رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

وجدى زين الدين: الملك فاروق يدبر مؤامرة بين «النحاس» ومكرم عبيد

سعد زغلول
سعد زغلول

 

ملخص الحلقة الماضية

تناولت الحلقة الماضية أسرار قيام جماعة الإخوان  الإرهابية بالحرب على حزب الوفد، وكيف قام الزعيم خالد الذكر مصطفى النحاس بإخراس الجماعة وحظر نشاطها السياسى، وقام الإخوان بالتحالف مع خصوم الوفد ونصابوا كل القوى الوطنية العداء الشديد، واندلعت مصادمات عنيفة داخل جامعة فؤاد الأول ـ القاهرة حالياً، بين الطلاب الوفديين والإخوان، وبلغ نفاق الإخوان  ذروته عندما زعموا بهتاناً وزوراً أن إسماعيل صدقى رئيس الوزراء ورد اسمه فى القرآن الكريم.

 

نختتم اليوم الحديث فى هذه الحلقة عن خصوم الوفد الذين كانت لهم آراء مختلفة وكالوا الاتهامات إلى الحزب العريق، وتتناول الحلقة قصة الكتلة الوفدية عام 1943، والكتاب الأسود.

كما تتناول الحلقة الدور الأمريكى الذى حارب الوفد، وقضية الكفاح المسلح التى قادها الوفد وحريق القاهرة.

ومن خلال رؤية الكاتب الكبير لمعى المطيعى فى مقاله الوفد وخصومه، نعرض لهذه الحلقة استناداً إلى عدة مراجع أبرزها  ما قاله محمد حسين هيكل فى كتاب مذكرات فى السياسة المصرية، ولمعى المطيعى فى موسوعة هذا الرجل من مصر، وماريوس  كامل دب فى كتاب الوفد وخصومه، والدكتور عبدالعظيم رمضان فى مذكرات سعد زغلول.

 

الكتاب الأسود وحزب الكتلة الوفدية هما قمة الخصومة بين الوفد وانقسام الكتلة الوفدية، وبين مصطفى النحاس ومكرم عبيد باشا، وحقيقة هذه الخصومة أنها مؤامرة من صناعة الملك فاروق وتدبير «أحمد حسنين» رئيس الديوان الملكى

«سعد زغلول باشا» ضم «مكرم عبيد» إلى الوفد فى «6 مايو 1921»، كان «سعد باشا» عائداً من الاسكندرية الى القاهرة بعد أن عاد من أوروبا فى 4 أبريل 1921، وفى القطار قدم «ويصا واصف» مكرم عبيد الى سعد باشا.

وقصة «الكتاب الأسود» موجزها ـ ونحن نكتب التاريخ ولا حيلة لنا فيه.. واستناداً الى: «حوار وراء الأسوار لجلال الحمامصى، ومذكرات حسن يوسف وأسرار الساسة والسياسة لمحمد التابعى» أن «جلال  الدين الحمامصى» فى ليلة من ليالى أغسطس 1924 ذهب الى أحمد حسنين، واتفقا على تسجيل ما أسمياه الاستثناءات والانحرافات فى عريضة ترفع الى الملك، ثم اقترح الحمامصى نشر العريضة فى كتاب، وسافر الحمامصى الى رأس البر وعرض ما تم على «مكرم عبيد»، وسجل الحمامصى أن «أحمد حسنين» كان يتابع تأليف الكتاب، ووافق على أن يتسلم العريضة لحفظها فى خزانة القصر حتى لا تقع فى أيدى حكومة الوفد، وفى «31 مارس 1943» توجه مكرم عبيد الى القصر وتسلم العريضة المحفوظة فى خزانة القصر وقدمها الى الملك فاروق، هذه هى الوقائع وراء صناعة الكتاب الأسود بين مكرم عبيد وأحمد حسنين  وجلال الحمامصى، وكان الملك قد استقبل «مكرم باشا» قبل ذلك بفترة وتمت المقابلة دون علم «النحاس باشا» رئيس الوفد الذى سكرتيره العام مكرم عبيد، ورئيس الوزارة التى يحتل فيها  مكرم عبيد موقعاً مرموقاً.

ولكن «أحمد حسنين» صاحب المؤامرة لم يفوت هذه الفرصة للوقيعة بين «النحاس باشا  ومكرم» فأوعز «حسنين» لمندوب الأهرام بأن يطلب من سكرتير الوفد تصريحاً عن لقائه بالملك.

وأدلى «مكرم» بتصريح نشرته الأهرام أشاد فيه بالملك، وقرأ «النحاس باشا» التصريح ولم يكن «مكرم» قد أخبره بشىء عن المقابلة. وفى اتصال تليفونى فى وجود «محمد التابعى» حذر فيه «النحاس باشا» مكرم من محاولات القصر للوقيعة بينهما، والدكتور «محمد حسين هيكل» فى مذكراته فى السياسة المصرية أوضح أن «أحمد حسنين» كان فى أحاديثه مع «مكرم باشا» يلقى إليه بكلام  مفاده إمكانية أن يتولى «مكرم باشا» رئاسة الوزارة أسوة ببطرس غالى ويوسف وهبة.

ولكن ما حقيقة الكتاب الأسود وقيمته فى الميزان؟ أكتفى هنا بما جاء فى مذكرات «إبراهيم باشا فرج» التى أعدها «الزميل حسنين كروم» وما  جاء فى مذكرات «حسن يوسف» حامل أختام الملك، قال «حسن يوسف»: «اشتمل الكتاب على سبعة أبواب ونحو مائة مسألة أغلبها أصغر من أن يذكر.. وفيا عدا خمسة اتهامات أو ستة تستحق التسجيل الا ان مكرم باشا قصر جهوده على تأييده بما يثبت صحتها».

هذا هو التقييم المحايد للكتاب. ويضيف الى الموضوع ان السلطات البريطانية قد عرفت بالكتاب الأسود، ولكنها حرصت على عدم تبليغ «مصطفى النحاس باشا» رئيس الوزراء والحاكم العسكرى. وتلخيص الموقف أن الكتاب الأسود مؤامرة من القصر قام بالدور الأكبر فيها «أحمد حسنين» عدو الوفد.. واحتفظ بالكتاب الأسود فى خزانة القصر الى حين ذهب «مكرم» وأخذ الكتاب وقدمه للملك.. والإنجليز أيضاً عرفوا بالكتاب وموضوعه واخفوا الخبر عن «النحاس باشا».

وتمضى الأيام فى اليوم الرابع عشر من أبريل عام 1947 رحل الى رحاب الله «محمد صبرى أبوعلم» السكرتير العام للوفد وكان «مصطفى النحاس» على رأس الجماهير يبكى «محمد صبرى أبوعلم» السكرتير العام للوفد.. وأقبل «مكرم عبيد» السكرتير العام السابق للوفد على الزعيم «مصطفى النحاس يحتضنه ويطلق قوله المشهور «إن مات صبرى فإن حب مكرم للنحاس لا يموت»، وفى «5 يونيه 1961» يرحل «مكرم عبيد» السكرتير العام للوفد. ويرسل «النحاس باشا» برقية حزينة  موجزها أنه كان يتمنى أن يفقد احدى عينيه ولا يسمع خبر وفاة مكرم عبيد! النحاس باشا أرسل برقية ولم يذهب لأن «جمال عبدالناصر» منعه من السير فى جنازة مكرم باشا.

 

الوفد و23 يوليو

واجه الوفد «مصطفى النحاس» فى ظل نظام «23 يوليو 1952» خصومة شرسة وحرباً متشعبة الأطراف، ولكى ندرس هذه الخصومة يلزم ان ننظر فى موقف أمريكا من الوفد، وفى موقف عناصر الحزب الوطنى، وهى محاكمات الثورة الموجهة أساساً ضد الوفد وضد مصطفى النحاس.

 

أمريكا والوفد:

انتهت الحرب العالمية الثانية عام 1945 وقد أقام الاتحاد السوفيتى دول الديمقراطيات الشعبية فى شرقى أوروبا، واهتمت أمريكا بمنطقة الشرق الأوسط لترث النفوذ البريطانى، وركزت أمريكا أفكارها الى «إيران» وإلى «مصر».

وكانت الأوضاع فى ايران ومصر تثيران القلق عند أمريكا.. فى «إيران» «محمد مصدق» وتوجهاته الاستقلالية تسانده القوى الشعبية «مجاهدى خلق وحزب تودة الشيوعى» وفى مصر «مصطفى النحاس» وزعامته الشعبية العارمة وفى عهده أعلن «مصطفى النحاس» موقف الحياد أثناء الحرب الكورية، والتهب الشارع المصرى بالمظاهرات الشعبية الوطنية من الوفديين واليساريين وأعضاء الحزب الاشتراكى «أحمد حسين»، وارتفعت الأصوات ضد الاستعمار الإنجلو أمريكى والمطالبة بالاستقلال والكفاح المسلح. وفى «8 أكتوبر»

أعلن «مصطفى النحاس» إلغاء المعاهدة وكانت  حكومة الوفد تشجع الكفاح المسلح، والعمال المصريون ينسحبون من المعسكرات فى القناة، وفى «14 نوفمبر 1951» سار مصطفى النحاس على رأس مظاهرة من مليون مواطن تؤكد زعامته وتشير إلى تصاعد قوى الوفد.

وفى إيران سقط «محمد مصدق» واغتيل وزير خارجيته، وسلمت أمريكا إيران للشاه محمد رضا بهلوى تسانده القوى الرجعية، أما فى مصر فقد أحرقت القاهرة.

الكفاح المسلح:

بعد أن أقر البرلمان تشريعات إلغاء المعاهدة بعث «محمد صلاح الدين وزير الخارجية إلى السفير البريطانى فى القاهرة بتاريخ «27 أكتوبر 1951» برسالة.. تفيد بأن هذه الإجراءات يعنى أن تسرى من الآن معاهدة الصداقة والتحالف بين مصر وبريطانيا التى وقعت فى لندن يوم 27 أغسطس 1936، وكذلك الاتفاق الذى وقع فى اليوم نفسه، ما تتمتع به القوات البريطانية حتى الآن من معونات وامتيازات.

وبعد إلغاء المعاهدة تحرك الشعب وامتنع سائقو القطارات عن نقل الجنود والمعدات البريطانية. وأضرب عمال الشحن والتفريغ فى الموانئ المصرية عن تفريع أية حمولة لبريطانيا، ونزلت الدبابات البريطانية إلى الشوارع تطلق النار على المظاهرين.

وتحرك الشعب لمؤازرة الحكومة وتحقيق التضامن بينها وبين ممثلى الأحزاب والاتجاهات السياسية لتوحيد العمل السياسى، وتعظيم النشاط الفدائى وفى 15 أكتوبر فتح باب التطوع فى كتائب التحرير، وكان الاتجاه أن تكون الكتائب قومية لا حزبية. وتكون مجلس قيادة الكتائب برئاسة عزيز المصرى ووجيه أباظة وحسن عزت وعبدالحميد صادق وعطية صابر وعبدالرحمن أباظة وتوفيق الملط والعمدة جمال عزام، ومدحت عاصم وأحمد أبوالفتح وإحسان عبدالقدوس.

حريق القاهرة:

كان من أهداف أمريكا سقوط مصطفى النحاس وسقوط حكومة الوفد فوقع «حريق القاهرة» ولا يمكن إبعاد الشبهة عن أمريكا ومخابراتها المركزية عن هذا الحادث الخطير فى 26 يناير 1952 وإقامة حكومة الوفد فى اليوم التالى.

وفى 23 يوليو 1952 استولى الضباط الأحرار بقيادة «جمال عبدالناصر» على السلطة فى مصر.

الوثائق الأمريكية:

الدكتور رضا شحاتة عندما كان مستشارًا بالخارجية المصرية أعد دراسة وترجم بعض النصوص من الوثائق الأمريكية، وعرض هذه الدراسة ولخصها غنيم عبده وقامت بنشر هذه الدراسة ونصوص الوثائق الأمريكية مجلة المصور المصرية فى أعدادها من (31 يوليو ـ 21 أغسطس 1987). تقرير يقول «إن المستقبل فى مصر كئيب»، وفى أعقاب إلغاء معاهدة 1936 كان تقرير «كافرى» السفير الأمريكى فى القاهرة: «أنه ما لم يتم التوصل لحل حول القناة فإن انفجاراً قوياً ستكون له تداعيات تصل إلى الثورة والسيطرة الشيوعية» وهنا يكشف «كافرى» عن خوف أمريكا من سقوط مصر فى براثن الشيوعية.. ويقول: «إن الولايات المتحدة تبدى الأسف لاستمرار حرب العصابات ضد البريطانيين.. إن القلاقل الناتجة عن مقاطعة العمال المصريين للقواعد البريطانية أمر يؤثر فى الوضع المضطرب فى الشرق الأوسط».

لقد تحقق إذن المخطط الأمريكى فى مصر.. أقيل النحاس باشا وتغيرت حكومة الوفد وأبدى السفير الأمريكى فى القاهرة ارتياحه التام.. ثم استولى الضباط الأحرار على السلطة فى مصر فى 23 يوليو 1952.

23 يوليو 1952:

الآن لم يعد هناك شك فى أن أهداف أمريكا وما وقامت به «23 يوليو 1952» كانت متطابقة فى الإطاحة بالوفد وضرب زعامة مصطفى النحاس وضرب الحركة الشعبية. وفى اليوم الأول قابل على صبرى ديفيد إيفانز الملحق الجوى بالسفارة الأمريكية. وطرح على صبرى مخاوف رجال 23 يوليو من تطلع الوفد للحكم، ومن مهاجمة الشيوعيين للانقلاب وطمأن الملحق الأمريكى بأن الحركة ليست لها صلة بالإخوان المسلمين! وفى صباح 24 يوليو أيضًا اجتمع البكباشى سليمان محمود والصاغ عبدالمنعم النجار بديفيد إيفانز وأبلغاه بطلب معونة عسكرية ومعدات من أمريكا والاشتراك فى قيادة مشتركة مع الحلفاء والقضاء على النفوذ الشيوعى. وقد نقل وجيه أباظة للأمريكان أن الصحف الشيوعية المعارضة: «الملايين» الاشتراكية و«الكاتب» مجلة أنصار السلام سوف يوقف صدورهما، ومن المنتظر أيضًا إغلاق «المصرى أفندى» يقصد جريدة «المصرى». واقتضت الظروف ضرب الوفد والشيوعيين أولا، ثم مطاردة الإخوان بشراسة عام 1953، وتم حل الأحزاب وإلغاء دستور 1923 وفتح السجون والمعتقلات. وعام 1954 تشكلت محكمة الثورة لمحاكمة الرموز القيادية للوفد «فؤاد سراج الدين وإبراهيم فرج».