رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

طلاق بملابس الزفاف..!

بوابة الوفد الإلكترونية

فيما لا تزال ملابس العرس جديدة، ورائحة دهان الموبيليا تفوح من الخشب والجدران، يتجه بعض العرسان للمحكمة لإيقاع الطلاق!

ظاهرة غريبة يشهدها المجتمع المصرى منذ فترة وأقرتها الأرقام مؤخراً، ألا وهى الطلاق المبكر، فبعد الأفراح التى تتكلف الآلاف وبعد الحب والورود والقلوب الحمراء التى يتبادلها الزوجان إبان الخطوبة، يفاجأ الجميع بالطلاق خلال العام الأول، فقد أثبتت الإحصاءات أن 40% من حالات الطلاق تقع بين المتزوجين حديثاً خاصة فى العام الأول، هذه الإحصائية المفجعة أكدت أن الأسر المصرية فى خطر، ودائماً ما يدفع الأطفال ثمن تسرع الوالدين أحدهما أو كلاهما، وتكتظ محاكم الأحوال الشخصية بكثير من هذه القضايا التى تعد ناقوس خطر يهدد المجتمع كله.

 

تشير إحصاءات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء إلى زيادة معدلات الطلاق فى مصر بنسبة 29.5%، بينما أكدت إحصاءات مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء أن حالة طلاق تقع فى مصر كل 4 دقائق، بمعدل 250 حالة يومياً، كما توجد حالات زواج لا تستمر أكثر من عدة ساعات بعد عقد القران، وتستمر أخرى إلى نحو ثلاث سنوات لا أكثر، فيما وصل عدد حالات الخلع إلى حوالى ربع مليون حالة عام 2015 بزيادة قدرها 89 ألف حالة عن العام الذى سبقه.

إحصاءات الأمم المتحدة وضعت مصر فى المركز الأول على مستوى العالم من حيث عدد حالات الطلاق، حيث أكدت ارتفاع نسب الطلاق فى مصر من 7% إلى 40%  خلال نصف القرن الماضى، ليصل إجمالى المطلقات فى مصر إلى 4 ملايين مطلقة، ذلك فى الوقت الذى تؤكد فيه الإحصاءات الرسمية أن المحاكم المصرية، شهدت تداول نحو 14 مليون قضية طلاق فى عام 2015، يمثل أطرافها 28 مليون شخص، أى نحو ربع تعداد سكان المجتمع المصرى.

هذه الإحصاءات المفجعة تأتى فى مجتمع يعانى من زيادة معدلات العنوسة بين الشباب والفتيات، حيث تشير الأرقام إلى وجود ما يقرب من 8 ملايين شاب وفتاة فى سن الزواج لم يستطيعوا الإقدام على تلك الخطوة لأسباب ذكرها الجهاز المركزى للإحصاء، أهمها: الوضع الاقتصادى الذى يتضمن غلاء المسكن، سواء كانت مستأجرة أم مملوكة، وتكاليف الزواج من مهر، وتجهيز المنزل، وغيرها من الالتزامات التى حالت دون زواج الكثيرين.

وكثيراً ممن أقدموا على الزواج لجأوا لأبغض الحلال وهو الطلاق، فـ «وفاء. ع» الطبيبة لم تحتمل فى زواجها أكثر من شهرين فقط، اعتبرت هذه المدة طويلة وفقاً لروايتها، فبعد انتهاء الفرح الذى تم حجز أشهر القاعات له وتكلف آلاف الجنيهات بدأت الخلافات تدب بين الزوجين، خلافات على كل شىء وأى شىء، بما فى ذلك لون الثياب التى ترتديها، وتقول: تزوجت زواج صالونات ولما كنت انتمى لأسرة محافظة خرجت مع خطيبى فى حضور أخى أكثر من مرة، تحدثنا عن أشياء عامة اعتبرت أننى بذلك عرفته جيداً، تم الزواج بسرعة حيث إن كلينا من أسرة ميسورة الحال، وبعد الأسبوع الأول بدأت الخلافات على كل شىء يمكن تخيله، الطعام مرة والملابس مرات وحتى مشاهدة التليفزيون، ولما فاض بى الكيل توجهت إلى منزل أسرتى لأفاجأ بشخص آخر يتعامل بمنتهى القسوة ويصر على أن أعود بمفردى، وأن أنفذ كل ما يطلب دون مناقشة، حتى العمل رفض أن أعود إليه، وكانت هذه الطامة الكبرى فطلبت الطلاق، وبعد مفاوضات وقع الانفصال، وأنا لست نادمة عليه والحمد لله أننى لم أنجب منه أطفالاً حتى لا يربطنى به أى شىء.

الغريب أن هناك بعض الحالات قامت فيها الزوجة بعمل حفل بعد الطلاق تداولت وسائل الإعلام والسوشيال ميديا أخبارها، وتكررت هذه الحفلات عدة مرات وكأن الطلاق أصبح فرحة تعادل فرحة الزواج أو تفوقها، وكانت «آية حمادة» واحدة من هؤلاء الفتيات التى حصلت على الطلاق بعد أقل من عام على زواجها، وكانت المشكلات قد تفاقمت بين آية وزوجها بعد الأيام الأولى من الزواج ودبت الخلافات بينهما لتترك بيت الزوجية بعد شهر واحد طالبة الطلاق للضرر الذى وقع عليها بسبب معاملته القاسية وخيانته لها وفقاً لروايتها، وبعد رحلة فى المحاكم استمرت أكثر من 10 أضعاف عمر زواجها الفعلى تمكن الوسطاء من التوصل لحل بإيقاع الطلاق بالتراضى دون انتظار حكم المحكمة الذى قد يستغرق سنوات أخرى، وفوجئ الجميع بإعلانها عن تنظيم حفل احتفالاً بطلاقها دعت فيه صديقاتها وأقاربها وأشرفت بنفسها على إعداد التورتة واشترت فستان سواريه وطرحة خصيصاً لهذه المناسبة.

حفل مشابه أقامته «دينا عبدالله» ذات الـ 27 عاماً والتى لم يستمر زواجها سوى 40 يوماً فقط، احتملت فيها مشكلات بالجملة من زوجها وحماتها التى كانت تسيطر على كل شىء، وبعد أن اكتشفت خيانة زوجها لها من خلال وسائل التواصل الاجتماعى، تركت منزل الزوجية متوجهة لمنزل أسرتها طالبة الطلاق، حتى بعد أن علمت أنها حامل، فالحياة لا تحتمل معه، إلا أن الزوج ساومها على الطلاق مقابل أن تتنازل عن كل مستحقاتها، فرفضت ولجأت للمحكمة التى أصدرت حكمها بعد عامين وعدة أشهر، كانت دينا قد أنجبت فيها طفلها، وقالت فى أحد البرامج الفضائية التى استضافتها إنها اتصلت بزوجها عقب الولادة ليرى طفله، فرفض قائلاً: إنه هدية منه إليها، مبرراً رفضه بأن والدته أمرته ألا يراه، ولذلك قررت أن تحتفل بطلاقها فى حفل عام أكبر من حفل الزواج نفسه.

هذه الحالات وغيرها كثيرة تؤكد أن هناك «حاجة غلط» فالزواج لم يعد رباطاً مقدساً، بل أن عقدة النكاح أصبحت هشة تنفك أتفه الأسباب، فوفقاً للدراسات أصبحت وسائل التواصل الاجتماعى والألعاب الإلكترونية أهم أسباب الطلاق فى عصرنا الحديث بسبب انشغال الزوج أو الزوجة بهما، بل أن بعض الدراسات أكدت أن هناك 250 ألف حالة طلاق تحدث سنوياً بسبب إدمان الرجال للألعاب الإلكترونية والبلاى ستيشن ووسائل التواصل الاجتماعى.

الدكتورة إجلال حلمى، أستاذ الاجتماع العائلة بجامعة حلوان، تقول: إن كل شخص يظهر أفضل ما عنده فى فترة الخطوبة، وبالتالى لا يتعرف الزوجان إلى بعضهما بشكل جيد، والسنة الأولى فى الزواج دائماً هى الأصعب حيث يتعرف فيها الطرفان إلى بعضهما معرفة حقيقية، وقليل الآن من يحاول الصبر على الآخر، فيجب أن يتعلم الزوجان أنه لابد من بعض التنازلات حتى تستمر الحياة، ويجب أن يقوم الطرفان بذلك لا طرف واحد.

وأضافت أن بعض السيدات يعتقدن أن الاستقلال المادى قد يكون بديلاً للزوج، مما يجعلها تتسرع فى طلب الطلاق عند أى خلافات ولا تصبر على زوجها، وهذا خطأ كبير، فالزوج ليس شخصاً تحتاجينه مادياً وإنما هو حياة متكاملة يبنيها الاثنان معاً، يكملان بعضهما لبناء أسرة سوية.

وطالبت الدكتورة إجلال بعدم تدخل أى أطراف أخرى فى الخلافات بين حديثى الزواج، فهذه التدخلات تزيد من عدم اعتمادهما على نفسهما فى حل مشكلاتهما وبالتالى تزيد وقد يلجأون للحل الأسهل وهو الطلاق.

أما مصطفى فاروق، المحامى، فيرى أن الطلاق كارثة ولهذا فهو أبغض الحلال عند الله، مشيراً إلى أنه مشكلة تواجه الفتاة والأسرة والمجتمع، فنحن مجتمع يعانى من زيادة نسبة العنوسة وأيضاً تزيد فيه نسبة الطلاق، حتى إن محاكم الأسرة أصبحت تعانى من زيادة هذا النوع من القضايا خاصة خلال السنوات الثلاث الأولى من الزواج، وهى ظاهرة تدعو للقلق.. وأضاف أن الشرع والقانون كفل للزوجين حق الطلاق فى حالة استحالة العشرة بينهما وهذا لا يمكن أن نحكم عليه فى أول عام - وأكيد هناك استثناءات من هذه القاعدة كالزوج المدمن أو من يسيئ معاملة زوجته – إلا أنه فى معظم الحالات لابد أن يكون هناك فرصة للتفاهم بين الزوجين ومحاولة حل الخلافات من الكبار حتى لا تتفاقم.

 

وعاشروهن بالمعروف:

برامج تأهيلية للمقبلين على الزواج

تنبه الجميع لارتفاع معدلات الطلاق فى مصر خاصة خلال السنوات الأولى للزواج، ومن ثم بدأت المبادرات المختلفة لتأهيل الشباب والفتيات المقبلين على الزواج بهدف تعريفهم بخطورة الطلاق وما

يترتب عليه من مشكلات يعانى منها الأطفال والأسرة والمجتمع.

كانت دار الإفتاء هى أول من بدأت هذه المبادرات عام 2014 بعقد برامج تدريبية للشباب المقبلين على الزواج، خاصة أن الدار كانت تستقبل ما يقرب من 38400 سؤال سنوياً عن الطلاق، ومن ثم عقدت الدار هذه البرامج التى تستمر لمدة شهرين فى كل مرة وذلك لتدعيم الشباب بالمعارف والخبرات والمهارات اللازمة لتكوين حياة زوجية وأسرية ناجحة، وللحد من ظاهرة الطلاق المنتشرة بين الشباب فى السنوات الأولى من الزواج، ويهدف البرنامج إلى تدريب وإرشاد وتأهيل المقبلين على الزواج على مهارات الحياة الزوجية وكيفية التعامل مع المشكلات والضغوط الحياتية التى يواجهها الزوجان، وإدراك الحقوق والواجبات الشرعية المشتركة بين الزوجين، وفهم طبيعة كل طرف من الناحية النفسية والاجتماعية، والإلمام بالمهارات والخبرات اللازمة للحياة الزوجية، التعامل مع المشكلات المسببة لفشل الزواج، ومفهوم الصحة الإنجابية وأهمية تنظيم الإنجاب، ويحاضر فى البرنامج مجموعة من كبار علماء الفتوى ومتخصصين فى الشئون الأسرية والاجتماعية والصحية.

أعقب ذلك مبادرة أطلقها الأزهر الشريف بعنوان: «وعاشروهن بالمعروف» بالتعاون مع مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية، بهدف التوعية بأسباب الطلاق ومخاطره، وتوضيح الأسس السليمة لبناء أسرة سعيدة ومتماسكة، حيث تسلط المبادرة الضوء على أهم أسباب الطلاق وطرق علاجها، بهدف الحد من ارتفاع معدلات الطلاق فى السنوات الأخيرة.

وتتضمن المبادرة عرض مجموعة من الفيديوهات القصيرة، التى يتناول كل منها أحد أسباب الطلاق، مع توعية الزوجين بكيفية التعامل معه، ويتم نشر تلك الفيديوهات عبر صفحات الأزهر الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعى.

يذكر أن مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية قد دشن فى شهر أبريل الماضى وحدة معنية بمعالجة الخلافات الأسرية تحت اسم «وحدة لم الشمل»، ويقوم أعضاء الوحدة بعقد لقاءات مع الزوجين، سواء عبر الهاتف أومن خلال الزيارة الميدانية، للوقوف على أسباب الخلاف وسبل حلها، كما تسعى الوحدة، من خلال منصاتها الإلكترونية ورسائلها الإعلامية والتوعوية، إلى زيادة الوعى بقيم المودة والتماسك الأسرى.

على صعيد آخر قامت وزارة التضامن الاجتماعى بتدشين المشروع القومى لتأهيل المقبلين على الزواج «مودة»، على أن يبدأ بشكل تجريبى فى محافظات القاهرة والإسكندرية وبورسعيد، باعتبارها المحافظات الأعلى فى نسب الطلاق، تمهيداً لتنفيذه فى باقى المحافظات.

وقالت الدكتورة غادة والى، وزيرة التضامن الاجتماعى إن المشروع يهدف إلى تضافر الجهود، للحفاظ على كيان الأسرة المصرية، من خلال تدعيم الشباب المقبل على الزواج بكل الخبرات اللازمة، لتكوين الأسرة وتطوير آليات الدعم والإرشاد الأسرى وفض أى خلافات أو نزاعات، بما يسهم فى نهاية الأمر فى خفض معدلات الطلاق، عن طريق توفير معارف أساسية للمقبلين على الشباب من بينها أسس اختيار شريك الحياة، وحقوق وواجبات الزوجين، والمشكلات الزوجية والاقتصادية للأسرة، وإدارتها والصحة الإنجابية.

ويستهدف المشروع الشباب فى سن الزواج بمعدل 800 ألف شاب وفتاة سنوياً، فى الفئة العمرية ما بين 18 إلى 25 عاماً، وهم غالباً طلبة الجامعات والمعاهد العليا، كما يندرج تحت هذه الفئات المستهدفة المجندون بوزارة الدفاع والداخلية، إضافة إلى المكلفين بالخدمة العامة من الشباب والتى تشرف عليهم وزارة التضامن الاجتماعى سنوياً، كما يستهدف المشروع المتزوجين المترددين على مكاتب تسوية النزاعات على مستوى 212 مكتباً تابعاً لوزارة العدل على مستوى الجمهورية.

ويتم تنفيذ المشروع على عدة محاور أولها: حملات الاتصال المباشر وذلك بتطوير مادة علمية (اجتماعية - دينية - صحية)، بمشاركة مجموعة من الأساتذة المتخصصين وبدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان، تستهدف التواصل الإيجابى وتوزيع الأدوار بين الزوجين، وأبعاد العنف الأسريّ وأساليب إدارة الموارد الاقتصادية، وتعريف الطرفين بالحقوق والواجبات الشرعية للزوجين والسن المناسب للزواج والذمة المالية للمرأة، والصحة الإنجابية، ومرحلة الحمل والممارسات الضارة كالزواج المبكر». ويشارك فى البرنامج 700 عضو من هيئة التدريس على مستوى الجامعات والأكاديميات، و500 مدرب داخل معسكرات التجنيد بالقوات المسلحة ووزارة الداخلية، إضافة إلى 5000 مأذون.

أما المحور الثانى فى المشروع، فيعتمد على القيام بحملات إعلامية موسعة ومتكاملة لرفع الوعى بمفاهيم هذا المشروع من خلال وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعى ورسائل وتطبيقات على الهواتف المحمولة.

والمحور الثالث يتم من خلال إعداد برنامج إذاعى تحت عنوان «بالمودة نكمل حياتنا»، يجرى إذاعته على جميع الإذاعات المحلية، بالإضافة إلى إعداد تنويهات توعوية قصيرة تحمل اسم المشروع، وعمل مسرحيات توعوية على مسارح الدولة وقصور الثقافة، مع تطوير آليات المشورة الأسرية وفض النزاعات عن طريق الخط الساخن بدار الإفتاء لطالبى خدمات المشورة الأسرية، وتفعيل دور مكاتب التسوية التابعة لوزارة العدل، مع إضافة ممثل عن دار الإفتاء المصرية لأعضائها الحاليين.

بينما يعتمد المحور الرابع على مراجعة التشريعات القانونية، بما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية بمشاركة الأزهر ودار الإفتاء ووزارة العدل.

وينتهى المشروع بالمحور الخامس، الذى يعتمد على إعداد قاعدة بيانات للمستفيدين من هذا المشروع يجرى ربطها عن طريق الرقم القومى بالأحوال المدنية، لتحديد عدد حالات الزواج والطلاق بينهم.

جدير بالذكر أن المساعى الحميدة تفلح كثيراً فى الحد من الطلاق حيث نجحت مكاتب تسوية المنازعات الأسرية فى إنهاء 40% من الدعاوى بالتصالح، وحل 4070 دعوى خلال العام الحالى فى محكمة الأسرة بزنانيرى وإمبابة وأكتوبر والقاهرة الجديدة، ولذلك فالآمال معقودة على تلك المبادرات للحد من ظاهرة الطلاق التى تهدد المجتمع.