رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حضّانات المبتسرين.. موت وخراب ديار!

بوابة الوفد الإلكترونية

صراصير ودماء فى حضانات بنها.. والأسعار تكوى جيوب الآباء

 

نقص حاد يدفع أطفال أبرياء حياتهم ثمناً له، هذا هو حال حضانات الأطفال المبتسرين فى مصر، وما حدث فى أحد المراكز الخاصة فى بنها محافظة القليوبية منذ عدة أيام من إهمال كاد يودى بحياة طفل داخل الحضانة ليس الكارثة الأولى ولن تكون الأخيرة، فالنقص الحاد فى حضانات المستشفيات الحكومية دفع الأهالى إلى البحث عن حضانات قطاع خاص، وهذه الأخيرة تحولت إلى وسيلة لاستنزاف الأسر، ومع ذلك لم تسلم من الإهمال والفساد الذى يهدد حياة الأطفال الأبرياء، بل أن منهم من يفقد حياته بالفعل قبل أن تبدأ داخل الحضانات، وهو ما دفع الدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة لمراجعة أوضاع هذه المراكز المنتشرة فى كل مكان فى مصر. وكان عدد من أهالى مدينة بنها قد تقدموا بشكاوى ضد أحد المراكز الطبية الخاصة بالمدينة بسبب سوء حالة أحد الأطفال، ووصول نسبة الميكروب فى دمه إلى 80%، وأكدت أسرة الطفل أنه دخل الحضانة بسبب نقص وزنه وعدم اكتمال تكوينه، وفوجئوا بحالته تسوء داخل الحضانة فنقلوه إلى مركز آخر حيث تبين نقص وزن الطفل عما كان عليه، وكذب التقارير التى كان المركز يصدرها بتحسن حالته.

حققت مديرية الصحة بالقليوبية فى الواقعة، وقامت بإغلاق المركز بسبب الشكاوى التى تقدم بها الأهالى من وجود مخالفات طبية وبيئية، وانتشار الحشرات داخل الحضانات خاصة الصراصير ووجود دماء على الجدران، وأكد الأهالى فى شكاواهم أن المسئولين عن الحضانة يصدرون تقارير وهمية عن حالات الأطفال، مشيرين إلى أن هناك أطفالاً توفوا نتيجة الإهمال فى الحضانات، ورفضت إدارة المركز تسليمهم لذويهم إلا بعد دفع المبالغ المقررة عليهم.

هذه الواقعة لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، فحضانات الأطفال أصبحت بيزنس كبيرا بسبب النقص الحاد فى أعدادها حيث تصل أعداد الحضانات الموجودة فى المستشفيات الحكومية وأمانة المراكز الطبية المتخصصة والطب العلاجى وهيئة المستشفيات والمعاهد التعليمية، والتأمين الصحى إلى 5 آلاف حضانة، تخدم 30 ألف طفل سنويا فقط، فى حين أن أعداد الأطفال المبتسرين أى ناقصى النمو تتراوح بين 150 ألفا و200 ألف طفل سنويا، وبالتالى ازدهر بيزنس حضانات الأطفال فى كل مكان، وراحت المستشفيات والمراكز المتخصصة تعلن عن نفسها عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى، وتفاوتت الأسعار من مكان لآخر حسب حجم المستشفى وإمكانيات الحضانات بها ونوعيتها، فهناك مراكز يتراوح سعر الليلة فيها بين 300 إلى 500 جنيه، بينما أسعار المستشفيات الكبرى تصل إلى 1200 جنيه فى الليلة، وينخفض هذا المبلغ فى الأقسام الاقتصادية فى المستشفيات الحكومية إلى 250 جنيها، بينما فى المستشفيات العامة يصل سعر الليلة إلى 50 جنيها فقط، ولكن النقص الشديد فى أعداد حضانات المستشفيات العامة جعل دخولها أشبه بحلم مستحيل لذلك لا يجد الكثيرون أمامه سوى نار الحضانات الخاصة.

وهو ما أكدته «أميرة أحمد» التى رزقت بطفلتها «فريدة» فى الشهر السابع، ولكن نمو الطفلة لم يكن قد اكتمل بعد، مما أوجب إيداعها إحدى الحضانات، وكانت الطبيبة قد أخبرتهم بهذه الحقيقة قبل موعد الولادة، فراح الزوج يبحث فى مستشفيات الجيزة القريبة من منزله عن مكان خال فى حضانات الأقسام الاقتصادية إلا أنه لم يجد، فتوجه لأقرب مستشفى خاص فرحبوا به مؤكدين توافر المكان للطفلة والسعر يتحدد بناء على حالتها الصحية. والتقط عمرو عبد الكريم الزوج أطراف الحديث مشيرا إلى أن حالة الطفلة كانت مستقرة إلى حد كبير لولا مشكلة عدم اكتمال الرئة تماما، فتم وضعها فى الحضانة لمدة أسبوع مقابل 3500 جنيه.

 أما «شريف» و«هبة» فكانت معاناتهما أكبر، فقد كان حلمهما منذ زواجهما أن يرزقا بطفل، وشاءت الأقدار أن يولد الطفل بنقص شديد فى تكوين الرئة اليمنى، كما أصيب الطفل بالصفراء فور ولادته، وتطلب الأمر ايداعه فى حضانة، وبدأت رحلة المعاناة حيث رفضت المستشفيات الحكومية استقبال الطفل نظرا لعدم وجود مكان خال.. توجه الأب المكلوم إلى أحد المستشفيات الخاصة ليجد أن سعر الليلة الواحدة يمثل أكثر من ثلثى راتبه فى شهر كامل، توجه لمستشفى ثانٍ وثالث ليفاجأ بأن الأسعار تتراوح بين 1000 و1200 جنيه لليلة، فماذا يفعل الموظف الذى يبلغ راتبه 1900 جنيه، اقترض من أقاربه ليضع الطفل فى الحضانة؟ إلا أن طفله توفى بعد ساعات قليلة من الولادة.

وشدد الدكتور أحمد حسنى اخصائى طب الأطفال على ضرورة زيادة عدد الحضانات فى المستشفيات الحكومية خاصة فى الأقسام الاقتصادية لأنها من ناحية ستخفف العبء عن الأسر، ومن ناحية أخرى ستزيد دخل المستشفيات الحكومية، وقال: هناك مشكلة أخرى تواجه أقسام الحضانات فى المستشفيات وهى نقص الممرضات المدربات على التعامل مع حضانات الأطفال، ومن ثم فلابد من الاهتمام بتدريب الممرضات على العمل فى هذه الوحدات وزيادة أعدادهن حتى يتسنى مواجهة الزيادة فى أعداد الأطفال المبتسرين حيث أن زيادة نسبة التلوث تؤدى إلى تزايد أعداد هؤلاء الأطفال.

 

ولادة مبكرة.. وأشياء أخرى

تقرير خطير أصدره المركز القومى للسكان التابع لوزارة الصحة أكد فيه أن هناك ما يتراوح بين 250 ألفاً إلى 500 ألف طفل مبتسر يولد فى مصر كل عام، وكل منهم يحتاج إلى حضانة وهو ما يمثل عبئاً كبيراً على الأسر والدولة على السواء.. وأكد الدكتور عمرو حسن مقرر المجلس فى الاحتفال باليوم العالمى للطفل المبتسر على أهمية توعية المرأة بخطورة الولادة المبكرة، والمشكلات التى تسببها ومنها عدم اكتمال النمو الجسدى للطفل، مما يعرضه للمشكلات الصحية بمعدلات أعلى من نظرائه من الأطفال المولودين فى موعدهم الطبيعى، بالإضافة إلى ضرورة الابتعاد عن التدخين، وتجنب الزواج المبكر، مشيرا إلى أنه لا توجد دولة فى العالم تستطيع توفير كل هذا العدد من الحضانات لأطفالها، لذلك فالوقاية خير من العلاج.

ولكن ما أسباب زيادة أعداد الأطفال المبتسرين بهذا الشكل؟

تجيب الدكتورة إيمان حسين، اخصائى طب الأطفال وحديثى الولادة أن هناك أسبابا عديدة، منها ما قبل الولادة أو أثناءها أو بعدها.. وقالت: فترة الحمل الطبيعية تتراوح بين 36 إلى 40 أسبوعا، فإذا ولد الطفل قبل ذلك فإنه يكون طفلاً ناقص النمو ويحتاج إلى حضانة خاصة أن الغشاء الزجاجى الموجود بالرئة لا يكتمل إلا بعد 32 أسبوعا وبالتالى لابد من وضعه فى حضانة، وإذا كانت الأم مصابة بالسكر أو تعرضت لميكروب أثناء الحمل قد يتأثر الجنين، كذلك، أما الأسباب التى تحدث أثناء الولادة فأهمها نقص الأكسجين الذى يصل للطفل وقد يؤثر هذا فى خلايا المخ، لذلك يحتاج الطفل إلى حضانة. وهناك مشكلات بعد الولادة كالتهاب المسالك البولية للأم فيولد الطفل مصابا بتلوث دموي، أو يصاب بالصفرا الشديدة التى يحتاج معها إلى الحضانة.

لذلك فنوع الحضانة التى يحتاجها الطفل تعتمد على حالته واسباب اصابته، فهناك أطفال يولدون قبل موعد

ولادتهم بأيام قليلة، وفى هذه الحالة يحتاج الطفل إلى حضانة توفر له الحرارة والطعام حتى يكتمل نموه، وهناك أطفال يحتاجون إلى حضانات مزودة بأوكسجين، وأخرى مزودة بأجهزة تنفس صناعى وأجهزة لقياس الوظائف الحيوية فهى أشبه بغرفة عناية مركزة للأطفال، فحالة الطفل دائما هى التى تحدد نوع الحضانة التى يحتاج إليها. وأضافت: بشكل عام ظاهرة الأطفال المبتسرين فى تزايد نتيجة لزيادة حالات الولادة المبكرة، وبالتالى يجب أن تهتم الدولة بإنشاء المزيد من الحضانات لأن هناك أطفالاً تعتمد حياتهم عليها ولا يمكنهم العيش بدونها.

 

بيزنس الحضَّانات.. على مائدة البرلمان

نواب يطالبون بالاهتمام بحضانات المستشفيات العامة.. وتسعير «الليالى» فى المراكز والمستشفيات الخاصة

فرضت قضية حضّانات الأطفال المبتسرين نفسها على مناقشات البرلمان طوال الفترة الماضية، والجميع يبحث عن حل، فنقص الحضانات مشكلة تعانى منها مصر منذ سنوات طويلة، ومع الاهتمام بالرعاية الصحية كان لابد من منحها أولوية فى قضايا الصحة، لأن الأطفال ناقصى النمو يصبحون معرضين للإصابة بالأمراض أكثر من غيرهم، وبالتالى يقل تحصيلهم الدراسى عند وصولهم لسن الدراسة، وفى كبرهم تقل إنتاجيتهم.

وقام عدد من أعضاء البرلمان بتقديم أسئلة لرئيس الوزراء مصطفى مدبولى ووزيرة الصحة الدكتورة هالة زايد بسبب أزمة الحضانة التى وصفها عدد منهم بأنها أصبحت بيزنس وتجارة تدر أرباحا ضخمة على أصحاب المستشفيات والمراكز الخاصة، مؤكدين أنها أصبحت عملية تجارية يتم فيها التكسب من وراء معاناة الأسر.

وطالب النواب وزيرة الصحة بضرورة النظر إلى حضّانات المستشفيات الحكومية والاهتمام بها، ومراقبة أسعار الحضانات بالمستشفيات الخاصة التى تتجاوز الألف جنيه فى اليوم الواحد.

وكان النائب علاء والى قد تقدم بطلب إحاطة عاجل للدكتورة هالة زايد، وزيرة الصحة، لوضع خطة عاجلة لحل مشكلة النقص الشديد فى «أسرّة العناية المركزة وحضانات الأطفال المبتسرين»، فى كافة المستشفيات الحكومية والجامعية والخاصة على مستوى الدولة، خاصة فى ظل الزيادة السكانية المخيفة التى تتطلب وضع خطة عاجلة من قبل الوزارة لزيادة عدد الأسرة لإنقاذ المرضى من الموت.

وقال «والى» إن البحث عن سرير «عناية مركزة» أصبح صعباً جداً، والمرضى الذين يحتاجون سرير عناية مركزة يعيشون الآن مأساة حقيقية ويخوضون رحلة عذاب بحثا عن حضانة لإنقاذ حياة أطفال من الموت المحقق، وأضاف: هناك أطفال يفقدون حياتهم بعد الولادة مباشرة نتيجة لعدم وجود حضانات لرعايتهم.

كما أوضح النائب عبدالحميد كمال أن المستشفيات العامة بها حضانات للأطفال، ولكن يعانى بعضها من الإهمال وغياب الصيانة الدورية، ووجود حالات وفيات بين الأطفال بسبب نقص الأكسجين فى بعض الأحيان، فضلاً عن وجود أطباء يملكون مراكز خاصة للحضّانات، ولديهم «البيزنس» الخاص بهم والذى يكلف الأسر المصرية آلاف الجنيهات حيث تتجاوز الليلة الواحدة فى بعض المستشفيات ألف جنيه، مشيرا إلى أن هناك أطباء عادوا من الخليج وأنشأوا مراكز خاصة، هناك مراكز تحسب وجود الطفل فى الحضّانة بالساعة.

ودعا وزارة الصحة إلى إجراء حصر دقيق لحضانات الأطفال بالمسشفيات العامة والحكومية بجميع المحافظات، ومعرفة عددها والوقوف على مدى جودتها وصيانتها، مشدداً على ضرورة إعداد لائحة علاجية ملزمة للقطاع الخاص بشأن الخدمات الطبية التى تقدمها، لوقف «جشع» بعض الأطباء فى المستشفيات والمراكز الطبية الخاصة.

وطالب بضرورة أن يكون لوزارة الصحة دور فى الرقابة على القطاع الخاص الطبى، وإلزامه بالمعايير الأخلاقية والأسعار والجودة، والحد من أسلوب البيزنس الذى يتعاملون به مع المرضى.

وكشف النائب بكر أبوغريب أن مستشفى البدرشين العام، به قسم خاص لحضانات الأطفال تم إنشاؤه على مستوى عالٍ من التجهيز ويضم 15 حضانة، ولكن به حضانتان فى حالة عطل تام، وبالتالى يؤثر على العدد المطلوب استقباله من الأطفال، مؤكداً أن الحضانات الخاصة أصبحت مجرد استثمار ومكسب سريع، الأمر الذى يتطلب تدخل وزارة الصحة، مطالبا بضرورة وضع أسس لتسعير الحضانات، بدلاً من النظام المتبع حاليا حيث يقوم كل مستشفى بوضع سعر الليلة فى الحضانة حسب أهوائه.

مشيرا إلى أن حضانات الأطفال بالمستشفيات الحكومية والعامة لا يوجد بها مكان خالٍ فى كثير من الأحيان، وتضطر بعض الأسر للبحث عن حضانات فى مستشفيات خاصة، ولكن للأسف لا تناسب إمكانياتهم المادية، نظرا لارتفاع أسعارها واختلافها من مكان لآخر.

ورغم كل هذا ما زالت قضية حضانات الأطفال المبتسرين تبحث عن حل، فهى ليست وليدة اليوم ولكنها جزء من تركة الصحة المحملة بالهموم منذ سنوات طويلة، وفى ظل اهتمام الدولة بمشروعات الصحة أصبح لزاما عليها وضع حل لهذه القضية التى أرقت الجميع ووضع ضوابط للمراكز الطبية والمستشفيات الخاصة لحماية المواطنين من نار أسعار الحضانات.