ثلاث دوائر هي: تجمع الحلفاء، ومواجهة التحديات المشتركة معهم التى تمثلها الصين، وكوريا الشمالية، وروسيا، ثم دائرة عدم الاستقرار فى الشرق الأوسط.

بقية الخبراء فى إدارة بايدن يتفقون على أن العالم لن يعود إلى الأوضاع التى كان عليها من قبل.

بايدن نفسه وهو يعلن عن طريقه للسياسة الخارجية يوم 24 نوفمبر الماضى، قال: اننا لا نستطيع مواجهة التحديات الراهنة، بنفس طريقة التفكير القديم، وبمواقف لا تتغير.

وإذا كانت الأنظار قد راحت لاستقراء أفكار أصحاب المناصب المتصلة مباشرة بالسياسة الخارجية، وأولهم أنتونى بلينكين وزير الخارجية، وميشيل فلورنوس وزيرة الدفاع، وليندا توماس مندوبة أمريكا فى الأمم المتحدة، إلا أن أحدا لم يستبعد تفاوت مواقفهم تجاه استراتيجية السياسة الخارجية سواء من ناحية التهدئة أو التشدد.

من يصنع قرار السياسة الخارجية؟

يصل بنا ذلك إلى التوقف أمام السؤال: كيف يصنع قرار السياسة الخارجية فى أمريكا؟

ولأننى كنت مراسلا للأهرام فى البيت الأبيض لمدة تزيد على سبع سنوات. ومطلوب منى بعد اعتمادى بهذه الصفة، وتسليمى بطاقة دخول البيت الأبيض، أن أحضر اجتماع مراسلى البيت الأبيض، فى القاعة المخصصة للمؤتمر الصحفى اليومى فى حوالى الساعة الواحدة بعد الظهر، ويتولى إدارة المناقشات المتحدث الصحفى باسم البيت الأبيض وأحياناً يحضر الرئيس الأمريكى إذا كان هناك خبر هام يريد إعلانه بنفسه، ويحتاج المراسلون مناقشته شخصياً. وفى هذا اللقاء يظل الرئيس محاصرا بالأسئلة حتى يسترسل فى الشرح، إذا كانت إجاباته لا تشفى غليل الباحثين بحكم مهنتهم عن كامل المعلومات.

ونتيجة لطول فترة التعامل مع المتحدث الصحفى ومسئولين آخرين، كان يمكن لنا استخلاص معلومات منهم، يكون البيت الأبيض رافضا الإفصاح عنها بصورة رسمية.

كان المؤتمر الصحفى يرسم لنا مؤشرات لما يتخذ من قرارات فى بعض قضايا السياسة الخارجية، لن يأتى بعده الدور الأهم والذى يجيب مباشرة عن السؤال الجوهري: كيف يُصنع قرار السياسة الخارجية فى أمريكا؟.

هنا أتحفظ على التركيز على دور بايدن وحده، لأن الرئيس فى أمريكا لا ينفرد بالقرار. وعلى امتداد العهود منذ وضع أسس استراتيجية السياسة الخارجية فى عهد الرئيس هارى ترومان عام 1947 ظلت عملية صناعة القرار تجرى بنفس الطريقة باستثناء فترة حكم ترامب الذى خرج على ما كان مستقراً.

إن ما يحدث عمليا أن الرئيس يضع أمامه قائمة بالمشكلات المزمنة فى مناطق العالم، أو المفاجئة فيدعو مجلس الأمن القومى للاجتماع. المجلس يضم رسمياً الرئيس، ونائبه، ومستشاره للأمن القومى، وعددا محدودا من الوزراء المختصين، الذين يحددهم الرئيس إذا كانوا متصلين بالقضية محل المناقشة.

ويفتتح الرئيس الجلسة بعرض تصور عام من جانبه ثم يطلب من جميع الحاضرين أن يدلوا بآرائهم فى السياسة الواجب اتباعها وإذا لوحظ أن أحدهم لا يشارك بالرأى ربما تحسبا لأن يكون رأيه مخالفا لما يراه الرئيس، فيظل يحفزه حتى يتكلم.

وليس بالضورة أن تكون جميع الآراء متوافقة على تصور موحد، بل كثيراً ما تحدث اختلافات فى وجهات النظر. وفى النهاية يكون الرئيس قد استوعب كافة الآراء التى عرضت فى الاجتماع فيميل إلى ترجيح وجهة النظر التى يقتنع بها.

بعدها تجرى عملية صياغة السياسة التى تعلن رسميا وذلك بعد أن تكلف مجموعة صغيرة قريبة من الرئيس بمهمة التحليل وكتابة المقترحات المضافة، وكتابة الصياغة النهائية ويعزز هذه المجموعة مائتان من الخبراء المعاونين ومعظمهم من الشباب.

وليس بعيدا عن هذه العملية تقرير وكالة المخابرات المركزية الذى يرصد آخر المستجدات من أحداث فى العالم لحظة بلحظة، والذى يصل إلى المكتب البيضاوى يوميا فى الساعة السادسة صباحاً.

بالطبع قد يختلف رئيس عن آخر فى قدرته على تسيير ما يراه فى قضايا السياسة الخارجية، وذلك بناء على ناحيتين: إذا ما كان له توجه ايديولوجى متطرف، مثلما حدث فى عهد بوش الابن، الذى اندفع فى سياسة خارجية سيطر عليها معاونوه من جماعة المحافظين الجدد، والذين أعلنوا فى أغسطس 2002 استراتيجية السياسة الخارجية الساعية إلى الهيمنة سياسيا وعسكريا واقتصاديا على دول العالم وعسكرة السياسة الخارجية بمعنى أولوية العمل العسكرى قبل الدبلوماسية، والتى يفترض انها جوهر أداء وزارة الخارجية.

أو إذا كان لرؤساء آخرين ابتعاد عن التحيز تجاه قضايا شائكة. منهم على سبيل المثال بوش الأب الذى اتخذ بالفعل خطوات تلزم إسرائيل بوقف بناء المستوطنات واحترام القواعد الأساسية لعملية السلام، خاصة مبدأ الأرض مقابل السلام وحل الدولتين وإن كان لم يقدر له تحقيق ذلك لأسباب ليس هذا مجالها.

 

«بايدن» ابن مؤسسة واشنطن للسياسة الخارجية

أيا ما كان قد جرى سابقا فإن ما نحن بصدده اليوم هو ما الذى سيفعله بايدن؟.

وبصورة عامة فإن بايدن هو ابن ما يسمى فى أمريكا بمؤسسة السياسة الخارجية وهو تعبير مقصود به اللجنة من الخبراء المختصين بالسياسة الخارجية، الذين يحتلون مراتب مؤثرة فى مراكز الفكر السياسى، وهم حسب طبيعة دورهم جزء من شبكة أو تجمع أوسع، يضم مؤسسات عديدة لها نفوذ أو على الأقل هى مصدر الهام لساكن البيت الأبيض، فى استلهام توجهاته للسياسة الخارجية.

هذه النخبة وصفتها فى كتابى «داخل البيت الأبيض» بأن بينها وبين البيت الأبيض بابا دوارا Revolving Door يدخل منه رجال النخبة وإذا انتهت فترة ولاية الرئيس الذى استعان بهم، فإنهم يعودون إلى مراكزهم لتدخل مجموعة أخرى يختارها الرئيس الجديد، بناء على توافقهم مع توجهاته.

تلك النخبة هى التى قاطعها ترامب، واستبعدها من دائرة صناعة القرار لأنه كما وصفه خبراء أمريكيون، كان يتصرف بوازع من غريزته.

سيبقى ضمن طاقم مساعدى بايدن، من ارتبط تفكيرهم سياسيا بالنهج القديم خلال سنوات عملهم فى إدارة أوباما، وكانوا منفذين لما جرى فى الشرق الأوسط. كذلك هناك داخل مؤسسة السياسة الخارجية washington Policy estallishment من يتمسك بفكرة تدخل أمريكا فى أى أزمة خارجية.

 

حين يحد مبدأ توازن القوى من قدرات أمريكا تجاه الدول الأخرى

لكن يظل فى مقابل ذلك دور مبدأ توازن القوى الذى يحكم سياسة أمريكا الخارجية، ومبدأ توازن القوى يلعب دورا واضحا وفعالا، فمن ناحية تستند أمريكا إلى قدراتها السياسية والعسكرية والاقتصادية وقوتها الناعمة، فى اتخاذ سياسات تعبر عن مصالحها.

وإذا اتخذنا مثالا على ذلك فإن السياسة الخارجية الجديدة التى أعلنت عام 2002، قد تضمنت مبدأ يقرر أن الولايات المتحدة لن تسمح بظهور أى قوة منافسة لها

إقليميا أو دوليا وأنها ستتخذ من الإجراءات ما يحقق لها ذلك.

ثم اتضح لها بعد فترة قصيرة ومن الناحية العملية أن هذا المبدأ لا يعطيها قوة مطلقة فى فرض سياساتها عى الآخرين وأنه إذا استطاعت أطراف منافسة تفعيل مبدأ توازن القوى لصالحها فإن كفة الميزان ترجح ناحيتها فى مواجهة كفة أمريكا، ويتحقق ذلك إذا نجحت دولة مستهدفة بالقرار الأمريكى، فى تحقيق خطوات ببدء تنمية اقتصادية تنافسية، وإقامة قاعدة صناعية وتنويع مسارات علاقاتها الخارجية، وأن تستنهض هذه الخطوات وعى المواطن فى الداخل، ليكون سندا وشريكا فيما يجرى.

وهو ما جرى بالفعل من تعديل فى ميزان علاقة أمريكا، مع الدول الصاعدة فى آسيا وأمريكا اللاتينية، وعلى سبيل المثال فقد كان الصعود الاقتصادى فى الهند الذى هيأ لها التمتع بنفوذ إقليمى، دافعا للولايات المتحدة لإبطال مبدأ لن تسمح بظهور أى قوة منافسة حتى أن الرئيس بوش ذهب فى زيارة للهند وعقد معها اتفاقيات للتعاون فى مختلف المجالات ومنها مجال الطاقة النووية للأغراض السلمية.

هنا يقول المفكر الأمريكى الشهير چوزيف ناى، إن الولايات المتحدة تعودت من خلال قوتها الناعمة أن تكون قادرة على الحصول على ما تريده من دول العالم، لكن الصحوة الاقتصادية فى آسيا أيقظت الشعور بالهوية الوطنية ودفعت إلى صحوة فى مكونات القوة الناعمة المحلية، وخفض الانجذاب لمركز الإلهام للقوة الناعمة الأمريكية.

ويقابل ذلك فى أمريكا ما أظهرته استطلاعات متعددة للرأى العام، من وجود قلق لدى الأمريكيين من تراجع مكانة أمريكا على المسرح الدولى. ولعل هنرى كيسنجر كان يشير إلى ذلك عندما قال: إن مركز التأثير العالمى سينتقل من الغرب إلى آسيا.

نأتى إلى الشرق الأوسط وما طرحه البعض من تساؤلات حول السياسات المنتظرة تجاه عدد من دول المنطقة وقضاياها.

سوف أبدأ بمسألة إعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل، وتلك مسألة لا يستطيع بايدن تغييرها، ليس من باب رؤيته لها، وإنما لعدم قدرته على ذلك، ففى عام 1996 قدم السيناتور بوب دول زعيم الأغلبية الجمهورية بمجلس الشيوخ مشروع قانون لنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، ووافق مجلس الشيوخ على المشروع وأقره كقانون، وكان ذلك فى عهد بيل كلينتون، ولأن الرئيس فى مثل هذه الحالات يحق له دستوريا تعليق waiving تنفيذ القانون فإن كلينتون استخدم هذا الحق واستمر فى استخدام قاعدة التعليق فى عهود الرؤساء اللاحقين إلى أن جاء ترامب ولم يلتزم بهذا الإجراء الدستورى، عندئذ يجد بايدن أنه أمام قانون تم تطبيقه وليس فى استطاعته تغييره.

وإن كان ذلك لا يمنع من أن يستأنف بايدن الحوار مع الطرف الفلسطينى، مع وجود ميل سابق من جانبه نحو حل الدولتين، وبالطبع فهو لن يتخلى عن التأييد الكامل لإسرائيل.

أما عن مصر فأيا ما كانت التوقعات إلا أننا لا نستطيع تجاهل تلك الخلافات داخل إدارة أوباما وهو ما اعترفت به هيلارى كلينتون فيما بعد.

كذلك ردود الفعل فى الكونجرس الرافضة لسياسة أوباما، بعد 30 يونيو 2013، وبعد أن اهتم أعضاء الكونجرس بانتهاج مصر سياسة تنويع علاقاتها الخارجية، والتعامل مع دول أخرى فى مجالات التسليح والعلاقات الاقتصادية حتى أن عددا من أعضاء الكونجرس وصفوا سياسة أوباما بأنها أضاعت العلاقة الخاصة لمصر مع أمريكا.

ويتبقى ما يتخيله الحالمون بشأن موقف من عملوا فى إدارة أوباما، وتجنيدهم للإخوان لخدمة المصالح الأمريكية، فإن تلك أوهام يبطلها أمران، الأول الاقتناع الذى يسود النخبة فى الولايات المتحدة الآن، من أن الأوضاع التى أتاحت لهم ذلك فى الماضى لم تعد متاحة الآن.

والأمر الثانى - وهو الأهم - فإن طبقا لطريقة أداء الرئاسة فى واشنطن لسياسة ما فى المنطقة أو فى غيرها، فإن هذه الطريقة ليست قاعدة مطلقة فى كل الظروف فالذى حدث خلال حكم الإخوان أنه جرى تكليف فريق متابعة ومراجعة للنتائج التى تترتب على هذه السياسة سلبا أؤ إيجابا، وتولت تقارير المتابعة - وهو ما ورد فى دراسات لبعض مراكز الفكر السياسى - من أن الإخوان أداروا الحكم بلا كفاءة مهنية أو سياسية وأنهم كانوا الرهان الخاسر لأوباما.

 

الدستور ينص على أن السياسة الخارجية عملية مشاركة

فى الختام ونحن نتحدث عن صناعة قرار السياسة الخارجية فى أمريكا، فإننى أستشهد بتعبير للبروفيسور إدوارد كوردان أستاذ العلوم السياسية فى عدد من الجامعات الأمريكية والذى قال: «إن ما نص عليه الدستور من جعل صناعة السياسة الخارجية عملية مشاركة، لا تنفرد بها السلطة التنفيذية وحدها وأن الهدف من ذلك هو دعوة للمشاركة بين أطراف فى هذه العملية، لكنها فى الوقت نفسه تكون إذا احتاج الأمر دعوة للصراع من أجل تحديد توجهات السياسة الخارجية».