عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

في ذكرى ميلادها.. ماذا وجد الأدباء في مي زيادة ليعشقوها؟

مي زيادة - أرشيفية
مي زيادة - أرشيفية

قالت عن نفسها  "أنا امرأة قضيت حياتي بين قلمي وأدواتي وكتبي ودراساتي، وقد انصرفت بكل تفكيري إلى المثل الأعلى، وهذه الحياة الأيدياليزم -المثالية- التي حييتها جعلتني أجهل ما في هذا البشر من دسائس"، وعبرت عن أبرز أمنياتها عن سيرتها بعد وفاتها في جملة "أتمنى أن يأتي بعد موتي مَن ينصفني"، إنها مي زيادة.

تلك الكاتبة والشاعرة والأديبة، التي استطاعت أن تحصل على لقب "معشوقة الأدباء"، الذين ربما يزيد عددهم عن 6 أدباء، وربما تكون مي زيادة خير دليل على المثل المصري الشعبي الشهير "من كتر خطابها بارت"، ولكن في زاوية معاكسة، فهي المرأة التي أثبتت أن قيمة وشأن المرأة في المجتمع ينبع من ثقافتها وعقليتها الناضجة، وأن الزواج ليس أكبر إنجازا في حياة أي إمرأة، خاصة وأنها كانت تحيا في عصر، كانت المرأة المصرية والعربية، تتحسس فيه خطواتها الأولى نحو الحرية المسئولة.

قالت عنها هدى شعراوي في تأبينها "كانت مي المثل الأعلى للفتاة الشرقية الراقية المثقفة"، وكتب على قبرها الأول فى مقابر الطائفة المارونية بمصر القديمة، والذي كانت تحيط به حديقة..
" هنا ترقد نابغة الشرق، زعيمة أديبات العرب،  المثل الأعلى للآداب والاجتماع،  المرحومة مى زيادة، دفنت فى 20 أكتوبر 1941.صلوا لأجلها"، إلا أنه تم تغيير قبرها، بعد أن أهمل، واستخرجت إدارة المقابر التابوت، ووضعته في إحدى فتحات المقابر.

وخلفت حياة "الآنسة مي" الخاصة، وفقا للإسم الذي أطلق على الصالون الثقافي الذي كانت تعقده بمنزلها بباب اللوق، جدلا واسعا، بسبب كثرة محبيها من الأدباء، ومن أحبت؟، ولماذا لم تتزوج من أحبته؟، بينما أشهر ما شيع عن حب مي زيادة، بأنها عشقت جبران خليل جبران، بينما هناك من الرسائل التي تم نشرها، ما يبرز أن العقاد كان ضمن من أحبتهم زعيمة أديبات العرب، أما عدم زواجها، فقطعت إجابة مي الشك باليقين في هذا الأمر، حين صرحت "لأنى تربيت فى مدارس الراهبات وكانوا يقولون لنا إن الزواج علاقة جنسية قذرة وأنا  لا أريد أن أنغمس فى هذه القذارة.

ولكن، ما الذي وجده الأدباء في مي زيادة لتصبح معشوقتهم؟، وكيف يجتمع ستة أدباء على حب إمرأة واحدة؟، على رأسهم شيخ الشعراء إسماعيل صبري، وأمير الشعراء أحمد شوقي، وعباس محمود العقاد، وجبران خليل جبران، وكانت الإجابة جلية في خطاباتهم لها، فقد وجدوا فيها عقلية لها احترامها، مزينة بثقافة واسعة، محفوفة برقة تعبير ولغة حديث عذبة، خلف في قلوبهم أثر الحب التلقائي لهذا التكوين الأنثوي، الذي كان غريبا في عصرها.

فقال في صالونها شيخ الشعراء إسماعيل صبري: "روحي على بعض دور الحي حائمة.. كظامئ الطير تواقًا إلى الماء.. إن لم أمتــع بمي نــاظري غدًا.. لا كان صبحك يا يوم الثلاثاء"، إذ كان موعد الصالون كل ثلاثاء، أما في حبها كتب "وأستَغفر الله من بُرهَةٍ منَ العُمرِ لم تَلقَني فيكِ صَبّا"، بينما لم يكن بينهما رسائلا متبادلة، فكان الحب من طرف واحد.

أما أمير الشعراء أحمد شوقي قال فيها"إذا نطقت صبا عقلي إليها… وإن بسمت إليَّ صبا جناني"، وقال عنها الشيخ مصطفى عبد الرازق "أديبة جيل، كتبت في الجرائد والمجلات، وألفت الكتب والرسائل، وألقت الخطب والمحاضرات، وجاش صدرها بالشعر أحيانًا، وكانت نصيرة ممتازة للأدب تعقد للأدباء في دارها مجلسًا أسبوعيًا، لا لغو فيه ولا تأثيم، ولكن حديث مفيد وسمر حلو وحوار تتبادل فيه الآراء في غير جدل ولا مراء».

أما رسالته من باريس كانت خير شاهد على حبه، إذ كتب: "وإني أحب باريس، إن فيها شبابي وأملي، ومع ذلك فإني أتعجل العودة إلى القاهرة، يظهر أن في القاهرة ما هو أحب إليَّ من الشباب والأمل".

أما العقاد، فهناك ما يدل على أنها بادلته مشاعر الحب لفترة، وهناك ما قيل حول أنها لم تبادله شعوره نحوها، وقال فيها "كانا يتناولان من الحب كل ما يتناوله العاشقان على مسرح التمثيل ولا يزيدان، وكان يغازلها فتومئ إليه بإصبعها كالمنذرة المتوعدة، فإذا نظر إلى عينيها لم يدر، أتستزيد أم تنهاه، لكنه يدري أن الزيادة ترتفع بالنغمة إلى مقام النشوز"
وقال في رثاها "كل هذا في

التراب آه من هذا التراب".

ومن أبرز ما نشر عن رسائلها للعقاد، كان عتابا رقيقا " حسبي أن أقول لك: إن ما تشعر به نحوي هو نفس ما شعرتُ به نحوك منذ أول رسالة كتبتها إليك وأنت في بلدتك التاريخية أسوان. بل إنني خشيتُ أن أفاتحك بشعوري نحوك منذ زمن بعيد، منذ أول مرة رأيتك فيها بدار جريدة المحروسة. إن الحياء منعني، وقد ظننتُ أن اختلاطي بالزملاء يثير حمية الغضب عندك. والآن عرفتُ شعورك، وعرفتُ لماذا لا تميل إلى جبران خليل جبران، ولا تحسب أنني أتهمك بالغيرة من جبران، فإنه في نيويورك لم يرني، ولعله لن يراني، كما أني لم أره إلَّا في تلك الصور التي تنشرها الصحف. ولكن طبيعة الأنثى يلذ لها أن يتغاير فيها الرجال وتشعر بالازدهاء حين تراهم يتنافسون عليها! أليس كذلك؟! معذرة، فقد أردت أن أحتفي بهذه الغيرة، لا لأضايقك، ولكن لأزداد شعورًا بأن لي مكانة في نفسك، أهنئ بها نفسي، وأمتّع بها وجداني".

وقال عنها أحمد حسن الزيات، صاحب مجلة الرسالة: "تختصر للجليس سعادة العمر كله في لفتة أو لمحة أو ابتسامة".

وصولا إلى قصة عشقها الأشهر، عشق اكتفى بكلماته العابرة لحدود الدول، تحمل حبا رقيقا متبادلا، ولم تتخط علاقتها بجبران خليل جبران مرحلة الكتابات، فلم يتقابلا ولو مرة، ولكن استمرت رسائلهما طيلة 11 عاما، فمن إحدى رسائل مي لجبران " جبران، ما معنى هذا الذي أكتبه؟ إني لا أعرف ماذا أعني به، ولكني أعرف أنك محبوبي وأني أخاف الحب، كيف أجسر على الإفضاء إليك بهذا وكيف أفرط فيه؟ الحمد لله أنني أكتبه على الورق ولا أتلفظ به؛ لأنك لو كنت الآن حاضرًا بالجسد لهربت خجلًا من هذا الكلام، ولاختفيت زمنًا طويلًا فما أدعك تراني إلَّا بعد أن تنسى".

ليرد عليها قائلا " الكلمة الحلوة التي جاءتني منك كانت أحب لديَّ وأثمن عندي من كل ما يستطيع الناس جميعهم أن يفعلوا أمامي، الله يعلم ذلك وقلبك يعلم".

وجدير بالذكر، أن مي زيادة، هي ماري إلياس زيادة، ولدت في مدينة الناصرة الفلسطينية في 11 فبراير 1886، وهي الابنة الوحيدة لأب لبناني وأم فلسطينية، تلقت الطفلة دراستها الابتدائية في المدينة المقدسة لدى المسيحيين "الناصرة"، أما المرحلة الثانوية فقد عاصرتها في لبنان.

وانتقلت مع أسرتها إلى القاهرة عام 1907، تلقت تعليمها الجامعي في كلية الآداب، فأتقنت اللغتين الإنجليزية والفرنسية، كما أجادت الألمانية والإيطالية والإسبانية واللاتينية واليونانية والسريانية، وكتبت في العديد من الصحف والمجلات الأدبية، حتى أقامت صالونها الثقافي كل يوم ثلاثاء، وجذب اهتمام كبار الساسة والأدباء والمثقفين، وكان من أبرز الحريصين على حضوره، محمد عبده، وقاسم أمين، وطه حسين، وإسماعيل صبري، ومصطفى صادق الرافعي".